الحرب في قطاع غزة تتسبب بآثار كارثية على البيئة

تلقي الأزمة الإنسانية في غزة بظلالها على الصورة العامة للحرب في القطاع، إلا أن التكلفة البيئية لهذه الحرب، ووفق تقرير علمي، تتمثل بانبعاثات هائلة وتؤدي إلى آثار كارثية على القطاع وسكانه ومستقبل الحياة فيه.

بيروت ـ منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والحرب مستمرة على غزة، وقد غطت الأزمة الإنسانية المتمثلة بارتفاع عدد قتلى الحرب بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس إلى 28 ألفاً و663 فلسطينياً حتى وقت كتابة هذا التقرير، على ضحية هذا الصراع الكبرى، وهي بيئة هذا القطاع خصوصاً وعلى الدول المجاورة والعالم.

بالإضافة إلى المخاطر التي تطال الأمن الغذائي والصحي لسكان القطاع، فإن آثار هذه الحرب البيئية هائلة وطويلة الأمد، ذلك أن تلوث المياه والتربة والهواء وما يتبعها من خسائر فادحة في المحاصيل والبنية التحتية واستنزاف للموارد الطبيعية في غزة، فضلاً عن الانبعاثات الناتجة عن مئات الأطنان من القنابل والأسلحة الممنوعة دولياً مثل الفوسفور الأبيض في التجمعات السكنية، وهذه المخاطر جميعاً تهدد مستقبل القطاع من النواحي كافة، من قبل أنه لن يكون مناسباً للحياة في المستقبل، وهو ما يمكن إدراجه كأحد بنود الإبادة الجماعية التي سلطت عليها الأنظار مؤخراً في محكمة العدل الدولية.

 

تقرير علمي

ووفقاً للتقرير العلمي لباحثين بريطانيين نشر في كانون الثاني/يناير الماضي، الذي يعتمد على عدد قليل فقط من الأنشطة كثيفة الكربون، والتي ربما تكون أقل من الواقع بشكل كبير، فإن التكلفة المناخية خلال الأيام الستين الأولى من الهجوم العسكري الإسرائيلي كانت تعادل حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم، ووفقاً لمنظمة Euro-Med Monitor تقدر قوته بضعف قنبلة نووية خلال الشهرين الأولين من الحرب، كما وأدى لانبعاثات تتجاوز 20 منطقة ودولة من أكثر مناطق العالم تعرضاً لتغير المناخ، بينما ولدت الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل خلال نفس الفترة حوالي 713 طناً من ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل حرق حوالي 300 طن من الفحم، مما يؤكد عدم التماثل في آلية الحرب وبالتالي التلوث البيئي بين الجانبين المتحاربين.

وإن أضيف إلى هذه التكلفة البيئية بناء الأنفاق من قبل حماس والجدار الحديدي من قبل إسرائيل، تصل الانبعاثات إلى ما يزيد عن انبعاثات 33 بلداً ومنطقة مجتمعة، وفي المقابل فإن إعادة بناء غزة بعد الحرب ستتجاوز انبعاثات أكثر من 130 دولة وتتجاوز 30 مليون طن متري من ثاني أوكسيد الكربون، وطالب الفريق العلمي بأن تدرج الحروب ضمن الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ليتم شملها كمصدر للانبعاثات المهولة، وبأن التكلفة البيئية ومتابعتها تشكل ضرورة وسط ضعف في هذا المجال من قبل العالم أجمع.

 

تكلفة النزاع البيئية

 ووفقاً لتقرير بيئي لمرصد النزاعات والبيئة (CEOBS)، فإن الجيوش مسؤولة عن 5.5% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وقد يكون هذا الرقم أقل من الواقع بسبب الافتقار إلى الشفافية من جانب الجيوش، حيث اعتمد التقرير احصائيات لمصادر عسكرية.

