منجزات ثورتهنَّ ثمرات 10 سنوات من الكفاح

نُظم ملتقى ثورة المرأة الأول في شمال وشرق سوريا يومي (22ـ23 تموز/يوليو)، بمشاركة 200 امرأة من المنطقة وخارجها، كما شاركت عدد من الناشطات من عدة بلدان عبر تقنية الزووم.

إعداد سناء العلي ـ تصوير شيرين محمد   

مركز الأخبار/قامشلو ـ ما وصلت إليه النساء في شمال وشرق سوريا يستحق الاعتزاز والفخر به كإنجاز غاية في الأهمية ضمن الحراك النسوي العالمي، 10 سنوات من الثورة على الظلم والعادات والتقاليد البالية وعلى الإرهاب والمجتمع الأبوي أثمرت عن إنجازات لم تستطع تحقيقها الحركة النسوية العالمية على مدى تاريخها الممتد لأكثر من قرن من الزمن.  

نظم الملتقى على مستوى عالٍ وكانت محاوره غنية ناقشت جميع جوانب ثورة المرأة، وتم استخدام تقنية الترجمة لإيصال الأفكار للجميع كون المتحدثات والضيفات من مكونات متنوعة جمعهنَّ الإصرار على تحرير جميع النساء لتصبحنَّ فاعلات في مجتمعاتهنَّ وإنهاء الظلم الواقع عليهنَّ باسم الدين والعادات والتقاليد، وكذلك استهداف الاحتلال والإرهابيين لهنَّ.

وتحاورت النساء حول سبل تعميم تجربة ثورة المرأة على كافة الأراضي السورية، وكذلك على مستوى الشرق الأوسط والعالم، وأثنت المشاركات من خارج المنطقة على التجربة التي وصفنها بـ "الفريدة"، وأكدنَّ على آمالهنَّ في تطبيقها بعد الوصول لحل سياسي ينهي سنوات الصراع في سوريا، وأكد الملتقى أن الحل الديمقراطي للأزمة السورية بدون إرادة المرأة غير وارد.

كما حظي الملتقى بتغطية إعلامية واسعة وكان لإعلام المرأة دوراً بارزاً في ذلك، وهذا الإعلام هو أحد منجزات ثورة المرأة، والذي لعب دوره في تسليط الضوء على النهضة التي حققتها النساء على مدار عقد من الزمن وعملنّ على رفع صوتهنَّ لتصبح الثورة ثورة المرأة بامتياز.  

كما ارتأت المؤسسات النسوية الـ 7 التي نظمت الملتقى وهي "مؤتمر ستار، أكاديمية الجنولوجي، وحدات حماية المرأة YPJ، تجمع نساء زنوبيا، مجلس المرأة السورية، اتحاد المرأة السريانية، ومجلس المرأة في شمال وشرق سوريا"، استضافةً عدد من الشخصيات النسائية من خارج المنطقة لكن لم يتسنى لجميعهنَّ الحضور.

 

إنجازات ترفع لها القبعة

بداية تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية، كان هناك مقاربات جنسوية، لكن النساء استطعن تجاوز هذه الحالة من خلال الدعم الذي قدمته الإدارة الذاتية لهنَّ بجميع مؤسساتها، وما تزال حربهنَّ مستمرة ضد الأفكار الرجعية والمجتمع الأبوي.

من خلال نظام الإدارة الذاتية استطاعت نساء شمال وشرق سوريا كسر حاجز الكوتا النسائية الذي نادت به المواثيق الدولية فالنساء تشاركنَّ بمؤسسات الإدارة الذاتية بنسبة 50 بالمئة فيما طالبت المنظمات العالمية بـ 30 بالمئة فقط، وعلى ذلك الطريق تسير النساء نحو المساواة الكاملة بين الجنسين، خاصةً مع العمل بنظام الرئاسة المشتركة، كما تحضر المرأة بشكل بارز في جميع مؤسسات وهيئات الإدارة الذاتية منذ تأسيسها.   

هيئة المرأة في الإدارة الذاتية أو ما يوازيها "الوزارة"، في الأنظمة جزء أساسي من الإدارة الذاتية الديمقراطية، وهي نشطة في العمل من أجل قضايا النساء وحقوقهنَّ.     

