إلى أين تتجه بيئة إقليم كردستان؟ ـ 3

في ظل تصاعد المخاطر البيئية التي تهدد إقليم كردستان، تسعى مجموعة "احمِ كويزە"، التي تأسست بمبادرة من نشطاء بيئيين وسكان مدينة السليمانية، حماية بيئة المنطقة التي تحولت إلى ساحة صراع بين مصالح اقتصادية وسياسية ضيقة.

هيلين أحمد

السليمانية ـ تشهد البيئة في إقليم كردستان تدهوراً متسارعاً نتيجة تدخلات من جهات داخلية وخارجية، تستخدم كأداة لتحقيق مصالح سياسية وإرضاء القوى الإقليمية المتنفذة، وتعد هذه الممارسات جزءاً من استراتيجية تهدف إلى تدمير البيئة لتحقيق أهداف ضيقة.

تسعى السلطات المحلية وفقاً للواقع الراهن، إلى تعزيز مصالحها الخاصة من خلال دعم النظام الرأسمالي، الذي استحوذ على جبل كويزە، حيث تقطع الأشجار بشكل ممنهج لإقامة مشاريع سكنية، هذا الأمر أثار موجة من الغضب بين سكان المنطقة والنشطاء البيئيين، الذين عبروا عن رفضهم لهذه السياسات، ونظموا ورش عمل تهدف إلى توعية المواطنين بمخاطر هذه المشاريع على البيئة والمجتمع.

وفي الـ 30 من أيار/مايو 2024، بادر مجموعة من النشطاء البيئيين وسكان المدينة إلى تأسيس فريق "احمِ كويزە"، بهدف حماية جبل كويزه من مشاريع التدمير البيئي وقد كثف الفريق جهوده عبر تنظيم فعاليات وتجمعات توعوية، ساعياً إلى حشد الدعم الشعبي لقضيته، إلا أن السلطات المحلية لجأت في نهاية المطاف إلى استخدام القوة المسلحة لقمع هذه التحركات، وأوقفت أنشطة الفريق تحت ذريعة دعم النظام الرأسمالي.

ورغم هذه الضغوط، يواصل النشطاء البيئيون التزامهم بالدفاع عن بيئة إقليم كردستان، مؤمنين بأن حماية الطبيعة مسؤولية جماعية لا يمكن إسكاتها بالقوة.

 

احمِ كويزه" صوت بيئي في مواجهة التدمير الممنهج

وأوضحت يريفان شاسوار الباحثة في الشؤون البيئية وعضوة مجموعة "احمِ كويزه"، إن السلطات في إقليم كردستان، من خلال أطراف داخلية وخارجية، تعمل على تهميش الشعب الكردي، وقد سعت المجموعة إلى وقف عمليات قطع الأشجار التي تنفذ بهدف إقامة مشاريع سكنية، كان أبرزها مشروع يمتد إلى سفح جبل كويزه، حيث يجري اقتلاع الأشجار بشكل ممنهج، إلا أن المجموعة واجهت عراقيل من جهات محلية حالت دون مواصلة جهودها لحماية البيئة، ولم تتمكن من تحقيق هدفها في الحفاظ على كويزه.

في الوقت الراهن، تستمر عمليات قطع الأشجار خدمةً لمصالح النظام الرأسمالي، لكن مجموعة "احمِ كويزه" استطاعت أن تجمع حولها عدداً من النشطاء البيئيين، والمواطنين، والإعلاميين، لتشكيل جبهة موحدة لحماية ديموغرافية المنطقة، وقد عبر هذا التحالف عن صوت جميع المجموعات البيئية، واضعاً نصب عينيه هدفاً واضحاً ألا وهو منع تدمير جبل كويزه.

وقد بدأت المجموعة بتنظيم ندوات وورش عمل تهدف إلى توعية السكان بمخاطر هذه المشاريع على الإنسان والبيئة، ونجحت في إيصال رسالتها إلى سكان مدينة السليمانية، مما دفعها إلى ممارسة ضغط مباشر على السلطات والمشاريع المعنية.

