استهدف ناشطات وسياسيات... التنمر على مواقع التواصل الافتراضي يؤرق النساء

تفشت ظاهرة التنمر على مواقع التواصل الافتراضي في تونس ضد الناشطات في المجتمع المدني والسياسيات رغم القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تتعدد أشكال التنمر التي تتعرض لها المرأة، وتختلف بحسب وضعها الاجتماعي أو الجسدي، فالمرأة التي يزداد وزنها تُوصف بعبارات مهينة مثل "الدبة"، بينما تُنعت النحيفة بـ"السكلات" أو "السيقارو"، أما غير المتزوجة فتُلقب بـ"العانس"، والمتأخرة في الزواج بـ"البائرة"، والمطلقة تُتهم بأنها "لم تحافظ على زوجها وبيتها"، هذه الأوصاف ليست سوى أمثلة على خطاب اجتماعي يرسخ الصور النمطية ويمارس الإقصاء.

لا يقتصر التنمر على المظهر أو الحالة الاجتماعية، بل يمتد إلى سلوك المرأة في الحياة العامة، فهي تنتقد حين تقود السيارة، ويشكك في قدرتها على القيادة مقارنة بالرجل، كما تُهاجم بسبب آرائها السياسية إذا خالفت السائد، كما حدث مع ألفة حامدي أو بسبب نشاطهن المدني كما تعرضت له العديد من الناشطات في المجتمع المدني.

آخر هذه الحالات كانت لناشطة إسبانية شاركت في "قافلة الصمود"، حيث تعرضت لحملة تنمر واسعة على مواقع التواصل الافتراضي، وصلت حد السخرية من مظهرها وتصرفاتها، واتهامها بعدم الجدية في نضالها بسبب ملابسها ورقصها على متن اليخت، وكتب البعض تعليقات مثل "هل يمكن لهذه الشقراء التي ترتدي ملابس قصيرة وترقص في اليخت أن تفك الحصار عن غزة؟".

في المقابل هناك من تصدى لمثل هذه التعليقات معتبراً أنها مناضلة فعلاً وتخصص الكثير من وقتها للتعبير عن ذلك عبر موقع التواصل "انستغرام".  

 

تنمر أثار جدلاً كبيراً

منذ يومين أصدرت الحملة ضد تجريم العمل المدني بيان تضامن مع جمعية أصوات نساء بسبب منعها من النشاط طيلة شهر كامل وبينما عبر المتضامنون عن استيائهم من تدخل السلطة في الشأن الجمعياتي قال المتنمرون بأنه غير صحيح لأن عضوات الجمعية كن في المصائف والجولات ويجبن الشواطئ.

ولزمن غير بعيد، تابعت الناشطات والحقوقيات التونسيات ببالغ الاستياء تدوينة نائب الشعب أحمد سعيداني التي استهدفت ناشطة سياسية ورئيسة حزب في وضعها الشخصي ونعتها بـ "العانس" ووصف ناشطة أخرى بالبشعة التي تقدم بها العمر.

اعتبرت ناشطات تونسيات أن تصريحات أحد النواب، التي تناولت تأخر زواج الناشطة السياسية ألفة الحامدي ووصف مريم بريبري بأنها "بشعة ولم تجد زوجاً"، تمثل شكلاً من أشكال العنف الرمزي واللفظي ضد النساء، مؤكدات أن مثل هذه التصريحات لا تليق بمن يشغل منصباً تشريعياً، إذ يُفترض أن يكون قدوة في احترام الحقوق والحريات، كما أشرن إلى أن هذه التصريحات تتعارض مع أحكام الدستور التونسي ومع القانون عدد 58 لعام 2017، الذي ينص على القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة.

في هذا الإطار، قالت الناشطة النسوية نجاة الزموري إن تدوينة النائب أحمد سعيداني تكشف حجم الانحدار والتراجع في حقوق النساء في تونس وكلامه "المستفز" ضد الناشطة السياسية ألفة الحامدي، إذ أنه لم يتناول أفكارها أو مواقفها السياسية، بل استهدف حياتها الخاصة بطريقة ساخرة ومهينة.

واعتبرت أن خطورة هذا التصريح تتجلى في إسكات النساء وردعهن فمثل هذه العبارات توجّه رسالة واضحة لكل امرأة تفكر في خوض الشأن العام مفادها أنها ستكون عرضة للتنمر بدل مناقشة أفكارها.

