في ذكرى التأسيس الرابعة... تجمع نساء زنوبيا من الانطلاقة إلى التأثير

تجمع نساء زنوبيا منظمة نسائية سياسية اجتماعية اقتصادية وبيئية. الهدف الأساسي تنظيم النساء من جميع الفئات الموجودة في سوريا، والعمل على توحيد وتنظيم الطاقات والجهود من أجل النهوض بالمرأة.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ تأسس مؤتمر ستار عام 2005 في روج آفا، وأصبحت أعماله معلنة وذات تأثير بعد ثورة 19 تموز/يوليو 2012، ولكن مع تحرير مناطق واسعة من سوريا من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتي انتهت بالقضاء على داعش عسكرياً ربيع العام 2019 انضمت هذه المناطق التي تسمى "المناطق الأربعة المحررة" وهي منبج والرقة والطبقة ودير الزور إلى نظام الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، لزم تأسيس منظمة نسائية لنساء تلك المناطق المحررة.

بالتأكيد الحركة النسائية وخاصة الاشتراكية تؤمن بأن قضايا المرأة واحدة مهما اختلفت قومياتهن وإثنياتهن، ولأنه لا فرق بين المرأة عربية كانت أو كردية أو سريانية أو شركسية إلا أن الخصوصية مطلوبة، وهذا ما دفع الحركة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا للدفع باتجاه هذا المسار فأعلن تجمع نساء زنوبيا عن تأسيسه خلال المؤتمر الأول له والذي عقد بمدينة الرقة بمشاركة 150 مندوبة ممثلات عن القوى السياسية والعسكرية في الإقليم بتاريخ الأول من حزيران/يونيو 2021 ونوقشت مسودة النظام الداخلي، وتم انتخاب إدارة للمناطق الأربعة "الطبقة، الرقة، دير الزور، منبج"، وافتتح المركز العام بتاريخ 31 آذار/مارس من العام التالي.

الاسم مأخوذ من القائدة والملكة التدمرية "زنوبيا" التي انتصرت على العديد من الإمبراطوريات في حقبة زمنية ماضية، ويقع المركز الرئيسي في مدينة الرقة التي كان داعش يسميها بعاصمته، ويمارس فيها الانتهاكات بحق الجميع وخاصة النساء، فهنا العديد من الرسائل فالنساء لا تفعلن أي شيء اعتباطياً فأهدافهن واضحة من قرار التأسيس إلى الاسم وثم اختيار المكان.

تعريف تجمع نساء زنوبيا بحسب النظام الداخلي: هو منظمة نسائية سياسية اجتماعية اقتصادية وبيئية. الهدف الأساسي تنظيم النساء من جميع الفئات الموجودة في سوريا، والعمل على توحيد وتنظيم الطاقات والجهود من أجل النهوض بالمرأة وتمكينها على جميع المستويات، وبالتالي تحقيق العدالة بين الجنسين في المجتمع. المقر الرئيسي لمجلس زنوبيا النسائي هو مدينة الرقة.

 

التحديات والنجاحات التي تحققت

أحدث مجلس تجمع نساء زنوبيا تأثير في المنطقة وقبل أن يصبح حاضنة نسوية للفكر التحريري للمرأة لاقى رفض كبير من المجتمع الذي تحكمه الذهنية الذكورية التي تهيمن على المرأة والرجل أيضاً وتقيدهما بالعادات والتقاليد البالية، إضافة للتأثير الكبير الذي احدثه داعش على تقربات المجتمع من المرأة.

وصل الرفض حد الاستهداف إما بشكل مباشر أو بالحرب الخاصة، بتشويه سمعة العاملات في التجمع أو اللاتي تتفاعلن معه بإيجابية، وكان الفضاء الإلكتروني غير داعم فاستقبل العمل النسوي للتجمع إما بالسخرية أو بالتجييش.

ايمان وعائشة عبد القادر تم استهدافهما بطائرة مسيّرة للاحتلال التركي وهن على رأس عملهن عندما تم احتلال مدينة منبج، وكما تقول الإدارية في المجلس بشرى المحمد "نفس الذهنية التي قتلت العضوة قمر السود على يد خالها المرتزق"، كما قدمت كرم شهاب وهي من أوائل المنضمين لمقاومة سد تشرين حياتها من أجل قول كلمة حق.

