ندرة المياه ومواسم جفاف متتالية... الموارد المائية مهددة

بعض السلوكيات تظهر الاستعمال العشوائي للمياه، والتي تعكسها مجموعة من المظاهر في الحياة اليومية، كمحلات غسل السيارات والاستعمال المنزلي وسقي الحدائق وغيرها من الاستعمالات العشوائية التي تهدر فيها كميات مهمة من المياه.

رجاء خيرات
المغرب ـ
تدبير أزمة الإجهاد المائي التي تجتازها المنطقة ينبغي أن تتم بشكل تشاركي تساهم فيه كل الأطراف سواء المؤسسات الحكومية الموكول لها تدبير قطاع المياه أو الفاعلين السياسيين أو الباحثين في المجال، وذلك لبلورة مشاريع وبرامج ناجعة للحد من استنزاف الموار المائية. 
في حوار مع وكالتنا ترى المديرة السابقة للمركز الوطني للأبحاث والدراسات في المياه والطاقة بالمغرب ليلى ماندي أن إقدام السلطات المغربية على مجموعة من الإجراءات كإغلاق الحمامات الشعبية لثلاثة أيام في الأسبوع يعد توعية للمواطنين بأهمية المياه وندرتها.  


تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير للحد من الإجهاد المائي في المغرب، من بينها إغلاق الحمامات الشعبية لثلاثة أيام في الأسبوع، كيف ترين هذا الإجراء؟
أظن أن المواطنين/ت بعد هذا الإجراء غير الاعتيادي سيتساءلون عن سبب انقطاع المياه وإغلاق الحمامات، فالإجراء فيه نوع من التوعية بما نعيشه اليوم من أزمة ندرة المياه ومواسم الجفاف المتتالية وكذلك هو إجراء للاقتصاد في هذه المادة الحيوية.
نحن بحاجة لأن يدرك المواطنون/ات بأنهم مطالبون بالحفاظ على الموارد المائية، وإذا لم يتحقق ذلك فإنهم سيكونون عرضة لأزمة خانقة في المياه وأنهم مهددون بالعطش خلال السنوات القادمة، وإن الواقع يعكس غير ذلك خاصة أمام بعض السلوكيات لدى بعض المواطنين التي تظهر الاستعمال العشوائي للمياه، والتي تعكسها مجموعة من المظاهر في الحياة اليومية، كمحلات غسل السيارات والاستعمال المنزلي وسقي الحدائق وغيرها من الاستعمالات العشوائية التي تهدر فيها كميات مهمة من المياه، علماً أن تلك المياه يمكن معالجتها وإعادة استعمالها. فالإجراءات التي تم اتخاذها أرى أنها مهمة جداً للتوعية بأزمة المياه التي تعيشها البلاد.


كيف ترين سياسة تدبير الموارد المائية حالياً في ظل هذه الأزمة؟
سياسة تدبير المياه التي نحتاجها تتطلب مقاربة تشاركية يدخل فيها المواطنون والدولة والفاعلين بوعي ومسؤولية، إذا نحن أردنا أن نحافظ على الموارد المائية ونجد حلولاً لمعضلة الجفاف التي تجتازها المنطقة ككل، خاصة في ظل التغيرات المناخية، حيث سجل بشكل غير مسبوق شهري كانون الثاني وشباط درجات حرارة مرتفعة، وإذا استمر الوضع على هذا النحو فإننا لن نجد مياه للشرب خلال السنوات القادمة. 


