هبة عادل: نعمل على توعية النساء بحقوقهن القانونية وتحقيق العدالة (2)
تعاني الكثير من النساء في صعيد مصر من أزمات لا حصر لها قد تصل في بعض الأحيان إلى اعتبارها كائن يسير على الهامش، فليس هناك اعتراف بحقوقهن أو حتى حريتهن في اختيار ما يردن
العنف والتهميش سيدا المشهد... "المحاميات المصريات" ونظرة على وضع المرأة في الصعيد
أسماء فتحي
القاهرة ـ وكأن رغباتهن ضرب من الجنون، فهي تسير خلف ما يراه الرجل وتنفذ تعليماته ولا يحق لها أن تتطلع للمساواة به.
المساواة التي نتحدث عن كونها بعيدة المنال هنا غير معنية بمجال العمل والحياة العامة وفرص الترقي والقيادة، بل تتمثل في أبسط الصور من الجلوس على طاولة طعام واحدة أو القدرة على التقرير بشأن حياتها منفردة.
وتعتبر مؤسسة "المحاميات المصريات لحقوق المرأة" واحدة من الجهات التي عملت لفترة طويلة في مناطق الجنوب في محاولة منها لدعم النساء هناك لمواجهة المناخ الذكوري القاسي وهو ما تصفه لنا رئيس مجلس أمناء المؤسسة المحامية بالنقض هبة عادل من واقع تجربتهم هناك.
مواقف صادمة دفعت "المحاميات المصريات" للعمل في الصعيد
قالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المحاميات المصريات" هبة عادل أنهم عملوا لفترات طويلة في صعيد مصر تأثراً بمجموعة من المواقف الصادمة التي مروا بها في تلك المجتمعات التي تعاني منها النساء من حجر شبه كامل عليهن، بل ويتم اعتبارهن أداة أو شيء يمتلكه الرجل ويتحكم في مصيره.
وذكرت هبة عادل موقف تعرضت له خلال جلسات التوعية في الصعيد عام 2013 قائلةً "كنا نعمل في التوعية حول الدستور بعدد من المحافظات ومنها أسوان، وعندما ذهبنا فوجئنا أن المشاركين في الجلسات جميعهم من الرجال ولا وجود للنساء على الإطلاق"، مشيرةً إلى أنهم صدموا بأن المرأة غير موضوعة في الاعتبار من الأساس "بعد المطالبة بضرورة وجودها تم عقد الجلسة مرة أخرى إلا أنه لم يخلو من التمييز فقد كانت الصفوف الثلاث الأولى للرجال وبعدها فاصل ثم تجلس النساء لتستمع من خلف الحجاب لعدم قدرتهن على الجلوس بين الرجال".
وأكدت على أنهم رفضوا قبول الشكل التمييزي وبعد نقاش وعناء تمكنوا من إزالة الحواجز، ورغم أن النساء لم تختلطن بالرجال وخصصت لهن أماكن تجمعهن في نفس القاعة إلا أن مرد وجودهم بلا ستار أو تمييز اعتبره الكثيرون إنجاز".
وروت هبة عادل موقف اعتبرت أنه صاحب التأثير الأكبر في مخيلتها والكاشف عن أزمة المرأة في صعيد مصر، "خلال حملات التوعية التي قمنا بها في محافظة سوهاج عقدنا ورشة وكانت أيام العمل بها محددة مسبقاً ومن بينها يوم الجمعة ولكنهم فوجئنا خلال هذا اليوم بغياب جميع النساء، وفي اليوم التالي سألنا عن السبب وفوجئنا بالإجابة الصادمة "إن خرجنا من البلاد فالجميع سيتكلمون عنا، فهناك أيام محددة نخرج فيها تحت غطاء العمل وما دون ذلك يحملنا ما لا نستطيع تحمله" علماً بأنهن ذوات مناصب في المحافظة".
الكثيرات مازلن محرومات من أبسط حقوقهن
ويعتبر الكثيرون أن مؤسسة "المحاميات المصريات" عملت لفترات طويلة في صعيد مصر وهو الأمر الذي أرجعته هبة عادل إلى وقوع الكثيرات في براثن الحرمان من أبسط حقوقهن فالأمر هناك على حد تعبيرها ليس قاصراً على عدم تمكن المرأة من نيل حقوقها بل أن هناك بالفعل عقبة كبيرة تحول دون قدرتها على الحياة تتمثل في العادات المجتمعية والأفكار الرجعية التي تحاصر النساء وتحول دون قدرتهن على العيش، "الواقع العملي أثبت أن النساء في بعض القرى وخاصة صعيد مصر لازلن مظلومات لا يمكنهن الخروج مكشوفات الوجه أو أن ترتدين ملابسهن بحرية تناسب قناعاتهن الخاصة لا ما يفرضه عليهن المجتمع".
وأوضحت أن الأمر وصل لحرمان النساء من دخول أماكن بعينها في الصعيد، مؤكدةً أن اللقاءات والدورات التوعوية في محافظات الصعيد تتم فيما يعرف بـ "دوار العائلة" وأنهم أثناء عملهم هناك اكتشفوا أن هذا الـ "دوار" يقتصر الوجود به على الرجال لأنه مخصص للاجتماعات والمناسبات العائلية ويحرم تماماً على النساء دخوله.
