المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (8)

منذ بدأ الحياة المجتمعية في بلاد ما بين النهرين سُنت قوانين وتشريعات لتنظيم الحياة، ولها من الميزات بأن أفردت باباً لتشريعات تخص المرأة والأسرة بما يحاكي قوانين الأحوال الشخصية في وقتنا الحاضر

حقوق المرأة... قوانين وتشريعات (1) 

سناء العلي

مركز الأخبار ـ .  
لم تكن التشريعات في العصور الوسطى إلا استكمالاً لقانون حمورابي لكنها أخذت أبعاداً دينية، بينما أدخلت عليها بعض القوانين المدنية في خمسينيات القرن الماضي، ثم بدأت السيطرة الدينية تعود شيئاً فشيئاً إليها وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة.
في أول قانون عرفه التاريخ باسم شريعة أور نمو أعطيت النساء بعضاً من حقوقهن. التشريعات التي عرفها العراق بعد ذلك لم تنصف النساء ولم تصل لأقل قدر من المساواة بين الجنسين. في عام 1953 صدر أول قانون مدني للبلاد حيث نجح المشرعون في الدمج بين أحكام الفقه الإسلامي والنصوص القانونية المعمول بها في الدول الأوروبية، إلا أن هذا القانون لم يصل لمستوى تحقيق المساواة بين الجنسين. 
 
المرأة في تشريعات الحضارات القديمة  
التشريعات الخاصة بالأسرة والمرأة هي من أبرز القوانين منها شريعة "أورو كاجينا" الاجتماعية المتعلقة بتنظيم الأسرة، أصدرها الملك السومري أورو كاجينا (2400ق.م) للحد من الفساد.
النساء من خلال هذه الشريعة استطعن الحفاظ على الكثير من الحقوق، فهي حفظت حقوق النساء المتزوجات والأرامل وكذلك حقوق الأيتام، استطاعت تشريعاته حماية النساء من جشع الطامعين بهن حتى أقرب الناس إليهن، لكن الذهنية الذكورية التي كانت طاغية في ذلك الوقت تبدو واضحة الملامح في بعض بنود هذه التشريعات حيث منعت النساء من التزوج بأكثر من رجل، وسنت عقوبة الرجم لكل من تخالف ذلك، بالمقابل سمحت للرجل بتعدد الزوجات. مع العلم أن الزواج كان يوثق بعقد مكتوب ومحفوظ على لوح طيني بما يكفل حقوق المرأة.  
شريعة مؤسس سلالة أور الثالثة في سومر والمعروفة بشريعة "أور نمو" (2113ـ 2006ق.م) نسبة إلى مؤسس الأسرة الثالثة تعد أول شريعة في التاريخ، صُنفت المرأة بحسب هذه القوانين على أساس وضعها في المجتمع من زاوية الزواج فكان للمرأة العازبة قوانين خاصة بها وكذلك للمطلقة وللمتزوجة. مع العلم أنه لم يكن للمرأة حق اختيار زوجها. 
سَمح القانون بجرائم الشرف، من خلال السماح للرجل بقتل زوجته التي تخونه بينما يتم إطلاق سراح الرجل الذي ارتكب معها الخيانة الزوجية، الحالات التي تتعلق باغتصاب امرأة بكر والتي تكون من العبيد تعالج بأن يتم تعويض مالكها بمبلغ من المال دون التفات للأضرار المرتكبة بحق هذه المرأة. 
من القوانين الشهيرة في الحضارة السومرية قانون حمورابي (1792ـ1750ق.م) الذي شرع قوانين خاصة بالمرأة والأسرة، ضمت أكثر من ثلاثين مادة توثق عقود الزواج ومسائل الطلاق والإرث والتبني، وهناك قوانين خاصة تحمي المرأة من الاعتداء عليها. 
أعطى قانون حمورابي بعضاً من حقوق المرأة مثل حق الطلاق وحضانة الأطفال، سُمح للنساء اللواتي ينتمين لطبقات عُليا بالعمل في التجارة والشهادة في بعض العقود الخاصة، وتقلد المناصب العامة مثل حاكمة وكاتبة. وأعطى المرأة الحق بالتصرف بحياتها كيفما تشاء إذا ما تم أسر زوجها في إحدى المعارك.
تستطيع المرأة أن تكون شاهدة على زواج ابنتها بعد قبول الأب، كما يحق للأخت كذلك، مع التأكيد على أن النساء لا يملكن الحق في اختيار أزواجهن، إضافة إلى أن المهر يذهب للأب.
الذهنية الأبوية أيضاً كان لها الحصة الأكبر في تشريعات حمورابي فكان للرجل الحق في أن يطلق زوجته متى شاء، فيما لا تملك المرأة هذا الحق، فإن لم تنجب أطفالاً يطلقها أو يتخذ خليلة له دون زواج، وهذه الخليلة تتعرض لأبشع أنواع المعاملة إذ يمكن للرجل وزوجته الأولى أخذ الطفل منها وإنزالها إلى مرتبة العبد، يحق للرجل اتخاذ زوجة ثانية في حال مرضت زوجته الأولى، ولا يحق للمرأة أن تطلب الطلاق. كما أن للأبناء الذكور الغلبة في حقوق الإرث. 
زواج القاصرات كان مسموحاً به في قانون حمورابي حيث ينص أحد عقود الزواج على السماح بتأجيل الدخلة حتى تكبر الفتاة، على أن تعيش في بيت زوجها. 
تشريعات السومريين والبابليين والآشوريين وغيرها استخدمت المرأة في الدعارة بما يمكن تسميته "البغاء الديني" النساء اللواتي يرفضن ذلك يعاقبنَّ. 
فُرض الحجاب على النساء المتزوجات وذاوات المكانة الرفيعة في المجتمع كما يمنعن من الخروج، بالمقابل تُمنع الإماء من ارتداء الحجاب ويعاقبن على ذلك.  
للديانة السومرية سطوة كبيرة على مختلف الشرائع والديانات التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين بعد ذلك، بعد اجتياح سرجون الأكادي لبلاد سومر وسيطرة الأكاديون لم يتغير الوضع كثيراً بالنسبة للمرأة.  
منعت النساء من العمل في السياسة، ففي بابل اقتصر مجلس الحكماء الذي يقوم بإدارة شؤون الدولة على الرجال.
من جهة أخرى كان للمرأة حق التملك والعمل في البيع والشراء وغيرها من الأعمال، لكنها عرضة للقتل بداعي الشرف، والطلاق التعسفي، ففي بعض المخطوطات التي عثر عليها الباحثون سيرة حياة عائلة بابلية، أظهرت أن الزواج كان أحادياً، مع ذلك كان يحق للرجل اتخاذ العديد من المحظيات، وتعيش المرأة تحت سلطة الوالدين قبل الزواج، وبعد الزواج لا يتغير الوضع كثيراً فهي تبقى أقل مكانة من الرجل. 
 
