منها العمل الغير منتظم... مهن رسخت الاتجار بالنساء

عدد ليس بالقليل من العاملات تقعن في قبضة الاتجار بالبشر وذلك لعدم شمولهن بالمظلة القانونية وهو ما أثر على الحماية الاجتماعية والتأمينية لعدم اعتراف قانون العمل بوجودهن، وهو ما يفقدهن الأمل فيصمتن عن مستحقاتهن المسلوبة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعاني العاملات من مجموعة انتهاكات مترابطة نتيجة وجودهن في بيئة عمل تدعم الاتجار بهن خاصة مع قلة الرقابة والمتابعة وهو الأمر الذي يعطي لصاحب العمل سلطة مطلقة تمكنه من استغلالهن ولفترة طويلة ثم يخرجن بلا أية مستحقات تذكر.

هناك بالفعل مهن وقطاعات عمل تشجع على الاتجار بالنساء، وتعرضهن للعديد من الجرائم وانتهاكات، فالعاملات بشكل موسمي أو في قطاعات غير نظامية تخضعن لقانون عمل فردي يضعه من يدفع لهن ومن ثم تفقد الكثير منهن حقوقهن.

ولا تتوقف الانتهاكات الواقعة على النساء عند حد التمييز في الأجور لصالح الرجال والفصل التعسفي الغير مرتبط بسبب، ولكنها أيضاً تصل لحد تعرضهن للابتزاز والانتهاكات الجنسية كما سيتضح في بعض الحالات والجرائم اللاحق ذكرها والتي آثرت بها النساء الصمت خوفاً من الوصمة المجتمعية لهن ولأطفالهن وذويهن.

 

العمالة الموسمية خارج نطاق الحماية القانونية

وأكدت المحامية نعمة إبراهيم أن هناك قطاعات تعمل بها النساء تزيد من مساحات الاتجار بهن فالعمالة الموسمية جميعها خارج نطاق الحماية الخاص بقانون العمل.  

وأضافت أن العامل/ـة هذا النوع من العمالة لا يملك عقداً يحميه إذا رغب في الحصول على مستحقاته خاصة إن تعرض أفراده للفصل التعسفي، مشيرةً إلى أن العاملات الموسميات عادة لا تتم مساواتهم بالرجال في الأجر، ولا تشملهن الرعاية الصحية أو التأمينات وبالتالي ليس لديهن معاش تعتمدن عليه حين تتقدمن في السن.

والكثيرات ينقصهن الوعي بضرورة قراءة عقد العمل أثناء التقدم للوظيفة ببنود واضحة تحميهن، ونتيجة لعدم الوعي تفقد العاملة الحقوق في حال وجود حادث أو إصابة ففي هذه الأعمال لا يحصل العاملين/ت على شيء بل أن علاجهم نفسه قد لا تتحمله جهة العمل.

 

منها غياب الرقابة... أسباب استغلال النساء في أماكن العمل

واعتبرت المحامية نعمة إبراهيم، أن هناك دور غائب يزيد من حدة استغلال النساء متمثل في الرقابة على أماكن العمل المختلفة، والتأكد من وجود شكل رسمي للعاملين فيه وكذلك التأمين عليهم وعدم استنزافهم أو الاتجار بهم.

وروت نعمة إبراهيم تجربة بعض العاملات في حلوان والتي كشفت عن كثير من التجاوزات التي تتم بحق النساء والتمييز الواقع في بيئة العمل والمستند إلى النوع الاجتماعي وليست الكفاءة المطلوبة وكان منها تدني الأجر بشكل تمييزي.

وأكدت المحامية أن المجتمع المدني يعمل على قدم وساق من أجل حماية حقوق العاملات سواء على مستوى الوعي أو الاشتباك مع الشكاوى المقدمة لهم، فضلاً عن تقديم الدعم القانوني اللازم، ولكنه يحتاج لمساندة حكومية أكبر وتيسير في الإجراءات التي تذلل الطريق من أجل دعم النساء في بيئات العمل المختلفة لمزيد من الحماية وضمان الأمان.