عن ظروف تأسيس المجلس قالت الإدارية بمجلس تجمع نساء زنوبيا خود العيسى "تأسيس تجمع نساء زنوبيا جاء في مرحلة ضرورية لوجود حركة نسائية حرة تجمع النساء تحت راية واحدة والعمل وفق أهداف مشتركة، فمنذ التأسيس عملنا على الوصول إلى كافة النساء وتنظيم صفوفهن وتوحيد مطالبهن، وبذلك بات المجلس مرجعية لنساء المنطقة للحصول على حقوقهن وتحقيق العدالة لهن والقضاء على العنف الممارس عليهن من قبل الأنظمة المهيمنة والرجل الحاكم، كما ساهمن في تمكينهن على جميع الأصعدة، وباتت العديد منهن رياديات وصاحبات قرار. استطعنا التغلب على الصعوبات وزادتنا عزيمة وكفاح أكبر ولم تثنينا عن الاستمرار في النضال حتى نحقق طموحنا في العدالة والمساواة".

وهذا ما أكدت عليه الإدارية في لجنة التدريب نور الحفني "تمكنا من خلق قاعدة نسائية واعية قادرة على التأثير الحقيقي في مجتمعها، وتمكين النساء لقيادة مجتمعهن".

 

دور التجمع في المرحلة التي تمر بها سوريا

لم يمنعه نشاطه في مناطق محددة من التفاعل مع أوجاع النساء أينما كن سواء أفغانستان أو إيران وتركيا وغيرها من البلدان، وبالأخص مع السوريات ليكون تجمع نساء زنوبيا جامع لهن وربما نواة لمنظمة نسائية تستظل بها نساء سوريا في المستقبل الديمقراطية الذي تسعين لأن يكون قريب.

تقول خود العيسى "لنا العديد من وقفات التضامن مع نساء سوريا والشرق الأوسط، فلقد رفضنا ما تتعرض له نساء المكون الدرزي والعلوي من إبادة وانتهاكات، وكذلك الممارسات بحق المعتقلات في المناطق المحتلة، ولدينا خطط مستقبلية لافتتاح مكاتب في كافة المدن السورية للدفاع عن جميع السوريات، وإشراكهن في بناء سوريا الجديدة، ونحرص على أن يكون لهن دور في الدستور ومستقبل البلاد، فالثورة التي لا تكون المرأة في صفوفها لن تنتصر".

يعمل تجمع نساء زنوبيا من أجل مستقبل أفضل لحقوق المرأة في سوريا ويبدو أنه حقق أولى خطواته في تعريف المنظمات المعنية بعمله فبات مقصد الوفود القادمة إلى إقليم شمال وشرق سوريا التي دفعها الفضول للتعرف على طبيعة العمل والإنجازات التي تحققت خلال هذه السنوات.

بشرى المحمد أكدت أن تجمع نساء زنوبيا يعمل على "تنظيم صفوف المرأة وتوحيد مطالب ورؤى النساء وتعزيز دورهن للمشاركة في الدستور السوري الجديد انطلاقاً من المشاركة الفعالة لهن في سن قوانين عادلة ضمن العقد الاجتماعي لإقليم شمال وشرق سوريا.

وتؤكد نور الحفني أن التدريب يضمن مستقبل المرأة لأن الوعي بالحقوق أساس النجاح وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، والتغيير يجب أن يكون في شخصية المرأة لينعكس على واقعها من أجل حياة ديمقراطية حرة "نعتمد على أكثر من أسلوب في التدريب من خلال تطوير محتواه وأسلوب اعطائه، والذي بدوره يعزز التفكير النقدي والقدرة على اتخاذ القرارات، والتخلص من سيطرة الذهنية الذكورية الحاكمة عبر تعريف النساء بحقوقهن".

 

تتكامل الصورة بتنوع اللجان

أعمال تجمع نساء زنوبيا كثيرة وله بصمة واضحة بين المنظمات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا، ويضم 11 لجنة تغطي مختلف المجالات التي تمس وتهم حياة كل امرأة، هذه اللجان تكمل الصورة لتحقيق الهدف المرجو من العمل وهو إنصاف المرأة وتحريرها.

