السينما والمسرح تاريخ حافل بالإنجازات النسائية

قدمت المرأة العديد من الإسهامات في السينما والمسرح، فكانت هي المخرجة والمنتجة والمؤلفة

مركز الأخبارـ ، ناقشت قضايا مجتمعها من خلال تميزها وتفردها وقوة شخصيتها، لتشكل أحد أهم أعمدة الفن العالمي والعربي.
 
بدايات المسرح العالمي
يعود ظهور الأدب المسرحي إلى طقوس رقصات الساتير التي تطورت على هيئة مسرحيات تراجيدية، وكوميدية في الحضارة الإغريقية.
ويعتبر المسرح اليوناني الذي ظهر أول مرة في القرن السادس قبل الميلاد بداية ظهور فن المسرح في العالم فكانت الشعائر الدينية والطقوس الإغريقية البذرة الأولى لنموه، الذي ما لبث أن انتقل إلى أوروبا.
لكن مشاركة المرأة فيه كانت قليلة جداً، بسبب الظواهر الاجتماعية والتاريخية السلبية التي انعكست على دورها، فالرجال كانوا يقومون بتأدية أدوار النساء.
ولم يدون التاريخ اسم أي امرأة في المسرح حتى القرن العاشر الميلادي، ثم ظهر اسم الكاتبة الألمانية هروتسفيثا دي جانديرشيم، فهي المرأة الوحيدة التي عرفها التاريخ ككاتبة في الفترة الممتدة من عام 65م وحتى بداية القرن الثاني عشر.
بقي فن المسرح حكراً على الرجال 600عام، ولم تطأ أقدام النساء خشبته حتى خمسينيات القرن السابع عشر وتحديداً في عام 1656. ظهر في الأدب الإسباني الأمريكي أول كاتبة مكسيكية وهي سور خوانا دي لا كروث التي قدمت أعمالها حول العلاقة بين النساء والرجال في المجتمع، في مسرحيتها تقدم نقداً واضحاً للقيود المفروضة على المرأة.
وبرزت صورة النساء في المسرح بقوة في القرن التاسع عشر في أمريكا اللاتينية كالكوبية خيرتروديس جوميث دي أبييانيدا بين عامي (1814 ـ 1873) ومن بورتوريكو كارمن إرنانديث دي أراوخو (1832 ـ 1877). 
وفي النصف الأول من القرن العشرين ظهرت العديد من النساء اللواتي عبرن من خلال فن المسرح عن نظرتهن إلى العالم، فالشاعرة والكاتبة المسرحية الأرجنتينية ألفونسينا ستورني (1892 ـ 1983)، عبرت من خلال مسرحية "سيد العالم" عن ازدواجية الأخلاق الذي شكل آنذاك علامة فارقة في تاريخ الفن النسائي في المجتمع الأرجنتيني، وقد واجهت هجوماً شديداً من قبل النقاد لتناولها موضوعاً نسوياً.
والكاتبة ماروكسا بيلالتا (1932) عرفت بكتابة مسرح الفلسفة الوجودية، والكاتبة الأرجنتينية جريسيلدا جامبارو (1928) التي جسدت في أعمالها واقع الأرجنتين المعاصر من عنف وقسوة ومعاناة.
وظهر في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين العديد من ممثلي المسرح الحديث بأمريكا اللاتينية كالمكسيكية إلينا جارو (1920ـ 1998) والكوستاريكية آنا إيستارو (1960)، والبروفية ماريانا ديه ألثاوس (1974) والأرجنتينية أجوستينا مونيوث (1985).
 
النساء شاركن في صناعة السينما عن طريق الإخراج
تعد السينما أحد روافد الفن التي تحفظ إنجازات ومكنونات الشعوب وتوثقها بالصوت والصورة، حيث تعود نشأتها إلى نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، وجمعت بين ثلاثة اختراعات وهي اللعبة البصرية، الفانوس السحري، والتصوير الفوتوغرافي.
وأتى بعد ذلك الأخوين أوجست ولويس لوميير باختراعهما الذي كان عبارة عن جهاز عرض الصور المتحركة على الشاشة في 13شباط/فبراير 1895 في فرنسا.
بعد عام من تأسيس السينما العالمية بدأت النساء بدخول هذا المجال. فعلى عكس ما يعتقد بأن المرأة مجرد ممثلة جميلة في الأفلام، كانت منتجة ومخرجة وكاتبة سيناريو منذ البدايات الأولى لإنطلاق السينما.
