الثامن من آذار في المغرب... احتفاء رمزي أم فرصة ضائعة للتغيير؟

أكدت رئيسة جمعية "أيادي حرة" ليلى إيميلي، إن الثامن من آذار لا ينبغي أن يكون مجرد يوم احتفالي أو مناسبة لتوزيع الورود، بل لحظة لإعادة تسليط الضوء على قضايا النساء، واستثمارها كوسيلة للضغط من أجل انتزاع حقوقهن.

حنان حارت

المغرب ـ تعاني النساء في المغرب من تحديات نتيجة الفقر والهشاشة وضعف الولوج إلى الحقوق الأساسية، والعنف والتهميش والتمييز الذي لا يزال حاضراً في حياتهن اليومية، على الرغم من النضالات النسوية التي تناضل من أجل قضاياهن.

 

حين يصبح الاحتفال رفاهية لا تمتلكها جميع النساء

يحل اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار من كل عام، كمناسبة للاحتفاء بإنجازات النساء وتسليط الضوء على التحديات التي تواجههن، إذ تنظم الندوات وتلقى الخطابات وتوزع الورود، لكن خلف هذا المشهد الاحتفالي، تعيش آلاف النساء واقعاً مختلفاً، حيث العنف والتهميش والتمييز لا يزال حاضراً وبقوة في حياتهن اليومية، فهل أصبح هذا اليوم مجرد محطة احتفالية رمزية، أم أنه يشكل أداة ضغط حقيقية لتحقيق تغييرات ملموسة؟

وفي الوقت الذي تتلقى فيه بعض النساء تكريماً بفضل نجاحاتهن، تعيش أخريات في الظل وتواجهن العنف والتمييز دون أن يلتفت إليهن أحد.

تقول خديجة محمد (اسم مستعار) البالغة من العمر 45 عاماً هي واحدة من بين النساء اللواتي تعش تحت وطأة العنف الزوجي المستمر منذ سنوات لكن فكرة الخروج من هذه الدائرة ليست خياراً سهلاً "زوجي يعنفني منذ وقت طويل، وحين أفكر في الطلاق لا أستطيع إلا أن أفكر في أبنائي، كيف سأؤمن احتياجاتهم؟ حتى أسرتي لا تقف إلى جانبي ولا أحد يقدم لي الحماية أو الدعم".

وعندما تم سؤالها عن الثامن من آذار بالنسبة لها أجابت "هذا اليوم تحتفى فيه النساء اللواتي حققن نجاحات مهنية أو اجتماعية، لكن ماذا عن النساء اللواتي تكافحن من أجل البقاء مثلي؟ عندما أسمع عن احتفالات اليوم العالمي للمرأة، أشعر وكأنني أعيش في عالم آخر كيف لي أن أحتفل وأنا لا أملك حتى الحق في حياة آمنة؟ أتمنى أن يتحول هذا اليوم إلى منعطف حقيقي في مسار حماية حقوق النساء، لأن الاحتفال يجب أن يشمل الجميع وليس فقط من حالفهن الحظ في كسر قيود الظلم".

وتعكس كلمات خديجة محمد جزءاً من واقع أليم تعيشه آلاف النساء المغربيات، في حين ترفع الشعارات حول تمكين المرأة، وتشير الأرقام إلى واقع مغاير فوفق أحدث التقارير الرسمية التي أفادت أن أكثر من 57% من النساء المغربيات تعرضن لشكل من أشكال العنف، سواءً الجسدي أو الاقتصادي أو النفسي، ويبقى العنف الزوجي الأكثر انتشاراً بنسبة 46%، فيما تواجه الكثيرات صعوبات قانونية واجتماعية تمنعهن من اتخاذ خطوات لحماية أنفسهن.

 

إنجازات بفضل نضالات النساء

ورغم هذا الواقع الصعب لا يمكن إنكار أن نضال الحركات النسائية والحقوقية في المغرب حققت بعض المكاسب المهمة خلال السنوات الأخيرة، فقد تم إطلاق عدة مبادرات لدعم النساء، مثل دور الإيواء لضحايا العنف، وتمكين النساء من تأسيس مقاولات ذاتية، بالإضافة إلى تعزيز الحضور النسائي في بعض المناصب القيادية والسياسية، كما شهد المغرب انفتاحاً متزايداً في النقاش حول قضايا المساواة والمناصفة، مع تحركات لمراجعة مدونة الأسرة والقوانين المتعلقة بحماية النساء من العنف والتمييز.

 

لحظة احتفاء أم محطة نضال؟

وفي مقابل هذا الواقع يرى العديد من الناشطين الحقوقيين أن الثامن من آذار، لا ينبغي أن يكون مجرد مناسبة احتفالية، بل يجب استثماره كوسيلة للضغط من أجل انتزاع حقوق جميع النساء.

