النضال من أجل البقاء في جوانرو
في جوانرو وبسبب الفقر ونقص فرص العمل، لجأ الناس إلى أعمال مثل إنتاج الفحم والعمل كباعة متجولين، حيث تعيش النساء والأطفال في هذه المنطقة ظروفاً صعبة للبقاء على قيد الحياة على الرغم من أنها غنية بالموارد الطبيعية.

سوما كرمي
جوانرو ـ أصبحت قضية الموارد الطبيعية والبيئة اليوم موضوع نقاش جدي في الأوساط العلمية ووسائل الإعلام، وأشارت الأبحاث والتغيرات الأخيرة في ظروف الأرض إلى أن كوكب الأرض يشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة وأن الغابات تختفي بسرعة.
يشكل انخفاض إنتاج الغذاء بسبب تآكل التربة والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، والتلوث الجوي الشديد في المدن الكبرى تهديدات خطيرة على صحة الإنسان، وقد أدت الفيضانات المتزايدة وإزالة الغابات على نطاق واسع خاصةً في المناطق التي تنتج الأكسجين وتمتص الكربون إلى خلق أزمة، كما هو حال غابات زاغروس التي تبلغ مساحتها أكثر من خمسة ملايين هكتار وتتمتع بأهمية خاصة اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً.
وتعد هذه المنطقة من أكثر المناطق حرماناً وفقراً في إيران من حيث مؤشرات التنمية، وأدى إغلاق وحدات الإنتاج وانعدام فرص العمل وانسداد طرق التجارة المحلية إلى عيش الأهالي في ضائقة اقتصادية، ونتيجة لذلك لجأت العديد من الأسر إلى أعمال خطيرة مثل إنتاج الفحم والعمل كباعة متجولين لكسب لقمة العيش في جوانرو بمحافظة كرماشان، وكما يوحي اسمها والتي تعني الجميلة ذات الطبيعة الغنية والخصبة، تعرضت للتهديد من قبل مافيا الطبيعة في السنوات الأخيرة.
وأدى قطع الأشجار وإنتاج الفحم من قبل السكان الأصليين إلى تدمير الموارد الطبيعية، كما أدى ارتفاع معدلات البطالة ونقص فرص العمل إلى دفع الشباب المتعلم إلى العمل في وظائف شاقة ودنيئة، بما في ذلك العمل كباعة متجولين ومنتجي فحم.
حيث قالت (طبيبة. غ) البالغة من العمر 70عاماً من قرية زيران في مقاطعة جوانرو إنها بدلاً من الاسترخاء مع أطفالها وأحفادها، تبحث عن أغصان البلوط الجافة على الجبال في قريتها وتقوم بجمعها لإنتاج الفحم، ومن ثم تحملها على كتفيها، وتحضرها إلى القرية حيث تعيش في منزل من القش بدون أي مرافق، ومصدر دخلها الوحيد هو بيع الفحم وجمع الفستق.
وأشارت إلى أنها لجأت إلى إنتاج الفحم نتيجة تدهور أحولها الاقتصادية "في هذا العمر من الصعب جداً بالنسبة لي التنقل عبر هذه الجبال الوعرة، أحياناً أذهب إلى الجبال وحدي، وأحياناً أخرى آخذ معي حفيدي الذي يبلغ من العمر 11عام، كما أنه من الصعب جداً بالنسبة لي استخدام الفأس وقطع أغصان الأشجار وجذوعها، لكن ليس لدي خيار آخر، فإذا لم أفعل هذه الأشياء لن أتمكن من تحمل مصاريف المنزل، لدي ثلاثة أبناء وبنت، وهم أيضاً ليسوا في وضع مالي جيد ولا يستطيعون مساعدتي مالياً، بعد وفاة زوجي قمت بتربية أبنائي في فقر وحرمان والآن وفي هذا العمر يجب علي إنتاج الفحم لتغطية نفقات معيشتي، إنهم يشترون كل كيس من الفحم بمبلغ 250 ألف تومان فقط، وهو مبلغ لا يكفي لشراء دجاجة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي".