نطاق عمل مؤسسة "المحاميات المصريات"
وأشارت إلى أن مؤسسة "المحاميات المصريات" تعمل على مستوى الجمهورية، لافتةً إلى أنهم قاموا بتقسيم مصر لثلاث مناطق منها منطقة القناة وتمركز العمل بها في محافظات "السويس وبورسعيد والإسماعيلية"، وتم العمل بهم على قطاع كبير من النساء على مستوى المحليات والدستور وقضايا المحاميات، وتشكل بها فرع من المؤسسة هناك يعمل على تقديم الدعم القانوني لجميع النساء ومساندتهن فيما يواجهونه من أزمات.
وفي وجه بحري تمركز نطاق العمل في محافظات "الاسكندرية والبحيرة والدقهلية" وتأسس أيضاً فرع للمؤسسة في الاسكندرية وكان يقدم الدعم ولازال لمجموعة كبيرة من النساء طوال العام الماضي، فيما لاقى الجنوب الجانب الأكبر من اهتمام المؤسسة خاصة محافظات "الأقصر وأسوان والمنيا وبني سويف وقنا وسوهاج" وتم عقد العديد من الشراكات والبروتوكولات التعاونية مع الجمعيات الموجودة والعاملة هناك.
آليات عمل "المحاميات المصريات" على قضية العنف
واحد من الأزمات التي واجهت المرأة في مصر وخاصة في الصعيد تمثلت في "العنف" بأشكاله المختلفة، ووفق ما أوضحته هبة عادل، فإنهم قاموا بالعمل على تلك القضية بشكل شامل وعلى مختلف مستوياتها، بدايةً من المشاركة في التعديل التشريعي الذي تم خلال عام 2014 والذي صدر به أول تجريم وإضافة مصطلح "تحرش" لأول مرة في القانون المصري.
وأكدت هبة عادل أنهم عملوا طوال الوقت على تعديل وتنقيح وتطوير القانون، وكانوا ضمن قوة عمل مناهضة ختان الإناث، وشاركوا في تعديل قانونه وكذلك عقد مؤتمر الجهود الواحدة الذي نتج عنه إنشاء اللجنة الوطنية لمناهضة ختان الإناث.
وأضافت "على مستوى الدعم النفسي والقانوني فـ "المحاميات المصريات" بها وحدة تعمل على هذا الأمر لكل الضحايا الذين يتعرضون لأي انتهاك خاص بجسدهم وحتى الإلكتروني منه، لأن الابتزاز الإلكتروني ارتفع معدله في الآونة الأخيرة، كما أنهم أعدوا دليل استرشادي عن الابتزاز الإلكتروني والتحرش بالأطفال خلال العام الماضي".
كما عملت المؤسسة على تقديم الدعم المتخصص فعادة الفتيات اللواتي تتعرضن لانتهاك داخل الأسرة تفضلن اللجوء لمحامية، لذلك عملت المؤسسة على تدريب مجموعة كبيرة من المحاميات في العديد من المحافظات ليتصبحن متخصصات في تقديم هذا النوع من الدعم.
وقامت المؤسسة بتدريب مجموعة من العاملين في الجمعيات الأهلية على إنشاء وحدات الدعم النفسي والقانوني التي من بينها حماية سرية بيانات الضحايا ومراعاة حالاتهم النفسية، وضمان وجود طبيب نفسي إذا كانت الحالة قد تعرضت للانتهاك في وقت قريب، وإعداد التقارير النفسية اللازمة، وكذلك العمل على تحويل الحالات لأحد المراكز المتخصصة إذا اقتضت الضرورة.
تكاتف الجهود حل مثالي للمشهد الراهن
ورغم أن الحركة النسوية المصرية قديمة وعميقة ولديها تاريخ طويل من نسويات عظام أرسوا الكثير من القواعد، إلا أن رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المحاميات المصريات" هبة عادل ترى أن ذلك غير كاف لأن الأعداد التي تحتاج للدعم كبيرة وبالتالي فالحاجة للعاملين على تقديم تلك الخدمات أكبر.
واعتبرت أن الحل المثالي للمشهد الراهن يتمثل في التعاون بين الآليات الوطنية الموجودة كالمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي للإعاقة وكذلك المجلس القومي للشباب، فهذه أدوات لابد أن تمتد وتفتح يديها للمنظمات التي تقدم خدمات لهذه الفئات ليتمكنوا من دعم هذا العدد الكبير.
وقالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المحاميات المصريات" هبة عادل في ختام حديثها أن مصر رغم كونها من الدول القديمة تشريعياً وبها ترسانة تشريعات قوية إلا أن بعضها للأسف غير فعال وبالتالي أصبح معوق رئيسي، "دائماً هناك مطالبة باستحداث تشريعات وإجراء تعديلات، لكن حقيقة الأمر الموجود منها كافي لكنه فقط يحتاج لمزيد من العمل على تغيير الثقافة المجتمعية والأفكار الرجعية، فالأمر يتطلب استحداث أدوات جديدة تساهم في تغيير ثقافة المجتمع تجاه النساء واعتبارهن كائنات لها حقوق".
https://www.youtube.com/watch?v=ubFM-dj5RsY&t=32s