كذلك تأسست منسقية المرأة مع الإعلان عن الإدارة الذاتية على عدة مبادئ أهمها احتواء جميع النساء والمؤسسات والتنظيمات والحركات النسائية في الإدارة الذاتية وتعد الجهة التنظيمية التي تعالج القضايا الخاصة بالمرأة ضمن المنطقة، وتعنى بجميع شؤون المرأة لتستطيع أخذ دورها في هيكلية الإدارة الذاتية، كما وتسعى إلى حماية النساء من الانتهاكات وتعزيز دورهنَّ وتزويدهنّ بالخبرة والوعي لتحمينَّ أنفسهنّ وتحاربنّ كافة أشكال العنف والتمييز ضدهنَّ.

كما تنتشر المؤسسات النسوية في جميع مناطق شمال وشرق سوريا، وتعنى بشؤون النساء من كافة النواحي، دار المرأة، مؤتمر ستار، مجلس المرأة السورية، مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، تجمع نساء زنوبيا، ومنظمة سارا، وغيرها الكثير. يمكن التأكيد على أن ثورة المرأة هي ثورة مجتمعية.

 

التطور السياسي

من اللافت في ثورة المرأة التطور السياسي الذي وصلت إليه النساء، فالرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية وهو الجناح السياسي في الإدارة الذاتية الديمقراطية إلهام أحمد تمثل المنطقة وتدير جميع المحادثات السياسية للوصول بسوريا إلى بر الأمان.

كما أصبح للنساء ثقل دبلوماسي من خلال مشاركتهن في الشؤون السياسية في المنطقة وفي الأحزاب فرئيسة حزب سوريا المستقبل هي عذاب عبود، كما كانت الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل الشهيدة هفرين خلف، إضافةً لرئيسة حزب الاتحاد الديمقراطي آسيا عبد الله وغيرهنَّ، وتعمل النساء في مراكز رئيسية بالأحزاب وهيئات الإدارة الذاتية ووجود هؤلاء النساء ليس شكلياً إنما لهنَّ ثقلهن السياسي.

تشاركنا الناطقة باسم مجلس المرأة العام بحزب سوريا المستقبل غالية كجوان رأيها بالتطور السياسي الذي وصلت إليه المرأة وتقول إن للثورة تأثير كبير على شخصية المرأة وبشكل خاص على المرأة العربية "تم تهميش المنطقة بشكل عام، وتهميش النساء بشكل خاص قبل الثورة، وتم استبعادنا من مجلس الشعب، وسيطر الرجال على الأحزاب السياسية، وحتى النساء اللواتي انضممنَّ للعمل السياسي كان دورهنَّ شكلياً، ولم يكن الوضع أفضل بعد سيطرة الجماعات الإرهابية، فقد قتلت الحياة السياسية والثقافية والمجتمعية".

وأضافت "ثورة 19 تموز شكلت مفترق طرق بالنسبة للنساء السوريات، فقد حملت مطالب الشعب السوري في الديمقراطية والمساواة بين جميع شرائح المجتمع وشعوبه وكذلك المساواة الكاملة بين الجنسين، وطالبت بتحقيق الحرية الجوهرية، والسلام". مشيرةً إلى أنه "كان للنساء دور طليعي في إعادة الروح السياسية للشعب السوري وليس فقط لشعوب مناطق شمال وشرق سوريا".

لا تخفي غالية كجوان أن مسيرة تحرير المرأة ما تزال تواجه تحديات وهي بحاجة لعمل دؤوب من أجل إنجاحها وإيصالها إلى مبتغاها، وتتمثل التحديات التي تواجه النساء إلى الحرب النفسية والسياسية والاقتصادية قبل العسكرية التي تمارس بحق شعوب المنطقة وبخاصة النساء.

وترى أيضاً من خلال تجربتها في العمل بالإدارة الذاتية أن "المرأة رائدة وحكيمة في الإدارة، ولها تمثيل حقيقي في العقد الاجتماعي"، موضحةً "لنا تمثيل إيجابي في العقد الاجتماعي وفق الكوتا، لضمان حقوق المرأة في دستور سوريا الجديد، والذي نسعى للوصول إليه بعد حل الأزمة السورية وفق قرارات الشرعية الدولية".  

وأشارت إلى أن الحركات النسوية تعمل معاً وبشكل مكثف من أجل مستقبل أفضل للسوريين وتفعيل قوانين المرأة "نسعى ليكون لنا تمثيل حقيقي لحل الأزمة السورية ولنكون خير مثال للنساء".

وقالت إن النساء لديهنَّ هدف وهنَّ تسرنَّ نحو تحقيقه "مناطق شمال وشرق سوريا شهدت خلال السنوات الـ 10 الأخيرة انفتاحاً كبيراً كان للنساء نصيب كبير منه، وهذا ما جعل النساء في مرمى الأعداء، لكننا مستمرات في الحرب والمقاومة لبناء مجتمع ديمقراطي أخلاقي سياسي تسوده العدالة بعيداً عن أنظمة الدولة الاستبدادية".

