السجينات في تونس: حقوق مهضومة وواقع يأبى التغيير
تقول الاحصائيات الرسمية لوزارة العدل التونسية إن عدد السّجينات في تونس وصل لـ 677 امرأة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أي ما يمثّل 3 بالمائة من جملة نزلاء السّجون
زهور المشرقي
تونس ـ ، وتقر المنظمات الحقوقية في تونس بأن وضعهنَّ ليس بالأفضل مقارنة بسجون الرجال، حيث كشفت تقارير عن مآسي كبرى تعرضت لها سجينات.
ارتأت وكالتنا وكالة أنباء المرأة، فسح المجال أمام سجينات سابقات ليروينَّ تجاربهنَّ القاسية ليكشفنَّ بعض التجاوزات المسكوت عنها، كما ناقشنا الموضوع مع أهل الاختصاص من أجل التعرف على حقوق السجينات داخل السجون، وكذلك الانتهاكات التي تمارس بحقهنَّ وموقف القانون منها.
أي حقوق للسجينات؟ وهل هنَّ واعيات بحقوقهنَّ وواجباتهنَّ؟ وماذا عن التجاوزات المسجلة من قبل المنظمات الحقوقية وغيرها؟
منيرة البوعزيزي: السجينات يتم استغلالهنَّ سياسيا فقط
تقول منيرة البوعزيزي وهي سجينة سابقة، سجنت عام 2016، في مستهل حديثها عن واقع السجينات في تونس "إن الموضوع يتم تداوله من قبل بعض منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان لاستغلاله سياسياً فقط، لا للنظر في وضع هؤلاء النساء ومحاولة مساعدهنَّ لتغيير أوضاعهنَّ داخل السجون"، مشيرةً إلى أن "معاناة السجينة في تونس تبدأ من لحظة الايقاف والقبض عليها وحشرها في سيارة لا تتناسب والمعايير الإنسانية المعمول بها، لا تقدر السجينة حتى على التنفس بداخلها وتشعر بأنها مغيّبة عن العالم الآخر ومحاصرة في سيارة من حديد وبنافذة صغيرة جداً لا تمنح أصلاً فرصة لتغيير الأكسجين".
وتتابع منيرة البوعزيزي، وهي سجينة رأي سابقاً "تنطلق المعاناة الثانية لحظة وصول السجينة إلى السجن مع تلك النظرة الدونية للأعوان والمسؤولين. تشعري بأنكِ مجرمة. لقد عوملت شخصياً باحترام باعتباري سجينة رأي لكن ما سمعته من قبل السجينات مؤلم جداً، تشعرين بأنك مسلوبة الإرادة والحرية والإنسانية، فقط لأنك امرأة. عاينتُ التجاوزات منذ وصولي، وبدأت بتغيير ملابسي حيث صدمت بوجود المسؤولة عن السجن بجانبي وأبت أن تنصرف أو تلتفت جانباً. إهانة وسلب الحرية أحسست بهما حينها، حيث تشترط الحارسة أن تكشف ملابسك الداخلية! كان من الممكن استخدام جهاز كشف الكتروني بدل من تلك الطرق البدائية المهينة للمرأة".
"ارتداء الجينز ممنوع ودورة المياه مقطوعة"
وتستطرد محدثتنا قائلةً "ارتداء الجينز في سجن نسوي ممنوع لا أعرف لماذا، لكن الاكتظاظ مسموح به حيث تجدين أحياناً في نفس السرير أكثر من امرأة، كان من المفترض ضمان أدنى احترام لحقوق النساء في السجن، وتوفير لباس موحد وأسرّة لحفظ كرامتهنً، حتى لا يكون هناك تمييز بينهنَّ يخلق مشاكل كبيرة، تضاف إلى المشاكل النفسية التي قد تدفع البعض إلى التفكير في الانتحار داخل أسوار السجن".
وتواصل "مجرد أن تدخلي الغرفة التي تتواجد فيها السجينات تشعري وكأنك في زريبة مخصصة للحيوانات -مع احترامي لآدميتهنَّ- مشاهد لنساء جالسات على الأرضية وأخريات في أسرّة، في غرفة 8/4 متر مربع، مشاهد كارثية يعجز اللسان عن وصفها، ولا ننسى التمييز بين السجينات أنفسهنَّ حيث يقيّمنَّ بعضهنَّ البعض وأي سجينة جديدة من خلال مظهرها".
