النساء ذوات الإعاقة في المغرب... مطالب بالقضاء على التمييز
تتعرض النساء ذوات الإعاقة لعنف مزدوج يأخذ أشكالاً متعددة، حيث لا يقتصر على العنف الجسدي والاقتصادي والاجتماعي، بل يمتد إلى أبعد من ذلك.
حنان حارت
المغرب ـ التمييز والوصم المجتمعي والنصوص القانونية المبهمة من بين الصعوبات التي تواجه ذوي الإعاقة في المغرب وخاصةً النساء منهم فهي تحد من قدرتهم على الولوج إلى كافة مجالات العمل ولعب دورهم في النهوض بالمجتمع.
تعاني سميرة بختي وهي عضو في المنتدى المغربي لمناصرة حقوق النساء، من إعاقة حركية، لكن لم يمنعها ذلك من تحقيق أهدافها، بل كان حافزاً لها لفرض ذاتها في العمل الجمعوي والحقوقي وباتت صوت النساء ذوات الإعاقة اللواتي تتعرضن للعنف بكل أشكاله.
تقول سميرة بختي "لم أسمح يوماً لإعاقتي أن تكون سبباً يبقيني على هامش الحياة، فقد تابعت دراستي والتحقت بالعمل، ولكن لم استطع الاستمرار في ذلك العمل بسبب انعدام الولوجيات التي كانت سبباً آخر إلى جانب عدد من الأسباب التي ألمسها يومياً بحكم احتكاكي الدائم بالنساء ذوات الإعاقة اللواتي تتعرضن للعنف، ووجدت نفسي منخرطة في العمل الجمعوي والحقوقي، ولكي أقدم الدعم الممكن والتوجيه والإرشاد للنساء ذوات الإعاقة اللواتي تتعرضن لعنف مضاعف".
وأشارت إلى أن معاناة النساء ذوات الإعاقة تتشابه مع باقي النساء المغربيات عامة، إلا أنهن تعانين من صعوبات عديدة تعيق من حصولهن على حقوقهن الأساسية، فضلا ًعن إشكالية التمييز المزدوج الذي يمارس ضدهن؛ أولاً لكونهن نساء، وثانياً نظراً لوضعية الإعاقة التي تعشنها، وبداية من العنف الأسري يبدأ حرمانها من حقوقها كالتعليم"، لافتةً إلى أن عدد الغير متلقين للتعليم من ذوي الإعاقة يفوق الـ 66%، وأغلبهم نساء كما أكد البحث الوطني الثاني حول الإعاقة لعام 2014.
وأضافت "بعد هذا الإقصاء يتم تكليف المرأة من ذوات الإعاقة بالأشغال المنزلية في الوقت الذي لا يتم فيه الاعتراف بأي مجهود تقوم به، ويتم اعتبارها عالة تثقل كاهل الأسرة التي على حد قولهم تكون في خدمتها، بالإضافة إلى وضع وصاية عليها حتى وإن كانت راشدة، كما يتم التحكم في حياتها، فلا يمكنها حتى اختيار ما الذي تود ارتداءه أو حتى اختيار أصدقائها، أو الخروج للنزهة والتبضع".
وأوضحت أن المجتمع لا يزال يحمل مجموعة من التمثلات الاجتماعية تجاه النساء ذوات الإعاقة "لازال المجتمع يربط الإعاقة بالمرض، ويرى الشخص الذي يحمل أي شكل من أشكال الإعاقة عبئاً خاصةً وإن كانت امرأة، فهو يعتقد أنها عاجزة وغير قادرة على الانخراط في الحياة العامة ولا في سوق العمل"، مضيفةً "كنساء في وضعية إعاقة نمارس حياتنا بشكل طبيعي داخل المنزل، لكن الإعاقة تبدأ عندما نفتح الباب استعداداً للخروج والاختلاط بالناس في الأماكن العامة أو في وسائل النقل، حيث يظهر التمييز والوصم، وفي بعض الأحيان يتم لوم النساء على إعاقتهن"، مشيرةً إلى أن "أفراد المجتمع والعائلة لا يعتقدون أن المرأة في وضعية إعاقة بحاجة إلى الوصول للمعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، لأنه برأيهم هذا النوع من المعلومات غير قادرات على فهمه"، وهو ما تراه غير صائب لأن الإعاقة الجسدية لا علاقة لها بالوعي والفكر والاستيعاب.
ولفتت إلى أنه حتى نسبة"الكوتا" المتعلقة بالمقاعد المخصصة للنساء في المشاركة السياسة لم تشمل النساء ذوات الإعاقة "مع العلم أنه في نفس الفترة التي كانت الجمعيات النسائية تناضل من أجل الرفع من نسبة الكوتا المخصصة لهن لدخول البرلمان، قدمنا عريضة لتخصيص مقاعد في البرلمان والمجالس المنتخبة لذوي الاعاقة إلا أنها قوبلت بالرفض وضاع حقهم في المشاركة السياسية، وأغلب الجمعيات النسائية لا تضع في حساباتها النساء ذوات الاعاقة وتترافع عن الحقوق في شموليتها".
