من صعيد مصر... واقع التمييز وتأثيره على التعليم

واحدة من القضايا الشائكة هي واقع التمييز بين الجنسين، الذي قد يطيح بأحلام الفتيات في التعليم والعمل، وانتشرت في القرى المعقدة للغاية وتحتاج لتوعية والعمل على تغيير الثقافة السائدة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ لدينا مجموعة من الأفكار عن التمييز بين الجنسين الذي يعتمد في أساسه على عامل النوع الاجتماعي وهو أمر لا يقتصر على مكان محدد ولكن لكثرة انتشاره بات يؤرق الجميع في مختلف الأنحاء، ولأنه الأكثر تأثيراً على الفتيات ومستقبلهم.

قد يكون التمييز الإيجابي لا يقل خطورة في تأثيره عن نظيره السلبي لعدم تحقيقه للمساواة المرجوة بين جميع أطياف وفئات المجتمع مما يؤسس لجزء كبير من عدالة المعاملة والحياة العامة، ولكنه مع ذلك يحدث نادراً وفي حدود ضيقة ويرتبط بأفكار وتطور بعض الأسر وعدد من الأبعاد لسنا بصدد ذكرها تفصيلاً ولكنها تؤثر قطعاً على الصراع الداخلي بين الشاب والفتاة وتعمق حدة الخلافات فيما بينهم.

ويعتبر التمييز السلبي المحسوم لصالح الشاب ثقافة سائدة ذات أبعاد وجذور راسخة داخل تكوين العدد الأكبر من المجتمع، ولأن صعيد مصر موصوم به تاريخياً كانت لنا جولة في الصعيد للتعرف أكثر على تأثيره المباشر على مستقبل الفتيات وقراراتهم.

وأحد أهم العوائق التي واجهتنا في إتمام هذا التقرير تمثل في قدرتنا على طرح آراء مصورة متعددة نتيجة رفض الكثيرات للظهور الإعلامي خوفاً من عقاب العائلة وتعرضهن للخطر، بل وتفضيل الكثيرات منهن الظهور باسم مستعار وهو ما حرصنا على تطبيقه مع أغلب المشاركات استجابة لرغبتهن وحرصنا عليهن.

 

"كرهت أخي وتمنيت لو كنت ذكراً" حرمان من التعليم وتمييز وصل لطاولة الطعام

"كرهت أخي وتمنيت لو كنت ذكراً" عبارة قاسية بدأت بها منى عبد العليم حديثها قائلةً "أنجبت والدتي طفل بعد ثلاثة بنات وكنت أنا أكبرهم، لم أشعر يوماً أن والدي يرغب في وجودي بالحياة، كما رأيت الفرحة بعيونه عند إنجاب أخي الصغير الذي فضله علينا في كل شيء بداية من الطعام المقدم له لدخوله المدارس الذي حرمنا جميعاً منها".

وكانت حياة منى عبد العليم ذاتها مؤلمة فقد تم تزويجها مبكراً بعد سنوات من الإهانة التي مارسها شقيقها عليها كونه "رجل البيت" كما يفضل والده مناداته، ولم تتمكن من الزواج ممن أحبت لمجرد أن شقيقها لا يريده، وسيطر عليها القهر حتى قبلت بأول رجل طرق بابها.

وأضافت "كثيراً ما كنت أشعر بكرهي لأخي فقد حرمت من كل شيء لصالحه حتى الذهاب إلى المدرسة، وحتى الميراث أيضاً حرمت منه لأن الرجل أحق، فلا أعلم لماذا نحن موجودون من الأساس، هل دورنا مقتصر فقط على تلبية احتياجاتهم أم أننا يجب أن نعيش ما يحبونه ويفضلونه لنا، فلا يختلف زوجي عن أبي وأخي جميعهم يبذلون كل الجهد لمنعنا من تحقيق الحلم".

 

التمييز قائم بنسبة كبيرة في القرى

قالت المهندسة عبير عبد الرحمن، التي تعمل بمركز التطوير التكنولوجي التابع لمديرية التربية والتعليم بمحافظة قنا في صعيد مصر إن "التمييز بين الجنسين منتشر بالفعل ولكنه بالقرى أكثر من المراكز خاصة تلك التي تبعد نسبياً عن المدينة نظراً للتطور الكبير الذي حدث مؤخراً في المركز الأكبر والرئيسي قنا".

وعن القرى التي يتم فيها حرمان الفتيات من حقوقهن، فمنها قرية "دشنا" التي تمنع بها حركة الفتيات نسبياً وخروجهم للتعلم أو للسفر، وقرية "أبو تشت" لا تستطيع النساء هناك الخروج للعمل ويتم حرمان عدد ليس بالقليل منهن من التعلم في الصغر مقارنة بـ "بندر قنا" التي شهدت نسبياً اختفاء ذلك الواقع التمييزي المرتبط بالتسرب من التعليم والعمل وغيرها من الحقوق.

 

أسباب منع الفتيات من التعلم وتجارب بعضهم

هناك عدة إكراهات تواجه الفتيات منها حرمانهن من حقهن في التعلم وكذلك الخوف من المطالبة بالإرث، وجميعها مبررات يتم إخفاؤها تحت غطاء "السترة" والحفاظ عليهن من أهوال وأخطار الاختلاط والخروج للحياة العامة.

