بعض المؤسسات تقنن التمييز بسببه... هل ينال الإنجاب من حقوق النساء؟

إنجاب الأطفال الذي كان له قدسية كونه أساس الحياة ومحورها بات عبء حقيقي تتحمل الكثير من النساء تبعاته مع مرور الزمن بل وتتعرضن بسببه لحرمان من الحقوق وتكبلن بواجبات تصل لحد التعجيز لكونها تفوق قدراتهن على العمل.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعد معاناة الأمهات واحدة من أكبر التحديات التي تتعرض لها النساء في بيئة عملهن خاصة أن هناك عدد من المؤسسات ترسي دعائم التمييز على هذا الأساس لحرمانهن من أبسط حقوقهن سواء في التعيين أو الترقي أو حتى الفرص المتاحة لتطوير المهارات، بل أن هناك عدد من جهات العمل ترفض قبول امرأة لديها أطفال وكأنها وصمة تعلق بثوبها وتحول دون قدرتها على العمل دون الاستناد في ذلك لأية ضوابط أو لوائح في خرق واضح للدستور والقانون.

 

التعنت في الحضور لمقر العمل كامل الوقت عائق والبدائل أحياناً مرعبة

"لا أستطيع القول أنني لا أحب أمومتي لأنني مكبلة بقيود وتحدياتي كبيرة"، هذا الواقع المحير لا يعبر عن تجربة المصححة اللغوية والمترجمة، سارة سرحان وحدها، ولكنه واقع الكثير من النساء الواقعات في أزمة حقيقية نتيجة كم المهام الملقاة على عاتق كل إمرأة تقرر أن تنجب طفلا وتواصل عملها.

قالت المصححة اللغوية والمترجمة، سارة سرحان أنها تعمل منذ أن كان عمرها 16 عام ولم تمر عليها فترة بطالة أطول من مرحلة ما بعد ولادة طفلتها ذات التسع سنوات والتي قد تصل إلى عام متصل، كاشفة أن ذلك يرجع بالأساس إلى عدم وجود أية مراعاة لوجود الأطفال ومسؤولية النساء عنهن وهو دور مجتمعي فرض على المرأة نتيجة تكوينها ولم تختاره بمحض إرادتها.

وأكدت على أنها عرضت الكثير من التنازلات المتعلقة بالعمل الإضافي تعويضاً عن مكوثها بعض الوقت في المنزل مع طفلتها دون جدوى "أخبرتهم أنه بإمكاني العمل لنصف الوقت في المؤسسة إذا كان للحضور ضرورة وضعف الوقت المتبقي من المنزل ومع ذلك تم الرفض".

وعن تجربتها الشخصية في البحث عن بديل يسمح لها بالمكوث كامل الوقت في مقر عملها تقول أنها على مدار 4 أشهر حاولت أن تترك طفلتها ذات الـ 7 سنوات لتعود للمنزل بمفردها ولكنها عانت فعلياً نتيجة خوفها من حدوث مكروه لها وهو الأمر الذي اضطرها في النهاية لتقديم استقالتها بعد انهيارها في نوبة ضغط عصبي وخوف على طفلتها بالمؤسسة التي كانت تعمل بها علماً بأن الأمر لم يكن يكلفهم سوى ساعتين فقط يتم تمضيتهم في العمل من المنزل ولكنهم تعنتوا.

وأشارت إلى أنها رفضت في أكثر من مؤسسة وكان السبب في ذلك أنهم لا يرغبون في نساء منجبات تحت دعوى أنهن كثيري الأعذار مما جعلهم يرفضون فكرة توظيفهن من البداية، لافتةً إلى أنها على مدار عام ونصف لا تجد عمل مناسب بسبب عدم قدرتها على ترك طفلتها لكامل الوقت المطلوب في العمل كونها منفصلة ومسؤولة عن ابنتها بشكل كامل.

 

التمييز المبني على فكرة الأمومة

اعتبرت سارة سرحان أنها خلال الفترة الأولى من إنجابها لطفلتها ولمدة 8 شهور فقط كانت تعمل في مكان يراعي جميع احتياجات الأم حديثة الولادة ونتيجة احتياج ابنتها لرعاية خاصة آنذاك اضطرت لترك العمل ومنذ تلك اللحظة لم تصادفها مؤسسة تراعي فكرة احتياجات الأم لبعض الاستثناءات البسيطة المتعلقة فقط بالمرونة بعيداً عن معدل الإنتاج.

وأضافت "في واحدة من المؤسسات التي عملت بها كنت أترك طفلتي في حضانة مجاورة للمقر وفقط يضيع 10 دقائق من وقت مجرد ذهابي وعودتي ورغم أنى ملزمة بتعويض هذه المدة كنت أسمع جملة دلع البنات كثيراً في إشارة لتقصيري الغير حقيقي في العمل"، معتبرةً أن الأزمة تكمن في الوصم الغير مبرر للمرأة المنجبة للأطفال دون أي استثناء أو حتى مرونة تسمح بقدرتها على العمل أقل من غيرها "لقد تم رفضي من على باب مؤسستين فقط لأن لدي طفلة".

 

ضغوط نفسية كبيرة

تقول سارة سرحان، أنها شعرت في كثير من الأحيان بالضغوط والإرهاق لكونها ترتاد نحو 9 مواصلات يومياً لتتمكن من العمل ومراعاة طفلتها وهو ما أشعرها بقلة الحيلة واليأس ولم تجد من يساعدها أو يشعر بها "في بعض الأوقات لم أكن أرغب في العودة للمنزل من كثرة الضغوط التي أحملها على عاتقي في العمل والشارع ودوري كأم تعمل يوم كامل بلا استراحة فضلاً عن عدم قدرتي على الطموح في الترقية أو حتى طلب زيادة المرتب لكوني أم كل ذلك كبلني بالقيود، فلا أستطيع الدفع لحضانة مرتفعة السعر بجوار عملي وكذلك لا أستطيع تقليل الوقت الضائع في المواصلات لعدم القدرة على ارتياد وسائل مواصلات أسرع كالتاكسي مثلاً ومحتاجة للعمل بشكل أكبر ورفع معدل إنتاجي حتى أتمسك بعملي ولا يتم الاستغناء عني".