التشريعات الدينية  
لا ريب في أن للدين تأثير كبير على حياة الإنسان وخاصة في الشرق الأوسط. ناهيك عن تأثير الثقافة العشائرية المسيطرة على الحياة في مختلف مفاصلها. 
للعراق تاريخ طويل مع الديانات ظهر أولها مع عبادة الآلهة وكانت إنانا هي أول معبود لهم، وفيما بعد وتحديداً في العام 721 ق.م عرف الشعب العراقي الديانة التوحيدية وهي اليهودية أول ديانة تدخل البلاد ما بعد النبي نوح والمرتبط في أساطيرهم بقصة الطوفان، لكن لا توجد وثائق أو مصادر عن تلك الفترة. 
وفي القرن الثاني للميلاد ساهم المبشرون المسيحيون في نشر الديانة المسيحية بين العراقيين على إثر سقوط بابل. ثم جاء الإسلام في القرن السابع للميلاد.  
دخلت اليهودية إلى العراق بعد السبي البابلي لهم عام 721 ق.م حيث سباهم الآشوريون، ثم سباهم نبوخذ نصر من "أورشليم" وجاء بهم إلى بابل في العام 597 ق.م، ثم تعرضوا لسبي صدقيا عام 586 ق.م وعددهم يقارب الأربعين ألف يهودي.
في العصر الحديث وحتى عام 1947 شكل يهود العراق ما نسبته 2.6 بالمئة من السكان، وذلك قبل اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي وحملات التهجير التي شنها العرب ضد اليهود.  
السبي الذي أثر بشكل كبير على اليهود وخط عقيدتهم هو الذي قام به الملك البابلي نبوخذ نصر في عام 586 ق.م حيث رحّل نبوخذ نصر غالبية سكان يهوذا إلى بابل ولم يترك إلا الفئات الصغيرة الضعيفة، وكان معظم من رُحلوا من الرجال.
سُمح لليهود بالعمل وممارسة عقيدتهم الدينية في عهد نبوخذ نصر، عملوا في الزراعة والتجارة والصيرفة، تأثروا بعادات وتقاليد المجتمع الجديد وبشعائره وطقوسه الدينية وأثروا فيه، وأنقسموا لقسمين منهم من اندمج في المجتمع الجديد ومنهم من حافظ على تقاليده لكن بصورة متشددة. 
الذين لم يتأثروا حرموا الزواج المختلط وهذا التقليد ما زال مستمراً حتى اليوم عند اليهود الأكثر تشدداً، كما حافظوا على عادة الختان المستجلبة من مصر (كون أصول الديانة اليهودية من مصر).
في العراق دون اليهود التلمود وفيه بطبيعة الحال ما يخص مسائل الزواج والميراث وعلاقات الأفراد والمسائل الشخصية.
المرأة عند اليهود هي سبب الخطيئة ونزول آدم من الجنة على ذلك يقيس اليهود القدماء نظرتهم ومعاملتهم للمرأة، فكان للرجل الكفة العليا في مختلف شؤون الحياة والوصاية الكاملة على المرأة، فامتلك الرجل حق الطلاق، وحتى مفهوم الشرف والعذرية المرتبطان مجتمعياً بالمرأة. 
النساء يحرمن من الميراث إلا في حال لم يكن هناك أبناء ذكور للأب المتوفى، وتستطيع المرأة تحصيل الميراث لكنها تمنع من الزواج بسبط (قبيلة) آخر، والمرأة التي يتوفى زوجها تصبح بشكل تلقائي زوجة لشقيقه. 
أبيحت جرائم الشرف، واعتبرت المرأة الحائض نجسة حتى تتطهر. في الشريعة اليهودية عموماً لا يعتبر الشخص يهودياً إلا إذا ولد لأم يهودية، وهو ما استمر العمل به بين يهود العراق، إضافة لقانون الفصل بين الجنسين. 
أما عن تقرب الدين اليهودي من المرأة في العصر الحديث فإنه ومنذ العصور الوسطى وحتى العصر الحديث تغيرت الكثير من المفاهيم اليهودية حول المرأة، لم يكن تعدد الزوجات موجوداً وهذا التقليد مستمر حتى الآن، وأصبح للمرأة الحق في الطلاق إذا امتلكت أسباب مقنعة لذلك، ولها الحق في التعليم لكن بشكل محدود حيث استطاعت النساء تَعلم التوراة وتعليمها، وشاركن في العمل بالعديد من المجالات.
في القرن الثالث عشر اقتصر التعليم على "الحيدر" وهو يشبه الكُتاب عند المسلمين، أغلب طلبته من الفتية، لكن الفتيات تعلمن في المنزل القراءة والكتابة وبعض علوم الدين إضافة إلى أعمال المنزل.
 