يرى البعض أن قطاع الفلاحة هو أكثر هدراً للموارد المائية مقارنة بالاستعمالات الأخرى، وبالتالي ينبغي الحد من السقي بدل الاكتفاء بإجراءات لن تحد من استنزاف المياه، كيف تقيمين هذا الوضع؟
صحيح أن المجال الفلاحي الذي يعتمد على السقي هو أكثر القطاعات استنزافاً للموارد المائية، حيث أنه يستهلك أكثر من ٨٠ بالمئة منها، لكن وعلى الرغم من ذلك فنحن مطالبون بالحفاظ على المياه، حتى وإن كانت الاستعمالات المنزلية لا تتعدى ١٥ بالمئة منها، لأن الأمر هنا يتعلق بالمياه الصالحة للشرب.
ولكي أعود للمجال الفلاحي فإنني أعتقد أن هناك استراتيجية اعتمدها المغرب للتقليص من كميات المياه المستعملة، فبالنسبة لبعض المنتوجات الفلاحية كالبطيخ الأحمر مثلاً الذي يستهلك كميات كبيرة، فقد تم منعه في بعض المناطق المهددة بالجفاف وتم تعويضه بمنتوجات أخرى بديلة، ونفس الشيء بالنسبة للأفوكادو وهي إجراءات أرى أنها ضرورية لأنها تتلاءم مع ظروف الجفاف وتساهم في الحد من الاستعمال المفرط للمياه الجوفية. بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة أخرى وهي الاستعمال التقليدي لوسائل الري، حيث لا تعتمد بعض الفلاحات على التقنيات الحديثة في مجال السقي (الري بالتنقيط) وهنا ينبغي تشجيع التقنيات التي تراعي الاستعمال المحدود للمياه، وهذا يحتاج لتظافر الجهود وتشجيع البحث العلمي الذي كشف عن وجود مركبات يمكن أن تمد الأشجار المثمرة بالمياه. كما أننا نحتاج، في ظل الجفاف الذي يكتسح المنطقة، إلى البحث عن موارد مائية أخرى، من أهمها معالجة المياه العادمة وإعادة استعمالها في السقي، سواء في المساحات الخضراء أو في الزراعة، ثم هناك تحلية مياه البحر، وهو إجراء ضروري في بعض الجهات المهددة بالجفاف مثل جهة "سوس ماسة" التي عرفت استنزافاً لمواردها المائية الجوفية وكذلك تسرب مياه البحر للآبار التي ارتفعت فيها درجة الملوحة ولم تعد صالحة للزراعة، مما استوجب البحث عن حلول بديلة، حيث تم إنشاء محطة لتحلية مياه البحر بـ "اشتوكة ايت باها" التي ساهمت في حل مشكل ندرة المياه سواء المستعمل في الفلاحة أو المياه الصالحة للشرب. 


الملاحظ أنه في بعض المناطق القروية هناك استغلال كبير للمياه الجوفية من خلال حفر الآبار بشكل عشوائي، هل يخضع ذلك لإجراءات وتدابير قانونية؟  
من المعروف أن عملية حفر الآبار تحتاج لتراخيص تصدر عن وكالة الحوض المائي بجهة مراكش، آسفي، وبالتالي فالآبار المرخص لها تخضع للرقابة بالتأكيد، غير أن تلك التي تحفر في ظروف عشوائية وهي كثيرة جداً تبقى بعيدة عن هذا الإجراء لأنها غير معروفة ومحددة. أعتقد أن شرطة المياه التابعة للوكالة المذكورة هي التي يفترض بها أن تقوم بدور المراقبة، وهنا أرى أن المراقبة إجراء ضروري ومهم للحفاظ على الموارد المائية، كما أشدد على ضرورة فرض عقوبات كذلك بالنسبة للأشخاص الذين لا يلتزمون بالقوانين المنظمة للمجال وذلك للحد من الاستنزاف الذي تتعرض له الموارد المائية، بالإضافة إلى برامج التوعية بالإجهاد المائي الذي نعيشه في المغرب.  