وتمضي قائلة "حدثتني بعض السجينات عن أوضاع صعبة حصلت قبل أن أحل بينهنَّ، حيث كانت دورة المياه معطّلة، لكن تم تدارك الوضع قبل مجيئي بفترة قليلة، لأن بعض المشرفين في السجن يعرفون جيداً أنني ناشطة حقوقية ومدونة وسأفضح أي تجاوزات بعد خروجي من هناك.
كما حدثتني السجينات عن العنف اللفظي المستمر والعنف المادي من قبل الأعوان، وقمت باستقصاء صغير عن الوضع المأساوي الصعب، ووقفت على حقيقة الإهانات وتوجيه الشتائم خاصة بحق المتهمة بقضايا أخلاقية، فبدل توجيهها والأخذ بيدها لمساعدتها على عدم تكرار نفس الخطأ يتم شتمها ونعتها بأبشع النعوت".
"طعام لا يتناسب مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان"
وبخصوص الطعام المقدم للسجينات، تقول منيرة البوعزيزي وهي سجينة عاينت وعايشت كل الأوضاع "الطعام المقدم للسجينات مهين جداً، حيث يتم أولاً إيقاظنا في السادسة صباحاً ثم نذهب لانتظار فطور الصباح في ساحة السجن والذي يكون في الساعة التاسعة صباحاً، تأتينا السجانة ببعض الكعك وعلبة زبادي فقط. تلك هي وجبة الفطور إلى غاية الساعة الواحدة ظهراً حيث تمدنا السجانة برغيفين من الخبز، ومعهما أكل شتوي في كل الفصول، ومرة أسبوعياً يقدمون لنا اللحم بطريقة مقززة لا تقدر السجينة حتى على تناوله. تشعرين بأنك بالفعل مسلوبة الإرادة والإنسانية والحرية والحياة بأكملها، هذا دون أن ننسى تلك التحية المهينة للسجانات حيث تمنعين من إنزال يدك إلا بعد أمر من قبلهنَّ ... إنها تحية إذلال".
وتنتقد منيرة البوعزيزي عملية فرض لباس طويل لا يُظهر العنق ولا الساقين، حيث إحساس السجينات بمزيد التكبيل والإذلال، مشيرةً إلى أن ما تقوم به السجانات مع السجينات غير قانوني، ويتنافى والمعايير الدولية. تماماً مثلما تتنافى نوعية الأكل مع أدنى المعايير الصحية الإنسانية ما يتسبب أحياناً بأمراض مزمنة.
وتؤكد منيرة البوعزيزي أن الغلبة في السجن للأقوى، حيث أن الضعيف يتم استغلاله من كل النواحي.
وفي سؤال وكالتنا لها عن مدى وعي السجينات بحقوقهنَّ المادية والمعنوية أجابت بأن هناك وعياً لكنه ليس بدرجة كبيرة، وهناك الخوف من التعبير والانتفاض ضد الممارسات القمعية وعدم تمكينهنَّ من الحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، مضيفةً أن المتعس والأكثر فظاعة أنهن تأقلمنَّ مع ذلك الوضع المأساوي وأصبح بالنسبة لهنَّ حياة عادية وجب اتباعها
وتطرقت محدثتنا إلى التغيير العشوائي للسجينات من سجن إلى آخر بدون أدنى حق قانوني، حيث في بعض الأحيان تفاجئ عائلة السجينة بنقل ابنتهم إلى مكان آخر دون استشارتها أو دون إعلامها، وهو أمر غير قانوني وغير إنساني على الإطلاق.
