أين هن نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (3)

قالت شهزادة حسين محمد التي كانت متزوجة حديثاً خلال الأنفال "كنت متزوجة منذ عام وعشرة أشهر. كنت حاملاً ومعي طفلتي البالغة من العمر عشرة أشهر عندما فصلوا زوجي عنا وأخذوه بعيداً. أجهضت الطفل الذي كنت حاملاً به، ولم يتبقى لي سوى ابنتي الصغيرة. خفت منهم وهربت إلى حيث لا يتمكنون من الوصول إلي".

 

 'يسجلون أسماءنا من أجل إعطاءنا رغيف خبز'

السليمانية ـ

بدأت الهجمات المعروفة بالأنفال الأولى في الثالث والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 1988 بعملية برية في منطقتي سركلي وبركلي في السليمانية. استخدموا الأسلحة الكيماوية في 22 آذار/مارس في قرية شانخشي، و23 آذار/مارس في قرية حلبجة، و22 آذار/مارس في قرية سيسنان في قرداخ، و23 آذار/مارس في دوكان، و24 آذار/مارس في قرية جعفران. كما استخدموا الغازات السامة في الثالث من شهر أيار/مايو في قرية إكسر، 7 و20 نيسان/أبريل في كرميان، و24 من شهر آب/أغسطس في منطقة زيوا شيخان الواقعة على الحدود مع شمال كردستان. في هذه العمليات تم حرق وتدمير ونهب إقليم كردستان من كرميان إلى السليمانية، وزاخو وبهدينان. وصفت شهزادة محمد علي إحدى النساء الموجودات ضمن قوافل الموت في الأنفال والتي كانت حاملاً ولديها طفلة ما رأته بأم عينيها.
 
"بقيت عامين في السجن"
بينت شهزادة حسين محمد إحدى سكان بلدة قادر كريم، إن النظام البعثي قبل الأنفال هاجم عائلتها في السبعينيات، وتابعت قائلةً "مع ظهور الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) انضم أخي أيضاً إلى البيشمركة. كان جواسيس النظام في كل مكان، وعندما يجدون عائلة تتقرب من البيشمركة يهاجون منزلهم فوراً. وبسبب أخي داهموا منزلنا واعتقلونا نحن أفراد الأسرة جميعاً مع أطفالنا وألقوا بنا في السجن. كنا ثمانين شخصاً في غرفة طولها ستة أمتار. وهناك أربعة نساء مع أطفالهن معنا في نفس الغرفة، كان ضجيج الأطفال يهز جدران السجن. قضيت عامين في السجن. استشهد أخي المنضم إلى صفوف البيشمركة ووقعت جثته في يد النظام. بعد استشهاد أخي، تحملت مسؤولية المنزل التي وقعت كلها على عاتقي وأدرت جميع الأعمال".
 
"من أجل إعطاءنا رغيف خبز يسجلون أسماءنا"
ذكرت شهزادة محمد إن قوات النظام حاصرت خلال الأنفال بلدة قادر كريم أيضاً واستمرت في حديثها قائلةً "حاصرونا، وقاموا بمضايقتنا وعانينا كثيراً في بلدة قادر كريم. ومن أجل الحصول على رغيف خبز كان يجب أن نسجل أسمائنا. لفترة من الوقت لم يتبقى لدينا شيء نأكله، حاولت أخت زوجي معي كثيراً كي أذهب وأسجل اسمي من أجل الحصول على الخبز لكني لم أذهب. كنت أفضل الجوع على الذهاب إليهم والترجي لمعرفة ما إذا كانوا سيكتبون أسمي أم لا. لم أرغب في أن أحتاج إليهم ولم أرغب في رؤيتهم. فبحسب رغبتهم يلقون بكل شخص في السجن. لقد أخذوا جميع الأشخاص، فهربت مع أخت زوجي إلى حيث لا يمكنهم الوصول إلينا لتجنب الذهاب إلى السجن".
 
"هربت من القافلة"
أشارت شهزادة محمد إلى أنها كانت قد تزوجت حديثاً وتابعت "تزوجت في شهر حزيران/يونيو عام 1986. لم أشعر بفرحة الزواج، ففي كل يوم كانت طائرات النظام تقصفنا. وعندما وجدوا أنهم لا يستطيعون القضاء علينا وإبادتنا بالضربات الجوية، بدأوا بالعمليات البرية. لم يكن قد مضى على زواجي سوى عام وعشرة أشهر عندما داهموا منزلنا وأخرجونا منه. حاصرنا الجنود وجمعوا كل المواطنين في بلدتنا واقتادونا ضمن قوافل. أثناء ذلك أيضاً كانوا يدخلون بيننا ويلقون بمن يريدون في المركبات العسكرية ويأخذونهم إلى المجهول. لم نستطع الدفاع وحماية بعضنا البعض وعدم السماح لهم بأخذ أي شخص. فجأة أخذوا زوجي أيضاً ولم أراه مرة أخرى. كنت حاملاً ومعي طفلتي البالغة من العمر عشرة أشهر. أجهضت طفلي الذي كنت حاملاً به من الخوف، وبقيت أنا وابنتي فقط. كنت خائفة جداً من أن يأخذوني أنا أيضاً. فهربت إلى البرية وذهبت بعيداً حتى لا يعثروا علي".
 
"خوفي كان من تكرار الأنفال مرة أخرى"
وصفت شهزادة محمد المصاعب التي عانتها بعد الأنفال عندما تحررت من يد النظام كالتالي "كانت ابنتي تبلغ من العمر عشرة أشهر ولم يكن يوجد لدي ما أطعمها إياه. فعملت ما بوسعي حتى لا تموت من الجوع. ولكن الخوف الأكبر الذي كنت أعيشه هو تكرار الأنفال. فقد كنت خائفة ولدي هاجس إنه سيحدث مرة أخرى. وكوني امرأة شابة ولدي طفلة كانت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لي".
 
"ذهبت إلى أوروبا أيضاً من أجل متابعة القضية"
هكذا تحدثت شهزادة محمد التي كافحت ضد قاتلي طفلها الذي لم يرى الحياة وزوجها عن مراحل متابعة القضايا "ذهبت إلى المحكمة حيث حوكم صدام للإدلاء بشهادتي. كما سافرت إلى ألمانيا ثلاث مرات من عام 2008 إلى عام 2011 و2015 وشاركت في جلسة الاستماع. سأتابع القضايا المتعلقة بالأنفال حتى النفس الأخير".
 
"نريد نصباً تذكارياً"
كما بينت شهزادة محمد إن حكومة الإقليم أيضاً لم تقدم لهم المساعدة اللازمة وقالت "طلبنا نصباً تذكارياً من وزير الداخلية. حتى أننا حددنا المكان ووضعنا خطة المشروع، لكن تم تأجيل ورفض طلبنا وحتى الآن لم نلقى أي رد. ولا يوجد حتى الآن مكان يجتمع فيه أقارب المفقودين في يوم ذكرى الأنفال".
 
"ما زلت أنتظر عودة زوجي"
قالت شهزادة محمد التي مازالت تنتظر عودة زوجها "لدي أمل دائماً، فأنا أراقب الباب منذ 33 عاماً. أتطلع دائماً إلى عودته يوماً ما. في بعض الأحيان أفكر وأقول لنفسي ربما تقدم في السن الآن وأصبح كهلاً ولن أتعرف عليه. ولكنني أفكر به دائماً، ومازالت ملامحه أمام عيني، لذلك سأعرفه إذا عاد مهما كبر به السن".
غداً: هرب عطية حسين محمود مع أبنائها من القوافل قبل أن تصل إلى مخيمات الموت.