السودان... المرأة وأزمة الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

العنف الجنسي في السودان خلال النزاع المسلح تحوّل إلى سلاح ممنهج لتفكيك المجتمعات، حيث تُستهدف النساء والفتيات بالاغتصاب والاستعباد، في ظل انهيار القانون والإفلات من العقاب، مما يجعل معاناتهن محوراً أساسياً للأزمة الإنسانية.

يارا الخليف

مركز الأخبار ـ تعيش المرأة السودانية اليوم في قلب أزمة معقدة يتقاطع فيها العنف المسلح مع نظام اجتماعي أبوي وقانون تمييزي، ما جعلها الهدف الأكثر هشاشة وتعرضاً للانتهاكات. فالقوانين والأعراف تمنح الرجل سلطة واسعة تشرعن العنف، بينما فاقم النزاع المسلح حجم الانتهاكات، وحوّل أجساد النساء إلى ساحات صراع تُمارس عليها كل أشكال القمع.

تعاني النساء في السودان منذ عقود من أشكال متعددة من العنف الممنهج، فالمجتمع السوداني يحكم بالأعراف والتقاليد الموروثة، المتجذرة في بنية المجتمع الأبوي القائم على تهميش المرأة وتقليص دورها في الحياة العامة. ومع اندلاع النزاع المسلح في البلاد، لم يكتفِ العنف بحدود ساحة القتال، بل تمدد ليخترق حياة المدنيين ويضرب نسيج المجتمع في جوهره. أصبحت النساء والفتيات الهدف الأسهل والأخطر، حيث بات العنف الجنسي والجسدي يُستخدم كسلاح مباشر لإرهاب المجتمعات وتهشيم روابطها الاجتماعية. ومع موجات النزوح، وفقدان المأوى، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، تضاعفت معاناة النساء حتى أصبحت أزمتهن تجسيداً فاضحاً لتعقيدات الأزمة السودانية وتبعاتها القاسية.

هذا العنف لم يعد مجرد انتهاك فردي، بل أصبح استراتيجية ممنهجة تسعى إلى إقصاء المرأة وتهميش دورها في كل المجالات. ومع استمرار النزاع، تتعمق الجراح، وتزداد المسؤولية تجاه جعل قضايا النساء محوراً أساسياً في مسارات العدالة والإنصاف وبناء السلام في السودان، لا هامشاً يمكن تجاهله أو تجاوزه.

 

بداية الانهيار الكبير

في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد خلاف على دمج الدعم السريع في الجيش، وذلك عقب انقلاب 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية. ومع تحول الاشتباكات إلى حرب شاملة، انقسمت البلاد سياسياً وعسكرياً، دفع البلاد إلى نزاع دموي مفتوح، وامتدت المعارك إلى الخرطوم ودارفور والجزيرة ومناطق أخرى.  

تحولت الحرب سريعاً إلى نزاع قبلي وعرقي في بعض المناطق، وأدت إلى نزوح ولجوء أكثر من 12 مليون شخص داخلياً وخارجياً، وكانت النساء والفتيات الأكثر تضرراً، إذ شكلن ستة ملايين من النازحين، ما جعلهن عرضة للفقر والمجاعة، انعدام الرعاية الصحية والاغتصاب.

في أيار/مايو 2025، حين استعاد الجيش السيطرة على الخرطوم الكبرى، بدا المشهد وكأنه بداية انفراجٍ طال انتظاره. ملايين العيون التي أنهكها النزوح رأت في هذا التحول فرصة للعودة إلى البيوت التي هجرتها قسراً. نحو مليوني شخص شدّوا الرحال عائدين إلى أحيائهم وقراهم، فانخفض العدد الكلي للنازحين إلى عشرة ملايين. لكن العودة لم تكن نهاية الحكاية، بل بداية فصل جديد من المعاناة.