ولا تمثل هذه الأرقام سوى لمحة صغيرة من التكلفة الإجمالية للحروب على البيئة والسكان، وإذا تمت إضافة التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية، فمن المهم ملاحظة أن البصمة الكربونية للأنشطة العسكرية لا تأتي فقط من انبعاثاتها المباشرة مثل الوقود الأحفوري أو وقود الديزل المستخدم في تشغيل الطائرات والسفن البحرية والدبابات، وهجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك، ولكن أيضاً من سلسلة التوريد والتصنيع العسكري بأكمله، فحركة الأصول العسكرية من قبل دول أخرى مثل الولايات المتحدة، فإن الواقع يصبح أكثر قتامة بكثير، فالانبعاثات المرتبطة بالعمليات العسكرية ليست سوى جانب واحد من الكارثة البيئية التي تواجه غزة والمنطقة.

 

الأمن الطاقوي

ومن جهة ثانية، فإن حرمان المدنيين في غزة من الوصول إلى الكهرباء هو شكل من أشكال العقاب الجماعي ويشكل جريمة حرب، ولأن إسرائيل تسيطر على إمدادات الطاقة في غزة وحدودها، فإن القادة الإسرائيليين يستطيعون حرمان سكان غزة من هذه الخدمة الأساسية في أي وقت تقريباً، ولكي يحصل الفلسطينيون على سيادة ذات معنى، يجب عليهم السيطرة على موارد الطاقة والبنية التحتية التي يعتمدون عليها، وينبغي أن يشمل ذلك حقل الغاز الطبيعي البحري في غزة، والذي يمكن أن يزود الفلسطينيين بإمدادات آمنة من الطاقة ويقلل بشكل كبير من الاعتماد على إسرائيل، وفي هذا المجال، كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، لا يمكن للعالم أن يستمر في توقع أن يعيش الفلسطينيون في حالة من التبعية الدائمة وانعدام الأمن.

 

البنية التحتية والأمن الغذائي

كما أدت الحرب في غزة إلى تدمير البنية التحتية القديمة للمياه والصرف الصحي وبيئة القطاع الطبيعية، وإلى تلوث مياه البحر وتعريض السكان لمختلف المخاطر الصحية المرتفعة، بشكل عام، أنتجت الحرب في غزة ظروفاً كارثية للبيئة ولسكان غزة والمنطقة، مما جعل معظم الأراضي غير صالحة للسكن، ويعتبر استمرار العملية العسكرية غير مبرر بأي مقياس، بما في ذلك خسائره البيئية، وهو ما زاد بشكل كبير من المعاناة الشديدة للمدنيين الذين يواجهون بالفعل نقصاً حاداً في الغذاء، فلا أحد لديه ما يكفي من الطعام، ويقدر أنه من بين 700 ألف شخص من الأشخاص الأكثر جوعاً في العالم.

 

الفقر المائي

وبالنسبة إلى الفقر والأمن المائي، فكون القطاع يعتمد على المياه المحلاة والتي تحتاج إلى الطاقة، والتي يفتقر إليها القطاع كثيراً في هذه المرحلة، فالاعتماد على المياه الجوفية خطر للغاية، ووفقاً لتقرير علمي لباحثين في جامعات في إسرائيل أواخر العام الماضي، فإنه يوجد حالياً في غزة حوالي 500 بئراً غير صالحة للاستخدام بسبب التلوث ولم يتم إعادة تأهيلها، وفي حالات الطوارئ، عندما لا تكون تحلية المياه ممكنة، يصبح ضخ المياه الجوفية أمراً بالغ الأهمية، وبالتالي، يجب إعادة تأهيل الآبار الملوثة، ومع اندلاع الحرب كان هناك قلق من نقص الكلور حتى لتنقية مياه الشرب، مع ما يمكن أن يؤدي إلى أمراض سارية عبر شرب المياه الملوثة فضلاً عن السموم الكيميائية التي تسربت إلى المياه نتيجة النزاع المستمر.

ومنذ فترة 15 عاماً أي منذ بدء حصار إسرائيل لقطاع غزة، وثمة تقارير علمية مختلفة تحذر من الوضع البيئي في القطاع، إلا أنه بعد فترة طويلة فإن آثار النزاعات المسلحة البيئية تستمر في التأثير من خلال تدهور التربة، وتلوث المياه، وتدمير الموائل، والتلوث بالذخائر غير المنفجرة وبقايا المواد الكيميائية، ما يجعل الحياة لسكان القطاع والحياة البرية محفوفة بالمخاطر وصعبة للغاية، مع ما يرافقه من تحديات للأمن الغذائي والصحي والبيئي والسلامة العامة.