العطوة العشائرية نقطة صفر في قضايا النساء بغزة
أكدت المحامية امتياز حسب الله على ضرورة تطبيق القوانين لحماية النساء والفتيات من العنف الممارس ضدهن في قطاع غزة.
رفيف اسليم
غزة ـ تعتبر اللجان العشائرية كابوس النساء في قطاع غزة، فما أن تصل المرأة للمحكمة وتقترب من نيل حقوقها يتدخل وفد المخاتير ورجال الصلح العشائري للضغط على الأهل وإجبار ابنتهم على التنازل أو القبول بالفتات، لكن الأمر لا ينتهي هنا، فهناك المعنفات من قبل والدهن وقضايا قتل النساء التي يتم إغلاقها بشرب فنجان قهوة وصلح مع أقارب الضحية.
لا تزال إسراء العلي (اسم مستعار) في العقد الثاني من العمر، تقبع في أحد بيوت الأمان في مدينة غزة بسبب عدم إيجاد حل لمشكلتها مع والدها، التي تنتهي في كل مرة بتدخل اللجان العشائرية وتعهدهم بعدم ممارسة العنف من قبل الأب ضدها، لتتلاشى تلك الوعود فور وصولها للمنزل، وتبدأ سلسلة جديدة من العذاب.
تقول إسراء العلي إن الأمر بدأ منذ انفصال والدها عن والدتها في طفولتها ومطالبتها بشكل مستمر للانتقال والعيش معها لينتهي الأمر في كل مرة بتعنيفها من قبل والدها، لكن ما فاقم الوضع هو طلب الفتاة الانتقال للدراسة في الخارج فجن جنون الأب الذي هدد بقتلها، مما دفعها للهروب من المنزل.
وأوضحت أن لجان العشائر تدخلت أكثر من مرة عبثاً ولم تصلح الوضع مع والدها، بل على العكس زادت المشاحنات بين الطرفين وتحولت حياة الفتاة لجحيم لا أحد يستطيع كبح نيرانه المستعرة والمتمثلة بغضب أبيها وضياع مستقبلها تحت جملة "يجب أن تتحلي بالصبر هذا أباك".
لم تكن إسراء العلي الضحية الوحيدة لفشل تدخلات لجان العشائر، فهناك مريم محمد (اسم مستعار) التي تركت زوجها بسبب تعنيفه لها وعندما رفعت قضية في المحكمة ضغطت عليها تلك اللجان كي تسحبها وتقبل بجزء لا يذكر من حقوقها المالية، لافتة إلى أنها عندما طالبت بحضانة أطفالها طلبوا منها أن تتركهم لوالدهم كي يتولى تربيتهم وتؤسس هي حياة جديدة.
وأشارت إلى أنها لم تأبه بما جاءت به لجنة العشائر، بل طالبت بسحب أطفالها من يد ذلك المعنف وبالفعل بعد أشهر من المماطلات انتقلوا للعيش معها لكن بدون نفقة، أي أن الأب رفض دفع مبلغ المال المستحق، في ظل تملص تلك اللجنة وإهدارها المزيد من الوقت كي لا يصل الأمر للمحكمة.
ومن جانبها أوضحت المحامية امتياز حسب الله عضوة مركز حياة التابع لمركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة أنه "عادة ما يلجأ أفراد المجتمع الفلسطيني للصلح العشائري عندما يكون هناك مشاكل أسرية وخلافات مستمرة يترتب عليها إيذاء شديد، خاصة في قضايا قتل النساء الذي تتجند به كافة قوى الرجال كي يثبتوا أن المرأة مخطئة أو قتلت نفسها بنفسها أي انتحرت، وربما يصفون القاتل بالمريض النفسي للهروب من العقاب أو تخفيفه".
وأشارت إلى أن "المبررات الواهية التي يختلقونها كثر، لكن لا أحد منهم يمكنه التصريح بأن المرأة معنفة تعرضت للجرح والألم قبل قتلها، فتنسى وكأنها لم تكن وينتهي الأمر بعطوة عشائرية وهو مبلغ من المال يدفع لأهل الضحية كي يسقط تنفيذ حكم الإعدام عن القاتل ويتنازلوا عن الدعوة، بعد شرب فنجان قهوة في مجلس ودي للرجال".
وأوضحت أن "سبب لجوء المجتمع الفلسطيني للحلول العشائرية هو أنه مجتمع أبوي يتحكم به الرجل فيوجه قرارات تلك اللجان وشروطها لصالحه، فيما تبقى المرأة الطرف الأضعف في تلك الحلقة فتضطر للتنازل عن كافة حقوقها الشرعية والمدنية كي لا يتم إيذائها بشكل أكبر".
وأضافت "ما ترفضه المؤسسات النسوية وتتصدى له أن المرأة تقبل بتلك الحقوق لعدم امتلاكها المال الكافي للمرافعة بالمحاكم، فأصبحت تلك المؤسسات تتولى تمثيلها قضائياً وتتابع كافة الإجراءات حتى تحصل على حقوقها كاملة".
ولفتت إلى أنه أصبح هناك قسم في المحاكم يدعى بـ الإرشاد الأسري وهو يعنى بالمرأة ومشكلاتها وإيجاد حلول لها، فإن وافقت عليها سجلت تلك الشروط وأصبحت حكماً قضائياً قيد التنفيذ، مردفه أن هذا لا يمنع من متابعتهم لتلك القضايا أيضاً وتوعية النساء عند اتخاذ القرارات التي تحقق المصلحة لها.
وأشارت إلى أنه تم إنشاء مراكز للتوعية القانونية الخاصة بالنساء خاصة بالمناطق المهمشة، بل وأصبحت المؤسسات النسوية تدعو أفراد لجان العشائر لحملات تثقيفية تعرفهم على حقوق النساء التي تهدر نتيجة القرارات الغير مدروسة، متعجبة من فكرة أن يرجع أطفال لحضن أمهم دون النفقة، أو أن تطلق إحداهن وتجرد من حقوقها، أو أن ترجع فتاة أو المرأة لبيت ما زالت تعنف خلف أبوابه المغلقة.
وعلى الرغم من ذلك لا تنكر امتياز حسب الله، قوة ونفوذ تلك الفئة التي تزيد من العنف الممارس ضد النساء لذلك يبقى الحل الأمثل هو تطبيق القانون بشكل كامل كي تتحقق عملية الردع للجاني، بالتالي لا يتم اقتراف المزيد من الجرائم بحقهن في دم بارد وإرجاع الحقوق المهدور أي كانت صلتها بالجاني.