العائدون وجدوا أنفسهم أمام مدنٍ بلا روح: بيوت مهدمة، شبكات مياه وكهرباء منهارة، ومستشفيات مغلقة أو خاوية من الأدوية. لم يكن التحدي مجرد إعادة بناء الجدران، بل إعادة بناء الحياة نفسها وسط فراغٍ يبتلع الأمل. النساء، على وجه الخصوص، حملن عبء إعادة ترتيب تفاصيل الحياة اليومية، من تأمين الغذاء والماء إلى رعاية الأطفال وكبار السن، في ظل غياب أي ضمانات أو دعم فعلي، وفي مراكز النزوح المؤقتة أو الأحياء المدمرة، سُجلت حالات متكررة من العنف الجنسي والتحرش، لتصبح المرأة هدفاً مزدوجاً: ضحية الحرب وضحية المجتمع في آن واحد.

 

جرائم ممنهجة وتطهير عرقي

في أيار/مايو 2025، ارتكبت قوات الدعم السريع واحدة من أبشع الجرائم في مدينة الجنينة بغرب دارفور، حيث وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" جرائم تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية في تقرير من 186 صفحة. وخلال النصف الأول من عام نفسه، وثّق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 3384 مدنياً، غالبيتهم في إقليم دارفور حيث تسيطر قوات الدعم السريع على أربع من أصل خمس ولايات. ويعادل هذا العدد نحو 80٪ من إجمالي الضحايا المدنيين المسجّلين في السودان خلال العام الماضي. ومع ذلك، يبقى تحديد الأرقام الدقيقة للقتلى والجرحى مهمة شديدة التعقيد في ظل انهيار النظام الصحي، واستمرار المعارك، وانقطاع الاتصالات.

 

التجويع كسلاح حرب... الفاشر نموذجاً

تعرضت مدينة الفاشر لحصار قاسٍ فاق 500 يوم قبل سقوطها في يد قوات الدعم السريع في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025. خلال الحصار واجه السكان مجاعة خانقة، واضطرت عائلات إلى تناول الأمباز(علف الحيوانات) للبقاء على قيد الحياة، ما أسفر عن حالات تسمم قاتلة. كما نزح أكثر من 100 ألف شخص، معظمهم نساء وأطفال، سيراً على الأقدام لمسافات تتجاوز 60 كيلومتراً نحو مناطق أكثر أمناً.

وفي مخيمات النزوح، حيث لا غذاء ولا ماء صالح للشرب ولا خدمات صحية، سُجلت آلاف الإصابات بسوء التغذية الحاد بين الأطفال والمسنين، حيث وثقت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في السودان 5300 حالة، ما أدى إلى وفاة 23 طفلاً في شهر واحد فقط في جنوب كردفان. كما أدى انعدام الغذاء إلى انتشار الأوبئة في مخيمات النازحين، إذ سجلت وزارة الصحة أكثر من 2000 حالة إصابة بحمى الضنك في آب/أغسطس الماضي، فيما بلغ عدد الإصابات بالكوليرا 12739 خلال الربع الثاني من عام 2025.

وتكشف تقارير محلية عن حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها النساء، إذ أن النزوح القسري وما يرافقه من إجهاد بدني ونفسي حاد، ونقص فادح في الغذاء والرعاية الطبية، أدى إلى ازدياد حالات الإجهاض بين النساء الحوامل، كما وصلت أكثر من 243 امرأة حامل من الفاشر إلى معسكر طويلة في شمال دارفور وإلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية، في ظروف بالغة القسوة تهدد حياتهن وحياة أجنتهن.

فالعنف في الفاشر بات سياسة ممنهجة. أجساد النساء تُستباح كسلاح حرب، تُغتصب الفتيات أمام أعين أمهاتهن، ويُقتل الأزواج أو يُخطف الأطفال ليُترك الفراغ ينهش الروح. كل ذلك يحدث بينما المدينة محاصرة، والخبز والدواء أصبحا حلماً بعيد المنال.

