الصحافة الكردية في شمال وشرق سوريا

نتيجة للقمع والاضطهاد الذي مارسه النظام السوري، وكذلك ضعف الإمكانيات وقلة العناصر المهنية، فإن الصحافة الكردية في مناطق روج آفا وشمال وشرق سوريا واجهت العديد من الصعوبات والعراقيل حتى وصلت إلى يومنا الراهن.

برجم جودي
كوباني ـ
تعود جذور حاجة الإنسان إلى الإعلام إلى بداية نشوء الحياة الاجتماعية وظهور مجتمعات الكلان والقبائل، وإحساس البشر بالبرد والحر والألم والسعادة والأصوات والألوان والنور والتفكير. ظهرت الصحافة الكردية وسط ظروف صعبة وواجهت العديد من العوائق. في عام 1898 وضع عدد من المثقفين والرواد الكرد اللبنة الأولى للصحافة الكردية في العاصمة المصرية القاهرة، حيث أصدر مقداد مدحت بدرخان أول صحيفة كردية باسم "كردستان" في 22 نيسان/أبريل عام 1898. الصحافة الكردية التي انطلقت باسم صحيفة كردستان، انتعشت وازدهرت داخل كردستان تحت العديد من الأسماء والعناوين.
أول مجلة كردية في سوريا وروج آفا
الخطوات الأولى للصحافة الكردية في سوريا وروج آفا انطلقت عام 1930. حيث حصل جلادت علي بدرخان من الحكومة السورية وقتها على ترخيص إصدار مجلة كردية باسم (هاوار)، وصدر العدد الأول من المجلة في 15 أيار/مايو عام 1932 في العاصمة السورية دمشق. وكانت صحيفة هاوار أول مجلة كردية في تاريخ الصحافة الكردية تصدر بالأحرف الكردية اللاتينية واللهجة الكرمانجية. وصدر من المجلة 57 عدداً إلى أن توقفت عن الصدور بتاريخ 15 آب/أغسطس 1943. وفي الأول من نيسان/أبريل عام 1943 أصدر جلادت بدرخان صحيفة روناهي باللهجة الكرمانجية. وصدر آخر عدد من الصحيفة في آذار/مارس 1945. وفي عام 1986 صدرت مجلة صوت كردستان باللغة العربية. 
انتهج النظام البعثي في سوريا سياسة القمع والاضطهاد ضد الشعب الكردي، ورغم كل ذلك فإن مسيرة الصحافة الكردية في سوريا وروج آفا لم تتوقف.
 
السياسة عائشة أفندي ومسيرتها في مجال الصحافة
تعتبر السياسية عائشة أفندي أول امرأة مارست العمل الصحفي في مقاطعة كوباني في شمال وشرق سوريا. في عام 1995 وحين كانت تبلغ من العمر 30 عاماً، عملت مع اثنين من زملائها على إعداد مواد إعلامية لصالح فضائية MED TV الكردية. كانت عائشة أفندي تساهم في تصوير احتفالات نوروز والـ 8 من آذار/مارس وإرسالها إلى تلك الفضائية، وعملت في مجال الإعلام لنحو 10 أعوام، وواصلت نضالها السياسي فيما بعد تحت سقف حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي وهي الآن الرئيسة المشتركة لمجلس عوائل الشهداء في إقليم الفرات.
وحول ظروف العمل الإعلامي في تلك الفترة تقول "عندما بدأت بالعمل في مجال الإعلام كنت أبلغ من العمر 30 عاماً، كنا نعمل بشكل سري على تصوير احتفالات نوروز و15 آب والـ 8 من آذار. كنا نعاني من قلة الإمكانيات ونستخدم كاميرات تصوير صغيرة. أتذكر أننا كنا نصور 7 أشرطة فيديو في احتفالية نوروز، وكل شريط مدته 30 دقيقة. وكنا نقوم بإخفاء كل شريط على حدة لدى إحدى النساء تحسباً لإقدام السلطات على مصادرة أحد الأفلام."
 
