المرأة المصرية سيدة التاريخ ترزح تحت وطأة الذهنية الذكورية (3)
إضافة للتأثيرات المهمة التي تركتها الحضارات التي لحقت بالحضارة الفرعونية كان للأديان المستمرة حتى اليوم تأثير كبير ومباشر على وضع المرأة في المجتمع المصري مثل اليهودية والمسيحية
الحضارة الإسلامية في مصر
مركز الأخبار ـ ، إلا أن الدين الإسلامي وفي كافة مراحله كان صاحب التأثير الأكبر منذ دخوله إلى مصر.
دخل الإسلام إلى مصر مع دخول العرب المسلمين إلى البلاد عام 641 م، وكانت مصر آنذاك تحت الاحتلال الروماني، وفي وقت كانت فيه مصر قد تأثرت بجميع الحضارات السابقة لم تعد مكانة المرأة كما كانت عليه خلال الحضارة الفرعونية أو قبلها.
ورغم أن معتنقي الديانة المسيحية يشكلون نسبة كبيرة إلا أنه قبل نهاية القرن الرابع عشر أصبح المسلمون يمثلون غالبية في المجتمع المصري، ولأن الحكم للأغلبية طبقت التشريعات الإسلامية على المجتمع والمرأة.
ويعد تاريخ مصر في العصر الإسلامي من أغنى التواريخ؛ لكونه مكتوب وموثق ويحوي على تفاصيل مهمة من الحياة في تلك الفترة، ويرصد حال المرأة في جميع النواحي سواء الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، والدينية، من حريات وحقوق، ويرصد كذلك اختلاف حال المرأة في العصر الإسلامي من دولة إلى أخرى ومن طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى.
فمثلاً يختلف وضع المرأة في الدولة الفاطمية عن وضعها في الدولة العباسية، وكذلك حال المرأة في الحياة العامة عن تلك التي تعيش في القصور، وبين المسلمات وغير المسلمات، ومن المعروف أن نسبة اليهود في مصر هي الأكبر مقارنة بالدول المسلمة أو الدول العربية عموماً، وفي مصر أيضاً نسبة ليست بقليلة من المسيحيين الأقباط.
الخلافة الإسلامية... اختلافات مجتمعية
تعاقبت الخلافة الإسلامية على مصر وهي "الراشدة، الأموية، والعباسية، والفاطمية، والمملوكية، والأيوبية، والعثمانية"، وتتشابه في معظمها حول دور ومكانة المرأة في الإسلام مع وجود بعض الاختلافات.
أثناء الخلافة الراشدة وهي أول سلطة للإسلام في مصر ساد حكم القرآن والسنة النبوية من حيث الحقوق والملكية والحضور الاجتماعي والواجبات، فكان أن قيد الإسلام الطلاق والزواج وأعطى المرأة حق التملك والعمل، وحدد سناً لحضانة الأطفال، وعقوبة الزنا، وفَرضَ الملابس المحتشمة على المسلمات وغير المسلمات "أهل الذِمة".
وكان للمرأة المسلمة دور في السياسية وفي الحياة، وقد شاركت العديد من النساء في المعارك التي خاضها المسلمون لنشر الإسلام في سائر البلاد التي وصلتها جيوش المسلمين خلال فترة الفتوحات، لم يكن منع الاختلاط موجوداً كما عليه الحال اليوم في المجتمعات الإسلامية الأكثر تشدداً.
وقدر الإسلام حصة من الميراث للمرأة وهي نصف حصة الرجل؛ مراعاة للمسؤوليات الملقاة عليه باعتباره مسؤولاً بشكل كامل عن نفقات المنزل ومن فيه، وطبقت مختلف الشرائع المنصوص عليها في القرآن، وما نقل من أحاديث للنبي محمد حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع وعلاقتها به.
استمرت فترة صدر الإسلام والمعروفة بالفترة الزمنية الممتدة من مجيء الرسول محمد حتى اغتيال الخليفة علي بن أبي طالب آخر الخلفاء الراشدين، أربعين عاماً فقط وبعدها قامت الدولة الأموية.