 

 

 

التطور العسكري

أما من الناحية العسكرية وفي نموذج مغاير للصورة السائدة في الشرق الأوسط وحتى العالم سجلت النساء حضوراً فاعلاً في معارك محاربة الإرهاب من خلال قوى نسائية خالصة هي "وحدات حماية المرأة"، التي تأسست ربيع العام 2013، وقد اعتبر الملتقى في نتائج ورش العمل التي تم العمل عليها في اليوم الثاني من الملتقى 23 تموز/يوليو أن هذه القوة هي القوة العسكرية الوحيدة المدافعة عن المرأة في سوريا عامةً.  

لم يتطور العمل العسكري النسوي في مناطق شمال وشرق سوريا لأنه لم يكن موجود بالأساس إذا ما تم النظر إليه من ناحية المؤسسات الدفاعية والعسكرية، فالمنطقة غيبت بشكل كبير عن هذه المهمة واقتصر العمل العسكري على ضم الرجال للجيش السوري والشرطة والأفرع التابعة له أما مجال الحماية الذاتية فهو مفهوم جديد على المنطقة، ومرفوض عمل النساء به.  

خلال ملتقى ثورة المرأة تم التأكيد على أن وحدات حماية المرأة هي القوة الوحيدة المخولة بالدفاع عن المرأة في سوريا، وتم التشديد على ضرورة حماية الثورة ومكتسبات النساء بأيدي النساء أنفسهنَّ وعدم ترك دفة القيادة بيد الرجال.

شاركتنا المقاتلة في وحدات حماية المرأة آلاء زاغروس الحديث عن عمل المرأة في المجال العسكري، وقالت إن الثورة لها أهمية في تطور المرأة في مختلف المجالات ومن بينها الحماية والدفاع، فالنساء أثبتنَّ جدارتهنَّ بعد أن تم تأطيرهنّ لعقود ضمن نظام الدولة والمجتمع، "في مجتمعاتنا لا يتم الوثوق بالمرأة في مجال الدفاع، يقال إنها عاطفية وبرأيي هذا الشيء لا يعيبها فلديها حس اشتراكي وتتسم بالعدالة. المرأة هي حياة تضم الجميع وتحمي الطبيعة والبيئة، لذلك ساهم إشراك النساء في الإدارة الذاتية في إنجاح ثورة شمال وشرق سوريا، واستطاعت النساء التأثير على الوضع السياسي والدبلوماسي والعسكري والمجتمعي في المنطقة".   

وتقول أيضاً أن النساء هنَّ الأجدر للدفاع عن أرضهنَّ فهن مرتبطات بالأرض ولديهنَّ حس الدفاع "النساء لا تفضلنَّ ترك أرضهنَّ عند تعرضها للهجمات".

وألقت الضوء على استهداف النساء العاملات في المجال السياسي والعسكري خاصةً أنه تم استهداف ثلاث قياديات في وحدات حماية المرأة كنَّ حاضرات الملتقى، وهنَّ القيادية في وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية وبنفس الوقت هي قيادية في وحدات مكافحة الإرهاب جيان تولهلدان، والقيادية في وحدات حماية المرأة روج خابور، وعضو وحدات مكافحة الإرهاب بارين بوتان في طريق العودة لهجوم إرهابي من قبل الاحتلال التركي، وقالت إن انفتاح النساء على العمل الدفاعي والسياسي هو ما يدفع الأطراف المعادية لاستهدافهنَّ.

 

 

التطور الحقوقي

تطورت حقوق النساء في شمال وشرق سوريا منذ عام 2012 بفضل ثورة المرأة، وبدا هذا التطور واضحاً من خلال حزمة التشريعات التي عملت على المساواة الكاملة بين الجنسين، وإصدار قوانين المرأة في عام 2014، الذي كان ثمرة جهود النساء، وهو قانون مدني يمنع زواج القاصرات، وتعدد الزوجات والعديد من أشكال الزيجات المتعارف عليها في المنطقة (حيار ـ بدل ـ دية)، كما أنه يلغي المهر كونه "ثمن المرأة"، فيتشارك الطرفان في تأسيس حياتهما الزوجية، كما يتشاركان في تربية الأبناء والوصاية عليهم وغيرها العديد من البنود، ويتم العمل عليه حالياً ليكون شاملاً للأسرة وليس فقط للمرأة.