منظمات تمارس السياسة وتتاجر بمعاناة السجينات
وقالت منيرة البوعزيزي أن المنظمات الحقوقية أصبحت تمارس السياسة وتتاجر بمعاناة السجينات اللائي ينحدر أغلبهنَّ من أوساط اجتماعية فقيرة جداً، لافتةً إلى أن المجتمع الذكوري في تونس ينتظر الخطأ من المرأة حتى يتفنن في قمعها والسيطرة عليها، مشيرةً إلى كذبة كبرى يعيشها المجتمع النسوي في تونس من خلال الترويج لمكاسب وقوانين تدافع عن المرأة بينما الواقع يؤشر إلى ممارسات غاية في العنف والإهانة بسبب همجية المجتمع الذكوري القاسي.
وأشارت إلى إهمال البرلمان التونسي لأوضاع السجينات داعية إلى الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع واحترام آدميتهنَّ وتوفير حقوقهنَّ والدفاع عنهنَّ في المنابر الإعلامية حتى يُضمن لهنَّ وضع يليق بكرامتهنَّ قبل مغادرتهنَّ أسوار السجن، مشددةً على أن الوضع أتعس مما يتصوره عاقل.
"يتم تفتيشنا وتجريدنا من ملابسنا في خرق لحقوق الإنسان"
أما سجينة الحق العام (ر. م)، وهي شابة عشرينية، فتحدثت لوكالتنا عن الفترة التي قضتها بالسجن والمقدرة بسنتين، حيث أفادت بأنها بمجرّد أن تم حشرها بالسجن بمنّوبة بالضاحية الغربية للعاصمة، وهو أكبر السجون النسائية بتونس، تم تفتيشها وتجريدها حتى من ملابسها الداخلية، معتبرةً أن ذلك أمر مهين للغاية، حيث تلاحظ تلك النظرة الدونية كالسهام الموجهة كما لو كنت أقذر كائن على وجه الأرض، وهو أول عقاب يلاحقها.
وتضيف أن الزنزانة تحتوي على أسرة بطابقين وتلفاز من نوع قديم، كما توجد دورة مياه ومغسل، وهناك باب يقسم ما بين الزنزانة ودهليز يفصلهنَّ عن بقيّة السّجن.
وعن الهندام تروي لنا أن هناك قواعد متبعة في سجن منّوبة "تغطية الكتفين والسّاقين كلياً، والشّعر مشدود إلى الأعلى، وكل مخالِفة تعرض نفسها للعقاب... إنه قانون السجن ولا أعرف إن كان ذلك منصوصاً عليه بالدستور أو ماذا" تقول ساخرة.
"في السجن الغلبة للقوية"
وتروي محدثتنا، أن الغلبة للقوية في السجن، حيث يخافها ويهابها الجميع وينفذ طلباتها وأوامرها، ولا يُرد لها طلب مهما كان من قبل السجينات. الغلبة وفق (ر. م) لقائدة الزّنزانة وهي المحكوم عليها عادة بالسّجن مدى الحياة بسبب جرائم قتل، كما أن الغلبة أيضاً لنساء لهنَّ الموارد الكافية لشراء ومقايضة السّجائر.
وتتابع "أما الحقوق فلا حديث عنها أو قيمة لها وأغلب السجينات يتأقلمنَّ مع الوضع باعتبار المطالبة ببعض الحقوق قد يعرضهنَّ للمساءلة والعقاب من قبل السجانات ومسؤولي السجن الذين تكلست عقليتهم في بوتقة الزجر والقمع والجهل".
وتكشف (ر. م) عن مظهر آخر من الاستهتار بكرامة البشر وتضرب مثلاً على ذلك بـ "الوجبات" المقدمة التي لا يستسيغها إنسان، فلا طعم لها ولا لون، ولأن الجوع كافر تضطر السجينات إلى تناول ما يتيسر من أجل البقاء "بعض عائلات السجينات يجلبنَّ لنا أواني بلاستيكية لاستعمالها... المأساة كبيرة لا تُحكى ولا تُكتب إنما فقط تُعاش، داخل تلك الزنزانة تكتب المجلدات عن يوم واحد فقط من المعاناة والمواقف الصعبة والموت البطيء".
وتضيف "سألتُ كثيراً عن الأوضاع داخل سجن الرجال وأدركت أن هناك فرقاً شاسعاً، لا أعلم لماذا نحن النساء نعامل بهذه الطريقة ... لا أعلم"، تصمت قليلاً ثم تقول "أن نخطئ ليس عيباً، فمن منا بلا خطئ أو خطيئة؟ لكن داخل كل زنزانة زرع فينا كنسوة كره لهذا الوطن الذي تغيب فيه حقوقنا ونُعامل فيه بقسوة وعنف".
