النقابيات في تونس... مسيرة نضال من أجل المساواة وتكريس الحقوق
تواجه النقابيات في تونس تحديات كبيرة، لكنهن تواصلن النضال بإصرار لتعزيز حضورهن وتحقيق المساواة والدفاع عن حقوق النساء في النقابات والمجتمع.

إخلاص حمروني
تونس ـ في عالم تسوده التحديات الاجتماعية والسياسية، تواصل المرأة العاملة في النقابات التونسية خوض معركة طويلة من أجل إثبات حضورها والدفاع عن حقوقها وحقوق زميلاتها وزملائها على حد سواء.
رغم العقبات الذكورية والموروثات الثقافية التي ما تزال تقيّد مسارها، استطاعت المرأة أن تشق طريقها داخل النقابات العمالية وتفرض وجودها في مواقع قيادية، رافعة صوت المساواة والعدالة الاجتماعية.
تجربتها مثلت نموذجاً ملهماً للنساء
وتعليقاً على ذلك قالت هادية بن فرجاني، وهي أستاذة تعليم ثانوي وتشغل منصب الكاتبة العامة المساعدة للنقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالمنظومة، إن تجربتها النقابية تمثل نموذجاً ملهماً لنساء تونس والمنطقة عموماً.
وأوضحت أن بدايتها في العمل النقابي كانت من داخل الجامعة، حيث التحقت بالاتحاد العام لطلبة تونس، ثم انضمت إلى اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، ومن ثم الاتحاد العام التونسي للشغل، مشيرة إلى أنها تحملت المسؤولية النقابية للدفاع عن نفسها وتغيير واقعها ، ثم للدفاع عن الآخرين ورفع المظالم عنهم" .
وأشارت إلى أن العنصر النسائي داخل الاتحاد يواجه صعوبات جمّة وتحديات عديدة، إذ أن المجتمع ما يزال يرفض مشاركة المرأة في المجالين النقابي والسياسي، موضحة أن المجتمع " مطبع بثقافة ذكورية أبوية ونزعة رجعية تنظر إلى المرأة نظرة دونية، وتستغل الموروث الثقافي والديني كسلطة للشرعية".
وبيّنت هادية بن فرجاني أن أولى الصعوبات التي اعترضتها تمثلت في التزاماتها الأسرية، خاصة بعد انتخابها خارج ولاية مسقط رأسها، حيث اضطرت للاعتماد كلياً على نفسها بعيداً عن عائلتها، بالإضافة إلى محاولات للتشويه والإقصاء، والتشكيك في قدرتها على النجاح، بل والتدخل في حياتها الخاصة لإثبات فشلها وعدم أهليتها للمسؤولية.
مواجهة التحديات بالعزيمة والإصرار
وأكدت أن "المجتمع يضغط أكثر على المرأة العاملة في النقابة نظراً لقلة عددهن مقارنة بالرجال، وهو ما يضعهن تحت المجهر، ويجعل أخطاءهن عرضة للتضخيم والانتقاد، في محاولة للحد من تطورهن ورغبتهن في تغيير الواقع"، مشددةً على أن ذلك يتطلب "قوة وصلابة وثقة بالنفس لمواجهة التحديات المستمرة عبر السنين".
وقالت إنها تعرضت في عام 2019 للإقصاء من الترشح لعضوية النقابة الأساسية للتعليم الثانوي، عبر أساليب ملتوية ومحاولات للتشويه، بالمقابل تصدت لهذه الممارسات، وكشفت ألاعيبها، ثم جددت ترشحها وكسبت ثقة زملائها وزميلاتها، مضيفةً أنها واجهت تلك التحديات بمزيد من الإصرار والعزيمة، حتى تمكنت من الفوز بالعضوية وإثبات جدارتها.