وحول تعامل المجتمع والعائلة مع المرأة ذات الإعاقة تقول "شخصياً لم أعاني مع أفراد عائلتي إلا من الحرص المفرط على سلامتي، لكنني كنت استخدم لغة الحوار معهم وهذا الوضع مختلف مع أخريات، فغالبية النساء تعانين من النظرة الدونية من قبل المجتمع والعائلة ولا ينظر لهن على أنه بإمكانهن أن تشغلن مناصب عليا، فلا زلنا نعيش في مجتمع ذكوري يتم لوم النساء لإنجابهن أطفالاً في وضعية إعاقة وكأن الإعاقة اختيار".
وأضافت "هناك دور للحكومة في وضع سياسات دامجة موجهة للأشخاص ذوي الإعاقة، بحيث أصبحنا نلاحظ تواجدهم/ن في الإدارات والأماكن العمومية، إلا أن تغيير العقليات يحتاج إلى تظافر الجهود وانخراط كل من الإعلام والحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتغيير النظرة الدونية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة مع أنني أجزم على أنها تحتاج لسنوات عديدة لتحقيق ذلك".
وعن الصعوبات التي تعاني منها هذه الشريحة المجتمعية تقول "رغم توقيع المغرب على الاتفاقية الدولية وامتلاكه لترسانة قانونية مهمة للنهوض بحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة كالقانون الاطار 13/97 وقانون الولوجيات، إلا أن تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع يواجه مجموعة من التعثرات، مثلاً النساء غير الحاملات للإعاقة اللواتي تتعرضن للعنف تجدن مراكز استقبال عكس النساء المعنفات الحاملات للإعاقة، لأن أغلب مراكز الاستقبال غير مهيأة لاستقبال ذوات الإعاقة وحتى عندما تريد المعنفات التوجه للقضاء تجدن صعوبات عديدة، منها انعدام مترجمي لغة الإشارة، ولا إشارات ضوئية وفي حالة أرادت الاستعانة بمترجم محلف، فيطلب منهن دفع مقابل مادي وهو ما يشكل عبئاً على النساء ذوات الإعاقة، بالإضافة إلى صوبات كثيرة تحول دون ولوجهن للقضاء، هناك بعض المحاولات لتغيير هذا الوضع، لكنه يحتاج لوقت يتم هدره من أعمارنا".
وشددت على أن ذوي الإعاقة والنساء خاصة، يعانون من عنف قانوني "مدونة الأسرة الحالية التي نحن بصدد تعديلها، تحمل عدداً من المصطلحات التمييزية التي يتم بها نعت الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصةً الإعاقة الذهنية، كنعت الشخص بالسفيه والمعتوه والمجنون"، مشيرةً إلى أن الأهلية القانونية تشكل ظلماً بحق الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية الخفيفة "فعند منح الطبيب التقرير الطبي يذكر خلالها أن المريض مصاب بإعاقة ذهنية دون تحديد نوعها، لذا يتم التعامل مع هذه الفئة على أن جميعهم مصابون بذات الإعاقة، وهو ما يستوجب فرض الوصاية عليهم رغم كون الشخص يحمل إعاقة خفيفة، ويدرك ويستطيع تمييز الأشياء ويمكنه الاندماج في المجتمع".
وأوضحت أنهم لا يطالبون بحذف الوصاية بشكل نهائي من نص القانون، ولكن يجب تحديد درجة الإعاقة وتطبيق ما جاء فيه على المصابين بإعاقة كبيرة، لافتة إلى أنه هناك من استطاعوا استكمال دراساتهم والحصول على شهادات عليا، وتمكنوا من لعب دورهم في أحد المهن أو قطاعات العمل "للأسف رغم ذلك لا يستطيعون فتح حساب بنكي ولا الحصول على رواتبهم الشهرية، إلا عن طريق الوصي، فالمغرب لم تصدر بعد نظاماً لتقييم الإعاقة، ونحن اليوم في أمس الحاجة إليه خاصة وأن البلاد قد بدأت بعقد ورش عمل لتعديل مدونة الأسرة".
ولفتت إلى أنه في سياق جلسات الاستماع التي تنظمها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، عقدت هذه الأخيرة يوم الأربعاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، جلسة استماع مع التحالف الذي يضم مجموعة من الجمعيات من أجل النهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيرةً إلى أن التحالف طالب بإصدار قانون يجعل من المساواة، وعدم التمييز أساس التعديل الشامل للمدونة، بالإضافة إلى احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري، تكافؤ الفرص، إمكانية الوصول، والمساواة بين الجنسين، واحترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.