وتعتبر الفرنسية آليس جاي بلاشي أول مخرجة في تاريخ السينما أخرجت أكثر من 4 أفلام في الفترة ما بين 1896 وحتى عام 1920، ويعد فيلمها (جنية الملفوف) "La fee aux choux" أول فيلم روائي نسائي في تاريخ السينما، يتميز هذا الفيلم رغم قصر مدته التي لا تتعدى الدقيقتين؛ بأنه يتحدث عن عملية الولادة وكيف أن هذه السمة البيولوجية شيء متفرد تملكه النساء فقط، حققت المخرجة آليس جاي بلاشي نجاحاً كبيراً في المشروع السينمائي لتشيد من خلاله إمبراطورية غومو للإنتاج السينمائي.
ظهرت بعدها المخرجة الفرنسية جيرمين دولاك رائدة الحركة الطليعة في السينما كانت أكثر ثقافة من آليس جاي وخاضت مغامرات عديدة، تركت بصمة واضحة في مسيرة وتاريخ وتطور الفن السينمائي خلال السنوات العشرين الأولى من القرن العشرين الذي ولدت فيه الصور المتحركة.
أسست شركة سينمائية بعد عودتها من روما عام 1914، عندما كانت مدعوة لحضور فيلم، وكانت أول مرة تجتاز فيها أبواب الاستوديو السينمائي، تعاونت مع الشاعرة والروائية إيرين هيلل إيرلانيجييه لتصبح كاتبة سيناريوهاتها.
أخرجت جيرمين دولاك عدة أفلام كتبت نصونها وسيناريوهاتها مساعدتها الأديبة إيرين إيرلانجييه كفيلم "الأخوات الأعداء، جيو الغريبة، الأقدار أو اللغز، فينوس فيكتريس، صخب الحياة"، وفي عام 1917 أخرجت فيلماً طويلاً على شكل حلقات "أرواح المجانين" قامت ببطولته الممثلة البلجيكية والفرنسية إيف فرانسيس بطلة مسرحيات الكاتب بول كلوديل.
أخرجت أفلام كانت عبارة عن ترجمة سينمائية لأشعار "شارل بودلير" ومنها فيلم "دعوة للرحيل"، عملت على نوع آخر من الأفلام التي جمعت بين السينما والموسيقى كفيلم "ديسك" أو "أسطوانة" وهو عبارة عن ترجمة سينمائية لبعض صفحات موسيقية لشوبان وفيلم "مواضيع ومنوعات" من بعض المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية، وفيلم "دراسة سيوغرافية" عن موسيقى آرابيسك ليديبوسي. 
لم تلعب المخرجة السوفيتية أولغا بريوبريجوتسكايا أي دور في عملية الإبداع النظري أو التنظيري في مجال جمالية الفيلم ولغة السينما لكنها قدمت أهم الإنتاجات والآثار السينمائية الراقية والتحف السينمائية الفنية في فترة الفيلم الصامت بإخراجها لفيلم "قرية الخطيئة".
بدأت العمل في السينما عام 1913 كممثلة في عدد من الأفلام السينمائية، وفي عام 1925 دخلت الاستديوهات السينمائية وأصبحت تهتم بالإخراج كمساعدة، بعدها شاركت بصفة مخرج ثاني، خبرتها ومعارفها التنقية وكثرة تجاربها أتاحت لها الفرصة لتكون مساعدة للمخرج السوفييتي الكبير دوفجينكو.
وبرزت الممثلة الألمانية ليني ريفنستال في مجال الإخراج السينمائي، بدأت في عام 1926 كمساعدة للمخرج الألماني أرنولد فانك، ظهرت في أفلام متفرقة كـ (الجبل القدس، القفزة الكبرى، سجينة الجبل، عاصفة على الجبل الأبيض)، ومثلت دور البطولة في فيلم "مسألة مايرلينغ" عام 1933، قررت بعدها الدخول في مجال الإخراج حيث أخرجت فيلماً ذو مسحة شاعرية وحاولت بتجربتها المحدودة إنجاز أثر سينمائي فنجحت في خلق مناخ الأسطورة من خلال أسلوبها الإخراجي وجسدت بدقة لعبة التناوب بين الظلال والأضواء وبين الأبيض والأسود والتدرجات الرمادية في فيلمها "الزهرة الزرقاء" أو "النور الأزرق".