حافظت على الأرشيف على مدى سنوات طويلة
بسبب سياسة القمع والاضطهاد التي مارسها النظام البعثي اضطرت عائشة أفندي وزملائها للعمل سراً "بهدف الحفاظ على الأرشيف أنشأنا مخبئاً تحت الأرض في قرية ميلي. وحافظنا على ذلك الأرشيف لسنوات، وفيما بعد أرسلنا كامل الأرشيف إلى الجهات المعنية، ولكن الأرشيف الذي لم نرغب بوقوعه بيد السلطات كنا نقوم بإتلافه. لم نستطيع الاحتفاظ بالصور والمقاطع المصورة في منازلنا، كنا نعمل بشكل سري جداً".
مع انطلاق ثورة روج آفا عمل العديد من الشباب في مجال الإعلام إلى جانب إكمال دراستهم. في تلك الفترة كان هناك 5 أشخاص يعملون لصالح وكالة فرات للأنباء في مدينة كوباني. وعن طريق هؤلاء الأشخاص وصل صوت ثورة 19 تموز/يوليو إلى الرأي العام. المؤسسات الإعلامية التي نشأت مع بداية الثورة هي إحدى نتاجات الثورة نفسها. في البداية صدرت مجلة روناهي في 14 تشرين الأول/أكتوبر عام 2011. وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر انطلقت أول فضائية كردية في روج آفا باسم (روناهي). كما تأسست أول محطة إذاعية في روج آفا باسم صوت جودي في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2012. وفي 19 آذار/مارس 2012 تأسست في كوباني إذاعة صوت كوباني، كما انطلق بث إذاعة عفرين إف إم بتاريخ 10 حزيران/يونيو عام 2013 في عفرين. أما أول وكالة أنباء في روج آفا فكانت وكالة أنباء هاوار ANHA التي تأسست في آذار/مارس عام 2013. 
رانيا محمد التي تبلغ من العمر 28 عاماً واحدة من الصحفيات اللواتي شهدنَّ مسيرة تطور الإعلام خلال ثورة روج آفا. وهي أول امرأة دخلت مجال الإعلام في كوباني بعد الثورة. فحين كانت تدرس في الصف الثالث الثانوي، عملت مراسلة لوكالة فرات للأنباء عام 2011 مع 4 من زملائها الذين أصبحوا صوت الثورة وشهود عيان على مسيرة الإعلام.
 
الروح الوطنية هي التي حققت النصر للثورة
مما لا شك فيه أن انتصار انتفاضة شعب ما تتطلب أن يؤدي كل فرد دوره الملقى على عاتقه. تقول رانيا محمد إن ظروف وحاجة الثورة كانت تتطلب منهم المشاركة فيها، "إضافة إلى حبي للعمل في مجال الإعلام، إلا أنني رأيت أن من واجبي المشاركة في الثورة. حيث كان كل فرد يؤدي دوره في الثورة بحسب إمكانياته. لم أكن خبيرة في العمل الإعلامي، ولكنني اخترت العمل في ذلك المجال عام 2011، ومن هناك بدأت مسيرتي في مجال الإعلام. في تلك الفترة كانت تجري الاستعدادات لثورة 19 تموز، حيث كان النظام البعثي لا يزال موجودا في كوباني.  كنا 5 أشخاص، نعمل في مجال الإعلام إلى جانب الدراسة. ونستخدم أسماء مستعارة، ونخفي وجوهنا. في تلك الفترة كان المجتمع في كوباني يعتبر أن حمل المرأة للكاميرا أمر معيب، ولكن في السنوات الأولى للثورة ازداد عدد النساء العاملات في مجال الإعلام".
 