ورغم استمرار القمع والاعتقالات التي مارستها السلطات بحق أعضاء مجموعة "احمِ كويزه"، بقيت هذه المجموعة تمثل الصوت الوحيد المدافع عن بيئة مدينة السليمانية، مستندة إلى دعم المواطنين رغم الظروف الصعبة، ومع تصاعد المشاريع والتهديدات، اضطر الفريق إلى تعليق أنشطته، إلا أن "احمِ كويزه" ما تزال تشكل مساحة حيوية لتبادل الأفكار والمشورة بين النشطاء البيئيين.

وفي هذا السياق، أشارت يريفان شاسوار إلى أن السلطات والرأسماليين لا يسعون إلا لتحقيق مكاسبهم الخاصة، حتى وإن كان ذلك على حساب البيئة والإنسان، موضحةً أن الجهات المعنية تفتقر إلى أي رؤية استراتيجية طويلة الأمد لمواجهة التحديات البيئية، ولا تضع في اعتبارها مستقبلاً صحياً للبيئة، ونتيجة لهذا الإهمال، تتعرض البيئة للتدمير مما سيؤثر سلباً على حياة الإنسان في المستقبل القريب.

 

حماية البيئة مسؤولية جماعية تتجاوز المصالح السياسية

ولفتت إلى أن أعضاء البرلمان العراقي يكتفون بالترويج لأنفسهم عبر الملصقات الدعائية، دون أن يظهر أحدهم اهتماماً فعلياً بوجود بيئة صحية، ما يكشف أن الربح هو هدفهم الأساسي، وليس بناء مدن خضراء تضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة، فالمشهد السياسي لا يعكس سوى صراع على السلطة والمال، في ظل تجاهل واضح لوعي المواطنين الأكاديميين والنشطاء البيئيين، الذين لا يمكن إخضاعهم بالمال أو القوة.

وأضافت "بيئة بلدي ملكٌ لمواطنيها وليست ملكاً للجهات أو السلطات المحلية"، مشددةً على أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة بصفتها أماً ومسؤولة عن الأسرة في حماية البيئة هذا الدور التربوي يُنقل إلى الأجيال القادمة، ويتفوق في تأثيره على العديد من المؤسسات البيئية "رغم امتلاكنا للمنازل فإن بيتنا الأكبر هو بيئة مدينتنا، ويجب علينا أن نخرج من حدود منازلنا لحمايتها".

ودعت المواطنين إلى المشاركة الفاعلة في حماية البيئة من خلال رفع أصواتهم، مؤكدةً أنه إذا انخرط 80% من السكان في الدفاع عن الأرض ضد المحتلين الداخليين والخارجيين، سيتمكنون من بناء بيئة صحية ومستقرة "المحتلون الخارجيون يدخلون بأسلحتهم وموادهم الكيميائية، بينما تتولى السلطات المحلية مهمة التدمير من الداخل".

وأشارت إلى أن الإنسان في سعيه غير العقلاني للسكن، يحرق الجبال ويهجر الحيوانات التي لا تستطيع العيش في بيئة مدمرة، كما أن تدمير المناطق الحدودية يمهد الطريق لتخريب البيئة داخل المدن، في محاولة لتهميش سكان إقليم كردستان عبر القضاء على محيطهم الطبيعي.

وبصفتها عضوًا في فريق "احمِ كويزه"، أكدت يريفان شاسوار التزامها الدائم بخدمة البيئة، التي تمثل حياته وحياة الأجيال القادمة، مشددةً على أن البيئة ليست ملكاً لأي جهة أو سلطة، فحمايتها لا تتوقف عند نشاط فريق واحد، وإذا توقف "احمِ كويزه" في مرحلة ما، فإن مسؤولية حماية البيئة يجب أن تستمر عبر مئات المبادرات والأنشطة الأخرى.