الحرب في غزة... إبادة بيئية تهدد العالم بأكمله

اشتداد الأزمة البيئية والمناخية جراء الحرب المدمرة والعمليات العسكرية المكثفة في قطاع غزة، كلها مؤشرات تنذر بإبادة بيئية على مستوى العالم.

نغم كراجة

غزة ـ تعد غزة واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من النزاعات في العالم، وتأتي هذه النزاعات مصحوبة بتدمير واسع للبيئة والمناخ، وشهد القطاع تدهوراً بيئياً حاداً وزيادة غير مسبوقة في البصمة الكربونية نتيجة الحرب والعمليات العسكرية المستمرة.

قالت المهندسة إسراء وائل شبلاق، إن التأثيرات البيئية للحرب في قطاع غزة غير مسبوقة، إضافة للعمليات العسكرية واستخدام الأسلحة الثقيلة والتي تؤدي بدورها إلى أضرار بيئية خطيرة عملت على تدمير البيئة وازدياد حدة التلوث وتدهور كافة الأنظمة البيئية والأيكولوجية واختلال التوازن البيئي لكافة الموارد البيئية الحية مثل الكائنات الحية والنباتات، مشيرةً إلى أنه للأسف فترة التعافي ستكون مؤلمة وطويلة، فضلاً عن مخاطر الأضرار التي لا يمكن إصلاحها للنظم البيئية الطبيعية إضافة لزيادة وتيرة كافة أنواع التلوث مثل تلوث الهواء والمياه والتربة والنفايات.

وأوضحت أن تلوث الهواء يشكل خطراً على صحة الإنسان والذي ربما يستمر لفترة طويلة حتى بعد توقف الحرب، كما أن الذخائر غير المنفجرة ستشكل مخاطر جمة على صحة الأطفال والنساء بشكل خاص، لافتةً إلى أن العمليات العسكرية تساهم في ازدياد واضح لتلوث التربة حيث أن القوات الاسرائيلية دمرت معظم الغطاء  النباتي واقتلعت الأراضي والدفيئات الزراعية بواسطة الجرافات والقنابل والتي تعتبر مصدر أساسي لإنتاج الغذاء، اضافة إلى تسرب كميات ضخمة من العناصر الثقيلة والمواد الكيميائية السامة كالرصاص والكادميوم والأمونيوم الذي بدوره يهدد الأمن الغذائي والسلة الغذائية وتحقيق الاستدامة البيئية.

إضافة إلى ذلك، انهارت البنية الأساسية الحيوية وأنظمة المياه وشبكات الصرف الصحي ومياه الامطار والآبار الجوفية وكل ما يتعلق بتمديدات النظافة الصحية يعتبر معطل بشكل كامل تقريبا، الأمر الذي يؤدي إلى تهديد واضح للأمن المائي، علاوة على ذلك أُغلِقت محطات معالجة مياه الصرف الصحي، مما أدى إلى تلوث الشواطئ والمياه الساحلية، كما أن تدمير محطات تحلية المياه العامة والخاصة زاد من حدة العجز المائي وفاقم أزمة المياه وزاد من معاناة الأهالي في غزة بصورة خانقة، بحسب ما قالته إسراء وائل شبلاق.

ولفتت إلى أن هناك تراكم مئات آلاف الأطنان من النفايات بصورة عشوائية في المناطق المأهولة بالسكان أو بالقرب منها في مختلف أنحاء القطاع خاصة حول المخيمات والملاجئ، مما يشكل مخاطر بيئية وصحية كارثية، كما أن إزالة الركام ستكون مهمة ضخمة ومعقدة، ويجب أن تبدأ في أقرب وقت ممكن لتمكين أنواع أخرى من التعافي وإعادة الإعمار، لاسيما أنه يشكل مخاطر على صحة الإنسان والبيئة، ناجمة عن الغبار والتلوث بالذخائر غير المنفجرة ومادة الأسبستوس والنفايات الصناعية والطبية وغيرها من المواد الخطرة".

 

زيادة البصمة الكربونية كارثة بيئية ومناخية

وأوضحت أن العمليات العسكرية والحروب زادت من تفاقم معدلات البصمة الكربونية حيث أن استخدام الأسلحة والمعدات العسكرية بهذه الصورة العنيفة أثرت على استهلاك وانبعاث كميات كبيرة من الوقود الأحفوري وأطلاق كميات ضخمة من الغازات الضارة والغازات الدفيئة، مما يزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية خاصة غاز ثاني اكسيد الكربون، كما أن فقدان الغطاء النباتي الذي عمل على تدهور التربة وزيادة التصحر، يؤثر سلباً على التنوع البيولوجي ويجعلها أكثر عرضة للتدهور البيئي مما يزيد من الأعباء البيئية والمناخية.