في هوليود لمع نجم العديد من النساء منهن لويز فيبر أول مخرجة بدأت العمل عام 1915، وهي ممثلة وعضوة في فريق المنتج أدولف زكور والمؤسسة لشركة بارامونت. 
اقتحمت دوروتي أزنر ميدان الإخراج السينمائي كخبيرة متعمقة بتقنية السينما، درست في جامعة كاليفورنيا الجنوبية في قسم الإخراج السينمائي وبدأت العمل في شركة بارامونت عام 1919، كسكرتيرة ومن ثم مارست الاختصاصات السينمائية كافة لتصل إلى مستوى تحمل مسؤولية الإخراج لوحدها. 
كما دخلت جاكلين أودري استوديوهات هوليوود في عام 1933، عملت في البداية كسكرتيرة ثم مساعدة مخرج وأخيراً أصبحت مخرجة سينمائية لها شخصيتها وأسلوبها الإخراجي.
وفي فرنسا برز اسم المخرجة آنييس فاردا، كانت مصورة فوتوغرافية محترفة، عملت في المسرح الوطني الشعبي، وأسست في عام 1945 جمعية سينمائية، كتبت سيناريو فيلم بعنوان "النقطة القصيرة"، تمكنت في عام 1957 من إخراج فيلمها الروائي الطويل بعنوان "كليو من الخامسة إلى السابعة".
وهناك العديد من المخرجات اللواتي أثبتن جدارتهن في ميدان الإخراج والإنتاج والعمل السينمائي كـ الروائية الفرنسية مارغريت دوراس، والممثلة جولييت بيرتو، والمخرجة البلجيكية شنتال أكرمان، والممثلة الشابة التي عملت في الإخراج ايضاً كريستين باسكال وإليزابيث هوبير ويانيك بيلون التي أخرجت فيلم "الحب المغتصب"، وكولين سيرو مخرجة فيلم "ثلاث رجال ومهد" والألمانية مارغريت فون تروتا ومونيك رونو وليلان دي كريماديك.
وبرزت أسماء الكثير من النساء اللواتي ساهمن في كتابة سيناريوهات للأفلام السينمائية فكانت فرانسيز ماريون وأنيتا لوس من أول كتاب السيناريو، كتبن أكثر من 2500 فلم بين عامي 1911 و1929.
 
المسرح العربي... الريادة لنساء سوريا ولبنان ومصر 
بدأ المسرح العربي أولى خطواته في أربعينيات القرن التاسع عشر، وكان لسوريا ولبنان ومصر الدور البارز في ولادته وتطوره وانتشاره في كافة أنحاء العالم، ولم تظهر المرأة على خشبته إلا في ثمانينيات القرن التاسع عشر.
واجهت المرأة صعوبات كثيرة في طريق عملها في المسرح والتي تمثلت بالعادات والتقاليد والدين، فكان الرجال يؤدون أدوار النساء لفترة طويلة. إلا أن المرأة تحدت هذه الصعوبات، ونجحت في اعتلاء خشبة المسرح بعد نضال وكفاح طويل.
واختلفت المصادر حول أول من أدخل العنصر النسائي إلى المسرح، فتشير بعض المصادر أن رائد المسرح السوري أبو خليل القباني هو أول من أستعان في إحدى مراحل تجربته المسرحية باليهودية السورية لبيبة مللي لتقوم بتمثيل الأدوار النسائية.
وتقول بعض الدراسات أن رائد المسرح العربي السوري سليمان قرداحي قرر أن يتحدى التقاليد والعادات، ويضم العنصر النسائي إلى فرقته في مصر فكان أول من انضم إليها هي زوجته وبعدها ضم الممثلتين "ألمظ وإبريز استاني"، ثم بعد ذلك انضمت 11 ممثلة.
وتشير بعض الدراسات إلى أن أول من ضم العنصر النسائي إلى فرقته هو رائد المسرح المصري والعربي يعقوب صنوع، عندما ضم فتاتين إلى فرقته بعد أن علمهما القراءة والكتابة.
وتبقى مسألة التأكد من أسماء وتوقيت ظهور الممثلات على خشبة المسرح غير معروفة، لعدة أسباب أهمهما أن العروض والبرامج كانت لا تتضمن أسمائهن ولا يتم توثيقها، وكانت الأسباب الاجتماعية والدينية عائقاً آخر لذلك.
