المرأة المصرية سيدة التاريخ ترزح تحت وطأة الذهنية الذكورية (5)
في عام 1922 نالت مصر استقلالها عن بريطانيا بشكل صوري، وأُنشأت المملكة المصرية الخاضعة بجميع قرارتها لبريطانيا، واستمر الحال على ما هو عليه حتى قيام الضباط الأحرار بثورة 1952 وانتقال السلطة لهم ليقود البلاد بعد ذلك جمال عبد الناصر
مصر الحديثة... قوانين متذبذبة تجاه المرأة
مركز الأخبار ـ ، ثم توالت الأحداث في البلاد وتغيرت السلطة مرات عديدة وبين حكم ديني وآخر علماني تغيرت القوانين المتعلقة بالمرأة كذلك.
الفترة الملكية... أولى المطالب بالحقوق السياسية
حكمت أسرة محمد علي باشا مصر الحديثة منذ إعلان استقلال البلاد واعتلى العرش فؤاد الأول ثم أبنه فاروق الأول وانتهى الحكم الملكي في عهد فؤاد الثاني بعد أن أطاحت ثورة الضباط الأحرار بحكم الأسرة.
وحمل دستور البلاد عام 1923 ثمار مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري المنادي بالاستقلال إذ أنه نص على المساواة بين جميع المواطنين رجالاً ونساءً ولم ينص على حرمان المرأة أيً من حقوقها السياسية، وتألفت في تلك السنوات أول هيئة خاصة بالنساء في مصر متمثلة بالاتحاد النسائي الذي نجح منذ الشهور الأولى لتأسيسه في سن قوانين تحدد عمر زواج الفتيات بـ 16 عاماً والمساواة في التعليم.
ولم تستمر الأوضاع على ما هي عليه فالذهنية الذكورية الشمولية لم تتقبل هذا الانفتاح الكبير على المرأة فما كان منها إلا تحكمت بحقوق المرأة السياسية من خلال صياغة قانون انتخاب يقصي المرأة، كذلك كان حضورها خافتاً في حزب الوفد الذي كان قد تشكل في عام 1918 فيما اقتصر وجود النساء على لجنة السيدات.
حورب الاتحاد النسائي لحجج كثيرة واتخذ الرافضون لحقوق المرأة في دعواهم ضد الاتحاد حجة أنه يدعو إلى السفور متكأين على ما قامت به هدى شعراوي عندما عادت من المؤتمر النسائي العالمي في روما وخلعت النقاب عند وصولها إلى ميناء الإسكندرية، لكن رغم ذلك احتفظت المرأة المصرية بعدة مزايا أهمها قانون العمل الذي اعترف بها ونص على حمايتها، وتحديد العطل المدفوعة الأجر.
وفي هذه الفترة كانت الناشطة النسوية هدى شعراوي من أقوى الشخصيات النسوية على الساحة المصرية، وهي رائدة الحركة النسوية العربية، حملت على عاتقها قضية تحرير المرأة فأسست الاتحاد النسائي وفتحت مدارس للفتيات على نفقتها الخاصة وأوفدت البعثات النسائية إلى جامعات أوروبا وأنشأت مجلة "الأجيبسين" باللغتين العربية والفرنسية واهتمت بالفنون الجميلة.
وتحولت مدرسة المولدات والتي كانت شبه معهد لتخريج القابلات إلى مدرسة للممرضات ثم أصبحت تُرسل البعثات النسائية للدول المتقدمة من أجل التخصص في الطب والتمريض، كذلك تحولت مدرسة السيوفية التي انشأها الخديوي إسماعيل إلى مجموعة من المدارس الابتدائية.
وتخرجت أول دفعة من طالبات الثانوية في عام 1930 وبذلك واجهت الفتيات عراقيل جديدة لمنعهن من الالتحاق بالجامعة لكن الأديب المصري المعروف طه حسين وقف إلى جانبهن ليكملنَّ تعليمهن في الجامعة وكان مديراً للجامعة وقتذاك ودفع ثمن موقفه بإقالته من منصبه في عام 1932.
