'هذا العالم هو المذنب وهو المسؤول عما حدث لنا' (2)
أزدا، عانت وشهدت كل أنواع الاضطهاد، لا سيما الاغتصاب والتعذيب، تقول "ليس لي ذنب فيما مررت به
روجبين دنيز
شنكال ـ . لقد أخذوني من ألعاب الطفولة وتعرضت لكثير من الأشياء اللاإنسانية. لست أنا المذنبة، هذا العالم والإنسانية كلها هي المذنبة، هذا العالم مسؤول عما حدث لنا. لا يمكن وصف ما تعرضنا له من ألم. حتى لو تحدثنا، فلا فائدة من ذلك".
"تم بيعي لمرتزق من الموصل"
تكمل أزدا قصتها وتقول "باعوني أنا وأختي لداعشيين من الموصل. لم أمكث طويلاً عند المرتزق الذي باعوني له، حيث تم بيعي إلى مرتزق آخر من الموصل. كان منزل المرتزق الذي باعوا أختي له قريباً من منزل المرتزق الذي تم بيعي له للمرة الثانية. رأيتها مرة بالصدفة. ولم أرها بعد ذلك. اسم المرتزق الذي باعوني له هو كراج. كان لديه زوجتان. أخذني لنفسه كخادمة ومحظية. لم يُسمح لي بالخروج ولم يُسمح لي بالتحدث مع أي شخص من حولي. عندما أخرج يرسلون معي شخصاً ويجبرونني على ارتداء الحجاب، تعرضت للضرب على يد كراج ونسائه الأخريات. أجبروني على قراءة القرآن والصلاة والصوم، لكني لم أقبل أياً منهم. كانوا يفعلون كل شيء بي لأنني لم أقبل ذلك. لا تزال آثار ذلك التعذيب على جسدي".
كشفت أزدا عن ساعدها حيث ظهرت آثار الندوب على معصمها. لقد انسلخ الجلد عن معصمها بسبب تشديد الاصفاد الحديدية على يدها.
"هذا العالم أصبح جحيماً بالنسبة لي"
"كانوا يعذبونني، لكنني كنت أقاوم. عندما ضربوني ضربتهم. سمحوا لي أحياناً بإجراء مكالمات هاتفية، قالوا لي اتصلي مع أهلك. كان قد بقي لي شقيقتي الكبرى التي تزوجت قبل المجزرة، كنت أحاول العثور عليها. كنت أتحدث الكرمانجية، فيسجلون صوتي، ثم يترجمونه ليعرفوا ما كنت أتحدث عنه. لقد سمحوا لي بالاتصال عدة مرات. لطالما حاولت الفرار. لكنني لم أجد أي طريقة. لم يسمحوا لي حتى بالتنفس. أكثر ما عذبني أن المرتزق الذي يدعى كراج كان يغتصبني أمام أنظار زوجتيه. وكان الأمر عادياً بالنسبة لهن. هذا العالم أصبح جحيماً بالنسبة لي".
"لقد تمسكنا بإيماننا وهكذا عشنا"
"لو تخليت عن إيماني لما كنت سأتمكن من العيش كامرأة. تستمد روحي وعواطفي الأنثوية قوتها من إيماني. لمدة ثلاث سنوات، على الرغم من كل ما مررت به هناك، كان إيماني هو الذي جعلني أستمر. لقد عشنا نحن الإيزيديين 74 مجزة، فقدنا الكثيرين، لكننا لم ننفصل عن جوهرنا. عشنا لسنوات من خلال التمسك بإيماننا. استغل الدواعش الإسلام لأغراضهم الخاصة، ونحن الإيزيديات ننظر الآن إلى الإسلام من منظور مختلف. كان المرتزقة يغتصبون زوجات اشقائهم، ويغتصبون شقيقاتهم وأفراد عوائهم. إذا كان هذا هو الإسلام، فما هو هذا الدين؟ لا يوجد دين يجبر الشخص بالقوة على التخلي عن دينه. لا يوجد إيمان يقول "اذهب واقتل الأبرياء". أعضاء داعش هم الذين حولوا هذا العالم إلى جحيم. عندما كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض كان من الواضح أنهم لا يؤمنون بشيء، كانوا يكذبون كثيراً، ينظرون في عيون بعضهم البعض ويكذبون".
"أرادوا إجبارنا على اعتناق الإسلام"
أرادوا اخضاعنا للتدريبات. أرادوا أن يجعلونا مسلمين بالقوة. كنت أشعر بالفضول حيال الإسلام، ولم أستطع أن أفهم كيف يمكن أن يكون الدين وحشياً للغاية. سألت شيخاً رأيته هناك عن الإسلام، فقلت هل لك أن تخبرني عن الإسلام؟ وكان الشيء الوحيد الذي قاله هو يجب قطع رؤوس من لا ينتمون للإسلام، ومن لا يؤمنون به هم كفار، والكفار محكوم عليهم بالموت في هذا العالم". على الرغم من كل الضغوطات، إلا أنني لم أتعلم القرآن والصلاة والصوم. تشبثت بشدة بالإيزيدية. لم أعش ثانية بدون إيماني. كان هو الذي أبقاني صامدة".