وختمت بالقول "السجن مكان يصنع منك مجرمة، السجن سيئ ليس مكاناً للإصلاح والتوجيه، السجن يعطي الفرصة لأهلك ومجمعك لنبذك ... أتعرفين كيف تصبحين نكرة ومصدر قرف لعائلتك؟ أتعرفين حين تغادرين كيف سيستقبلك هذا المجتمع الذكوري؟ يستقبلك بعنف آخر يجعلك ترتكبين جريمة أخرى لتعودي إلى زنزانة أكثر بؤساً وغُلاً بقلب كاره ليصبح العنف طريقة دفاع، لا أتمنى قصتي أن تحدث لأحد، أنصح الأهل بالاستماع إلى بناتهم ومساعدتهنَّ في حل مشاكلهنَّ حتى لا يصبحنَّ فريسة سهلة لقطاع الطرق وحتى لا يسقطنَّ فريسة سهلة لمجتمع ذكوري يتربص بالمرأة حتى يهينها ويدمرها ويتفنن في تعذيبها، السجن ليس مكاناً للحقوق والمطالبة بها، صدقيني لا أحد يسأل ولا شيء سيتغير".
ريم حمدي: بنية تحتية كارثية ودورنا رقابي
تؤكد رئيسة المرصد الدولي لحقوق الإنسان بتونس ريم حمدي، في حديث مع وكالتنا، وكالة أنباء المرأة، حول حقوق السجينات بتونس، أن السجينة تعاني طول فترة الايقاف من ظروف سيئة بدون محاكمة، وكذلك من عجز أو تخلي العائلة عن توكيل محام للدفاع عنها، إضافة إلى تعرض المرأة للمعاملة السيئة وحتى الاغتصاب داخل مراكز الايقاف أو السجون.
وبخصوص الأوضاع السيئة داخل السجون التونسية للنساء، تقول إن بنية تحتية كارثية وتردي الخدمات المقدمة للسجينات كلها تدخل في باب الانتهاكات فضلاً عن الطعام غير الصحي والتهديد والعنف عدا الإيقاف التحفظي الذي يستمر أكثر من مدة العقاب نفسه.
وتحدثت عن الدور الرقابي للمرصد الدولي لحقوق الإنسان وفضح أي انتهاك، "حين تصله أي شكاية يقوم بمخاطبة هيئة الوقاية من التعذيب على أساس الشراكة بين الهيئة والمرصد لأن الهيئة قادرة على الدخول إلى السجون والمعاينة في أي وقت".
وأوضحت أن دور المرصد يتمثل أيضاً في المساندة وإثارة التجاوزات من خلال المراسلات إلى وزير العدل بالخصوص.
أمل طعم الله: معاملة قاسية ولا إنسانية
بدورها تحدثت المحامية التونسية أمل طعم الله، مع وكالتنا، عن المعاملة القاسية واللاإنسانية في السجون النسائية ومراكز الإيقاف، وعدة مظاهر وممارسات مشينة في انتهاك صريح لحقوق الإنسان، وتجاوزات مهينة تتعارض مع المواثيق الوطنية والدولية لحقوق السجين.
واعتبرت أن رحلة السجينة مع التجاوزات تنطلق من دخولها السجن بتجريدها من ملابسها بحجة تفتيشها، وصولاً إلى عدم توفير الضروريات حتى يشعر السجين ولو في زنزانته بأدنى سبل الراحة باعتبار السجن ليس مكاناً لممارسة العقد الاجتماعية والتحكم، بل هو مكان للإصلاح والعقاب الراقي، كما يحدث في الدول المتقدمة.
وتتابع المحامية أنه وفقاً لمتابعتها العديد من القضايا في السجون النسائية التونسية، لاحظت أن السجينة حين تعترض على أي تجاوز أو ممارسة درج عليها نظام السجن، تتعرض للعنف المادي واللفظي والتحويل المباشر إلى جناح العقوبة حيث يتم في بعض الأحيان حلق شعرها، وهو ما أكدته هيئة الحقيقة والكرامة سابقاً في أحد تقاريرها التي كشفت حجم التجاوزات الصادمة في السجون النسائية والرجالية.