وكان عدد الفتيات اللواتي التحقنَّ بالتعليم الجامعي 13 طالبة 8 منهن في كلية الطب و4 في كلية الآداب وواحدة في كلية الحقوق.
وحوربت المتخرجات في العمل أيضاً فلم يعتادوا أن يروا امرأة تعمل موظفة في المكاتب ولم تغب عن أذهانهم صورتها في المطبخ فإن ارادت العمل فليكن في الزراعة مع عائلتها، أو في المصانع أو فقيرة تعمل خادمة في بيوت الأغنياء، أو تلك الأعمال التي ترتبط بالنساء مثل المزينات والقابلات والخياطات وغيرها، لكن الأصوات التي تعالت رافضة لذلك رضخت في النهاية وعُينت الخريجات من الدفعة الأولى في المستشفيات والمدارس والقضاء.
في تلك الفترة أيضاً تأسست الجمعيات النسائية وكان أولها جمعية المرأة الجديدة التي تأسست قبل الاستقلال في عام 1919 لدعم الفتيات بشكل عام ورفع مستواهن التعليمي والثقافي وتقوية مهاراتهن في تعلّم بعض المهن مثل الخياطة والتطريز والتمريض وغيرها من خلال استقدام مدرسات من الخارج.
وفي عام 1939 تأسست لجنة سيدات الهلال الأحمر وكان لها دور كبير في معالجة أكثر من 150 ألف نازح من الاسكندرية عند تعرضها للقصف بالقنابل خلال الحرب العالمية الثانية، ودور مهم أيضاً في معالجة أهالي منطقة الصعيد عند انتشار الحمة الراجعة بينهم.
انتهت فترة الحكم الملكي بحدث في غاية الأهمية وهو اقتحام عضوات بنت النيل وعلى رأسهن درية شفيق مبنى البرلمان للمطالبة بمشاركة المرأة لكي يمثل هذا البرلمان جميع فئات الشعب المصري وليس فقط الرجال.
وحضَّرت عضوات بنت النيل للمخاطرة الكبيرة بأن حشدن المئات من النساء والمناصرين لقضايا المرأة وكتبن على اللافتات شعارات تؤكد مطالبهن في الحرية والمساواة والانتخاب وحماية المرأة، لكن تلك الدعوات لم تثمر عن شيء.
الحكم الناصري... إصلاحات سياسية واجتماعية
افرزت حرب 1948 بين العرب وإسرائيل سخط شعبي كبير في الاقطار العربية على السلطات الحاكمة ومنها مصر من خلال تنظيم الضباط الأحرار وهم عدد من ضباط الجيش قاموا بانقلاب عسكري على الملكية عام 1952بقيادة اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر.
وبعد أقل من عام أعُلن عن قيام جمهورية مصر العربية وبذلك ألغي الدستور الملكي وبدأت البلاد فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، وتم الإعلان عن مصر جمهورية، بعد ذلك بعام واحد بدأ عصر جديد لجمهورية مصر ليلحق بركب الدول المتحضرة وبذلك بدأ الحديث وبجرأة عن حقوق النساء في دستور الدولة الجديدة.
كانت فترة حكم جمال عبد الناصر مفصلية ليس بالنسبة لمصر فقط وإنما للمرأة المصرية أيضاً إذ أن البلاد أخذت شكلها الحقيقي كدولة ذات سيادة وتخلصت من الاحتلال المباشر والوصاية الأجنبية فبدأت حياة مدنية وصياغة دستور جديد للبلاد وتشكلت المؤسسات والإدارات المدنية والعسكرية في وقت ما تزال فيه قضية منح المرأة حق التصويت في الانتخابات مثار جدل كبير بين المحافظين والتحرريين والنسويات.
وبدأ الأمل أكبر في تحقيق انجازات حقيقية تجاه حقوق المرأة بعد مطالبات عديدة ليس فقط من أجل التصويت وإنما لحقوق كثيرة في مجتمع ما يزال ينظر للمرأة على أنها الجنس الآخر والعورة.