وهذا القانون يتميز بكونه يرتكز على حقوق المرأة كونها إنسان بالدرجة الأولى وليست جنس، على عكس قانون النظام السوري الذي يرتكز في تشريعاته على الشريعة الإسلامية والفقه الحنفي "غير مراعي لاختلاف الطوائف والمذاهب"، أو القوانين التي صدرت في المناطق المحتلة، أو التي سيطر عليها الإرهابيون منذ اندلاع الحرب في ربيع العام 2011.

كما أنه تأسست العديد من المؤسسات والمنظمات التي تعنى بالناحية الحقوقية للمرأة أبرزها مجلس عدالة المرأة الذي تأسس عام 2016، وهو تابع لمجلس العدالة الاجتماعية الذي يعد بمثابة وزارة العدل، مما يعطي خصوصية لقضايا المرأة، فهو المؤسسة القضائية التي تعمل بشكل خاص لصالح النساء.

ويلعب كل من مجلس عدالة المرأة ولجنة الصلح دوراً كبيراً في عمل وأنشطة دار المرأة، حيث تقوم دار المرأة بإرسال القضايا التي يحتاج حلها في المحاكم إلى مجلس عدالة المرأة من خلال آلية تنظيمية، ليقوم مجلس العدالة بدوره بحل هذه القضايا واتخاذ قرارات عادلة.

حول التطور الحقوقي الذي حققته ثورة المرأة قالت المحامية والرئيسة المشتركة لاتحاد المحامين في مقاطعة الجزيرة خديجة إبراهيم "ثورة 19 تموز أحدثت ثورة حقيقية في مجال حقوق المرأة، فشاركت المحاميات والحقوقيات في صياغة قوانين المرأة، وصدورها اعتبر ثورة حقيقية في الشرق الأوسط، لكن لم يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الذي تستحقه، ولعب الإعلام في الخارج دوراً سلبياً في التعتيم عليها".

وتؤكد أنه "كنساء نعيش في هذه المنطقة وكحقوقيات أيضاً نعتبر أن قوانين المرأة أحدثت نقلة جذرية بالنسبة لوضع المرأة بغض النظر عن مدى تطبيقها بالشكل المناسب. من الناحية الحقوقية والقانونية قوانين المرأة ساهمت بانحسار عدد حالات تعدد الزوجات بشكل ملفت وكذلك العنف ضد المرأة وزواج القاصرات، ففي وقت الحرب الذي تتراجع فيه القيم الأخلاقية ورغم معايشتنا لهذه الحالة إلا أن حالات العنف في مناطقنا انحسرت بشكل كبير وملحوظ".

خديجة إبراهيم من بين الحقوقيات اللواتي شاركنَّ في اجتماعات مناقشة قانون المرأة مع كافة شرائح المجتمع، ومن خلال تجربتها هذه تؤكد أنه تم العمل بشكل مكثف مع مجتمع متمسك بعادات وتقاليد بالية وأفكار رجعية، وحتى النساء كنَّ متمسكات بأفكار المجتمع التي تقلل من قيمتهنَّ كتعدد الزوجات والعنف معتبرات أن ضربهنَّ والزواج عليهنَّ أو أن يكن الزوجة الثانية حق إلهي للرجل لا يمكن تخطيه، واصفةً الوضع قبل ثورة المرأة بـ "الكارثي".

لم تغفل الإدارة الذاتية التي واجهت تحدياً كبيراً في تطبيق حقوق المرأة ضمن مجتمع عشائري متزمت عن ضرورة إشراك هذه العشائر وفق مبادئها ـ التي لا تتعارض مع حقوق المرأة ـ في إدارة المنطقة، وحل المشاكل الأسرية التي تقع المرأة ضحية لها بإشراف الكومين وهو أصغر خلية في المجتمع وفيه لجان للصلح، سواء لجان للمرأة أو لجان عامة تحل العديد من القضايا.

الإدارة الذاتية حاولت الجمع بين الديمغرافيا العشائرية السائدة من خلال مكاتب الصلح، وإنشاء لجنة المرأة وإدارة المرأة ومجلس المرأة ضمن أقاليم شمال وشرق سوريا، وعززت قوانينها لحماية المرأة، واعتمدت على حل القضايا على مبدأ التعاون بين المحاكم المدنية والأعراف العشائرية، لكن هذا الجمع كان محط نقد خلال الملتقى فقد قالت عدد من المشاركات أن العشائر تستند إلى العديد من العادات والتقاليد البالية التي تحط من قدر المرأة، وتهضم حقوقها ولذلك يجب إبعادها أي هذه العشائر عن أي حلول فيما يتعلق بحقوق النساء، وطالبنَّ بتطبيق مواثيق حقوق الإنسان في قوانين المرأة بشمال وشرق سوريا.

