نساء مدينة المتلوي: شركات الفوسفات تسببت بإضرار صحية وبيئية

أكدت عدة نساء تعشن بالقرب من شركات الفوسفات أن الحياة باتت صعبة في منطقتهن بسبب الروائح الكريهة والانبعاثات الغازية وبقايا استخراج الفوسفات، والتي تسببت في إصابة عدد من النساء بأمراض مزمنة.

 

إخلاص الحمروني

تونس ـ رغم أن الفوسفات يعتبر ثورة لإنعاش الاقتصاد في أي دولة، إلا أنه يتسبب كذلك في العديد من المشاكل لعل أبرزها تلك الأثار السلبية التي يخلفها على المحيط، وتلويث المياه والهواء والتي بالتالي تسبب العديد من المشاكل الصحية للأشخاص المتواجدين في المناطق القريبة منها.

 

"نأكل ونتنفس فوسفات"

تروي الستينية الكاملة الحجاج التي تقطن في منزل محاذي لشركة فوسفات قفصة في حي الأمل التابع لمدينة المتلوي، وهي إحدى مدن الحوض المنجمي الأربعة (المتلوي، أم العرائس، الرديف والمظيلة)، قصتها ومعاناتها من ضيق في القفص الصدري بسبب مناجم الفوسفات القريبة من منزلها "شعرت بألم حاد في القفص الصدري إلى حد أني لم أقوى على التنفس وعندما قررت الذهاب إلى المشفى تعثرت أمام غرفتي وأصبت بكسر في ساقي".

وتقول "كل يوم ننام ونستيقظ على ضجيج المحركات العملاقة للشركة، نتنفس غبارها الذي يصعد إلى السماء أصفر اللون وسرعان ما ينتشر في كل مكان، وغبارها التي تشبه الرمال الصغيرة سوداء اللون تنتشر في كل منازلنا".

الأمر يبدو اعتيادي وطبيعي بالنسبة لـ توزر سليمان، التي أكدت أنهم سكنوا منطقة حي الأمل منذ أكثر من 50 عاماً عندما التحق زوجها بالعمل في شركة الفوسفات "انتقلنا إلى هذه المنطقة الصناعية أنا وأفراد عائلتي عندما أفتحت شركة فوسفات قفصة أبوابها للعمل وشيدنا منازلنا هنا لنكون على مقربة من مقر عمل زواجنا، وقتها لم تكن وحدات الشركة كثيرة وليست بهذا القرب".

وأضافت "مع مرور السنوات كثفت الشركة من إنتاجها وتعددت وحدات الإنتاج وازدادت هذه الوحدات توسعاً إلى حد أصبح لا يفصلنا عنها سوى عشرات المترات"، مبينة أن الوحدات تعمل على مدار 24 ساعة، فهي لا تتوقف عن العمل، بالإضافة إلى الأصوات المزعجة التي تصدرها الانفجارات، والدخان المنبعث منها والرائحة الكريهة المصحوبة بغبار، فتلك الأمور تعود على الصحة وتسبب العديد من الأمراض وخاصة للنساء".

وقالت "نقضي طوال وقتنا في تنظيف المنازل من الغبار وبقاياه التي تنتشر في كل مكان، لكن لا فائدة من ذلك فهي تتسخ بعد ثواني من تنظيفيها بسبب استمرار عمل شركات الفوسفات".

 

أمراض خطيرة جراء التلوث

وأوضحت (م. ح) ناشطة بالمجتمع المدني ومهتمة بالشأن البيئي، أن التأثيرات الكيميائية ألحقت اضرار فادحة، بالقطاع الفلاحي وخاصة الواحات والأشجار المثمرة التي نخرتها الأمراض، إضافة إلى تلوث المياه.

وأكدت أن نساء حي الأمل مثله مثل بقية أحياء مدينة المتلوي بتن عرضة للتلوث الصناعي، بسبب افرازات شركة فوسفات قفصة والمتمثلة في الغازات المنبعثة من مداخن المعمل، والتي وصفتها بالغازات السامة.

وبينت أن "هناك بعض الدراسات أثبتت أن الهواء الملوث الناجم عن مناجم الفوسفات تسببت بتضاعف عدد المصابين بمرض السرطان وخاصة سرطان الرئة والمثانة، الإضافة إلى انتشار العديد من الأروام الخبيثة".

 

الحياة باتت صعبة

شيراز بالحسن، شابة في مقتبل العمر حاصلة على شهادة تمريض وعاطلة عن العمل، تقول "الحياة في منطقتنا باتت صعبة، بسبب الروائح الكريهة والانبعاثات الغازية وبقايا استخراج الفوسفات، والتي تسبب في إصابة عدد من النساء بأمراض مزمنة منها التهابات الجهاز التنفسي وهشاشة العظام وأمراض جلدية متنوعة".

وأكدت أن "مخاطر التلوث تهدد صحة السكان في هذه المنطقة الذين يعيشون ظروف بيئية سيئة وهواء ملوث بسبب مخلفات المناطق الصناعية المتاخمة لمناطقهم".

وأوضحت أن ملف التلوث الاصطناعي والبيئي بجهة قفصة وخاصة بمدن الحوض المنجمي يعد من الملفات الحارقة، التي ظلت على الرفوف، ولم يتم إلى حد الآن معالجة هذه الآفة، التي عمقت من معاناة الأهالي.

وقالت "نحن النساء ندفع ثمناً باهظاً بسبب عمليات استخراج وتحويل الفوسفات التي تتم بالقرب من منازلنا لتسببها بمشاكل صحية وبيئية، فهي باتت بحاجة إلى حلول عاجلة للحد من تأثيرها السلبي".