وبالنسبة للناشطة الحقوقية رئيسة جمعية "أيادي حرة" ليلى إيميلي فإن الثامن من آذار لا ينبغي أن يكون مجرد يوم احتفالي أو مناسبة لتوزيع الورود، بل لحظة لإعادة تسليط الضوء على قضايا النساء، واستثمارها كوسيلة للضغط من أجل انتزاع حقوقهن، لكنها تؤكد أن التغيير لا يأتي من يوم واحد بل من نضالات مستمرة على مدار العام.

وشددت على أن هذه المناسبة يجب ألا تكون مجرد احتفال عابر أو تقليد سنوي ينتهي بانتهاء اليوم، كما هو الحال مع بعض المناسبات الأخرى، بل ينبغي أن تكون محطة للتذكير المستمر بأهمية قضايا النساء والعمل الجاد على تحسين أوضاعهن.

 

القوانين وحدها لا تكفي

وأشارت إلى أن المغرب يشهد في الفترة الحالية مستجداً مهماً يتمثل في ورش مراجعة مدونة الأسرة، وهو ملف محوري يمس بشكل مباشر حقوق النساء وأوضاعهن القانونية والاجتماعية، مؤكدة أن هذه المراجعة يجب أن تتم وفق مقاربة تضمن العدالة والمساواة، بما يكفل تمكين النساء من حقوقهن الكاملة في مختلف المجالات.

وأوضحت أن الاهتمام بالنساء وتمكينهن ليس مجرد ترف أو امتياز إضافي، بل ضرورة تنموية واجتماعية، خاصةً في دول الجنوب حيث تعاني النساء من تحديات مضاعفة نتيجة الفقر والهشاشة وضعف الولوج إلى الحقوق الأساسية، مؤكدةً أن تحقيق المساواة لا يمكن أن يقتصر على تعديل القوانين فقط، بل يتطلب تغييراً في العقليات والممارسات المجتمعية.

 

العنف ضد النساء والحاجة إلى استجابة فعالة

وحول قضايا العنف ضد النساء شددت على ضرورة أن تكون هناك استجابة قانونية فعالة تضمن حماية النساء من جميع أشكال العنف خاصةً الأسري، الذي يشكل تهديداً مباشراً لأمنهن، موضحةً أن المجتمع المدني إلى جانب الناشطين الحقوقيين مطالب بمواصلة الضغط والترافع لضمان أن تأتي هذه الإصلاحات متماشية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأن تضمن للنساء حماية قانونية فعلية وليس مجرد تعديلات شكلية.

وبينت أن الجمعية تهتم بشكل خاص بالعمل مع النساء في المناطق النائية مثل العالم القروي والجبال، حيث تعاني النساء من الأمية والفقر والهشاشة، مضيفةً أن الاهتمام بقضايا النساء يجب أن يمتد على مدار العام "هذه المناسبة وما يليها هي فرصة لتوعية النساء بحقوقهن وتعريفهن بالقضايا التي تخصهن".

وأكدت أن الهدف الأساسي هو أن تدرك النساء أن لهن حقوقاً يجب أن تتمتعن بها، موضحةً أنه رغم التقدم الذي تحقق في المغرب على صعيد القوانين، فإن النساء في العديد من المناطق لا تعرفن هذه الحقوق أو لا تدركن كيف تطالبن بها، مشيرة إلى أن دور الجمعية يكمن في تعزيز الوعي بين النساء، لأن ما تحتجنه ليس مجرد شعارات أو احتفالات في الثامن من آذار بل فهم لحقوقهن التي تتمتعن بها في حياتهن اليومية.

 

النضال مستمر رغم التحديات

وأكدت أن تحقيق التغيير يتطلب الاستمرار في النضال الجماعي وعدم الاستسلام "نعلم أن الطريق ليس سهلاً، لكن لا يمكننا التراجع، التغيير لا يأتي من تلقاء نفسه بل بفضل إصرار النساء اللواتي ترفضن الاستسلام للصعوبات، أقول لكل امرأة تقاوم الظلم اعلمي أنك لست وحدك وأن صوتك مهم لنا جميعاً".

أما فيما يخص رسالتها للنساء، فقد شددت ليلى إيميلي على دور المرأة في تنمية المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل، مشيرة إلى الجهود والمساعي التي تبذلها النساء في هذا الإطار "نأمل أن تترجم النقاشات الأخيرة حول تعديل مدونة الأسرة إلى إصلاحات حقيقية تعزز حقوق المرأة".