واعتبرت أن وزارة التضامن الاجتماعي تقوم بدور حقيقي ولكن الوضع يقتضي أن تكون شريك أكثر فاعلية مما يحدث الآن، لافتةً إلى أن العاملات خارج مظلة الحماية القانونية بحاجة لدعم مالي أكبر وعلى الوزارة استيعاب ذلك والحرص على تقديم مزيد من الدعم والمساندة على مستوى التدريب بهدف التمكين أو غيرها من الأمور المعينة على مواصلة الحياة.

 

أماكن العمل الغير محمية قانونياً فيها الكثير من التجارب القاسية

روت نعمة إبراهيم التي تعمل بعدد من الجمعيات الأهلية، عدد من التجارب القاسية التي تعرضت فيها النساء للكثير من الضغوط المصنفة كإتجار على حد تقديرها، واحدة منها وقوع عاملة من نافذة منزل أثناء عملها وإصابتها بعمودها الفقري ولم تشملها الرعاية الصحية ومن تعمل لديهم أنكروا أنها كانت داخل المنزل وبالتالي ضاعت كامل حقوقها.

وأضافت أن هناك مجموعة فتيات كن تعملن في مصنع ملابس بمدينة حلوان وتم فصلهن تعسفياً، ولم تحصلن على مستحقات مالية من جهة العمل المتعسفة التي اعتبرتهن متطوعات مقابل التدريب وساعدها على ذلك عدم وجود عقد أو إثبات لمدة العمل.

ولفتت إلى وجود العديد من الحالات كالزوج يجلس بالمنزل والمرأة تقوم بالعديد من الأعمال بعضها مشروع والآخر غير مشروع للإنفاق على أسرتها ولا يمكنها الرفض، بل أن بعضهن يتم تهديدهن بالأطفال من قبل الزوج والأهل على السواء.

 

بعضها مهين وضيق الحال يدفع النساء للقبول

فتيات كثيرات تعملن بلا ضامن بعضهن يجدن ملاذ آمن بذلك وأخريات مرهونات بشفقة أحدهم واعطائهن إحسان مالي ليتمكن من العيش والإنفاق على أطفالهن.

تقول جميلة عبد السلام، التي تعمل في أحد صالونات التجميل لنحو ١٢ ساعة وأكثر من ذلك ولا يتعدى راتبها 2000 جنيه وحينما طالبت بزيادته تم طردها، إن عملها لمدة عامين لم يشفع لها ولم تحصل على مستحقات عن تلك الفترة، وحينما حاولت المطالبة بحقوقها قيل لها أنها لا تمتلك إثبات على العمل وبالتالي لا حقوق لها.

من جانبها قالت سلوى رجب، أنها عملت في أكثر من وظيفة إلى أن استقر بها الأمر بالعمل في إحدى الحضانات الصغرى، لافتةً إلى أنها تعول أسرة مكونة من 5 أفراد ولا يمكنها الانتظار بلا عمل حتى تحصل على صدقة لتنفق على أسرتها.

ووصفت سلوى رجب ذات الأربعين عاماً بعض الوظائف التي اضطرت للعمل بها أنها "مذلة" قائلةً "عملت في إحدى محلات بيع الملابس فتم إذلالي والتعامل معي وكأنني عبدة لديهم، ومكثت في المنزل 5 أشهر فوجدتني أقبل الصدقة لضيق الحال لذلك قررت البحث مجدداً عن عمل إلى أن استقر الحال بي في الحضانة".

واعتبرت المحامية نعمة ابراهيم، إن أزمة الاتجار بالنساء ناتجة بالأساس عن عدم التوعية بالقانون الموجود منذ عام 2010 والذي لا يعلم عنه الكثيرون ويحتاج لعمل على أرض الواقع أكبر حتى يتم تفعيله واستخدامه على النحو المرجو منه.