ولفتت إلى إنها وجدت نفسها عصبية تصب بعض ضغوطها على طفلتها إلى أن وقفت على حقيقة احتياجها لمراجعة ذلك لأن النتيجة الحتمية هي الفشل فلن تصبح أم ناجحة أو حتى موظفة متحققة في عملها "الأطفال بالفعل عبء يتطلب طاقة كبيرة وبعض النساء تقعن في الاختيار بين نجاحهن فيما تحبن ورعاية الأبناء وهو وضع صعب بالفعل ومؤلم".

 

احتياجات الأمهات

وأكدت على أن الأمهات تنقصهن الكثير من الأمور ومنها الاعتراف بكونهن تعملن بوقت كامل وعادةً ما يتم مطالبتهن بأعمال فوق طاقة الشخص العادي دون النظر لعملها الآخر أو على الأقل الامتناع عن الطلبات التعجيزية، مضيفةً أن النساء ينقصهن المشاركة المجتمعية وتغيير أفكارهن عن دور الأم والتأكيد على أنهن ليسن الوحيدات المسؤولات عن ذلك الأمر وعدم تركها للوصم المطلق بالقول "النساء لا تستطعن النجاح في العمل ومكانهن البيت ورعاية الأولاد" بما يشكل ضغط كبير عليهن ويؤثر على قدرتهن على المواصلة والنجاح.

وأوضحت أنه عندما يتعرض أي شخص لضغوط لن يستطيع الإنتاج على نحو مثالي كما يطلب منه، لذلك يجب أن يكون هناك مساحة من الدعم للنساء وتوفير وسائل راحة لهن ومنها على سبيل المثال تطبيق القانون وإنشاء حضانة داخل المؤسسات التي تزيد فيها عدد الأمهات عن 50 امرأة مما يذلل الكثير من العقبات والأعباء الواقعة على كاهل النساء.

 

حلول للأزمة

وشددت على أن علاج الأزمات التي تعاني منها الأمهات يحتاج لتغيير جذري بداية من عدم تحملهن وحدهن لمسؤولية تربية الأبناء، موضحةً أن المجتمع يحتاج بالفعل لتنمية الوعي الخاص بأدوار أفراده والتأكيد على أن التربية لا تتم إلا من خلال تشارك الأم والأب في ذلك، فأغلب الآباء لا علاقة لهم بتربية الأطفال وكامل تلك المسؤولية تلقى على عاتق الأم وتكبدها عناء الموائمة وعدد ليس بالقليل من الصراعات اليومية بل والحروب.

ولفتت إلى أن العمل المكتبي لوقت كامل قد يتم وضعه كواحد من وسائل التعجيز للتخلص من المرأة العاملة، وقد يكون نتاج قواعد وأفكار ظن أصحابها أنها أكثر إنتاجية في عهد بائد قبل عصر الإنترنت والثورة التكنولوجية التي يعيشها المجتمع وهو أمر يحتاج لمراجعة وتغيير لتخفيف عبء الأمهات.

 

 

المعايير الواضحة تعالج ما يفسده التمييز وبعض المبادرات طوق نجاة

من جانبها تقول عضو مبادرة "مؤنث سالم" شيماء دهب، أن وضع النساء يتأثر بعد الانجاب لأن هناك مؤسسات تمنع تشغيل النساء لمجرد أنها تستبق الأحداث وتفكر في مسألة إنجابهن لأطفال واحتياجهن لإجازة الوضع وغيرها من الاستثناءات المرتبطة بنوعهن الاجتماعي وهذا الدور على وجه التحديد.

وأشارت إلى أن المرأة إذا كانت تعمل بالفعل تخسر الكثير من الامتيازات نتيجة فترة الإنجاب ومنها على سبيل المثال حقها في الترقي وإن كانت على درجة من الكفاءة، وكذلك المساواة في الأجر مع من هم في نفس درجتها الوظيفية من الرجال، وكذلك الفرص المتاحة للتطوير والتدريب وتنمية المهارات، مؤكدةً على ضرورة وجود آليات واضحة للتعامل مع النساء بعد فترة الإنجاب لإنقاذهن من الضغوط التي قد تتعرضن لها لأن ذلك يوضح وبدقة الحقوق والواجبات دون الجور على المرأة الأم، مضيفةً أن عدد من النساء تقل ثقتهن في ذواتهن بعد الإنجاب نتيجة تلك الأفكار التي تم ترسيخها بداخلهن حول دورهن الاجتماعي.

واعتبرت أن للمبادرات النسوية دور كبير في التعامل مع مثل هذه القضايا "أنا عضو في مبادرة مؤنث سالم التي تدعم حقوق الصحفيات في بيئة عمل آمنة خالية من التمييز على أساس النوع الاجتماعي وسلطنا الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات خلال فترة الحمل والإنجاب وبالفعل قمنا بنشر نحو 10 شهادات حتى الآن غاية في القسوة وهو الأمر الذي دفعنا للجوء للمتطوعين من المتخصصين في العلاج النفسي لتقديم الدعم وهو ما تم فعلياً بجانب الدعم القانوني"، لافتةً إلى أن مثل هذه المبادرات تسلط الضوء على أزمات النساء من جهة وتسعى لدعمهن أيضاً لذلك فهي طوق نجاة حقيقي.