'مات أطفالنا من شدة الجوع والعطش' (2)

من ناحية تل عزير، نستمع هذه المرة إلى قصة ماشو خضر التي لا تزال تحترق بحرقة نار صيف 2014، والتي فقدت طفلها في تلك الفترة. كلمات ماشو حين قالت "لقد مات أطفالنا من الجوع والعطش" تعيدنا إلى أيام المجزرة

أفين زندا  
شنكال ـ .
عندما كانت ماشو خضر تتحدث عن هجوم داعش ورحلة معاناتها الطويلة، كانت الأحداث تظهر أمام أعيننا وكأنها أحداث حية نعيشها لحظة بلحظة لدرجة أننا شعرنا بأنفسنا في تلك الرحلة، "كان بإمكاني سماع صراخ الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز، وكان الجميع يحترق سواء من حرارة الصيف أو لوعة الذين تركوهم وراءهم. لكن الطريقة الوحيدة كانت الوصول إلى الملاذ الآمن، وهي جبال شنكال وجلميرا".
 
"المرتزقة يهاجمون القرى في منتصف الليل"
"كانت الساعة الثانية والنصف شعرنا ببعض الحركة، كانوا يقولون "إنهم داعش قادمون من جهة باجه". كان منزلنا بالقرب من الخنادق أي أننا كنا قريبين منهم. في الجانب الآخر من الخندق كان هناك داعش، وفي طرفنا كان هناك الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان من المفترض انهم يدافعون عنا في تلك الفترة. لكنهم لم يسمحوا لنا بالمغادرة، قالوا إن هناك قوات ستأتي لحمايتكم. كانت هناك معركة في كرزرك وسيباي، ذهب رجالنا وشباننا لنجدة القريتين. ولم يبقى في القرية أحد سوى النساء والأطفال. رأينا بأعيننا كيف كان البيشمركة هنا يرتدون ملابس النساء وهربوا. ما فعلوه بنا كان غدراً، طالما أنهم لم يدافعوا عنا كان يجب أن يعطونا أسلحتهم، كان يمكن للنساء أن تدافعن عن أنفسهن. بعد مغادرة البيشمركة، غادرنا أيضاً في حوالي الساعة 4 صباحاً".
أخذنا أطفالنا معنا ولم نأخذ أي شيء آخر. لم يكن هناك شيء في منزلنا سوى 5 آلاف من النقود وقد جلبتها معي. ذهبنا إلى حاجز تل عزير حيث أتى إلينا اثنان من عناصر داعش، وأخبر أحدهما أصدقائه؛ "أترك هؤلاء بشأنهم، لقد أخذنا من هن أكثر جمالاً، هؤلاء لا تنفعننا".
"ذهبنا إلى أحد المنازل، وطلب مني أطفالي الطعام، وفي خضم الخوف بدأت بالبحث عن طعام وأطعمت أطفالي. قلنا يجب أن نذهب إذا استطعنا إنقاذ أنفسنا. في الطريق التقينا بامرأتين مسنتين. أخبرت زوجي بأننا يجب أن نأخذهن معنا أيضاً. سألناهن عن سبب تأخرهن في المغادرة، فأجبن "كنا سنغادر لكن أغنامنا كانت معنا. أخذ البيشمركة أغنامنا منا". ذهبنا إلى قرية جيدلي فقالوا لم يعد هناك شيء في تل عزير وهي آمنة وأخبرونا أن نعود، وعند المساء عدنا أيضاً إلى القرية لنرى من بقي هناك، صعدنا إلى السطح وفجأة أطلق علينا داعش النار. فطلبت من زوجي أن نخفي أطفالنا، واختبأنا، وفي تلك اللحظة جاءت سيارتان إلى أمام باب دارنا، كانوا يقولون لبعضهم لنرى ما يوجد هناك لنأخذه. ومن حسن الحظ إنهم لم يروننا، وعندما ابتعدوا أحضرنا أطفالنا وذهبنا إلى سيبا واختبأنا هناك.  
كان الأطفال يقولون؛ يا أمي إننا جائعون، ولكي أبقيهم هادئين كنت أطلب منهم أن يناموا وإلا سيقبضون علينا.  وهكذا كان الأطفال ينامون وهم جائعون. كان لدي أربعة أطفال الأكبر سناً في ذلك الوقت كان طفلاي التوأمين اللذان يبلغان من العمر 6 سنوات. في وقت مبكر من الصباح أي حوالي الرابعة صباحاً أيقظتهم من أجل المغادرة. كانت أصوات سيارات داعش تسمع في كل مكان، كان واضحاً أنهم يبحثون عن الناس الذين اختبأوا في منازلهم، وكل من وجدوه قتلوه. وكان يسمع صوت إطلاق النار. لقد نجونا بأنفسنا، وذهبنا إلى قرية جيدل مرة أخرى ومن هناك ذهبنا إلى قرية كرسي، لم يكن هناك ماء أو خبز. كنا 7 أشخاص ولم يكن معنا سوى بيدون صغير من الماء. تمزقت أحذية أطفالي فرميناها، ونحن أيضاً كنا نمشي حفاة. في قرية كرسي ذهبنا إلى منزل حيث قدموا لنا قطعة خبز حتى لا يموت الأطفال من الجوع. غادرنا قرية كرسي، ولم تعد لدينا طاقة للسير، كنا نحمل أطفالنا على أكتافنا بالتناوب".
 