ورغم استلامه للحكم تحت شعارات عديدة داعمة للمرأة كـ اعتبارها ركيزة أساسية في حربه على الفقر وتحقيق مجتمع منفتح متقدم إلا أن جمال عبد الناصر لم يقر حقوق المرأة السياسية المتمثلة أولاً والأهم في حق التصويت إلا بعد اضراب درية شفيق ومن معها من الحقوقيات النسويات عن الطعام.
ونص دستور عام 1956 الذي لم تمثل في لجنة صياغته أي امرأة على تساوي المرأة مع الرجل في الحقوق السياسية ومنها التصويت والترشح، ومبدأ تكافؤ الفرص وبذلك دخلت أول امرأة للبرلمان عام 1957، وعلى ذلك اعتبرت الحكومة الجديدة أن مسألة حقوق المرأة منتهية فعلمت على حل الاتحاد النسائي في عام 1956.
وكذلك نص ميثاق العمل الوطني على اعتبار المرأة جزء مهضوم الحقوق في المجتمع المصري وبذلك أكد على تساويها مع الرجل لكي تستطيع المشاركة في صنع الحياة.
وعلى تلك المبادئ عينت أول وزيرة للشؤون الاجتماعية في عام 1962م، وهي حكمت أبو زيد وعينت أول نائبة في البرلمان وهي راوية عطية عام 1957م، وفي عام 1970م تشكل وفد نسائي مثل نساء مصر لصياغة مسودة اتفاقية المرأة الدولية.
ونشأ خلاف كبير وجوهري بين جمال عبد الناصر وبين حركة الإخوان المسلمين لأسباب عديدة بينها قضية تحرر المرأة وطلب الإخوان منه فرض الحجاب الإلزامي كما يحصل الآن في إيران وهو ما كان مرفوضاً وينافي مبادئ الثورة.
أنور السادات... تقوية العلاقات مع الإخوان
بعد وفاة جمال عبد الناصر عام 1970 استلم الحكم أنور السادات الذي عقد الصلح مع الإخوان المسلمين وكذلك تم إقرار دستور جديد للبلاد.
لم تمثل أي امرأة في اللجنة التي تألفت من 80 عضواً لصياغة الدستور وذلك ما انعكس على مواده بأن اقصيت النساء من الجيش والشرطة والقضاء بسبب ذكر اللجنة كلمة رجال لكل من هذه التخصصات وبذلك تم ربطها بالرجال دون النساء.
لكن رغم ذلك تميز القانون بأنه الأول الذي نص على النساء صراحةً في المادة 43 وجاء فيها "ينظم القانون العمل للنساء والأحداث وتُعنى الدولة بإنشاء المنظمات التي تُيسرُ للمرأة التوفيق بين العمل وبين واجباتها في الأسرة".
واحتفظ الدستور بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين وكذلك أكدت المادة 11 على مساواة المرأة بالرجل في مختلف الميادين لكن مع عدم تعارضها من أحكام الشريعة الإسلامية.
وعلى عكس الكثير من القوانين في الدول العربية نص الدستور على منح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأبنائها وفق ما جاء في المادة السادسة "الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية حق يكفله وينظمه القانون". لكن قيد القانون منح الجنسية بعدة شروط وهي إذا كان الأب مجهولاً وأن يكون الطفل مولوداً في البلاد أو مجهول النسب.
التوقيع على اتفاقية سيداو
في عهد أنور السادات وقعت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمعروفة بسيداو في عام 1980 وصادقت عليها بعد ذلك بعام مع تحفظها على أربع مواد ثلاث منها تتعلق بحقوق المرأة بشكل مباشر وهي المادة الثانية التي تنص على إدراج مبدأ المساواة في الدستور بما في ذلك الغاء الأحكام الجزائية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة مما يكفل عدم إقدام الرجل على قتل المرأة بحجة الشرف إذ يلقى عقاباً مشدداً.
وتحفظت أيضاً على الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والتي تنص على منح الجنسية وكذلك المادة 16 التي تمنح المرأة مساواة كاملة مع الرجل في الأمور المتعلقة بالأسرة والزواج.
وبشكل عام بقيت القوانين على حالها وهناك تمييز واضح بين الرجل والمرأة المصرية رغم توقيع هذه الاتفاقية.