تضحيات جسيمة خلال مسيرة الصحافة الكردية
لا بد للمرء أن يقدم التضحيات لكي يتمكن من الوصول إلى أهدافه. رانيا محمد أكدت التزامها بذكرى زملائها الإعلاميين، "في البداية كنا نعد الأخبار لصالح وكالة فرات للأنباء ANF. ومع بداية الثورة تأسست وكالة أنباء هاوار، فانتقلت للعمل فيها. في تلك الفترة ازداد عدد النساء العاملات في الإعلام، ففي راديو كوباني كان الأعضاء كلهم بما في ذلك الإدارة والمراسلين من النساء. واحدة من النساء اللواتي عملنَّ بجهد في راديو كوباني كانت الشهيدة دليشان إيبش. يمكن القول إن الشعب الكردي قدم تضحيات جسيمة حتى وصل الإعلام الكردي إلى هذه المرحلة. ونحن سوف نواصل مسيرة زملائنا الشهداء، ولن نتخلى عن قلمهم وكاميراتهم، وسوف نعمل على تحقيق آمالهم وأحلامهم".
في جميع أجزاء كردستان قدم الشعب الكردي تضحيات كبيرة في سبيل الصحافة الكردية ونشر الحقيقة، وقدم العديد من الصحفيين حياتهم في هذه المسيرة من أمثال من غربتلي أرسوز، فرات دنيز، نوجيان أرهان، مصطفى محمد، دليشان إيبش، رزكار دنير، دلوفان كفر وفراس داغ. 
في يومنا الراهن هناك الآلاف من الإعلاميين ممن يواصلون المسيرة على نهج هؤلاء الشهداء. الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في هذه المسيرة كان لهم تأثير كبير على الشباب الكردي، وبالتالي توجه العشرات منهم للعمل في مجال الصحافة والإعلام. ومن هؤلاء النساء الصحفية الشابة ربيعة إيتو، التي تأثرت بشخصية الصحفية الشهيدة دنيز فرات وانضمت إلى مجال الإعلام لمواصلة مسيرتها. الصحفية دنيز فرات استشهدت جراء هجمات مرتزقة داعش على مخيم الشهيد رستم جودي (مخمور) في 8 آب/أغسطس عام 2014.
بدأت ربيعة إيتو العمل في مجال الإعلام عام 2015، عملت بداية كمراسلة في وكالة jinha وشاركت لحظة بلحظة في تغطية حملة تحرير مدينتي منبج والرقة، ووثقت لحظات تحرير النساء من ظلم داعش. وتعمل ربيعة حالياً في فضائيةJIN TV، كما أنها تتابع دراستها في السنة الرابعة في كلية الأدب الكردي في جامعة كوباني.
 
وكالة هاوار حطمت الذهنية الذكورية المهيمنة
ساهمت ثورة روج آفا في تغيير ذهنية المجتمع. وبهذه العبارة بدأت ربيعة إيتو حديثها حول مسيرتها في مجال الإعلام والتغييرات التي شهدتها خلا مسيرتها "أنا واحدة من الأشخاص الذين عملوا في مجال الإعلام مع بداية الثورة. كنت أحب الصحافة منذ طفولتي، ولكن تأثري بشخصية الصحفية الشهيدة دنيز فرات شجعني لاتخاذ القرار بالعمل في مجال الإعلام. بدأت العمل الإعلامي مع وكالة أنباء هاوار، وهو ما أكسبني الخبرة المهنية في العمل الإعلامي، كما أنه أحدث تغييرات في ذهنيتي، وفي حبي للحرية. السنوات الأولى للعمل في المجال الإعلامي مهمة جداً بالنسبة لي. كما عملت أيضاً في راديو صوت كوباني، والآن أعمل في فضائية JIN TV."
 
اتحاد إعلام المرأة: حصيلة 12 عاماً من النضال
منذ عام 2013 بدأ إعلام المرأة بالظهور والتنظيم من خلال العمل تحت سقف اتحاد إعلام المرأة الحر RAJIN. ومع اتساع رقعة العمل الإعلامي، تأسس في 30 حزيران/يونيو عام 2020 اتحاد إعلام المرأة YRJ. جميع النساء العاملات في مجال الإعلام في مناطق شمال وشرق سوريا هنَّ أعضاء في اتحاد إعلام المرأة. وحول التطورات التي شهدها إعلام المرأة تقول ربيعة إيتو "نحن كنساء اكتسبنا الخبرة الإعلامية خلال الثورة. لقد بذلت الصحفيات جهوداً جبارة وتضحيات جسيمة حتى وصلنا إلى هذا المستوى. في السنوات الأخيرة حصلت تطورات كبيرة، مثل تأسيس اتحاد إعلام المرأة YRJ، بالإضافة إلى انطلاق وكالات أنباء خاصة بالنساء مثل JINNEWS وNÛNINHA، وإذاعة ستار إف إم وفضائية JIN TV".