تأثير الزلزال على هاتاي... التعليم في خطر
العاملون في قطاع التعليم الذين يعملون في ظروف صعبة في هاتاي، ويسعون لإنقاذ أنفسهم من آثار الزلزال المدمرة، يركزون في الوقت نفسه على ضرورة إيجاد حلول لأوضاع الطلاب المحرومين.
بنفش ستيرك
هاتاي ـ بعد مرور ثلاث سنوات على الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط/فبراير 2023، ما تزال هاتاي تواجه تحديات قاسية في التعليم، التنقل، والدعم النفسي، حيث تتفاقم الأعباء الأسرية والاجتماعية، وتبقى الفتيات والمعلمات الأكثر تضرراً من هذا الواقع المستمر.
أوضحت المعلمة سيفيلاي ألماس أن ما يقارب ثلاث سنوات مضت منذ وقوع الزلزال، ومع ذلك ما تزال التحديات كبيرة، مشيرةً إلى أن بعض الجوانب شهدت تغييرات محدودة، لكنها شددت على أن حجم هذه التحولات لا يرقى إلى مستوى الحاجة.
وأضافت أن آثار الزلزال في الماضي كانت مختلفة عمّا هي عليه اليوم؛ فبينما تُعاد المدينة إلى البناء من جديد، برزت مشكلات أخرى مرتبطة بالواقع الحالي، هذه الأوضاع تنعكس بشكل مباشر على المعلمات والطلاب والمجتمع بأسره.
ومن أبرز التحديات التي ذكرتها مشكلة التنقل، حيث قد تتحول رحلة لا تتجاوز خمس دقائق إلى مسافة تستغرق خمساً وعشرين دقيقة، موضحة أن وسائل النقل ما تزال مرتبطة بالقطاع الصناعي، وأن أزمة المواصلات لم تُحل بعد. عملياً، لا يوجد نظام نقل عام فعّال، مما يدفع الكثيرين إلى الاعتماد على التوصيل المجاني.
"الفتيات يبتعدن عن المدارس بسبب الأعباء الأسرية"
وأشارت سيفيلاي ألماس في حديثها عن واقع المدارس إلى تزايد معدلات الانقطاع عن الدراسة، مؤكدة أن الفتيات يتأثرن بشكل أكبر نتيجة مشكلات التنقل والأعباء الأسرية، ولا سيما مسؤوليات الإنجاب، موضحة أن هذه الضغوط تدفع العديد منهن إلى الابتعاد عن التعليم.
وأضافت أن الصعوبات الاقتصادية تجبر الأمهات أحياناً على البقاء في المنزل، مما يضع عبء رعاية الأطفال الآخرين على الفتيات، وهو ما يشكّل جانباً إضافياً من المشكلة، كما أن الطلاب الذين يتمكنون من الوصول إلى المدرسة في يوم معين قد يعجزون عن ذلك في اليوم التالي بسبب مشاكل المواصلات أو الظروف الجوية.
"الدعم النفسي ـ الاجتماعي لم يُقدَّم"
وتحدثت عن غياب الأماكن الاجتماعية في هاتاي، معتبرةً أن هذه المشكلة أصبحت همّاً مشتركاً يعاني منه الكثيرون، موضحة أن المعلمات بعد انتهاء دوامهن المدرسي لا يجدن فضاءات للتواصل أو ممارسة حياة اجتماعية طبيعية، مشيرةً إلى أن عدد هذه الأماكن محدود للغاية، فيما لا تزال آثار الزلزال تلقي بظلالها على حياتهن اليومية.
وأضافت أن عدم شعورهن بالأمان في منازلهن يجعل تجاوز المرحلة الصادمة أمراً بالغ الصعوبة، خاصة في ظل غياب أي برامج مخصصة للدعم النفسي ـ الاجتماعي، مؤكدة أن هذا النوع من الدعم لم يُقدَّم لا للمعلمات ولا للطلاب ولا لأي فئة من المجتمع، مما أبقى آثار الصدمة حاضرة حتى اليوم.