التشريعات المسيحية 
المسيحة اليوم هي ثاني أكبر الديانات في العراق بعد الإسلام، يتمتع المسيحيون اليوم بقانون أحوال شخصية خاص بهم، ويمثلون في البرلمان العراقي بخمس مقاعد فقط موزعة بين الطوائف المسيحية.
أما تاريخ الدين المسيحي في العراق فيعود إلى القرن الثاني للميلاد. المسيحية لم تدخل عن طريق الهجرات وإنما نتيجة للتبشير الذي قامت به الكنيسة، فبعد سقوط بابل على يد الفرس تحول معظم العراقيين الآراميين إلى الديانة المسيحية.
عانت النساء من الاضطهاد من الدولة الساسانية بسبب اعتناق المسيحية، إضافة لما قام به كسرى الأول منذ عام 98 ميلادية، من حملات اضطهاد واسعة لم تسلم النساء منها وتداعياتها على مدى قرنين من الزمن.
غير ذلك فإن الدين المسيحي نظر للمرأة على أنها سبب الخطيئة ونزول آدم من الجنة وتعاسة الإنسان، لذلك فضلوا العزوبية على الزواج باعتبار أن المرأة دنس يجب الابتعاد عنه، كما أنها فتنة، ومنعت حتى من الكلام في الكنيسة، وفُرض عليها الحجاب أيضاً عملاً بما جاء في الإنجيل "إذا المرأة كانت لا تتغطى فليقص شعرها"، واعتبرت ملكاً للرجل، النساء لم يملكن حق الاختيار، ومنعن من التعلم والتملك أيضاً.
ومثلها مثل نظيرتها اليهودية استطاعت المرأة المسيحية في القرنين الأخيرين تجاوز الكثير من العقبات ففي القرن التاسع عشر شاركت النساء المسيحيات في حركة النهضة الحديثة في العراق، كان من بينهن طبيبات وصحفيات وفنانات.