فقدوا الطاقة من شدة العطش...
يبدوا أن ماشو خضر وصلت إلى اللحظة الأكثر إيلاماً وحرقة، إنها تتحدث عن قرة عينها ابنها الذي مات هناك. تستنشق نفساً عميقاً وتقول "فقد طاقته من شدة العطش". وبقلب موجوع وعيون مليئة بالدموع تتحدث عن تلك اللحظات التي لن تعود أبداً مهما توسلت "الأطفال لم يعد بمقدورهم التحمل، ولم يمضي على مسيرتنا وقت طويل، مات ابني دلدار. لم يعد بمقدوره المقاومة من شدة العطش. لقد لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي، تجمدت في مكاني، قال لي زوجي "هو أيضاً مثله مثل هؤلاء جميعاً". لم يعد بمقدوري قول أي شيء. فحولي كان هناك العديد من الناس ممن نجوا من داعش، ولكنهم الآن يموتون عطشاً. في تلك البراري انتشرت جثث الموتى من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. جاءت امرأة في مقتبل العمر، وقالت لي "انظري هذا طفلي، مات لأنني لم أستطع إرضاعه بسبب جفاف الحليب من شدة الجوع. قومي وتحملي من أجل أطفالك الباقين". وفيما بعد وضعت بيدي بعض التراب على جسده الصغيرة. وتلك المرأة أيضاً دفنت صغيرها إلى جانب دلدار. لو أننا مشينا نصف ساعة أخرى لكان دلدار الآن بيننا، لأن الرفاق كانوا ينقلون الناس بواسطة السيارات ويعطونهم الماء والخبز. ولكن قدره كان قد انتهى هناك".
 