كانت الممثلات السوريات واللبنانيات من أوائل النساء اللواتي اعتلين خشبة المسرح كـ (ملكة سرور، وردة ميلان، ماري صوفان، فاطمة اليوسف (روز اليوسف)، ثريا فخري، ميليا ديان، أديل ليفي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا موسى) وغيرهن.
في مصر ابدعت "مريم السماط" التي مثلت على خشبة المسرح في عام 1907. كتبت عدداً من المقالات ونشرتها في جريدتي "الأهرام" و"المؤيد" في عام 1906، ونشرت جريدة الأهرام جانب من مذكراتها في صيف عام 1915 تحت عنوان "مذكرات ممثلة" تتحدث فيها عن المسرح عموماً وتجربتها خصوصاً، لكنها اعتزلت بناء على ضغط من الكنيسة القبطية.
وفي نفس العام مثلت على المسرح المصرية منيرة المهدية، التي مثل ظهورها علامة فارقة في مسيرة المسرح العربي، فلم يعد التمثيل على خشبة المسرح مشكلة اجتماعية كبيرة مع تأسيس فرقة رمسيس لفنان المسرح والسينما يوسف وهبي.
 
حضور نسائي قوي في السينما المصرية 
ظهرت بعدها السينما التي اتخذت مساراً مساوياً للسينما العالمية تقريباً، فبعد عام من العرض الأول لـ الإخوة لومبير في باريس عام 1895، كانت الإسكندرية مدينة العرض الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1896، في محطة الرمل، لكن العرض لم يبدأ إلا في عام 1917.
تعد المرأة أحد أعمدة هذه الفن الوليد في مصر دعمته كمنتجة ومخرجة ومؤلفة، ولعل أول اسم يحضر في هذا المجال هو اسم الرائدة عزيزة أمير صاحبة أول فيلم مصري صامت بعنوان "ليلى"، لم تكتفي بالإنتاج فأخرجت فيلم "بنت النيل" خاضت عزيزة أمير تجربة التأليف من خلال 16 عمل أهمهما "ابنتي" في عام 1944، و"عودة طاقية الإخفاء" في عام 1964، وأسست شركة سينمائية باسم "إيزيس"، و"ستوديو هليوبوليس" في عام 1927.
ظهرت بعدها الممثلة المسرحية فاطمة رشدي، التي لعبت دوراً كبيراً في المسرح من خلال تأدية الأغاني، وانتقلت بين عدة مسارح وخصوصاً مسرح روز اليوسف ثم فرقة رمسيس وأصبحت بطلته، انتقلت بعدها إلى السينما لتخرج وتؤلف وتمثل في فيلم "الزواج" الذي يدور حول قضية إجبار النساء على الزواج.
برز نجم الفنانة اللبنانية آسيا داغر التي قدمت فيلمها القصير "تحت ظل الأرز" في عام 1922، ومثلت في فيلم "ليلى" الذي انتجته عزيزة أمير، وأسست في عام 1927 شركة "لوتس فيلم" لإنتاج وتوزيع الأفلام، وانتجت أفلام تاريخية كـ "شجرة الدر" في عام 1935، وانتجت فيلم "الناصر صلاح الدين"، وصفتها الإعلامية منى غندور بالمرأة ذات الإرادة الحديدية، قدمت خلال مسيرتها 49 فيلماً.
جاءت بعدها بهيجة حافظ التي شيدت شركة "فنار فيلم" وانتجت فيلم "زهرة السوق" في عام 1947، وضعت له ألحان وموسيقى خاص به، ومثلت في فيلم "زينب"، قدمت في مجال الإخراج العديد من الأفلام منها "ليلى البدوية"، وفي مجال التأليف والكتابة السينمائية قدمت سيناريو وحوار فيلم ليلى بنت الصحراء، فكانت هي البطلة والمنتجة والمخرجة ومصممة الازياء والموسيقى.
كانت ماري كويني اللبنانية رائدة هذا الفن أيضاً تعاونت مع العديد من المخرجين ومثلت في العديد من الأفلام، وفي عام 1958 أنشأت أول معمل لأفلام سكوب في مصر، وأممت العديد من الاستديوهات من بينها "ستوديو جلال"، أنتجت أول فيلم بمفردها في عام 1972 "غداً يعود الحب" لأبنها المخرج نادر جلال.