وشددت على أن العمل النقابي بطبيعته يتطلب روحاً نضالية ومثابرة، معتبرةً أن تجربتها داخل المنظمة مصدر قوة ورفع لصوت النساء اللواتي لم يتمكنّ بعد من معرفة حقوقهن أو كسر حاجز الخوف المسيطر عليهن، وتعتبر نفسها محظوظة لتلقيها تعليماً كافياً مكنها من معرفة حقوقها والدفاع عنها، والدفاع عن النساء اللواتي لم تتوفر لهن نفس الفرصة.
حضور نسائي "خجول" في المواقع القيادية
وأوضحت أن نسبة حضور النساء في المراكز القيادية ما تزال "خجولة" رغم إقرار مبدأ المساواة والمصادقة على اتفاقيات عديدة، وأن وجود امرأتين فقط من أصل خمسة عشر عضواً في المكتب التنفيذي يعد نسبة ضعيفة جداً لا تعكس حجم التضحيات التي قدّمتها النساء عبر السنين.
وشددت على أن نظام الحصة (الكوتا) هو "سلاح ذو حدين"، إذ يمنح المرأة حضوراً عددياً لكنه يختزل دورها في التصويت ويمنعها من الوصول إلى القرار "النقابيات بحاجة إلى دعم متبادل فيما بينهن ومن النقابات ذاتها، من أجل تمكين فعلي ومشاركة حقيقية" .
وبيّنت أن الاتحاد العام التونسي للشغل لعب إلى جانب المنظمات الحقوقية والحركات النسوية، دوراً ريادياً في الدفاع عن قضايا النساء، عبر دراسات علمية وتحقيقات ميدانية تناولت قضايا التحرش، وساعات العمل، والأمومة، والأجور، وغيرها من المطالب التي أدرجت ضمن أجندته النقابية.
وترى أن من أبرز المكاسب هي تأسيس نقابات في القطاع الفلاحي لتمكين النساء من حقوقهن، مشيرةً إلى أن الاتحاد الجهوي بسيدي بوزيد كان سبّاقاً في ذلك، كما تطرقت إلى القانون عدد 58 لعام 2017 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، والقانون عدد 37 لعام 2021 الخاص بالعاملات في المنازل، مؤكدة أنهما شكّلا نقلة نوعية في حماية حقوق المرأة وتمكينها من تأسيس نقابات خاصة بها.
وأكدت أن المنتظر من النقابية اليوم هو المزيد من "التحشيد والتوعية والمناصرة"، عبر دعم النساء المقبلات على العمل النقابي، وتعريفهن بحقوقهن، وتعزيز مهاراتهن في التفاوض وحل النزاعات، بما يجعلهن قادرات على المنافسة مع الرجل في المواقع القيادية.
ودعت هادية بن فرجاني النساء إلى الترشح لمختلف الهياكل النقابية، وخاصة منها القيادة، مشددةً على أهمية توسيع المشاركة النسائية والاتصال المباشر بالعاملات في مواقع عملهن، وعدم الاقتصار على النخب.
تجارب نساء رائدات
وأشارت إلى أن إبراز تجارب نساء رائدات في الماضي والحاضر يساعد على بناء قدوات للمستقبل، وذكرت من بينهن الراحلة شريفة المسعدي التي كانت أول امرأة صعدت إلى المكتب التنفيذي بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، وكذلك نعيمة الهمامي التي تمكنت عام 2017 من الفوز بعضوية المكتب التنفيذي بعد محاولات عديدة، كما ذكرت أن المؤتمر الأخير عام 2021 مكّن هدى العرباوي وسهام بوستة من الصعود إلى المكتب التنفيذي بفضل نظام الحصة.
واختمت هادية بن فرجاني حديثها بدعوة النقابيات لعدم الاستسلام "اقول لكل نقابية إنهم لا يخشون جسدك إذا كنت قوية، لكنهم يخافون عقلك المفكر وقدرتك على الحلم. فلا تتوقفي عن الحلم ولو بدا مستحيلاً، وكوني عقل هذا العالم ما دمتِ شريكة فيه".