"ما فعلته البيشمركة أسوأ من داعش"
جميع أهالي شنكال يلقون بالذنب على بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجزرة شنكال، وهم محقون في ذلك. لأن البيشمركة رغم أنهم عرفوا أنهم لن يكونوا قادرين على الدفاع عن هذا الشعب، لم يسمحوا للناس بإنقاذ أنفسهم. يقول الناس إنهم إذا سمحوا لنا بالذهاب، لما قتل واختطف منا كل هؤلاء الأشخاص خلال المجزرة. تتحدث ماشو خضر أيضاً عن خيانة البيشمركة بعد كل كلمة من كلماتها، وتقول لو سمح لهم البيشمركة لكانوا دافعوا عن أنفسهم. "كيف سننسى فرارهم، كيف سننسى خيانة البيشمركة. طالما بقي هناك عالم، وكلما تذكرنا أطفالنا فإننا لن ننسى تلك الخيانة. ما فعلته البيشمركة أسوأ من داعش.
لأن داعش هم بطبيعة الحال أعدائنا، أما البيشمركة فقد عاشوا معنا لسنوات طويلة على أساس حمايتنا. أردنا الهرب لكنهم لم يسمحوا لنا وقالوا أن القوات سوف تأتي لنجدتهم، وحتى اللحظة الأخيرة خدعوا الشعب. ثم فروا وتركونا بين براثن العدو. رأينا بأعيننا كيف أن البيشمركة كانوا يرتدون ملابس النساء ويفرون. طالبهم شبابنا بالسلاح وقالوا "طالما ستهربون وتتخلون عنا، أعطونا أسلحتكم" لكنهم أطلقوا النار على شبابنا وقتلوا أربعة من شبابنا, ولكن مع الأسف، ما زال أهلنا في المخيمات في أحضانهم. يجب ألا يقبلوا ذلك على أنفسهم، يجب أن يعودوا إلى ديارهم".
 
"لولاهم لما نجا أحد منا"
"بعد مسيرة 7 ساعات وصلنا إلى روج آفا حيث ساعدنا الناس ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وأمنوا لنا احتياجاتنا، لن ننسى أبداً ما فعلوه لنا. لولاهم لما نجا أحد منا. يجب أن نتعامل بضمير ويجب ألا ننسى فضلهم، ويجب ألا ننسى أبداً خيانة البيشمركة لأنهم سبب المجزرة. يجب ألا ننسى ما رأيناه. ألا ننسى الأم التي طبخت داعش لحم طفلها وأجبرتها على تناوله. ومن لا ينسى يجب أن يعود إلى أرضه، إلى أهله.
 
"أرض الإنسان هي شرفه وكرامته"
بعد أن تم تحرير مناطقنا، لو أن ديارنا كانت مفتوحة ومؤهلة للعودة، كنا سنعود على الفور. في اليوم الذي تم فيه تحرير تل عزير، كنا نرغب بالعودة إلى ديارنا. لا يوجد ما هو أعز من أرض الإنسان. ومهما عاش الإنسان على أرض الآخرين فإنها لن تكون أرضه. عندما عدت إلى منزلي، شعرت بسعادة غامرة. يعتقد الرجال أن المرأة هي الشرف والكرامة، ولكن هذا غير صحيح، الأرض هي الشرف والكرامة، فعندما تكون لديك أرض ووطن، عندها يكون لديك أم وأخت وزوجة وعائلة. أما إذا لم يكن لديك أرض فأنت لا تملك شيئاً. ولقد رأينا في المجزرة كيف أنه بسبب عدم وجود وطن لنا قتلت وسبيت الآلاف من النساء.
قبل المجزرة كانت حياتنا جيدة لكننا كنا غير متعلمين وغير منظمين. لذلك تحولت سعادتنا إلى ألم ومأساة بعد المجزرة. لكن بفضل الكريلا المقاتلين من أجل الحرية. بادرنا بعد المجزرة إلى تنظيم أنفسنا، وقمنا بتعليم أنفسنا، قمنا بتأسيس قواتنا الأمنية الخاصة. الآن لدينا ثقة بقواتنا ولا ننتظر أن يأتي أحد ليحمينا.
وبعد الآن لن نثق بأي أحد سوى بوحدات مقاومة شنكال، وحدات المرأة في شنكال وقوات الاسايش. نحن نعلم أنهم أبناء هذا الشعب وأنهم سوف يفعلون كل شيء من أجلنا، سوف نكون إلى جانبهم حتى النهاية. هذا كله تحقق بفضل جهودهم ونحن بدورنا سوف نقوم بكل ما يطلبوه منا، لأنهم حاربوا من أجلنا من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع، وقدموا الشهداء، وسوف نكون معهم دائماً".