وقالت "مما لا شك فيه إن إسرائيل بهذه العمليات تجاوزت البصمة البيئية العادلة المخصصة لها وحرمت قطاع غزة من الكثير من الموارد الطبيعية وهذا ما يؤكد عدم وجود عدالة بيئية"، لافتةً إلى أن "نقص غاز الطهي في قطاع غزة أجبر الأسر على حرق الخشب والبلاستيك والنفايات، الأمر الذي فاقم الأزمة البيئية وأزمة المناخ وعمل على ازدياد معدلات تركيز الغازات الدفيئة وزيادة معدلات التلوث الكربوني".

وأشارت إلى أن "القوات الإسرائيلية ألحقت أضراراً كاملة بجميع عناصر الحياة والبيئة في غزة ولابد من وقف الأضرار البيئية في القطاع بأقرب وقت والبحث عن السبل الكفيلة بتخفيض هذه الانبعاثات ومن ثم حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة والتي تقاس بمجموعة من المؤشرات أهمها البصمة البيئية وبصمة الكربون".

وأضافت "أن الانبعاثات السامة المتراكمة في المياه والهواء جراء الحرب المستمرة في شهرها العاشر ستكون أكبر تهديد للعالم نظراً لأن اسرائيل تجاوزت حصتها الكربونية المحددة مما أخلّ بالتوازن البيئي على مستوى العالم نحن على أعتاب إبادة بيئية تهدد العالم بأسره".

ونوهت "يمكن للدول والمنظمات الدولية تقديم الدعم المالي والتقني والفني للمشاريع البيئية، بالإضافة إلى الضغط السياسي لإنهاء العمليات العسكرية التي تتسبب في التدهور البيئي".

 

حلول وبدائل لتجاوز الأزمة البيئية

وبينت أن إعادة تأهيل البيئة في قطاع غزة يتطلب جهوداً مركزة لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية والمناطق المتضررة، مؤكدةً أن حل التحديات البيئية المباشرة والغير مباشرة في غزة أمر أساسي لصحة شعبها ويجب دمجه في كافة خطط التعافي وإعادة الإعمار والسياسات الاستراتيجية، كما ينبغي أن يكون التحليل البيئي وتقييم التلوث الناجم المرتبط بالصراع، جزءاً لا يتجزأ من تخطيط التعافي وإعادة الإعمار المستقبلية.

"هذه الخطوات ستساعد في مراقبة وإدارة وتقييم الموارد البيئية؛ ومعرفة المخاطر المرتبطة بالعجز في الموارد البيئية؛ ووضع سياسات المحافظة على المصادر البيئية؛ وقياس مدى التقدم نحو أهداف المحافظة على المصادر البيئية التي تعمل على تقليل معدلات ثاني أكسيد الكربون وزيادة التنوع البيولوجي"؛ وفق ما قالته أسراء وائل شبلاق.

وأكدت على أهم الحلول التي يمكن أخدها بعين الاعتبار لتقليل معدلات البصمة الكربونية والتلوث البيئي وهي   البحث عن مصادر للطاقة المتجددة النظيفة واستغلالها بديلاً عن الوقود الأحفوري، التقليل من كافة أنواع النفايات وخاصة الخطيرة منها ومراقبة كافة النفايات الصادرة عن النشاطات الصناعية وإلزام المصانع بحصة كربونية محددة، مراقبة النشاطات الزراعية وإلزامها بالتحول إلى زراعات عضوية ومستدامة صديقة للبيئة، إضافة إلى استغلال وتطوير وسائل النقل الجماعي للتخفيف من استخدام وسائل النقل الفردية التي تطلق ملايين اللترات من الغازات الضارة يومياً، والترشيد في استهلاك الكهرباء والمياه واستخدامهما بشكل أكثر فعالية ومسؤولية.

بالإضافة إلى تطوير أنظمة فعالة لإدارة النفايات لتقليل الانبعاثات الكربونية، ومعالجة النفايات بطريقة بيئية سليمة، مما سيساهم في تقليل التلوث وتحسين جودة الهواء والمياه، وإعادة تدوير المواد القابلة للتدوير واستخدامها في عمليات الإنتاج من جديد، واستخدام الآلات والأجهزة والمعدات والمشاريع ذات الكفاءة العالية والصديقة للبيئة، والتوسع في زراعة الأشجار والغابات وإعادة استزراع الغطاء النباتي الطبيعي واعتماد الأبنية الخضراء في عمليات البناء، إلى جانب تكثيف الجهود في مجال مكافحة تغير المناخ العالمي وتحقيق التنمية المستدامة في قطاع الطاقة من خلال التخفيف من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خاصة أي تخفيض بصمة الكربون، والعمل على تحسين كفاءة الطاقة في جميع القطاعات من أجل التخفيض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومن ثم بصمة الكربون.