الأهالي يعيشون بين خيارين أحلاهما مرّ: البقاء تحت القصف والجوع، أو النزوح نحو المجهول. كثيرون عبروا الحدود إلى تشاد، يحملون معهم قصصاً من الألم والنجاة، فيما بقي آخرون يحاولون التشبث بما تبقى من أرضهم وذاكرتهم.

 

العنف الجنسي... النساء تحولن إلى أدوات حرب

حوّل النزاع في السودان جسد المرأة إلى ساحة حرب، حيث أصبح العنف الجنسي أداة ممنهجة لإرهاب المجتمعات، خاصة في دارفور والخرطوم، لكن الانتهاكات لا تقتصر على مناطق الصراع المباشر، بل تمتد لتطال كل مناطق النزوح واللجوء، مما يجعل النساء والفتيات في قلب الأزمة الإنسانية.

أما ظاهرة استرقاق النساء، فهي ليست جديدة، لكنها اكتسبت اليوم أبعاداً أخطر وأوسع، فقد انتقلت هذه الممارسات من الهوامش إلى قلب البلاد، حيث تعرضت عشرات النساء والفتيات، بعضهن لم تتجاوز 12 عاماً، للعنف جنسي على يد أطراف النزاع، ولم يقتصر الأمر على الاعتداء الجسدي، بل احتُجزت بعض الضحايا لأيام في ظروف ترقى إلى "الاستعباد الجنسي" في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية.

وثق خبراء حقوق الإنسان ما لا يقل عن 330 حالة عنف جنسي مرتبط بالنزاع، لكن العدد الحقيقي يُرجح أن يكون أعلى بكثير بسبب عدم الإبلاغ. فخلال أسبوع واحد، سجلت 32 حالة اغتصاب لفتيات من الفاشر أثناء محاولتهن الفرار إلى منطقة طويلة، بعضها وقع داخل المدينة عقب اجتياح الدعم السريع.

وتضمنت الانتهاكات اغتصاباً جماعياً، واغتصاباً أمام أفراد الأسرة، واختطافاً للحصول على فدية، واستهداف ناشطات ومقدمات خدمات إنسانية، واستغلالاً جنسياً مع بعد عرقي وإثني. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو لفتاة من دارفور تعرضت لتعذيب مروع على يد جندي من الدعم السريع، حيث عُلقت على شجرة باستخدام حبل، لتنتهي حياتها تحت وطأة الألم والعذاب، في مشهد يعكس حجم المعاناة الكبيرة التي تواجهها النساء.

كما ارتكبت قوات الدعم السريع مجزرة بحق 300 امرأة في مدينة الفاشر خلال اليومين الأولين من دخولها المدينة، وقتلت نحو 37 امرأة وعدداً من الأطفال، إثر قصف بطائرة مسيّرة استهدفت مدنيين في مدينة الأبيض غرب البلاد.

 

الصحفيات في الصفوف الأولى للمعارك 

لم تكن الصحفيات بعيدات عن خط النار، فقد تحولت مهنتهم إلى مخاطرة يومية، لتصبح صورتهن انعكاساً مباشراً لهشاشة الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد. المهنة التي يُفترض أن تكون صوتاً للحقيقة تحولت إلى ساحة مواجهة مستمرة، حيث يتقاطع القمع السياسي مع الانهيار المؤسسي، ما يجعل الصحافة النسائية مغامرة محفوفة بالمخاطر.

منذ اندلاع النزاع، تراجعت حرية الصحافة إلى المرتبة 156 عالمياً بعد أن كان في المرتبة 149. هذا التراجع لم يكن مجرد رقم في تقرير دولي، بل كان تجسيداً لواقع يتسم بالاعتقالات والتهديدات والقتل، ما دفع عشرات الصحفيين والصحفيات إلى النزوح أو اللجوء إلى دول الجوار.