 

ـ اللجنة الاجتماعية

يواصل تجمع نساء زنوبيا مسيرته الحافلة بالدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز الوعي المجتمعي تجاه قضاياها، مشكّلاً نقطة انطلاق نحو تغيير جذري في واقع النساء، هذا التغيير بدا واضحاً من تغير الممارسات المجتمعية تجاه المرأة والتي حققت نقلة كبيرة إذا ما قورنت بعقود مضت.

عمل التجمع لجميع النساء فيتعاون مع لجان الصلح المنتشرة في المناطق التي ينشط فيها لحل القضايا العائلية والاجتماعية والظواهر السلبية التي تؤثر على حياة المرأة، خاصةً القضايا المتعلقة بالطلاق، والحضانة، والنفقة، ويولي التجمع اهتماماً خاصاً لقضية زواج القاصرات المنتشر بشكل كبير.

ولأنه لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة، في عالم مملوء بالكذب والتقاليد التي ليس لها أي أساس من المنطق أو العدالة فإن تغيير هذه العادات والتقاليد البالية يحتاج لعقود، وأي تغيير وإن كان بسيطاً فهو نصر عظيم تحققه الحركة النسائية لنساء ارتبط كيانهن دوماً بمفاهيم شرف العشيرة ليصبح أي شيء تفعلنه يعرض سمعتهن وحتى حياتهن للخطر.

اليوم تعمل النساء في مؤسسات الإدارة الذاتية، وملابس داعش التي فرضها لم تختفي لكنها تراجعت إلى حد كبير، وعلى النساء الاختلاط مع زملائهن الذكور لأن العمل يحتاج لكليمها، والعلاقة بين الرجل والمرأة غير مقرونة بـ "الجنس" وإنما بالاحترام على عكس ما تقوم به سلطات هيئة تحرير الشام في سوريا وطالبان في أفغانستان والحوثي في اليمن والملالي في إيران من فصل يترك انطباعاً لدى الإنسان أن العلاقة بين الجنسين لا تعدوا أن تكون إلا مرتبطة بالغرائز.

عمل اللجنة الاجتماعية تطوير الأنشطة التدريبية والتنظيمية والفعاليات لرفع الوعي الاجتماعي بين المرأة والمجتمع، وتقديم الخطط والمشاريع الخاصة بحماية حقوق الإنسان وتنميتها في مختلف المجالات سواء كانت رياضية، عقائدية، صحية، رعاية الأطفال، جرحى الحرب، ضحايا الهجرة، أو كبار السن، والعمل على الحد من استغلال الأطفال والهجرة.

 

ـ اللجنة الاقتصادية

تقول الكاتبة والمفكرة المصرية نوال السعداوي أن "المرأة إن لم تعول نفسها فقرارها ليس بيدها" ومن هذا المنطلق الذي أكدت عليه أيضاً جميع الحركات النسائية وهو الأمان الاقتصادي المتمثل بالاستقلال الاقتصادي تعمل اللجنة الاقتصادية في تجمع نساء زنوبيا على خلق فرص عمل للنساء لكيلا تصبحن تحت سلطة الرجل لأنه ببساطة يقوم بإطعامهن.

ويتمثل عملها بتطوير اقتصاد اجتماعي ضد الاستغلال والاحتكار الرأسمالي، من خلال تطوير التعاونيات النسائية في الزراعة والصناعة والحرف اليدوية وغيرها في جميع المجالات، وإعداد الدراسات والمشروعات الاقتصادية وعرضها على الجهات الممولة، وتطوير وتنظيم الأنشطة التجارية والاقتصادية السنوية.

 

ـ لجنة العدالة الاجتماعية

تُقمع المرأة ويمارس بحقها العنف ومختلف الانتهاكات ويصبح أطفالها عبء على حياتها، ومصدر تهديد لها إن هي طلبت الطلاق أو رفضت أن يتزوج عليها وغيرها من الحقوق التي لا يعتبرها المجتمع حقوق، وبذلك تنشأ عائلات مشوهة مبنية على استعباد المرأة.

لجنة العدالة الاجتماعية تضم لجان المصالحة ودار المرأة، وأعمالها تندرج في إطار تطوير العدالة الاجتماعية من منظور المرأة وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، وترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية في حل قضايا المرأة والمجتمع، وكذلك رعاية المرأة وحمايتها من كافة أشكال العنف والتمييز، وتوثيق الانتهاكات والجرائم ضد المرأة وإرسالها في شكل بلاغات إلى الجهات المعنية.