وتطرقت أمل طعم الله إلى معاملة السجينات في سجن مَنّوبة مثلاً من ظروف إقامة مهينة ومعاملة قاسية انطلاقاً من معضلة الاكتظاظ التي تتسبب في مشاكل كبرى بينهنًّ، داعية للعمل على حلها والاطلاع على التقارير التي تكشف حجم التجاوزات لحقوق الإنسان في السجون.
وتتفق أمل طعم الله مع ريم حمدي، بخصوص الطعام الذي تقدمه إدارة السجن والذي لا يستجيب للشروط الصحية وخال من أي قيمة غذائية وغالباً ما تكون المكونات الأساسية للطعام من المعجنات وتكون نسبة المياه هي الطاغية، ومن أشهر ما يقدّم للسجينات "الراقو" و"الصَّبّة" وهي عبارة عن خليط من قليل من الخضر والكثير من الماء.
وتشير المحامية التونسية إلى عنصر مشجع حالياً يسمح للمنظمات الحقوقية بالدخول إلى الزنزانة والتحدث مع السجينات ما يمكّن من تقييم الأوضاع والوقوف على كل التجاوزات والممارسات التي لا تتماشى وحقوق الانسان، مبينةً أن الثورة ساهمت في كشف العديد من الأخطاء في السجون النسائية، وشددت على ضرورة العمل مع المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع الدولي للإصلاح ومساعدة السجينات على تجاوز أوضاعهنَّ الصعبة في السجون وخارجها، حيث إن النظرة للسجينة في مجتمعاتنا لاتزال نظرة دونية واحتقار، تحمل الكثير من التشفي والنبذ.
إطار قانوني ودستوري يحمي ولكن...
وتوضح المحامية، أنه فيما يتعلق بالشّخص المودع بالسّجن، تنصّ المادّة 30 من الدستور على أن "لكلّ سجين الحقّ في معاملة إنسانيّة تحفظ كرامته. وتراعي الدولة في تنفيذ العقوبات السّالبة للحرّية مصلحة الأسرة، وتعمل على إعادة تأهيل السّجين وإدماجه في المجتمع"، مشددةً على أهمية السهر على تنفيذ بند الدستور وحفظ كرامة السجينات والسجناء.
وتؤكد المحامية التونسية أن حماية حقوق السجين تنظمها المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الدولة التونسية بمقتضى قوانين على غرار القانون عدد 30 المؤرخ في 29 كانون الأول/ديسمبر 1968 المتعلق بانضمام تونس إلى الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية وعلى القانون عدد 79 لسنة 1988 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللا إنسانية أو المهنية. كما نظمت حقوق السجين في القانون التونسي صلب الأمر عدد 1876 لسنة 1988 المؤرخ في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 المتعلق بالنظام الخاص بالسجون وتبلورت خاصة ضمن القانون عدد 52 لسنة 2001 المتعلق بنظام السجون بما يكفل حرمة السجين الجسدية والمعنوية وإعداده للحياة الحرة ومساعدته على الاندماج فيها، ويتمتع السجين على هذا الأساس بالرعاية الصحية والنفسية وبالتكوين والتعلم والرعاية الاجتماعية مع العمل على حفظ روابطه العائلية، وتتمحور أهم هذه الحقوق في حقه بالتغذية، ومجانية العلاج والاستحمام وتقبل المؤونة والرسائل القادمة من أهله بعد الاطلاع عليها وتوفير محامي دفاع ومقابلة مدير السجن أينما حصل إشكال، وحقه في زيارة أهله في صورة المرض الشديد أو حالات الوفاة، إلا أن محدثتنا تقرّ بأن هذه شروط يصعب تطبيقها كلها على المستوى العملي.
