بأنامل نسائية... مخلفات الحرب والبيئة تتحول إلى فن ومهنة

هرباً من الفقر والبطالة، تتوجه النساء في إدلب إلى فن تدوير النفايات ومخلفات الحرب بإمكانيات بسيطة، وخامات مستهلكة، لتخرج من بين أيديهن تحفاً غاية في الجمال، ونابضة بالحياة والإبداع.

لينا الخطيب

إدلب ـ تهتم نساء في إدلب بتحويل مخلفات الحرب والبيئة إلى تحف فنية ومجسمات مبتكرة بشكل إبداعي، ووضع لمسات جمالية عليها، بغرض بيعها أو استخدامها في تزيين المنازل أو الخيم.

تجمع براءة السلوم (26 عاماً) النازحة من بلدة مرديخ جنوبي إدلب الأكياس البلاستيكية والكرتون، وما تيسر من مهملات من على جوانب الطرقات وتحولها إلى تحف فنية، وكل ما يحتاجه البيت من تحف جميلة، تقول "هذا العمل ساعدني على مقاومة الملل الذي كنت أعيشه داخل منزلي، حيث كنت لا أجد ما أفعله، وقد تعلمت صنع عدة أشياء جميلة من المهملات، وبذلك أصبحت استفيد من وقتي".

ولفتت إلى أن المواد الأولية التي تعمل بها بسيطة، وهي الأشياء غير القابلة للاستخدام وما يتم التخلص منه في القمامة مثل الخشب والكرتون وبواقي الأقمشة والخرز والصوف "ما يريد أن يتخلص منه الإنسان من منزله أحوله إلى أشياء جميلة ومفيدة، منها سلال الورود والسفن واللوحات".

أما عبير السبع (22عاماً) النازحة من مدينة سراقب إلى مخيم العطاء في مدينة كفرتخاريم، فقد أتقنت إعادة التدوير لكي توفر لنفسها فرصة عمل، في ظل ارتفاع نسب البطالة "أنا طالبة جامعية، وأحتاج الكثير من المصاريف، لذا أعمل في مجال تحويل المهملات إلى تحف فنية، وأطمح أن يكون لي فضاء لعرض منتوجاتي، ويكون لي دخل مما تصنعه أناملي، حتى أساعد نفسي وأعين أسرتي في تأمين مصاريفنا اليومية".

كذلك تجمع رابعة المطر (33 عاماً) وهي نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مدينة إدلب، مخلفات الحرب من رصاص وصواريخ وقذائف، وتعمل على تزيينها والرسم عليها، وعن ذلك تقول "بعد موت زوجي بشظية قذيفة، قررت أن أبحث عن عمل أحبه وأبدع فيه لإيجاد مصدر دخل لي ولأطفالي الأيتام، حيث لفت انتباهي موضوع إعادة تدوير الأشياء المهملة وتحويلها إلى أشكال فنية".

وأشارت إلى أنها قررت أن تجمع القذائف ومخلفات الحرب التي كانت تنشر الموت والرعب في كل مكان، وتترك آثارها القاتلة على أجساد الناس، وتحولها إلى مجسمات تعكس الفن والجمال، وتغيير رسالة الدمار والموت التي تحملها القذيفة إلى رسالة بنيان وحياة، وأملاً بالخروج من جو الحرب إلى الأمن والأمان وعن الرسالة التي تريد إيصالها من هذا العمل تقول "يمكن للنساء أن تصنعن السلام من ركام الحروب ومخلفاتها".

فيما قالت مرح العبدو (33 عاماً) من مدينة أرمناز شمالي إدلب "أصنع أشكالاً مختلفة من مادة الشمع، وهي قطع فنية تستخدم للزينة والهدايا، وتحظى باهتمام شريحة كبيرة تعنى بالفن اليدوي، والحرف المتقنة المصنعة بجودة عالية".

وبينت أن الشموع متوفرة ويمكن إعادة تدويرها من جديد بكل يسر وسهولة، فضلاً عن أن هذا العمل لا يحتاج لرأسمال كبير مع توافر المواد الأولية من الشمع والأصبغة والعطور الطبيعية وبأسعار مناسبة، لافتةً إلى أنها تقوم بداية بتسخين مادة الشمع لتذويبها، ثم تبدأ بإضافة الصبغات والعطور إليها وتشكيلها بأشكال متنوعة وجذابة، مضيفةً أنها اتخذت من هذا العمل سبيلاً لكسب الرزق، من خلال بيع ما تصنعه كهدايا في الأفراح والمناسبات.

من جهتها ترى المرشدة الاجتماعية عائشة حاج مصطفى أن فن إعادة تدوير المخلفات المنزلية "يمكن أن ينتج عائداً اقتصادياً، ويحمل في جوانبه إبداعاً وتحفيزاً على الإبداع، ويمكن إعادة توظيفه في تنفيذ أعمال فنية أو تحويلها لمجسمات جمالية، أو في أي وظيفة أخرى بحيث تتحقق الفائدة للعائلات".

وبينت أن البعض يعتقد أن إعادة التدوير هي هواية وفن فقط، لكنها في الحقيقة مهنة يمكن تعلمها وإتقانها، وهي مقصد للباحثين عن التميز والخروج عن المألوف، مؤكدة أن هناك إقبال كبير على تعلم فن إعادة التدوير من قبل النساء في إدلب وأريافها.

وتنصح النساء بالعمل والإنتاج، لأن كل امرأة تمتلك مخزوناً من الأفكار التي من شأنها إذا ما تحولت إلى حيز التطبيق أن تواجه الظروف القاهرة.