"نعيش مشكلات في ضبط الغضب"
أكدت سيفيلاي ألماس أن عبء رعاية الأطفال، في ظل غياب إمكانية الوصول إلى رياض الأطفال، يقع بالكامل على عاتق النساء العاملات، موضحة أن هذه المشكلات تتفاقم باستمرار، مما يجعل الأعباء الأسرية أثقل يوماً بعد يوم، مضيفةً أن الأعباء الأسرية كبيرة في مختلف أنحاء تركيا، غير أن هذه المنطقة ما زالت تعيش آثار الزلزال، ولم يطرأ عليها أي تغيير يُذكر.
وأشارت إلى أن هذه الضغوط غير المحتملة تحرم الأسر من أي ميزانية للإنفاق خارج المنزل، وهو ما يدفع الناس إلى البقاء محصورين داخله، مبينة أن غياب الحياة الاجتماعية يترك آثاراً سلبية عديدة، إذ أن الأنشطة الاجتماعية تُسهم في تحسين الصحة النفسية والجسدية بطرق متعددة، وعندما يغيب هذا الجانب، تظهر مشكلات في إدارة الغضب بشكل واضح، كما أن المدارس بدورها تواجه الكثير من النواقص نتيجة هذه الظروف، مما يعكس حجم التحديات المستمرة في المجتمع.
"شعب هاتاي عاد بدافع حنينه"
وعن جانب الهجرة في مجال التعليم، أشارت إلى أن مستوى الهجرة كان مرتفعاً جداً، وأن هناك هجرة كبيرة خصوصاً باتجاه مرسين، أنقرة، أضنة وأنطاليا "في البداية، وبسبب تعلق أهالي هاتاي بمدينتهم وحبهم لها في كل الظروف، كان كثيرون يريدون العودة بعد عام واحد فقط من مغادرتهم. بعضهم عاد فعلاً بعد سنة. لا نملك بيانات دقيقة، لكن خلال العامين الماضيين ارتفعت هذه الأعداد أكثر. ومع ذلك، كانت هناك مشكلة كبيرة في السكن، مما أجبر الناس إما على شراء منازل جديدة وإنفاق مبالغ كبيرة عليها، أو الاستمرار في العيش مع عائلاتهم في بيوت كبيرة مشتركة".
وأضافت "في تلك البيوت الكبيرة، ازدادت المسؤوليات والأعباء المنزلية بشكل كبير. كذلك، رغم أن مراكز المدينة لم تعد موجودة، إلا أن الناس استقروا في أماكن بعيدة عن مركز المدينة، مثل القرى والمناطق المحيطة. لكن إذا كانت أعمالهم أو مدارسهم في مركز المدينة، اضطروا إلى القيام برحلات طويلة يومياً. ومع هذه المشكلة في التنقل، أصبحت الرحلات الطويلة أكثر إرهاقاً، وغالباً ما استقر العائدون في القرى".
وعن مشاريع الإسكان التابعة لـ TOKİ (رئاسة تطوير الإسكان في تركيا)، والتي بدأت بعد الزلزال، قالت "مساكن TOKİ تقع خارج المدينة، في مناطق جبلية. تلك المناطق أكثر أماناً من حيث الزلازل، لكن بسبب وجود مشاكل في التنقل وعدم توفر وسائل نقل عامة، فإن هذه المساكن تعتبر حلاً أفضل فقط لمن يملك وسائل نقل خاصة، أما بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون على النقل العام، فالمشكلة تصبح أكبر، لهذا السبب يفضل الناس البقاء في الغرف المسبقة الصنع".
وأشارت إلى أنه تم الإعلان أن الغرف مسبقة الصنع ستُرفع، وأن هذا القرار تم التأكيد عليه في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري "هذا القرار مفهوم، لكنه يخص بشكل خاص المعلمين الذين لم يكونوا ضحايا مباشرين للزلزال لكن تم تعيينهم بعده، وكذلك الأسر التي تتلقى راتبين، والمعلمين الذين استلموا مفاتيح منازلهم لكن لم يتمكنوا من الانتقال إليها. بالنسبة لهؤلاء، فإن القرار مفهوم".