وأخيراً تحررت من داعش بعد الإصابة
"بعد ثلاث سنوات، أطلقت القوات العراقية عملية عسكرية في الموصل. سعدنا كثيراً، كان ذلك بمثابة أمل لنا للخلاص. تصاعدت أصوات القصف والاشتباكات. تركنا مرتزقة داعش رهائن في أحد المنازل أعطونا قنابل وقالوا فجرنها بأنفسكن. قصفت الطائرات المنزل الذي بقيت فيه فانهار وأصبت بصدري، ورغم إصابتي خرجت من بين الأنقاض. في المنزل المجاور فتاتين ايزيديتين أخذتهما معي، وخلعنا اللباس الأسود. وأمسكت بيديهما وتوجهنا نحو القوات العراقية. كانوا يطلقون علينا النار. وحولنا نساء داعشيات، وهناك كثير من الناس على الطريق. كنا نصرخ ونقول لهم نحن إيزيديات لا تطلقوا النار. أصابت الرصاصة امرأة داعشية بالقرب منا. لذلك صرخنا بأعلى صوتنا. ومن حسن الحظ إنهم سمعوا أصواتنا وأوقفوا إطلاق النار. عندما وصلنا إليهم ورأينا أنه لم يعد هناك دواعش شعرنا بالراحة".
شقيقتا أزدا الأكبر وشقيقان وأمها تحررن أيضاً من داعش
"قاموا باستجوابنا أولاً. ثم قالوا لنا سنسلمكم لأهلكم. على مدى ثلاث سنوات لم أكن قد سمعت شيئاً عن أحد من عائلتي سوى إحدى شقيقاتي. استغربت عندما قالوا، سنأخذك إلى عائلتك. قلت لكن لم يبق أحد من عائلتي. قالوا، لا نعرف، سنأخذك إلى المخيم، لا بد أن يكون لديك قريب هناك، يمكنك الذهاب إليهم. عندما ذهبت إلى هناك رأيت شقيقتي، إحداهن لم تمكث سوى 40 يوماً لدى داعش حيث قفزت من شرفة المنزل الذي وضعوها فيه وتمكنت من النجاة. أما الأخرى فقد تم تحريرها خلال العملية العسكرية في الموصل. بعد ثلاثة أشهر من نجاتي، تم إنقاذ والدتي أيضاً. واستلمنا شقيقيّ الأصغر من مرتزقة داعش مقابل فدية. لا يزال أشقائي الأربعة وأبي وجدتي وعشرات من أفراد عائلتي أسرى لدى داعش".
"يحاولون القضاء على الإيزدية"
"بعد أن نجوت من داعش بقيت لفترة في المخيمات تحت رعاية الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان. هناك، كانت منظمات الإغاثة توفر التدريب للإيزيديين المقيمين في المخيم. ذهبت إلى تلك التدريبات لبضعة أيام. كانت موضوعات التعليم بشكل أساسي عن الإيمان والدين. لم أدرك ذلك في البداية، لكنني أدركت لاحقاً أنهم يخبروننا عن المسيحية كل يوم. قالوا إن الإسلام سيء والمسيحية جيدة. لم يكونوا يحدثوننا عن الإيزيدية. لم ينظروا إلينا على أننا إيزيديون، ولكن كمجتمعات تحتاج إلى دمجها في دين آخر. كانوا يحاولون تدمير هويتنا. هذا ما فعلته تلك الجمعية الخيرية في المخيم، وذات يوم لم أستطع تحمل ذلك، وقلت لهم، "داعش خطفنا، وعذبنا كل يوم، وحاول تحويلنا إلى دينه. قاومنا ولم نتنازل عن إيماننا. الآن تأتون وتقولون بلطف تعالوا إلينا وكونوا مسيحيين. لا أرى أي اختلاف بينكم وبين داعش. كلاكما نهجان تريدان تدمير إيماننا وتركت التدريب. لم أحضر أي تدريب في ذلك المخيم مرة أخرى. أدركت أن العالم كله قرر القضاء علينا".
"الذين فعلوا كل هذا بنا هم المذنبون"
أزدا تدرك أهمية هذا الحديث، تعلم جيداً أن ما تم معايشته يجب أن يتم الكشف عنه للجميع "لا ألوم نفسي على ما مررت به. أولئك الذين فعلوا هذا بنا هم المجرمين الفعليين". أزدا امرأة إيزيدية وطنية حقيقية. مخلصة جداً لإيمانها وأرضها ... ونحن نعلم أنه طالما هناك نساء إيزيديات مثل أزدا، لن يتم التخلي عن الأيمان وعن الإيزيدية.
"ربما يمكنهم فعل أي شيء بجسدي، ولكنهم لن ينالوا من روحي أبداً"
"حتى لو اتحد العالم كله للقضاء علينا، حتى لو تم إطلاق العنان لعشرات العصابات مثل داعش للهجوم على أرضنا، أو حتى إذا خطفونا وقطعونا إلى أشلاء، فلن نتخلى عن إيماننا أبداً. يمكنهم فعل أي شيء بجسدي، لكنهم لا يستطيعون النيل من روحي أو مشاعري. خلال السنوات الثلاث التي بقيت فيها بين أيديهم، لم أتخلى عن إيماني. وأنا سعيدة جداً بهذا الأمر" بهذه العبارات أظهرت لنا أزدا الشجاعة والمقاومة والتفاني والإيمان والوطنية التي تعاظمت في روحها.