وأوضحت أن الفصل 34 من الدستور المغربي ينص على أن تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال إعادة تأهيل الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع، وتنفيذ القانون المتعلق بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والنهوض بهم، وتعميم التربية الدامجة، وبرنامج التماسك الاجتماعي "نحتاج فقط إلى تحديد وقت زمني لسن القوانين التنظيمية ونظام تقييم الإعاقة وبطاقة الشخص المعاق التي ستمكنهم من الاستفادة من السجل الاجتماعي الموحد".
وحول كيفية تعاطي الجمعيات النسائية في المغرب مع قضايا النساء ذوات الإعاقة أوضحت سميرة بختي "القاعدة تقول أن الجمعيات الحقوقية التي تترافع عن النساء، ضمنياً عليها تسليط الضوء على قضايا ذوات الإعاقة في قضايا الزواج والطلاق ومجموعة من الحقوق، لأنه بغض النظر عن الإعاقة فهي امرأة قبل كل شيء".
وبينت أن "هناك جمعيات تسلط الضوء على قضايا النساء ذوات الإعاقة، لكن بشكل سطحي، فهن لا تجدن من يتحدث عنهن، وفي بعض الأحيان عندما تتعرضن للعنف وتتوجهن لبعض الجمعيات النسائية والاستماع لهن، يقال لهن أنه عليهن التوجه للجمعيات التي تهتم بالأشخاص في وضعية إعاقة لأنها أدرى بحقوقهن واحتياجاتهن".
ولفتت إلى أنه إذا ما توجهت إحدى النساء اللواتي تعانين من إعاقة بصرية إلى مراكز إيواء المعنفات قد يطلب منها التوقيع على مجموعة من الوثائق، ويتم ذلك في بعض الأحيان دون إعادة القراءة ومراعاة وضعية هذه الفئة، أما بالنسبة للنساء في وضعية إعاقة سمعية فلا وجود لمترجم الإشارة، وفي حالة أردن الاستعانة بمترجم محلف، فإنه يطلب منهن دفع مقابل مادي للمترجم، وهذا يشكل عبئاً عليهن".
وأشارت إلى أن الإعاقة الذهنية فرع من العجز الإدراكي أو الإعاقات المؤثرة على القدرات الذهنية، وهي إما خفيفة جداً لدرجة أنه يصعب اعتبارها إعاقات ذهنية، أو خاصة جداً "كإعاقة التعلم الخاصة"، أو إعاقات تم اكتسابها لاحقاً مع التقدم في العمر من خلال إصابات الدماغ أو أمراض الاضمحلال العصبي كأمراض الشيخوخة، أما الاضطراب العقلي النمائي والذي يعرف بالتخلف العقلي اضطراب في النمو العصبي يتميز بضعف الأداء الفكري والتكيفي.
وشددت على ضرورة الدفاع والترافع عن النساء بكل اختلافاتهن ووضعياتهن "نأمل ألا يظل التعاطي مع الإعاقة بعبارات احتياجات خاصة لأن الأصل كلنا كمواطنين لدينا احتياجات خاصة بغض النظر عن إن كان الشخص كامل إم حامل للإعاقة".
وترى سميرة بختي أن الفرد أياً كان بحاجة إلى مساعدة في أي مجال من المجالات لكي يقوم بواجبه "كلنا من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ يجب أن نعلم أننا كلنا مشروع شخص في وضعية إعاقة إما بفعل المرض أو حادث أو السن، وعلى الجمعيات النسائية أن تعيد التفكير في قضية الترافع لدى صناع القرار بصياغة سياسات عمومية للنساء ومن بينهم في وضعية إعاقة".
وحول الإشكاليات التي عانى منها الأشخاص في وضعية إعاقة خلال الزلزال الذي ضرب المغرب مؤخراً وأثناء جائحة كورونا تقول "خلال تفشي جائحة كورونا التي لم تستثني أي بقعة في العالم والزلزال الذي ضرب البلاد، أظهرا أن السلطات ليست لديها سياسات عمومية موجهة لهذه الفئة، بدليل الدعم الذي وجهته الحكومة خلال جائحة كورونا، حيث لم يكن هناك دعم مخصص للأسر التي لديها أشخاصاً في وضعية إعاقة".
واختتمت حديثها بالقول "الإعاقة في المجتمع وليست في الفرد، لأن المجتمع يمنع المرأة المصابة بإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام من لعب دورهم وتفعيل إمكاناتهم، فعندما لا تتوفر ممرات للكراسي المتحركة في كل المؤسسات، فإن ذلك يعد إخفاقاً من قبل المجتمع".