أشارت سيفيلاي ألماس إلى أن هناك العديد من المشكلات التي ما زالت قائمة في المساكن الجديدة "هناك مشكلة في البنية التحتية، مشكلة في توفير المياه، مشكلة في الأنابيب. انقطاع الكهرباء مستمر في جميع أنحاء المدينة. غياب الماء والكهرباء يزيد المشكلات كثيراً، سواء من ناحية النظافة أو من جوانب أخرى. للأسف، التعليم لا يمكن أن يستمر في مثل هذه الظروف غير الصحية".
"الطلاب خضعوا لامتحان موحّد"
جميع العاملين في قطاع التعليم في المدينة يؤكدون أن طلاب هاتاي يعيشون أوضاعاً أكثر حرماناً مقارنة بطلاب المناطق الأخرى في تركيا. وركزت سيفيلاي ألماس على هذه القضية وقالت "حتى الشهر الثالث، كانت الدروس في المدارس المجمّعة تُعطى نصف ساعة فقط، بينما المدة القياسية في عموم تركيا هي 40 دقيقة".
ولفتت إلى أن "الطلاب فقدوا الكثير من حقوقهم، وكل درس كان يستمر 10 دقائق. ومع ذلك، هؤلاء الطلاب الذين عاشوا هذا النقص خضعوا لاحقاً لنفس الامتحان الموحّد على مستوى البلاد، وتم تقييمهم بالطريقة نفسها. لم يُقدَّم لهم أي دعم لتعويض هذا الحرمان. في الكرفانات لم يكن هناك بيئة تعليمية مناسبة، وكانت مدة الدروس أقصر. الآن بُنيت مدارس جديدة، لكننا لا نعرف بعد إلى أي مدى ترتبط هذه المدارس الجديدة بمشكلات التدفئة".
"الدعم المالي لم يُقدَّم"
وأوضحت أن الطلاب والمعلمين والعاملين في قطاع التعليم لم يحصلوا على نفس الفرص التي توفرت في المدن الأخرى، وذكّرت بأنهم منذ البداية طالبوا بزيادة الدعم المالي لجميع المعلمين لأن هذه المنطقة منكوبة "في الحقيقة نحن بحاجة إلى دعم مالي إضافي، لأننا نعيش في ظروف صعبة، كان ينبغي أن يُقدَّم دعم يجعل المكان مناسباً للعيش فيه من جديد".
وتوقفت أيضاً عند جانب النساء في هذه القضية، وسلّطت الضوء على الأعباء الأسرية الموجودة "هذا أمر واضح في كل مكان. لا يقتصر دور النساء على إعطاء الدروس في المدرسة، فعندما يعدن إلى المنزل يقمن برعاية أطفالهن أيضاً. وإذا كان هناك شخص مسن في البيت، يقمن برعايته كذلك. هذه المسؤوليات تضيف أعباء كبيرة إلى حياتهن. هناك حاجة أكبر إلى المرونة. يجب أن تكون المدارس أكثر مرونة تجاه المعلمات. من الضروري أن يُعاد النظر في المناهج الدراسية بحيث تجعل حياتهن أسهل. لقد أصبح هذا الموضوع قضية عامة على مستوى تركيا".
"النساء لا يشاركن في آليات اتخاذ القرار"
وأوضحت أن النساء لا يجدن مكاناً في آليات اتخاذ القرار "بسبب المسؤوليات التي تتحملها النساء خارج المنزل والمدرسة، لا يجدن الوقت للمشاركة في آليات اتخاذ القرار أو لقضاء وقت إضافي هناك. وبالتالي، مهما كان الأمر، لا يُترَك لهن خيار حقيقي. هذا يرتبط بشكل كامل بالأعباء الأسرية. وهو مرتبط مباشرةً بالمسؤوليات الأسرية، ونحن كنقابة نطالب بحل لهذه المشكلة".
وذكّرت سيفيلاي ألماس بأن ثلاث سنوات قد مرّت على المنطقة المنكوبة بالزلزال "يجب الاعتراف بهذا الواقع. يجب الاعتراف بأن هذه الأوضاع المأساوية ما زالت مستمرة. يجب ألا تُنسى هاتاي، ويقدم الدعم لها، كما يجب الاعتراف بالحرمان المستمر الذي تعانيه المربيات والطالبات، وأن تُؤخذ أهمية الأعباء الأسرية بعين الاعتبار".