ثلاث سنوات على الزلزال... أزمة صحية مستمرة في هاتاي
لا تزال ولاية هاتاي التركية تعاني من دمار واسع ونقص حاد في البنية التحتية والخدمات الصحية بعد مرور ثلاث سنوات على كارثة الزلزال، ما يثقل كاهل النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر في إعادة بناء الحياة اليومية.
بنفش ستيرك
هاتاي ـ بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات على الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط/فبراير 2023، لا تزال محاولات معالجة آثار الزلزال مستمرة. ففي ولاية هاتاي وحدها، انهارت ثماني مستشفيات، منها ثلاث حكومية وخمس خاصة.
كما تضررت ثلاث مستشفيات حكومية أخرى بشكل كبير وأصبحت غير صالحة للاستخدام. إضافة إلى ذلك، انهارت 57 وحدة طبية للطوارئ، وتعرض مركزان حكوميان للرعاية الصحية الأسرية لأضرار جسيمة، ما فاقم من أزمة الرعاية الصحية في المنطقة المنكوبة.
ليلى كالين، ممرضة تعمل في ولاية هاتاي، عادت إلى المدينة بعد كارثة الزلزال، لكنها تصف الواقع بأنه بعيد كل البعد عن الخطابات الرسمية "لقد مرّت قرابة ثلاث سنوات على الزلزال، ومع ذلك لا يمكننا القول إن شيئاً قد أُعيد بناؤه بالكامل. المدينة ما زالت تنزف"، مضيفةً "في وسائل الإعلام يقولون إن المنطقة أصبحت نظيفة وآمنة، لكن عندما نتجول فيها، نرى أن نصف السكان لا يزالون يعيشون في غرف مسبقة الصنع، تجاوزت صلاحيتها منذ زمن. هذه الغرف لا تقي من المطر الذي يتسرب إلى داخلها، ولا تحمي من الحرّ، مما يجعل الأمطار مصدر معاناة حقيقية لنا".
وأدركت أن مجرد التنقل داخل المدينة بات تحدياً يومياً "قبل الزلزال، كانت المسافة بين منزلي والمستشفى لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، أما الآن، فحتى من يملك سيارة يحتاج إلى ساعة على الأقل للوصول، وإذا لم تكن لديك سيارة واضطررت لاستخدام وسائل النقل أو السير على الأقدام، فلن تصل في أقل من ساعتين".
وتتابع "لا توجد طرق معبّدة في المدينة، وقد يكون ذلك واضحاً في بعض التقارير الإخبارية، لكن الواقع أقسى. في الأيام الجافة، نعمل وسط الغبار والتراب، وفي الأيام الممطرة، نغوص في الطين والمياه. لا توجد طرق نظيفة تليق بكرامة الإنسان، وكأن العيش في هذه المدينة بات اختباراً يومياً للصبر والتحمّل".
عبّرت ليلى كالين عن التناقض المؤلم بين ما يُقال للناس حول كيفية حماية صحتهم، وبين الواقع الذي تعيشه هي نفسها "أُعلّم الآخرين كيف يعتنون بأنفسهم، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني قادرة على حماية نفسي. أحياناً لا يوجد ماء ليومين، وأحياناً تنقطع الكهربائي طوال اليوم. لا يمكننا الاستحمام، ولا تنظيف منازلنا كما ينبغي".
وأفادت "لا توجد بنية تحتية، ولا مبانٍ ثابتة، ولا طرق صالحة للسير. في منطقة نهر العاصي، تم إنشاء طريق مزدوج فقط لتسهيل مرور شاحنات الإسمنت، لكن لا يمكنني القول إن هناك طريقاً حقيقياً يصل إلى وسط المدينة. أحياناً ينقطع الماء ليومين، أو الكهرباء طوال اليوم. لا أستطيع تهوية منزلي، ولا المشي في الشوارع المليئة بالغبار والتراب. كيف يمكن الحديث عن صحة الإنسان في ظل هذه الظروف؟".
وأشارت ليلى كالين إلى أن التحديات التي تواجه السكان لا تقتصر على ظروف المعيشة الصعبة، بل تمتد لتشمل مخاطر تتعلق بالأمان والسلامة "في أثناء دراستي للحصول على رخصة القيادة، واجهت صعوبة في استئجار سيارة بسبب انعدام الأمان في الطرق المؤدية إلى المدينة. ومشكلة الكهرباء ليست مجرد انقطاع عابر؛ قبل عام، توفي طفلان في سامن داغ، ومؤخراً فقد طفل آخر حياته بسبب حريق ناتج عن تماس كهربائي".
وأضافت "الخوف على سلامة الأطفال يدفع الأهل إلى اصطحابهم إلى أماكن العمل، خاصة في ظل النقص الحاد في مراكز الرعاية اليومية، التي لا تغطي معظم المناطق ولا تعمل على مدار الساعة، بينما نحن نعمل بنظام دوام كامل. على سبيل المثال، في نهاية الأسبوع الماضي، كانت إحدى زميلاتي الممرضات في مناوبة ليلية، وزوجها يعمل بدوام كامل، ووالدتها مريضة. لم تجد مكاناً تترك فيه طفليها، فاصطحبتهما معها إلى العمل حتى عاد زوجها من عمله ليأخذهما".
وأوضحت أن أماكن العمل ليست مهيأة لاستقبال الأطفال "هؤلاء الأطفال صغار، وقد يمرضون أحياناً. زميلتي لا تستطيع مراقبتهم بشكل جيد، فهي مضطرة للقيام بمهامها، والاعتناء بالمرضى، ولا يمكنها التفرغ لهم. كل ما تستطيع فعله هو إبقاءهم أمام ناظريها، دون أن تتمكن من رعايتهم كما ينبغي".
وتتابع "الوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة لزميلاتنا في قطاع الخدمات الاجتماعية، رغم أننا نعمل في مؤسسات ترفع شعارات حماية المرأة والطفل. الحكومة أعلنت هذا العام "عام الأسرة"، لكن الواقع يناقض هذه الشعارات تماماً. لا شيء تغيّر، بل يبدو أن هذه الحملات مجرد واجهات دعائية تُستخدم لزيادة الأعباء على النساء، وسحبهن إلى أقصى حدود التحمل. إنه ظلم حقيقي، يُمارس باسم الأسرة، بينما تُترك النساء وحدهن في مواجهة كل شيء".
وأكدت أن الحديث عن المشكلات قد يستغرق ساعات، لكنها تختصر المشهد بقولها "في نهاية المطاف، كل الأعباء تقع على كاهل النساء. عندما يذهب الأطفال إلى المدرسة، من يرافقهم؟ النساء. وإن احتاجوا الذهاب إلى المستشفى، من يعتني بهم؟ النساء. وإن لم تتوفر حضانات، تضطر النساء مجدداً للبحث عن بدائل لأطفالهن. كل هذا العبء يُلقى على عاتق المرأة".
وأضافت في ختام حديثها "نعلم أن النساء هن من سيعدن بناء الحياة هنا. كما في يوم الزلزال، حين لم يكن أحد موجوداً، كانت النساء أول من تحرك، قدّمن الدعم لجيرانهن، وبدأن في لملمة شتات الحياة. لهذا نتمسك بالأمل. نعم، التحديات هائلة، وأحياناً نشعر أن أنفاسنا تكاد تنقطع، ونتساءل كيف سنواصل، لكننا نعلم أننا لسنا وحدنا. هناك نساء صامدات، ولهذا سنواصل الإمساك بأيدي بعضنا البعض، ونبني الحياة من جديد، معاً".