من رحم ثورة روج آفا ولدت ثورة المرأة (6)

الثقافة هي إحدى الركائز الأساسية التي تبني الأمة الديمقراطية نفسها عليها، من خلال الثقافة يتم تحديد هوية الشعوب، وقد اختارت هذا المبدأ لحماية قيم وهوية وأفكار المجتمع وتبني عليها.

الثورة الثقافية مستمرة بريادة النساء

رونيدا حاجي

الحسكة ـ ظهرت الثقافة في المجتمع الطبيعي، في ذلك الوقت كان الناس يقومون بإنجاز كل ما يلزمهم من متطلبات واحتياجات، هذه الخطوات الأولى كانت تسمى الثقافة. الثقافة هي ميراث الإنسانية التي تم الحفاظ عليها منذ آلاف السنين. الأفكار والخيالات والملابس والزراعة والمشاعر والأحاسيس والمعتقدات واللغة والتواصل، هي كلها ثقافة.

تستند الثقافة إلى جزأين، أحدهما العلاقة بين الناس والآخر هو العلاقة بين الناس والطبيعة. النساء هن اللواتي خلقن الثقافة، وطورن الزراعة في المجتمع الطبيعي، وبنين التنشئة الاجتماعية، وفي ذلك الوقت عمل الجميع وفعلوا كل شيء من أجل الجميع. إذا تحدثنا عن الديمقراطية، فسنراها في المجتمع الطبيعي، لأن المساواة، والتنشئة الاجتماعية، والحب، والمساعدة المتبادلة تعني الديمقراطية، وبالتالي، فإن المجتمع الطبيعي هو المجتمع الأكثر صحة، بعيداً عن الأنظمة والمصالح الاستبدادية والفردية.

خلال فترة العصر السومري، تشكلت طبقات، تطور معها نظام الدولة القومية، واستخدمت جميع قيم المجتمع لخدمة مصالحهم. هناك العديد من الأمم التي تعيش في أرجاء العالم، ولكن مع ظهور نظام الدولة القومية، تم نزع حقوق الشعوب وتم قبول نظام ولغة وثقافة واحدة فقط، وتم فرض الضغط على الأمم الأخرى وبقيوا دون ثقافة وتاريخ ولغة. منذ ذلك الحين، يستمر نضال المرأة بهدف حماية قيم المجتمع والحفاظ على اللغة والهوية، وتبذل الجهود لإحياء الثقافة في ظل جميع أنواع العنف.

 

"الثقافة نتاج عمل المرأة على مدى ملايين السنين"

وحول الموضوع نوهت رئيسة اللجنة الثقافية في مقاطعة الحسكة عفاف حسكي، إلى أن لكل أمة قيمها ولغتها وثقافتها. وتصف الثقافة بهوية الأمم "الثقافة هي عمل الإنسانية لملايين السنين. إذا بدأنا من المجتمع الطبيعي، فقد نشأت الثقافة بريادة المرأة، وطوّرت المرأة الزراعة، والتنشئة الاجتماعية على أسس أن يحب الجميع بعضهم البعض وأن يساعدوا بعضهم البعض. لذلك نرى أن أصحاب الثقافة هم من النساء وأن من يبقونها على قيد الحياة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا هم من النساء لأن الثقافة هو نتاج جهدهن على مدى ملايين السنين. لا يمكن للمرء أن يعطي تعريفاً محدداً للثقافة، لكن يمكن للمرء أن يقول إن الثقافة هي كل القيم الإنسانية، أي المادية والروحية، على مدى فترة طويلة من الزمن. هذه القيم التي تنتقل من جيل إلى آخر تسمى الثقافة. تحدد هوية الناس بالثقافة وتميز الشعوب عن بعضها البعض".

 

"لقد تم شن حرب خاصة على المجتمع من أجل صهر ثقافته"

وقالت عفاف حسكي أن الأنظمة الحاكمة تخوض حرباً ضد قيم المجتمع من خلال الحرب الخاصة من أجل إدارة المجتمع وفقاً لمصالحها "الزيقورات بنيت بعد ظهور السومريين. كان هناك ثلاث طوابق، الآلهة في الأعلى، والثاني للرهبان والثالث للعبيد. بمرور الوقت، تم إنشاء نظام الدولة القومية الذي لا يقبل سوى علم واحد ولغة وثقافة واحدة، مما يعني أنه لا يقبل سوى أمة واحدة ويفرض نفسه على الدول الأخرى. مع هذا النظام واستخدام الحرب الخاصة على المجتمع، تم صهر ثقافة العديد من الأمم وهذا ما تهدف إليه. تعيش العديد من القوميات في سوريا: الكرد والعرب والمسيحيون والأرمن. الأمة العربية فقط هي التي تم فرضها في النظام القومي للدولة، ولم تحتضن القوميات الأخرى. ما الذي يؤدي إليه هذا الأمر؟ إنه يشجع على الفوضى وعدم المساواة في المجتمع، فقد تم حل لغة وثقافة المكونات ولم يتم قبولها في المدارس. مع هذا النظام، كان المجتمع يتجه نحو الزوال".