 

 

التطور الاقتصادي

دعم اقتصاد المرأة، عبر اقتصاد تشاركي كومينالي هو أساس في مسيرة تحرر المرأة وفق مبادئ الحركة النسوية في شمال وشرق سوريا، وعلى ذلك تم استحداث العديد من المؤسسات التي تعنى باقتصاد المرأة، كما أن المؤسسات النسوية بطبيعتها تهتم بكافة الجوانب ومنها الجانب الاقتصادي، كمؤتمر ستار الذي يمتلك لجنة اقتصاد، وتجمع نساء زنوبيا الذي يدعم النساء لمساعدتهنَّ على امتلاك الخبرة في العديد من المهن، فيما يخصص وقف المرأة الحرة جانباً كبيراً من عمله لتمكين النساء اقتصادياً.

لا يمكن إنكار تطور الاقتصاد التعاوني في ثورة المرأة بشمال وشرق سوريا وهو ما انعكس بشكل إيجابي على حياة نساء المنطقة اللواتي بدأنَّ مسيرة تحررهنَّ من الانعتاق الاقتصادي عن الرجل.  

تأثير فكر القائد عبد الله أوجلان كان واضح المعالم في ثورة المنطقة وثورة المرأة بشكل خاص، ويمكن تسليط الضوء على تغلغل فكره التحرري في جميع جوانب الثورة فالقائد أوجلان وهو الداعم لحرية وحقوق الإنسان وحرية المرأة وصاحب المقولة الشهيرة بأن "حرية المجتمع تمرُّ من حرية المرأة"، أدرك أهمية انعتاق الاقتصاد من مفهوم تضخيم الربح المستند على النظام الرأسمالي العالمي والذي يجعل أفراداً يملكون المليار من الدولارات وآخرين يكافحون للحصول على رغيف خبز.

كما دعم فكره مفهوم أن المرأة لا يمكنها التحرر ما دامت مرتبطة بالرجل اقتصادياً، ولذلك كان دعم النساء اقتصادياً أولوية لدى المؤسسات النسوية في شمال وشرق سوريا، كما أنه تم كسر العديد من المفاهيم حول عمل المرأة في مجالات تم إيهام النساء بأنها لا تناسبهنَّ، تقول الإدارية في لجنة اقتصاد المرأة بمقاطعة قامشلو شفين محمد حول التطور الاقتصادي النسوي الذي شهدته المنطقة "لطالما عانت المرأة من عدم امتلاكها لاقتصاد خاص بها، فعملها في المنزل غير مأجور، لكن الثورة أسهمت في تعريف النساء بالعديد من الجوانب التي كنَّ غافلات عنها وهي عدم تحررهنَّ اقتصادياً، الذي يفتح بوابة الانتهاكات بحقهنَّ على مصراعيها ويجبرهنَّ على تحمل مختلف أشكال التعنيف التي تتعرضنَّ لها، ولذلك أعلن ثورتهنَّ على هذا الواقع وأبرزنَّ قدرتهنَّ في المجال الاقتصادي والعمل التشاركي، ولأن المجتمع لم يكن واعياً حيال أهمية امتلاك المرأة مشروع خاص بها بادرنا بالتوعية لأن الثورة دون توعية لن تصل إلى أهدافها، فقمنا في بداية ثورتنا بزيارات مكثفة للأهالي شملت التوعية الفكرية والعملية أيضاً من خلال تعريف النساء بحقوقهنَّ الاقتصادية والعمل على تمكينهنَّ في هذا المجال مثل كيفية العمل على الآلات الزراعية، وافتتحنا مشاريع تشاركية للنساء منها أفران ومطاعم، ودورات لتعليمهنَّ الخياطة والأعمال اليدوية، كما تم دعمهنَّ من خلال افتتاح مشاريع لتربية المواشي".

ولأن الثورة كانت ما تزال حديثة العهد لم يكن إقبال النساء كبيراً على العمل، ولكن الوقت كان كفيل لإيضاح الصورة لهنَّ فبدأنَّ بالانخراط بالمشاريع التي افتتحتها اللجان الاقتصادية المسؤولة عن اقتصاد المرأة، وازدادت هذه المشاريع لتلبي حاجتهنَّ. بعد 10 سنوات يمكن القول إن النساء في طريقهنَّ للانعتاق الاقتصادي عن سلطة الرجل والمجتمع، وكل ذلك بدعم من القوانين".