ومن الحلول المطروحة أيضاً العمل على تطوير التكنولوجيا النظيفة في قطاع الطاقة ومن أهمها تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، التقدير المستمر للبصمة البيئية وبصمة الكربون من طرف الدول وفرض غرامات وضرائب وتطبيق قوانين صارمة في حال تجاوز المستويات المحددة والمقبولة بيئياً، وتكثيف حملات التوعية للأفراد و المؤسسات من أجل تغيير نمط استهلاكهم للطاقة بما يعزز التخفيض من بصمة الكربون والبصمة البيئية، لافتة إلى أن زيادة التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة والمناخ يجب أن تكون جزءاً أساسياً من الحلول "التعليم البيئي يمكن أن يساعد في نشر الوعي بين السكان حول كيفية تقليل تأثيراتهم البيئية وتعزيز ممارسات مستدامة"، إضافة إلى اعتماد مبادئ ومنهجيات الاقتصاد الأخضر وتطبيق استراتيجياته وإمكانية توفير حلول مستدامة تساهم في تحسين الوضع البيئي والاقتصادي في غزة على المدى الطويل.

 

الاقتصاد الأخضر كبديل وحل

في البداية عُرف مفهوم الاقتصاد الأخضر بأنه نظام اقتصادي يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية وتحقيق التنمية المستدامة دون المساس بالموارد الطبيعية، ويعتمد على استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتقليل الانبعاثات والتلوث.

وحول فوائد الاقتصاد الأخضر لقطاع غزة أوضحت أسراء وائل شبلاق، أنه يساهم في تقليل الانبعاثات والتلوث، ويمكن أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة والتلوث البيئي والبصمة الكربونية من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمسية والرياح بدلاً من الوقود الأحفوري، وتحسين أنظمة معالجة المياه وإعادة تدويرها، مما يساعد في توفير مياه نظيفة وصالحة للشرب، كذلك تعزيز الأمن الغذائي من خلال تحسين الإنتاج الزراعي من خلال تقنيات الزراعة المستدامة التي تحافظ على التربة والمياه.

 

استراتيجيات تطبيق الاقتصاد الأخضر في غزة

وبينت أن الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال تشجيع استخدام الألواح الشمسية يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويساهم في تقليل الانبعاثات، بالإضافة إلى تنفيذ برامج لإعادة تدوير النفايات وتقليل المخلفات الصلبة، مما يقلل من التلوث ويحافظ على الموارد، وتطبيق تقنيات الزراعة العضوية والزراعة بدون تربة لتحسين الإنتاج الغذائي مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، مشيرة إلى أن أهم استراتيجيات الاقتصاد الأخضر وهو بناء وتحديث المنشآت باستخدام مواد وتقنيات صديقة للبيئة، مما يقلل من الأثر البيئي للبناء من أجل تطوير البنية التحتية الخضراء.

 

تأثير الأزمة البيئية والمناخية على حياة النساء

وتؤثر هذه الأزمة البيئية الناتجة عن الحرب المستمرة في قطاع غزة بشكل خاص على النساء والفتيات، حيث تعانين من عبء إضافي نتيجة تدمير البنية التحتية الأساسية، كما تتحملن مسؤولية كبيرة في توفير المياه النظيفة والطعام لعائلاتهن، وتواجهن تحديات متزايدة بسبب ندرة الموارد وتلوث المياه، إضافة إلى أنهن تتعرضن لمخاطر صحية أعلى نتيجة تلوث الهواء والمياه، مما يزيد من حالات الأمراض المزمنة والأمراض التنفسية لهن.

وأكدت أن الأعباء اليومية تفاقمت على كاهل النساء في غزة، فهن المسؤولات بشكل رئيسي عن إدارة الموارد المنزلية التي باتت أركانها في مراكز الإيواء ومخيمات اللجوء، بما في ذلك جمع المياه والطهي ومهمات التنظيف اليومية الشاقة مع تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وأصبحت هذه المهام أكثر صعوبة وخطورة، حيث تعين عليهن قطع مسافات طويلة لجلب المياه، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض.

وأوضحت أنها تعقد جلسات وورش توعوية وتثقيفية حول أهمية وكيفية الحفاظ على استدامة المياه في وقت الازمات والطوارئ، وكيفية الحماية والوقاية من الامراض المنقولة عبر المياه، وأهم الطرق المتبعة لترشيد استهلاك المياه، والحفاظ على النظافة والصحة العامة، وماهي الاستراتيجيات المتبعة لحماية الموارد البيئية وتحقيق الاستدامة البيئية، مستهدفةً النساء والفتيات في مواقع نزوحهن، باعتبارهن الفئة الأكثر تضرراً وهشاشة وتحملاً للمسؤولية في ظل الظروف الحالية، مما يجعل هذه المشاريع والمبادرات ضرورية لتمكينهم من إدارة الموارد البيئية بشكل مستدام والتكيف مع التحديات البيئية القائمة.

ونوهت إلى "إن الأزمة البيئية في قطاع غزة تتطلب استجابة عاجلة ومتكاملة فالحروب والعمليات العسكرية لها آثار مدمرة على البيئة والمناخ، مما يزيد من التحديات الصحية والاقتصادية للسكان".