ومهد صدر الإسلام لقيام الدولة الأموية والتي سيطرت على مصر في الفترة الممتدة ما بين (659ـ750هـ)، الموافق (1260ـ1349م).
في الدولة الأموية النساء كن يجالسن الرجال ويُلقين الشِعر، لكن الفريد في الخلافات كافة وفي الخلافة الأموية هو تجاوز الخلفاء التشريع الإسلامي والذي قيد عدد الزوجات، الذي حصر عدد الزوجات بأربع، إلا أن الخلفاء عادوا إلى العادات الجاهلية التي لم تقيده وتزوجوا أكثر من أربعة، منهم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي جمع بين 15 زوجة.
تأثر وضع المرأة في الإسلام بموقعة الجمل حيث شكلت هزيمة جيش المدينة الذي كانت عائشة زوجة الرسول محمد أحد أنصاره وقادته، في المخيلة العربية والإسلامية الجمعية فكرة استحالة عمل المرأة في السياسة.
وموقعة الجمل هي معركة الثأر من قتلة الخليفة عثمان بن عفان، حينها كانت أم المؤمنين عائشة من بين المؤيدين للقصاص من القتلة، وعلى ذلك انضمت لعدد من الصحابة للثأر من الخوارج بعد أن تباطأ علي بن أبي طالب بالثأر بعد مبايعته للخلافة، ذهبت عائشة مع جيش المدنية على ظهر جمل وعلى ذلك سميت المعركة بموقعة الجمل.
وبشكل عام لم يستطع الإسلام تخليص المرأة من النظرة الدونية لها، رغم أنه اعطاها حق الحياة بتحريم الوأد، إلا أنه عزز مفاهيم أخرى منها ربط الشرف بالمرأة، وانتقاص حقها من الميراث؛ بدعوى أنها غير مجبرة على العمل وغيرها من الأمور.
فيما استطاعت النساء في القصور (زوجات أصحاب السلطة) الاحتفاظ بدور ثانوي لكنه مهم في تحديد سياسات الدولة، فقد سيطرت بعض نساء الخلفاء على قرارات أزواجهن مستفيدات من ضعف شخصية البعض منهم، وبذلك يكّن قد شاركنّ بالحكم بشكل غير مباشر.
سيطرة بعض زوجات الخلفاء وصلت حد التأثير في قرارات هامة تتعلق بالوريث الشرعي للخلافة، نذكر هنا عاتكة بنت يزيد زوجة الخليفة عبد الملك بن مروان صاحبة الشخصية القوية التي نقلت ولاية العهد من عبد العزيز بن مروان إلى أولادها، وفي حادثة أخرى طلبت حضور الحجاج بن يوسف الثقفي وكان وقتها والياً على العراق، وهددته بالتزام حدوده وعدم التأثير السلبي على زوجها، مذكرة إياه بأنه مجرد عامل في الدولة الأموية.
من جهة أخرى استطاعت الجواري بمكرهن السيطرة على الحكم، وينقل التاريخ سيطرة الجارية حبابة على عقل وقلب الخليفة يزيد أبن عبد الملك الذي لم يعصي لها أمراً، وترك لها التصرف بشؤون الحكم، فكانت تعيين وتعزل الولاة وتبت في أمور كثيرة تعد من سلطات الخليفة.
الدولة الفاطمية
لعل أبرز الفترات التاريخية بالنسبة للمرأة منذ دخول الإسلام إلى مصر كانت فترة حكم الفاطميين (969ـ1171م) ففي هذه الفترة حصلت المرأة على مجموعة من الامتيازات من حيث حق التملك والميراث، نجد أن الفاطميون وهم شيعة لا يوَرِثونَ الأبعد مع وجود الأقرب أي أنه وبوجود ابنة لأبوين متوفيين فإنها ترث كل ثروة والديها حتى وإن وجد أبن الأبن، كما أنهم لا يفرقون بين ابناء الأبناء وبنات الأبناء في الاستحقاق من الميراث.
وللنساء الحق في التملك والعمل والتجارة لذلك كثرت النساء الثريات في الدولة الفاطمية، ويكمن ذلك الاهتمام بالمرأة لأن الدولة الفاطمية تنتسب للإمام علي بن أبي طالب ولزوجته فاطمة الزهراء بنت النبي محمد وهي صاحبة مكانة عظيمة عندهم حيث أطلق الفاطميون لقبهم هذا تيمناً باسمها.