دعوة إلى الاهتمام بالسجينات وتمتعهنَّ بحقوقهنَّ
وتدعو المحامية أمل طعم الله بالاهتمام بالسجينات والسعي لتمتيعهنَّ بحقوقهنَّ حتى يتم إصلاحهنَّ وحتى لا تشارك الدولة في زرع النقمة والحقد على الوطن داخلهنَّ باعتبار أن الزنزانة بالنسبة لهنَّ في فترة الايقاف أو السجن تمثل بالنسبة إليهن الدولة والوطن، ومن طبيعة المعاملة تتشكل الفكرة المستقبلية وتتأثر الشخصية خاصة للسجينات اللواتي في مقتبل العمر.
ودعت إلى التخلص من فكرة اعتبار سجن المرأة أمراً مخزياً، وتوفير الدعم الأسري المهم وهو الدواء الأول والوحيد لأوجاعهنَّ، حيث لفتت من خلال تجربتها إلى مدى البؤس المادي والمعنوي الذي تعانيه هؤلاء السجينات بفعل المعاملات السيئة من أهاليهنَّ حيناً وإدارة السجن أحياناً أخرى.
التحرش الجنسي في السجون
يبقى الحديث عن انتشار التحرش الجنسي موضوعاً محظوراً. فقلّة هنّ النّساء اللواتي يقبلنَّ على الإدلاء بشهاداتهنَّ حول هذا الموضوع بسبب شعورهنَّ بالخزي والعار، لكن شابة كانت سجينة حق عام في عام 2018 تدعى "مسلّمين" تمتعت بجرأة كبيرة وشجاعة وهي تروي لنا قصتها داخل أحد السجون. كسرت حاجز الخوف والريبة وكان لها من القوة ما جعلها تفضح ممارسة رئيس السجن الذي تحرش بها وحاول استقطابها لممارسة الجنس معه. تقول أنها في البداية تظاهرت بالموافقة على طلبه لتستدرجه وتقوم بتسجيله بواسطة هاتفها الجوال السري. هذه الفتاة استثناء مؤمن بفكرة فضح كل الممارسات والتجاوزات مهما كلفها ذلك، لم تخف ولم تتردد ثانية. تقول لوكالتنا، "إن ما تعرضت له مأساة تتعرض لها عشرات السجينات يومياً لذلك قررت كسر الصمت وفضح ما كدت أن أكون ضحيته حتى لو كان مدير السجن، كنت مؤمنة بأنني بالتسجيل قادرة على فضح ممارساته وعلى قناعة بأن خارج أسوار السجن مجتمعاً مدنياً وشرفاء أحراراً قادرين على الوقوف إلى جانبي، وتلك هي المعادلة التي حققتها الثورة، برغم أنني منحدرة من مجتمع به سطوة ذكورية وصعب جداً بالجنوب التونسي، لكنني فضحت ممارسات مدير السجن وأقيل من منصبه".
وتواصل مسلّمين، "السجن مكان لا يتمناه المرء حتى لعدوه، كانت قضيتي مقارنة بقضايا غيري بسيطة نسبياً، لكن ما شاهدته كسر الخوف الباطني من السلطة، فأنا تلك الفتاة التي طالما نعتوني بالتمرد، وقفت مندهشة أمام معاملات قاسية داخل السجن لكنني ثرت ضد كل التجاوزات وأوصلت صوتي وأخذت حقي وها أنا اليوم حرة مرتاحة البال. تصوري لو لزمت الصمت إزاء إجرام مدير سجن له سلطة مطلقة للتلاعب بالسجينات واستغلالهن جنسيا!"
وتضيف "أنا امرأة قوية حرة رفضت الظلم والاستغلال حتى وإن كنت بين أسوار سجن ولا أعرف مصيري في الغد".
ودعت إلى رفع الأصوات وتشديد المطالبات بوقف كل التجاوزات والخروقات، ومحاربة كل أشكال التمييز داخل السجن وتطبيق القانون وتوفير أبسط حقوق السجينات.
وأضافت أن حال السجون النسائية في تونس مثله مثل أغلب السجون في المنطقة العربية، حيث يغلب طابع القمع وممارسة الظلم ضد السجينات. هي صورة سوداوية يأمل كل الناشطون في مجال حقوق الانسان رجالاً ونساءً في وضع حد لها والالتحاق بركب ضمان حقوق الانسان.