وفي عقد الخمسينيات ظهرت العديد من النساء اللواتي بدأن بتجسيد قضايا المجتمع في أفلامهن منهن ماجدة الصباحي التي قدمت العديد من الأفلام الروائية الطويلة كـ "أين عمري" عام 1957 ويروي قصة فتاة تقرر التمرد على واقعها وتقول لا في وجه كل العادات والتقاليد، وفيلم "الافوكاتو مديحة" عام 1950، والذي تناول محاولة المرأة دخول مجالات العمل، وفيلم "الأستاذة فاطمة" عام 1952 الذي عرض مأساة المرأة المتعلمة والصعوبات التي تحول بينها وبين حصولها على حقوقها. وانتجت الفنانة مديحة يسري العديد من الأفلام الاجتماعية والفكاهية والاستعراضية والغنائية ومنها "إني راحلة، قلب يحترق".
تغيرت الصورة الفنية في الستينيات وعمل صناع السينما إلى تحويل الروايات الأدبية إلى أعمال سينمائية كفيلم "دعاء الكروان"، كما تحررت الشخصيات النسائية في الأفلام التي بدأت تتبلور حول دور المرأة في المجتمع في أفلام عديدة كـ "مراتي مدير عام"، "كرامة زوجتي"، وتجسدت صورة الفنانة سعاد حسني في تلك الفترة كفتاة تبحث عن دورها في المجتمع في فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" الذي أنتج عام 1968.
وقدمت نساء جيل السبعينيات والثمانينيات مواضيع أكثر قوة وتأثيراً في المجتمع كفيلم "إمبراطورية ميم" الذي أنتج عام 1972 ويروي قصة المرأة المسؤولة عن الأسرة، وفيلم "غريب" يتناول قصة الأم المكافحة التي تقف في وجه كل الظروف الصعبة بقوة وصلابة.
شهد القرن الواحد والعشرين العديد من النساء اللواتي مثلن تجارب فنية قوية لمخرجات يحملن هموماً نسوية كـ هالة خليل في عام 2004 بفيلمها "أحلى الأوقات" وكاملة أبو ذكري بفيلم "سنة أولى نصب" في العام نفسه.
وفي مجال الإخراج ظهرت العديد من المخرجات في العصر الحديث منهن إنعام محمد علي التي قدمت عدة أفلام منها الطريق إلى الويلات، ونادية حمزة قدمت أفلام منها "نساء خلف القضبان، حقد امرأة، المرأة والقانون"، وناديا سالم، وإيناس الدغيدي، وكثير غيرهن من المخرجات.
عملت المرأة في مجال السينما التسجيلية والروائية القصيرة وبرعت بها العديد من النساء منهن سعدية غنيم، ماجدة زكي، فريدة عرمان.
وأبدعت النساء في مجال التأليف والأدب والسينما، فمن إبراز الكاتبات والأديبات "لطيفة الزيات، حُسن شاه، إقبال بركة، سكينة فؤاد"، ومن المؤلفات "هالة خليل، مريم ناعوم، أسماء البكري، ناديا سالم، سعاد يونس"، ومن النساء اللواتي أبدعن في المونتاج "تماضر نجيب، رحمة منتصر، رشيدة عبد السلام، عزة حليم، منى الصبان".
 
في الدول العربية ضعف السينما ينعكس على مشاركة المرأة
يعود ضعف مشاركة المرأة غير المصرية في السينما العربية إلى ضعف السينما في تلك الدول، ففي المغرب برز نجم العديد من النساء كمخرجات للأفلام كـ فريدة بليزيد في فيلم "كيد النساء"، وإيمان المصباحي في فيلم "جنة الفقراء"، ونهاد البوهاتي وغيرهن الكثير. 
كانت بداية مشاركة المرأة في سوريا في مجال الإخراج من قبل أمل حنا في فيلم "المرأة"، وواحة الراهب في فيلمها الطويل "رؤى حالمة"، وأيضاً ديانا الجيرودي، سولاف فواخرجي، هالة العبد الله يعقوب، وئام بدرخان، وسعاد حسني.
وفي العراق كانت مشاركة المرأة في السينما محدودة للغاية عرف منهن أنجا الأرهايم في فيلمها "العودة إلى بغداد"، المخرجة ميسون الباجه جي، أنيسة المهدي، وذاع صيت المخرجة خيرية المنصور عندما قدمت فيلمها "ستة على ستة" وفيلم "مئة على مئة" وقدمت العديد من الأفلام التسجيلية.