تواجه الصحفيات عبئاً مضاعفاً، حيث يجدن أنفسهن بين مطرقة النزاع وسندان فقدان الوظائف، ففي دارفور وحدها، أكثر من 150 صحفية اضطررن للعمل بأسماء مستعارة لتجنب الانتقام، في ظل تهديدات بالاعتقال، التحرش الجنسي، والاغتصاب، إلى جانب حملات إلكترونية ممنهجة مثل التي استهدفت الصحفية مها التلب.

الانهيار الإعلامي أضاف صعوبات إضافية؛ فقد توقفت الصحف الورقية، أغلقت المطابع، واختفت الأكشاك، ما أجبر الصحفيات على الاعتماد على منصات رقمية غير آمنة، وفقدن مساحات التكوين المهني التي كانت تصنع أجيالًا من الصحفيين المتمرسين.

الانتهاكات لم تتوقف عند الاعتقال، فالنزاع المستمر جعل العمل الصحفي أشبه بالمخاطرة، حيث يرزح الصحفيون تحت نيران طرفي النزاع، محاصرين باتهامات التخوين والعمالة، ومهددين بالاحتجاز أو الإخفاء القسري أو الموت.  

وثّقت إحصاءات النقابة خلال عام واحد من النزاع 377 حالة انتهاك مباشر ضد الصحفيين، بينها 130 حالة ضد صحفيات. قُتل ستة صحفيين، وتعرضت ثلاث صحفيات للاعتداء الجنسي، وخمس أخريات للاعتقال والتهديد بالقتل، فيما واجهت 13 صحفية مخاطر إطلاق النار، ودُمرت منازل عشرة منهن.

 

الختان والزواج المبكر... تجسيد لعقلية ذكورية متجذّرة

يشترك العنف الأسري والنزاع المسلح في السودان في صناعة واقع قاسٍ يدفع النساء إلى حافة الانهيار، فبينما يفاقم النزاع معاناتهن عبر النزوح والفقر والانتهاكات الجنسية، يتحول البيت نفسه إلى ساحة عنف يومي، نفسي وجسدي، تكرّسه ثقافة ترى المرأة أقل قيمة منذ لحظة ولادتها.

فالتمييز يبدأ مبكراً، حين تستقبل ولادة الذكر بالاحتفاء بينما تُستقبل الأنثى بالخذلان، ويستمر هذا العنف البنيوي عبر التفرقة في الحقوق والتعليم والفرص.  أما أكثر أشكاله وحشية فهو تشويه الأعضاء التناسلية الذي ما زالت تمارسه مجتمعات كثيرة بدعوى "حماية الشرف"، وهو انتهاك تعانيه 87 في المئة من النساء السودانيات. وفي السياق ذاته، تُحرم آلاف الفتيات من التعليم ويجبرن على الزواج وهن في سن الطفولة.

وتحت غطاء الزواج، تُشرعن عقلية ذكورية سلطة الزوج على جسد المرأة ووقتها وحقوقها، فيُنظر إلى الإهانات، والضرب، والإكراه باعتبارها "حقاً" للرجل وليست جريمة. وفي ظل هذا التطبيع، تتصاعد الوقائع الوحشية، إذ وثّقت تقارير قتل ناجيات على أيدي أسرهن بذريعة " الشرف" وتحت ضغط الخوف من الوصمة، وفقاً لليونيسف فإن أكثر من 3 ملايين امرأة معرضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي قبل تصاعد النزاع وارتفع العدد إلى 4,2 ملايين بعده.

 

قوانين شكلية وإفلات مزمن من العقاب

يفتقر القانون السوداني إلى نصوص واضحة تجرم العنف المنزلي أو تُحدد مسؤولية الفاعل بصرامة، إذ يستند جزء كبير من قوانين الأحوال الشخصية إلى أعراف اجتماعية محافظة تمنح الزوج سلطة شبه مطلقة، وفي ظل هذه المنظومة، يتحول العنف ضد المرأة إلى فعل "مقبول اجتماعياً"، بدءاً من التمييز في الطفولة، مروراً بالختان والزواج القاصرات، وصولاً إلى العنف الجسدي والنفسي داخل المنزل.