ومهمة هذه اللجنة حل الخلافات ودعم المرأة لمواجهة الظلم، وليس من السهل أن تقدم المتضررة شكوى ضد زوجها أو عائلتها لأنها بكل بساطة تفقد احترام المجتمع وربما الزوج والأطفال والعائلة والمنزل، وعلى ذلك فكل خطوط التحرر يجب أن تسير معاً والتوعية مستمرة لتحقيق العدالة المجتمعية تمهيداً للوصول إلى المساواة الحقيقية.

 

ـ لجنة التدريب والأكاديميات

تعمل على إعداد برامج تدريبية لرفع المستوى السياسي والفكري والثقافي للمرأة والمجتمع، وكذلك إعداد البحوث والنشرات المتعلقة بالتوعية والتدريب، وتمكين المرأة من خلال ورش العمل على جميع المستويات، وتشجيعها على القراءة والكتابة من خلال دورات محو الأمية، والعمل على تطوير برامج توعية لتغيير العقلية الذكورية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تم افتتاح أكاديميات لتمكين المرأة على كافة المستويات.

 

ـ اللجنة الصحية

للحرب تأثيراتها الكبيرة على مختلف مناحي الحياة والصحة أبرز القطاعات المتأثرة بها فخلال الحروب تنتشر الأوبئة وتهمل الصحة العامة والنساء لديهن احتياجاتهن وعلى ذلك ارتأى تجمع نساء زنوبيا تأسيس لجنة خاصة تعمل على الجانب الصحي لجميع أهالي المنطقة، وتخص بعملها صحة المرأة بتقديم برامج توعية صحية لها، كما يشمل عمل اللجنة تنظيم وتطوير وحدات العمل في المجال الصحي ليس فقط في المدن وإنما بالأرياف بشكل مكثف، ولأن المجال الصحي كغيره من المجالات يحمل تمييزاً بين الجنسين فإن اللجنة تناهض هذا العنف المتخفي في الأنشطة المتعلقة بقطاع الصحة.

 

ـ لجنة الثقافة والفنون

الفن والثقافة ذاكرة الشعوب ويتضح ذلك بكون معظم ما نعرفه عن أسلافنا نقله الفن من نحت وشعر وقصص وأساطير، وهذه الاستمرارية في التأريخ مسؤولية تقع على عاتق جميع النساء للتعريف بما تركته ما سبقننا من النساء من أدب وفن خالدين في الذاكرة الشعبية.

ومن هذا المنطلق تعمل لجنة الثقافة والفن على التعريف بثقافة الشعوب التي تسكن المنطقة وسوريا عموماً من خلال دعم وتطوير الأنشطة التي تساهم في حماية وتطوير الثقافة واللغة والفن والأدب، والحفاظ على ثقافة وأصالة المجتمع من الفناء ومخططات الاستيعاب الثقافي، ودعم وتطوير الفرق الفنية.

 

ـ لجنة الحماية

لا يمكن تحقيق الإنجازات وتركها دون حماية، ولا يمكن ترك المرأة تتعرض للعنف دون مد يد العون لها، فإذا لم تنفع التوعية وجهود تغيير الذهنية لدى بعض الرجال فيجب عندئذ اتخاذ خطوة ثانية تتمثل بحماية المرأة من كافة أشكال العنف، وليس فقط المعنفات من تحتجن للحماية وإنما قيم المجتمع وأخلاقياته.

 

ـ لجان أخرى

لجنة الإعلام تهتم بمتابعة أعمال تجمع نساء زنوبيا وتهدف لتغيير الصورة النمطية للمرأة في مجال الإعلام والمجتمع، وكذلك تشبك مع مختلف المؤسسات الإعلامية لخدمة قضية المرأة. أما لجنة العلاقات فتعمل على تطوير الحوار والعلاقات مع المنظمات النسائية الداعية للسلام وإنهاء الحروب، وبناء علاقات مع المنظمات النسائية من داخل وخارج سوريا، كما أن لجنة عوائل الشهداء تقدم الدعم المادي والمعنوي لأسر ضحايا الحرب وهذا الدعم يكون بتمكين زوجاتهم في كافة المجالات، وإعداد مشاريع اقتصادية لتقديم الخدمات للعوائل.