تحفل السينما اللبنانية بالعديد من المخرجات ولكن أبرزهن نادين لبكي قدمت كمخرجة ومؤلفة في أفلام "سكر بنات، هلأ لوين"، وجوسلين صعب التي أخرجت عدة أفلام منها "غزل البنات"، والمخرجات ليلى كنعان، ميرنا خياط، وغيرهن.
وفي السعودية التي عرفت السينما في وقت متأخر كانت هيفاء المنصور من أبرز المخرجات السعوديات قدمت فيلمها الروائي الطويل "وجدة" في عام 2012، والذي يروي قصة فتاة سعودية تريد أن تقود الدراجة. ظهرت العديد من المخرجات في الإمارات منهن "نايلة الخاجة، نجوم الغانم"، وفي الأردن برز نجم ديما عمرو التي قدمت فيلمها الروائي الطويل "7ساعات فرق"، وفي تونس برزت أول تجربة إنتاج لفيلمين روائيين في (1976ـ 1985) للمخرجة سلمى بكار في فيلم "فاطمة 75" ونجلا بن مبروك في فيلم "The Trace"، ومفيدة التلاتلي في فيلم "صمت القصور" في عام 1994.
وكان أول ظهور للمرأة في سينما الجزائر للمخرجة آسيا جبار في فيلمها الوثائقي "نوبة نساء جبل شنوة" 1977. والمخرجة يمينة بن غيفي، وجميلة الصحراوي، رشيدة كريم، ويمينة شويخ، وظهرت العديد من الكاتبات في مجال السينما منهن "صفية قطو، أحلام مستاغنمي، فاطمة غالير".
وكانت البدايات الأولى للسينما الفلسطينية عام 1968 حين كلفت سلافة سليم بتشكيل قسم التصوير، ومن أبرز النساء اللواتي شاركن في السينما "جنتن ألبينا، هند جوهرية، آسيا زنتون" وغيرهن، ومن المخرجات لبيبة لطفي وهيام عباس وآن ماري جاسر التي بدأت العمل في مجال السينما في عام 1998 أخرجت عدداً من الأفلام القصيرة كان أبرزها "كأننا عشرون مستحيل" في عام 2003، وقدمت أول أفلامها الروائية الطويلة بعنوان "ملح هذا البحر" عام 2007.
شهدت السينما الإيرانية انغلاقا شديداً في البداية فلم يكن هناك أي امرأة أمام الكاميرا أو خلفها ولا حتى مجرد الذهاب إلى السينما، ولكن في عام 1926 قام المصور الإيراني خان بابا معتضدى بفتح أول سينما للنساء لكن قوبل الأمر باستهجان مجتمعي وفشلت التجربة، أعاد افتتاحها مرة أخرى لكن أقترح هذه المرة أن تذهب النساء برفقة أحد من أقربائها وأن يكون هناك ترتيب في المقاعد بحيث تجلس النساء على جهة والرجال على جهة أخرى.
بقي دور النساء مهمش في السينما الإيرانية حتى عام 1930 حين ظهرت المخرجة الإيرانية رخشان بني اعتماد التي انتجت أول فيلم لها "خارج النطاق"، قدمت العديد من الأفلام التي عكست حياة الإيرانيين وصورت الفقر والمعاناة والطلاق وتعدد الزوجات، كما قدمت عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية منها "أصفر كناري"، "نحن نصف سكان إيران".
 
الأفلام التسجيلية
خاضت المرأة أيضاً تجربة الأفلام التسجيلية التي لا تعتمد على القصة أو الخيال بل تتخذ مادتها من واقع الحياة سواء من خلال نقل الأحداث أو تعديلها بشكل قريب من الواقع، كـ الأردنية ميس دروزة في فليم "حبيبي بيستناني عند البحر"، والفلسطينية جنان كولتر "البحث عن ساريس"، واللبنانية ديالا قشمر "أرق". والفيلم المصري "تستاهل يا قلبي" سيناريو وإخراج لمياء أدريس، ويحمل هذا الفيلم نفحة نسائية حيث تدور أحداثه حول الضغوطات الاجتماعية التي تمر بها النساء غير المتزوجات اللاتي تجاوزن الثلاثين من العمر.