وأوضحت عبير عبد الرحمن، بعض الأسباب التي تجعل الأسر يحرمون الفتاة من التعلم حتى لا تتمكن من إدراك حقوقها في الإرث والمطالبة به وامتلاك القوة الكافية لانتزاعها خاصة إن كان الأمر يرتبط بالأرض المملوكة للعائلة.

وأشارت إلى إن الغرض الأساسي من منع النساء التعليم هو زيادة السيطرة عليها، مضيفة أن وصول النساء لمراكز صنع القرار يمنحها قدرة على إبداء الرأي وتنتزع بذلك مساحات السطوة المفوضة عليهن، وهو ما قد يهدد الأفكار المتوارثة عبر الأجيال.

وقالت "صادفت امرأة دخلت فصول محو الأمية وتمكنت من الحصول على الابتدائية والاعدادية ولم تكتفي بذلك بل عملت في القطاع الذي أحبته متمثلاً في قيامها بتنفيذ مشروع للملابس وتمكنت من تحقيق ذاتها من خلال عملها وباتت واحدة من الأسماء المشهورة بمحافظ قنا".

 

قررت الطلاق والعودة للتعليم ليفتخر بها أطفالها في كبرهم

وفي الصدفة التقينا في أحد المكتبات بأيمان رجب وحدثتنا عن حالتها وعن المصاعب التي مرت بها "التجارب لا تقف عند قرار أحدهم في الصغر" بهذه العبارة بدأت حديثها، وقالت "قرروا لي في صغري ألا أتعلم وفضلوا تزويجي، وأنجبت طفلين واعتبروا أن انخراطي في العمل المنزلي والوقوف للبيع في المكتبة كلاهما معاً لصالح أسرتي ويدعم بقاؤها، وحين عدت لنفسي طلبت الطلاق لأتمكن من الحياة". 

وحملت تجربة إيمان رجب جميع التناقضات فقد استسلمت تماماً لرغبة أسرتها وتزوجت في سن صغيرة وتحملت لنحو 20 عاماً الحياة في بيت العائلة، وكانت تعمل بطاقة في المنزل وتمنح الجميع ما يرغبونه لدرجة إنجابها الأطفال على غير رغبتها.

وقالت "ذات يوم في المكتبة وأنا أعمل في بيع الأدوات المدرسية وبعض الكتب، جاءتني امرأة تبلغ من العمر 55 عاماً ولم أشعر للحظة أنها أكبر مني سناً رغم أني أصغر بنحو 20 عاماً ولكنها تتحدث في هدوء عن التعليم وضرورته وحينما سألتها عن القاهرة روت عدد من تجاربها في السفر خارجاً ولم أكن أعرف الكثير عن ذلك الخارج الذي وصفته فانبهرت، واستمتعت بالحديث معها وتمنيت لو أراها كل يوم فهي تمثل تماماً ما حلمت بالوصول إليه، وحينما عدت للبيت متأخرة رغم عملي ضربني زوجي وأهانني أمام العائلة وفي صباح اليوم الثاني تسألت عن سبب وجودي في هذا البيت فلم أجد شيئاً سوى أطفالي الذين باتوا قادرين على تحمل مسؤوليتهم فالصغير منهم عمره 12 عاماً وهنا لم ألتفت لشيء وذهبت لبيت والدتي وقررت الطلاق".

ولم يمضي الكثير وتم طلاقها ولم تحصل على أي شيء من مستحقاتها لاعتبارها أنها أهانت زوجها الذي ذهب إليها مرة واحدة ليستردها وبعد ذلك لم يفكر لحظة في الخلاص منها، ولم يكن معها مالاً ووالدتها كبيرة في السن تحيا على معاش والدها، وذهبت للعمل في إحدى المكتبات الكبرى وقررت أن تتعلم مجدداً واليوم تعمل داخل مشروعها الصغير "تحررت من رغبتهم والآن أعمل ما أحب وأرى أطفالي وغداً يفتخرون بما وصلت له".

 

التمييز في التعليم داخل الأسر

يعد التعليم واحد من الأسلحة الأساسية الحامية للفتاة من النفوذ الوهمي المفروض عليها والذي تم تلقينه لها في التربية وهو الأمر الذي يجعل منها "ذات" راسخة قوية التكوين لذلك عادة ما يتم التمييز بين الشاب والفتاة في الحصول عليه بالقرى الصغيرة، أولاً لفقر بعض الأسر وعدم قدرتها على الانفاق الذي يشمل الجميع، والسبب الآخر يرجع للتمييز الراسخ في أفكارهم بشأن حقوق الفتاة مقابل الشاب.

وأوضحت أن التمييز بين الشاب والفتاة في التعليم موجود بكثرة في القرى ولا تمنح الكثيرات فرص التعلم من بداية حياتها حتى لا تستطعن المطالبة بحقوقهن من الأساس، وهو الأمر الذي بات أقرب للعرف السائد بين عدد ليس بالقليل من الأسر.

وأكدت المهندسة عبير عبد الرحمن "أن الحرمان من التعليم عادة ما يتبعه الزواج المبكر باعتباره البديل المناسب للتخلص من أعباء الفتيات، وهو الأمر الذي يجعل الفتاة رافضة للمجتمع ولحياتها التي لم تختارها فتحيا الكثيرات منهن مرغمات على ما تقوم به وتمارسه من أعباء لأنه مغاير لأمنياتهن في الصغر وأحلامهن".