كيف يساهم المركز الوطني للأبحاث والدراسات في الطاقة والمياه في الحد من الإجهاد المائي بالمغرب؟ 
يقوم المركز التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش بأبحاث في مجال التنمية بشكل عام، ويحتل مجال تدبير المياه مكاناً مهما ضمنها، حيث أن المركز يتوفر على فرق أبحاث، كما يوفر تكوينات للطلبة بسلك الدكتوراه والماجستير، يعملون على أبحاث تطبيقية يمكن أن تساهم في تقديم حلول ناجعة لمعضلة المياه ببلادنا، ومن بين هذه الحلول هناك معالجة المياه العادمة وتأثيرها على المنتوجات الفلاحية، وهي أبحاث عمل عليها طلبة المركز من خلال وضع تقنيات إيكولوجية تعتمد على التربة والنباتات، وبفضل إخراجها من أسوار الجامعة، أصبحت تعتمد بشكل ميداني، بعد توقيع شراكتين مع جماعتين قرويتين من إقليم الحوز في مجال معالجة المياه العادمة بواسطة هذه التقنيات التي تم تطويرها داخل الجامعة. 
إذاً بفضلها استطعنا أن نجد حلا لمشكلة تلوث "الواد الحار" (الصرف الصحي) من جهة، ثم من جهة أخرى منح السكان مورداً مائياً يمكن استعماله في الزراعة بدون أضرار صحية، ونحن بصدد بلورة شراكة أخرى مع جماعة قروية بإقليم قلعة السراغنة لوضع هذه التقنية التي تبلورت داخل المركز لحل مشكلة الجفاف في هذه المناطق، بالإضافة إلى ما ذكرت يعمل المركز كذلك على مياه المصانع وتدوير النفايات وإعادة استعمالها في المعالجة، ثم هناك مشاريع تهتم بالفلاحة، من خلال تطوير مواد تسهم في تحسين جودة السقي، فضلاً عن منشورات لأبحاث علمية قيمة في المجال، ثم استعمال الذكاء الاصطناعي لتحديد كميات المياه التي يحتاجها الفلاحون لتطوير منتوجاتهم. 


لا يستسيغ بعض المواطنين/ت تقنية استعمال مياه عادمة معالَجة، معتقدين أنها مياه ملوثة، كيف يمكن للباحث/ـة إقناعهم بأن الأمر يتعلق بمياه نظيفة؟ 
ينبغي أن نعرف أن بعض الدول تعتمد معالجة مياه الصرف الصحي وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب كما في كاليفورنيا، والمكسيك وغيرها، وهي معالجة وجودة المياه مرتفعة، لكن بالنسبة للمغرب لم نصل بعد إلى هذا، نحن نطمح فقط لاستعمال المياه المعالجة للفلاحة وسقاية المساحات الخضراء بعيداً عن استعمال المياه للشرب، حتى لا تتكرر المشاهد اليومية التي تستنزف فيها الموارد المائية الجوفية.
إذا استطعنا أن نعيد استعمال بعض المياه المهدورة داخل البيت، وهي ما يطلق عليه بالمياه الرمادية (مياه التنظيف والاستحمام…) بعد فرزها عن المياه السوداء (مياه المراحيض) فإننا سنكون قد ساهمنا في الحد من استنزافها، لأنه لا يعقل أن نستعمل مياه صالحة للشرب في التنظيف والاستعمالات اليومية والتي لا تتطلب مياه بهذه الجودة، وأعتقد أنه لم يعد أمامنا الكثير من الحلول لكي نضع شروطاً للاستعمال، نحن اليوم مطالبون كمواطنين ومواطنات بأن نفكر بشكل تشاركي ومسؤول في حل للحد من هذا الاستنزاف الذي سيكلفنا الكثير مستقبلاً وسيفرض على الأجيال اللاحقة أن تواجه كارثة بيئية حقيقية.  
وفي هذا الشأن اقترح أن تكون هناك محطات معالجة داخل كل مجال ومؤسسة عمومية لإعادة استعمال المياه المعالجة بدل الاعتماد على مياه الآبار التي ينبغي الحفاظ عليها للتزود بالمياه الصالحة للشرب.  


كيف يمكن تفادي الإجهاد المائي وما هي السبل للحد منه؟
من خلال تجربتي في هذا الإطار، أرى أن الباحث لم يعد يعمل بمفرده، حيث أنه أصبح اليوم مطالباً بالتعاون مع شركاء آخرين مسؤولين حكوميين في قطاع تدبير المياه، ورؤساء جماعات بالمناطق القروية وكذلك أرباب المصانع المهتمة، وهذا التنوع في الشراكات يتيح للباحث الذي يعمل في الحقل العلمي أن يساهم في التنمية، من خلال بلورة مشاريع وأبحاث في شتى المجالات بما فيها المياه، وهنا ينبغي إشراك كل الفاعلين كذلك بمن فيهم وكالة الحوض المائي والمكتب الوطني للمياه الصالحة للشرب والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لإيجاد حلول يمكنها التخفيف من حدة هذه الأزمة.