أين هن نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (5)

تقول صبرية أحمد كريم أحد الناجين من قوافل الموت في الأنفال مع أطفالها "أخذوا زوجي وتسعة من أقاربنا ولم نحصل على أي معلومات عنهم مرة أخرى. أخذوا الجميع، وبقينا نحن الأمهات فقط. كنا نحتضن أطفالنا حتى نتمكن من حمايتهم".

'جعلوا من أوشحتهم أصفاداً وكبلوا بها أيديهم'

السليمانية ـ
استمرت عمليات الأنفال التي بدأت بالتخطيط لمجازر وإبادة واسعة النطاق براً وجواً. ووصلت حركة الإبادة الجماعية التي بدأت الاستعدادات لها في عام 1986 إلى ذروتها بين شهري شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر عام 1988، وتحولت إلى عمليات وحشية. فقد ارتكبوا العديد من الأعمال اللاإنسانية كالقصف الجوي، واستخدام الأسلحة الكيماوية، وتدمير الأماكن والبيوت، والتهجير القسري، وتجميع الناس في معسكرات الموت، والإعدامات الجماعية، وخطف الفتيات الشابات وبيعهن في الدول العربية. لقد تركت هذه الأعمال جراح عميقة في ذاكرة الأطفال والنساء الناجين من تلك الكوارث. فقد صرحت صبرية أحمد كريم إحدى النساء اللواتي بقيت مع أطفالها في معسكرات النظام خلال حملة الأنفال، أنهم تُركوا للموت، ولكنهم لم يمتوا بسبب إصرارهم على العيش.
 أوضحت صبرية كريم أنه تم إجلاؤهم من منازلهم ونقلهم على شكل قوافل إلى المخيمات، "وضعوني أنا وطفلي ضمن إحدى القوافل وأخذونا بعيداً. في الطريق أخذوا زوجي وتسعة من أقاربنا. بكى الأطفال على والدهم ولكنهم لم يعيروهم أي اهتمام وأخذوه. بقيت ضمن القافلة مع طفلي ولم يكن مصيرنا معروفاً. لقد كنا محاطين بالجنود ولا نستطيع التحرك. وفي كل مرة يدخلون فيها ضمن القافلة ليأخذوا بعض الأشخاص، كنت أمسك بأطفالي وأحتضنهم حتى لا يحدث لهم أي شيء. غير ذلك لم يكن يوجد هناك شيء يمكن أن أفعله أنا أو النساء من حولي. فقط كنا نحمي أطفالنا مثل الدجاج".
 
"في البداية أخذوا من تتجاوز أعمارهم الأربعين عام"
ذكرت صبرية كريم أنه تم تقييد أيدي الشباب بأوشحتهم واقتيادهم بعيداً، وتابعت قائلةً "فصلوا أولئك الذين تزيد أعمارهم عن أربعين عاماً ونقلوهم بعيداً. علمنا فيما بعد أنهم قُتلوا ودُفنوا جميعاً في مقابر جماعية. بعد أن انتهوا من كبار السن عادوا هذه المرة وقيدوا أيدي جميع الشباب القادرين على حمل السلاح بأوشحتهم وأخذوهم. قاموا بتسليحهم وضمهم إلى صفوف جنودهم. لسنوات كانت كل من كفري وخانقين معتقلاً لتعذيب الشباب. فقد كان الإعدام أو التعذيب القاسي مصير كل من لا يمتثل لمطالبهم. في ذلك الوقت أخذوا زوجي وتسعة من أقاربنا ولم نتلقى أي معلومات عنهم مرة أخرى". 
 
"استغاثة الفتيات الشابات بين أيدي الجنود"
استذكرت صبرية كريم صراخ واستغاثة الفتيات الصغيرات بين أيدي الجنود "كان الفصل لا يزال مستمراً، كانوا يهاجموننا كل حين في طريق الموت ذاك كذئب يدخل قطيع من الأغنام. لم يكن معروفاً دور من سيكون في اللحظة التالية. أخذوا كبار السن، ثم الأطفال الذكور، بعدها جاء دور الفتيات الشابات. لقد تم التخطيط لذلك ففي البداية أخذوا كبار السن ومن ثم الشباب، لأنهم يعرفون حساسية موقف مجتمعنا تجاه الشابات، لذلك أخذوهم في النهاية. بقينا نحن الأمهات، فأمسكنا واحتضنا أطفالنا لنحميهم، في ذلك الوقت لم نكن نستطيع أن نفعل أي شيء. لم نتمكن من حماية بناتنا النقيات مثل الماء الصافي الجميل. كانت أصوات صرخاتهن واستغاثتهن تعلوا بين أيدي الجنود. لقد أمسكوا بضفائرهم المجدولة وجروهم منها على الأرض. لا تزال أصوت صرخاتهن ترن في أذني. أخذوهم ومثل البقية أيضاً لم نتلق أي معلومات عنهن. ثم عرفنا فيما بعد أنه تم بيعهن في الدول العربية".
 
"نحن الأمهات كنا نستمد القوة من بعضنا البعض"
أفادت صبرية كريم أنها عملت مع عدة أمهات مثلها بعد تحررها من النظام وتابعت قائلةً "لم يتبقى أحد آخر سوى النساء الأمهات مثلي. فقد ألقى النظام بنا في البراري بدون أهل وبدون أي شيء. فاجتمعت كل عدة نساء وعملن معاً حتى تتمكن من إعالة أطفالهن. وكان يجب علينا استئجار منزل نسكن فيه ويأوي أطفالنا عندما نذهب إلى العمل. لم يمنحنا أحد منزلاً لأننا لم نكن نملك وثائق رسمية. فلم يكن لدينا اسم أو هوية لذا لم يقبل بنا أحد. لكن بمشقة وعناء حصلنا على منزل. وبعد البحث الطويل وجدنا عملاً وبدأنا به. لقد وصلنا إلى هذه الأيام بصعوبة كبيرة. لكن أكثر من أعطاني القوة كانت النساء اللواتي لديهن أطفال مثلي. وبدون أن نملك شيء تكاتفنا في الظروف الصعبة وكافحنا معاً لرعاية أطفالنا".
غداً: تابان كرمياني التي ما تزال تبحث في المقابر الجماعية عن أفراد أسرتها المفقودين.