ولفتت عفاف حسكي الانتباه إلى استعباد المجتمع في شخص المرأة وقالت "لأن المرأة أساس بناء مجتمع صادق وأخلاقي، والمرأة صاحبة جهد ملايين السنين، فقد خلقت كل شيء وطورته. اليوم تفرض على المرأة أنواع العنف من خلال التقاليد والدين. استعبدت أنظمة الدولة المجتمع في شخص المرأة، وبنت نفسها على هذا النحو. في المجتمع تبتكر النساء اللغة والملابس والزراعة والتنشئة الاجتماعية، لكن الأنظمة الحاكمة دمرت هذه التنشئة الاجتماعية بالحرب واستهدفت هوية الناس بشتى الطرق. لذلك فقد عانى المجتمع من القمع، والآن لم يعد الجميع يقبل هذا النظام، وفي ثورة روج آفا، تطالب الشعوب بهويتها بقيادة النساء".

 

"ثورة روج آفا ثورة ثقافية"

وأوضحت أن "ثورة روج آفا ثورة ثقافية، وفي هذه الثورة التي قادتها النساء طالب الناس بحقوقهم والوفاء لكدح ومكتسبات ملايين السنين. مع هذه الثورة، قدم القائد عبد الله أوجلان نظام الأمة الديمقراطية كنظام بديل لنظام الدولة القومية. وجد الناس من جميع القوميات حقوقهم وهويتهم في هذا النظام. كل أمة تناضل من أجل تاريخها ولغتها وثقافتها تحت مظلة هذا المشروع. للأمة الديمقراطية 9 ركائز، أحدها الثقافة. لماذا الثقافة؟ لأن الأمم تعرف من خلال ثقافتها، فإن الأمم التي لا تعرف بثقافتها وتم صهرها هي أمم ميتة بلا هوية. لذلك فإن وجود كل الأمم في مشروع الأمة الديمقراطية مهم، وبالتالي فإن الثقافة هي أحد المبادئ الأساسية. وبذلك يكون لكل أمة ثقافتها ولغتها وهويتها الخاصة في مناطق شمال وشرق سوريا. هذه خطوة تاريخية حيث تتحقق أحلام الأجداد من خلال هذا المشروع. يمكن لجميع المكونات أن تطور ثقافتها بحرية وتعتني بتاريخها وهويتها. تم افتتاح مراكز ثقافية من أجل رعاية ثقافة جميع المكونات واتيحت الفرصة للجميع للتعبير عن فلكلورهم وثقافتهم وتقديم أنفسهم ككرد وعرب وسريان وأرمن بثقافتهم الخاصة، وحمايتها من الصهر".

 

"العقد الاجتماعي سيضمن حماية جميع الألوان"

ونوهت عفاف حسكي إلى أن العقد الاجتماعي هو من أجل ضمان وحماية هوية كل مكون في شمال وشرق سوريا "في هذا الوقت الحساس الذي تتحد فيه جميع الدول ضد نظام الأمة الديمقراطية وتتعاون مع الاحتلال التركي، الدولة التي تقتل كل الشعوب وتتركهم بلا هوية. شكلت الإدارة الذاتية لجنة تضم أعضاء من كل مكون لكتابة مسودة العقد الاجتماعي، واعتُبر ذلك ضرورياً لأنه مع هذا الاتفاق سيتم حماية مكتسبات ثورة روج آفا وحماية وجود كل مكون. ولذلك تُجري الاستعدادات لأن يدرس كل مكون من العرب والسريان والإيزيديين والأرمن والكرد. تعتبر هذه الخطوة مباركة لأنه عندما يدخل المرء اليوم إلى المدرسة، سيرون العديد من ألوان الزهور الملونة وكل زهرة سيكون لها رائحة مختلفة وتعرض لونها ولغتها، وكم ستكون جميلة للعين وسيتقبلها العقل. هذه خطوة تاريخية لكل دولة، وخاصة أولئك الذين ينادون بالديمقراطية، لترى ما هي الديمقراطية ونوعها. عندما نذهب إلى احتفال، إذا كان مهرجان إيكيتو أو نوروز، نرى أن كل أمة تشارك في الاحتفال بملابسها وفلكلورها وتقول أنا موجودة بثقافتي، فهذا في حد ذاته انتصار ومن الإنجازات المباركة لثورة روج آفا. لهذا السبب نحتاج إلى عقد اجتماعي من أجل حماية هذه المكتسبات القيمة".

 

"في المناطق المحتلة يتم تدمير ونهب القيم المقدسة"

واختتمت عفاف حسكي حديثها بالقول "كل نجاح يقابله هجمات وسياسات مختلفة. واستهدفت هجمات مرتزقة داعش والاحتلال التركي الأماكن المقدسة والتاريخية والثقافية مثل تل حلف والمراكز الثقافية. بهذه الأساليب، يريدون أن يقولوا إننا سندمر ثقافتكم، ولن نسمح لثقافتكم بالبقاء. الآن في الأراضي المحتلة، يتم سرقة وتدمير جميع الأشياء المقدسة والأماكن التاريخية من أجل طمس تاريخ آلاف السنين. إنهم يريدون الاستيلاء على كل القيم المقدسة للمجتمع يتركوا المجتمع كعبيد وبلا هوية. لكننا كنساء، لن نتوقف عن إحياء الثقافة والتمسك بقيم الثورة. الثقافة التي أوجدها النضال البشري لملايين السنين، مهما حاولوا القضاء عليه، فإن جهود ونضال الأمهات وجميع النساء سيحافظ على هذه الثقافة وسنعيد إحيائه. الثقافة هي الأخلاق، بهذه الأخلاق ستكافح كل امرأة لإحياء ميراث أجدادها وحمايته. المرأة هي صاحبة الثقافة، لذا فهي لا تتخلى عن كدحها".

 

https://1128498596.rsc.cdn77.org/video/20-07-2022-dosya-19-tirmeh-5-temam%20%281%29.mp4