وعلى مستوى العالم خاضت النساء أيضاً هذه التجربة، من خلال فيلم "pacific" باسيفيك، الذي اخرجته وصورته المخرجة اللبنانية انجي عبيد، والفيلم البرازيلي "To Us, Lonely Ones" الذي أخرجته جيليرمي دي أوليفيرا وبطلته بولا زانيتي وأندريه بالتيري.
 
مهرجانات دولية تتناول قضايا المرأة
الاهتمام بحقوق المرأة من حيث التنوع والانفتاح الثقافي منحها عدة امتيازات طغت على الفن السابع فظهرت مهرجانات سينمائية دولية خاصة بالمرأة وأخرى أهدت العديد من دوراتها للمرأة وخصصت عروضها للأفلام التي تتناول قضاياها.
وتشكل هذه المهرجانات نقلة نوعية في سينما المرأة من حيث نوعية تخصصها وموضوعها وعرضها لأفلام تساهم في معالجة قضايا راهنة مثل حقوق النساء وعدم المساواة وشخصية المرأة في السينما. وتمثل منبر للمرأة للتعبير عن حريتها.
من هذه المهرجانات: مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان بغداد السينمائي الدولي، مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ومهرجان سينما المرأة، مهرجان سلا الدولي لسينما المرأة، ومهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة.
وعلى المستوى العالمي كان هناك العديد من المهرجانات السينمائية، كمهرجان ريندانس السينمائي للأفلام، مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي، ومهرجان ملبورن السينمائي الدولي، مهرجان برلين السينمائي الدولي، مهرجان هونج كونج السينمائي الدولي، مهرجان كان السينمائي الدولي، مهرجان البندقية السينمائي الدولي. 
 
أفلام سينمائية غيرت قوانين عالمية
هنالك أفلام عديدة جسدت كفاح المرأة ونضالها للحصول على حريتها وحقوقها كـ فيلم "North Country" "شمال المدينة" الذي أنتج في عام 2005، بطولة "تشارليز ثيرون". وقعت أحداث الفيلم في عام 1975، يروي قصة فتاة تدعى "لويس جونسون" تعمل في أحد مناجم الفحم بالولايات المتحدة الأمريكية، تعرضت هي وزميلاتها للتحرش والعنف من قبل العمال، قررت الصراخ والإفصاح عما تتعرض له، ثارت لويس وصعدت قضيتها لمعاقبة الجناة، وبفضل هذه القصة تم إقرار أول قانون ضد التحرش الجنسي في أماكن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1989.
وعلى الصعيد العربي كان فيلم "أريد حلاً" عام 1975 بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، الذي تدور أحداثه حول امرأة متزوجة ولكن بعد ذلك تعاني من مشاكل فتطلب الطلاق فيرفض زوجها، ثم تلجاً للمحاكم وتتعرض للكثير من المشاكل والمماطلات والعقبات التي تعمل على النيل من كرامتها وكبريائها. فكان لهذا الفيلم أثر بالغ في المجتمع المصري وكان سبباً في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر عام 1978.
ناقشت السينما المصرية العديد من القضايا التي تخص المرأة، فإن لم تكن نجحت في تغيير القانون إلا أنها قامت بشكل أو بآخر بوضع يدها على مشكلات عديدة وعرضها للرأي العام، فناقشت المخرجة إيناس الدغيدي المعروفة باهتمامها الشديد بقضايا المرأة، واحدة من أهم القضايا والتي ما زال يلاحقها القانون، وهي زواج القاصرات من خلال فيلمها "لحم رخيص" في صرخة للدفاع عن حقوق المرأة.
وناقش فيلم "بنتين من مصر" بطولة زينة وصبا مبارك، وضع المرأة في المجتمع المصري الذي يعد نموذج لمعظم المجتمعات العربية وسلبها من التعبير عن حقوقها والزواج المتأخر.
وتعد قضية التحرش من القضايا التي تعاني منها المرأة داخل المجتمعات العربية، ولم تنسى السينما التطرق لها ومناقشتها، وذلك من خلال فيلم "678" الذي قدم قضية التحرش في مصر من خلال 3 نساء من طبقات مختلفة، وساهم نوعاً ما بتغيير قانون التحرش.
وهكذا تبقى مسيرة نضال وكفاح المرأة مليئة بالإنجازات التي حققتها على كافة المستويات، وقد نال كلاً من فن السينما والمسرح نصيبهما من هذه الإنجازات، بإبداع المرأة فيه وخوضها تجارب اتسمت بقربها من الواقع الذي تعيشه.
 
(غدير العباس)