وقالت إن "النائب لم يكتف بالإساءة إلى ألفة الحامدي فحسب، بل تجاوز ذلك إلى كل من تجرأ على انتقاده من النساء مكرراً نفس الخطاب المتعلق باللواتي لم يتزوجن وهذا يعكس ذهنية ذكورية قديمة كنا نظن أنها ولّت وانقضت".

وأكدت أن ردود أفعاله إزاء من انتقدوه تكشف عقلية ذكورية لا تقبل النقاش أو الاختلاف وتطرح تساؤلات جدية حول احترامه لمبدأ التعددية الذي يقوم عليه العمل البرلماني، فالنائب الذي يتهكم على ناشطات لمجرد أنهن لم يتزوجن يوجّه رسالة خطيرة مفادها أن النقد السياسي لا يواجه بالحوار بل بالازدراء.

 

عقلية ذكورية

من جانبها قالت حبيبة كحولي أستاذة فلسفة "بالنسبة لي كل خطاب يدين المرأة بأي شكل من الأشكال هو خطاب مدان لأن المرأة هي الأم والمعلمة والأستاذة والطبيبة وهي أيضاً المزارعة"، موضحة أن كل خطاب يوجه اللوم أو الإدانة للمرأة بسبب شكلها أو مظهرها أو لأي سبب آخر، هو خطاب مرفوض ولا يمت للإنسانية بصلة، وأي شخص، مهما كانت مكانته أو مجاله سواء كان سياسياً أو حقوقياً أو تربوياً أو ثقافياً أو يشغل أي موقع مؤثر، يمارس هذا النوع من الإدانة تجاه المرأة، فهو مدان أخلاقياً ومجتمعياً.

وأكدت أنه "لا يجب أن ننكر وجود العقلية الذكورية في تونس ولكن يجب أن نرتقي على كل هذه التصنيفات، نحن دائماً ننظر إلى الآخر على أنه إنسان مهما كان لونه أو جنسه بمعنى أن الإنسانية هي المشترك الذي يجمع بيننا، وكل نظرة تتضمن مفاضلة بين الجنسين أو بين الأعراق لا مكان لها".

 

 

بدورها قالت سهام بوستة نقابية وناشطة في المجتمع المدني "من المؤسف فعلاً في القرن الواحد والعشرين أن تصدر أحكاماً مثل هذه عن عضو مجلس نواب الشعب"، مضيفةً "كامرأة تونسية لا أعير هذه الأحكام أهمية لأن الوعي أصبح مباشراً وعدم الإلمام بنضالات المرأة التونسية غير مقبول".

 

 

الخلفيات النفسية والاجتماعية

قالت الأخصائية النفسية سامية رقيق إن العنف الموجه ضد المرأة خاصة عبر مواقع التواصل الافتراضي من خلال الألفاظ الجارحة والبذيئة يعكس تفشي ظاهرة التنمر في المجتمع.

وبينت أن الأسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة ترتبط بعدة متغيرات أبرزها تفكك الأسرة وغياب المرجعيات والقيم، ضعف الوعي بأهمية الاحترام المتبادل بين الأزواج وداخل العائلة، تراجع مكانة المسنين وغياب دور العائلة التربوي "كل هذه العوامل جعلت الكثير من الأفراد يخرجون من دائرة المعقول إلى اللامعقول".

وبخصوص العوامل النفسية، أوضحت أن الشعور بالإحباط يولّد لدى البعض ردود فعل سلبية قد تتجلى في سلوكيات عدوانية مثل التنمر، لافتةً إلى أن الشخص المتنمر غالباً يشعر بالعدمية ويحاول تجسيد ذلك عبر أفعال وأقوال جارحة تعيقه عن التطور والتوجه نحو الإيجابية.

وأوضحت أن التنمر ضد المرأة مرتبط أيضاً بالحساسيات المفرطة بين الجنسين، إذ يصور الرجل والمرأة في فضاءات التواصل الافتراضي ككتلتين متصارعتين لا يكمل أحدهما الآخر، والمرأة عندما تسعى للاستقلالية وتأكيد ذاتها يواجهها الرجل بالرفض والضغط معتبراً نجاحها تهديداً له، فيدخل معها في مقارنات وصراعات بدل أن يراها شريكاً مكملاً.

وترى أن هذا الصراع نابع من خلفيات اجتماعية ونفسية تغذّي الذهنية الذكورية، حيث لا يشعر بعض الرجال بتفوقهم أو بوجودهم إلا عبر تحطيم المرأة أو التقليل من شأنها، وهي معادلة خاطئة تُنتج علاقات غير متوازنة، وشددت على أن الحل يبدأ من التنشئة الأسرية، إذ تمثل الأسرة النواة الأولى لبناء شخصية متوازنة.