ورغم إدخال تعديلات، مثل تجريم ختان الإناث في قانون 1991، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2014 إضافة التشريعات الخاصة بالعنف الجنسي في النزاعات وحقوق المرأة العاملة، إلا أن تلك القوانين تبقى حبراً على ورق.

ما تزال نساء كثيرات يواجهن تضييقاً قانونياً واجتماعياً عبر نصوص تستخدم لمعاقبتهن، مثل تهم "الزي الفاضح" والتحكم في سلوك المرأة، والتمييز في الأماكن العامة.

ويُعد الإفلات من العقاب أكبر مظاهر هذا الخلل، إذ لم يُقدم للمحاكمة غالبية المتورطين في الانتهاكات الجنسية المستمرة منذ عام 2003، الأمر الذي ساهم في تصاعد العنف بشكل أكبر خلال النزاع الحالي.

 

المرأة في مقدمة الجهود الإنسانية خلال النزاع

منذ اندلاع النزاع في السودان، برزت النساء في مقدمة الجهود الإنسانية والمجتمعية، رغم ما يتعرضن له من انتهاكات واسعة. فقد تولّت نساء كثيرات تقديم الدعم الطبي والنفسي في ظروف شديدة الخطورة، سواء عبر تقديم الدعم الإنساني والنفسي، خاصة العاملات في مجال الرعاية الصحية اللواتي واصلن عملهن رغم نقص الموارد والمخاطر الأمنية.

كما أن العديد من النساء قمن بإنشاء مبادرات محلية لتقديم المساعدة للنازحين واللاجئين، خاصة النساء والأطفال الذين يعانون من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وظهرت حركات مثل "نساء ضد الحرب" التي تسعى لوقف القتال وتعزيز الحوار، مؤكدة أن مشاركة النساء ليست مجرد مطلب مساواة بل ضرورة استراتيجية لبناء سلام مستدام.

ورغم التاريخ الطويل من المشاركة السياسية والتحديات والكم الكبير من الانتهاكات التي تعرضت لها، لا تزال المرأة السودانية تواجه إقصاءً من محادثات السلام والمفاوضات الانتقالية، وهو ما يضعف فرص إدماج قضاياها في الحلول المستقبلية والقرارات المصيرية.

إن ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد أزمة داخلية، بل جريمة مفتوحة ضد الإنسانية تُرتكب على مرأى ومسمع العالم. النساء يُستهدفن بشكل ممنهج، ويُحولن إلى أدوات حرب، بينما يكتفي المجتمع الدولي ببيانات الإدانة التي لا توقف رصاصة ولا تنقذ طفلاً من المجاعة.

فإلى متى سيبقى الصمت مستمراً، والنساء يُقتلن مرتين: مرة بأجسادهن المستباحة، ومرة بأصواتهن المخنوقة؟ إن السودان اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل صرخة إنسانية يجب أن تُسمع، وأن تتحول إلى فعل عاجل يوقف نزيف الدم ويعيد للنساء حقهن في الحياة والكرامة.

لقد آن الأوان أن يُكسر جدار اللامبالاة، وأن تتحول قضايا النساء إلى خط أحمر لا يمكن تجاوزه في أي مسار سياسي أو تفاوضي، فسلام بلا عدالة للنساء هو سلام زائف، وعدالة لا تُحاسب المغتصبين والقتلة هي عدالة مشوّهة، يجب أن يدرك العالم أن معركة النساء في السودان هي معركة الإنسانية جمعاء، وأن تجاهلها يعني القبول بعالم تُشرعن فيه الحروب اغتصاب النساء وتجويع الأطفال.