وأضافت "عندما ينضج شجر الرماد الجبلي، أذهب إلى الجبال القريبة من القرية لتحطيبه وكسب دخلي من خلال بيعه، وفي الصيف وبعد انتهاء حصاد زيت التربنتين، أقوم بجمع الزيت المتبقي على شجرة فان".
ولفتت إلى أن "أهالي قريتنا ليس لديهم أي مصدر دخل، لذلك اتجه معظمهم إلى إنتاج الفحم بسبب الفقر، في حين لا يوجد أحد مهتم بالطبيعة وأشجار هذه الأرض مثل شعبنا، لكن ماذا يجب عليهم أن يفعلوا إذا لم يفعلوا ذلك سيموتون جوعاً أو سيجبرون على الهجرة إلى أماكن أخرى بحثاً عن العمل في مدن ومناطق مختلفة"، مضيفةً أنه "حتى في كرمانشان، لا توجد فرص عمل لشبابنا لذلك يضطرون للانتقال إلى طهران والمدن الأخرى بحثاً عن عمل في المصانع".
بدورها قالت (ماهان. ز) وهي طفلة تبلغ من العمر 13عام فقدت والدتها منذ ست سنوات، وهي الآن تكسب رزقها من بيع الفحم والعمل كبائعة متجولة مع شقيقها الأكبر "بعد وفاة والدتي تزوج والدي مرة أخرى، لم تكن زوجة والدي على علاقة جيدة بي وبأخي وشقيقتي، لذلك كان علينا أن نعيش في غرفة منفصلة، لم نكن في وضع مالي جيد، كان والدي عاطلاً عن العمل ولم يكن قادراً على توفير النفقات المعيشة لعائلتين، ولهذا السبب ترك أخي المدرسة وذهب إلى الحدود للعمل كبائع متجول في سن مبكرة، استمرت حياتنا رغم الكثير من الضغوط كنا دائماً نشعر بالقلق من أن يحدث شيء سيء لأخي على الحدود، حتى أنه في إحدى الأيام تعرضت السيارة التي كان أخي بداخلها لحادث وكسر كتفه، لذلك لم يعد الآن قادراً على العمل في مهن شاقة".
وأوضحت أنه بعد الحادث الذي تعرض له شقيقها، اضطررت إلى العمل في إنتاج الفحم "في البداية كنت أذهب إلى الجبال مع أحد أعمامي وأساعده، كما أعطاني عمي بعضاً من المال من بيع الفحم، ولكن بعد فترة ذهبت إلى الجبال وحدي، حتى الآن عندما أكسر فرعاً مبللًا من شجرة أشعر بحزن شديد، ولكن ليس لدي خيار سوى القيام بذلك، ذهبنا إلى مكتب لجنة الإغاثة عدة مرات، لكنهم لم يفعلوا لنا شيئاً، في كل مرة يرفضون مساعدتنا مدعين أن والدنا على قيد الحياة، الأب الذي قد يكون غيابه أفضل لنا من حضوره".
وتساءلت هل من الممكن أن يكون البشر مختلفين إلى هذا الحد؟ "أصدقائي في نفس عمري وعمر أخي ما زالوا يدرسون ويلعبون في المدرسة وفي الشوارع، لكننا أصبحنا كباراً في هذا العمر، حلمت أيضاً أنني أستيقظ على صوت أمي في الصباح وأذهب إلى المدرسة، عندما كنت أعود من المدرسة في الظهيرة كانت أمي تستقبلني وتقول لي ماهان ألا تشعرين بالجوع؟ وفي الليل، أنام في حضن أمي الدافئ، لكن في هذا العمر يجب أن أفكر فيما سأطبخه للعشاء الليلة والغداء غداً".
إن الفقر المنظم في شرق كردستان ليس حادثاً عرضياً، بل هو نتيجة للسياسات القمعية والتمييزية التي تنتهجها الحكومة، وما دامت هذه السياسات مستمرة فإن الأطفال والنساء المتقدمات في السن ستجبرن إلى النضال من أجل البقاء، في حين أن الموارد الطبيعية الغنية في المنطقة قد تؤدي إلى تحسين أوضاعهم المعيشية.