وإذا ما تحدثنا عن نساء العائلة الحاكمة نجد أن لزوجات الخليفة وشقيقاته دور بارز في مختلف المناطق التي توسعت فيها الدولة الفاطمية، ولهن مساهمات في بناء المنشآت الدينية والمدارس التي ما يزال قسم كبير منها موجود حتى الآن، إضافة لقيامهن بمساعدة الفقراء، والأهم من ذلك دورهن البارز في انتقال السلطة.
ونذكر هنا دور ست الملك وهي ابنة الخليفة العزيز بالله وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله وهو المنصور بن عبد العزيز استلم الخلافة من سنة 996 م حتى 1021م.
ست الملك ذات شخصية متميزة لم تتزوج بل كرست حياتها لمصلحة الدولة، شاركت بسياسة البلاد بشكل غير مباشر حيث أنها واظبت على تقديم المشورة للخليفة الذي تولى الحكم بسن صغيرة، وعملت كوسيط بين الشعب والخليفة بعد أن قُدمت لها العديد من الشكاوى ضده.
لكن فترة حكم الخليفة المعز بالله أصبحت من أكثر الفترات تشدداً في الدولة الفاطمية بالنسبة للمرأة، بدأت بإصدار الخليفة أوامر بتنظيم دخول النساء إلى الحمامات، ومنعهن من السير وراء الجنائز، ومنع المسكرات، واللهو والغناء، والنشيد، وحتى الجلوس على الطرقات، والنظر إلى النساء، قراراته شملت كذلك منع النساء من الاجتماع على شواطئ نهر النيل والاختلاط مع الرجال، والخروج في ذكرى مقتل الحسين "يوم عاشوراء" للنواح عليه، ثم ما لبث أن أصدر قرارات تمنع النساء من الخروج ليلاً أو نهاراً، وكذلك النظر من الشبابيك أو الأسطح مع استثناء لبعض النساء المضطرات للخروج، ولاقى هذا القرار رفضاً واسعاً من الشعب المصري، فما كان من شقيقة الخليفة السلطانة ست الملك إلا أن اصطفت إلى جانب حقوق المرأة، واستطاعت في نهاية المطاف إبعاده عن العرش والوصول بابنه الظاهر الذي لم يتجاوز عمره 16 عاماً لسدة الحكم، وبذلك أنهت سبعة أعوام من الحظر الجائر على النساء، وحكمت الدولة الفاطمية بشكل غير مباشر فكان لها دور كبير في إدارة شؤون الدولة حتى وفاتها في عام 415هـ، وخلال هذه الفترة أعادت للنساء حقهن في الخروج من المنازل، ومنحت المساعدات للأرامل والفقراء.
كما ويذكر التاريخ السيدة رصد وهي أم المستنصر التي حكمت بشكل شبه مباشر الدولة الفاطمية، وساعدها في ذلك صغر سن ابنها المستنصر حين استلم الخلافة، وانشأت لها في القصر ديوان خاص لإدارة شؤونها سرعان ما تحول إلى مقر للحكم لكنها كانت أقل حنكة من ست الملك ففرضت الاضطرابات نفسها على البلاد.
وعند الحديث عن التسامح الديني الذي اتسمت به الدولة الفاطمية لا بد من ذكر السيدة العزيزية زوجة الخليفة العزيز بالله، وهي مسيحية، وما لها من دور مهم يشهد له التاريخ في ترسيخ التسامح بين المسلمين والمسيحيين في مصر من خلال عدة مقترحات وافق الخليفة عليها وأهمها تعيين مطراناً في القدس وآخر في القاهرة.
بشكل عام اهتمت الطبقات العُليا بتعليم الفتيات، على عكس الطبقة العامة فالمجتمع أصبح أكثر انغلاقاً بحجة الدين والعادات لذلك لم يحبذ خروج الفتاة أو المرأة بصورة دائمة، وأيضاً لم يكن التعليم منتشراً كما هو عليه اليوم.
وشاركت كافة النساء وخاصة اليهوديات في الحياة الاقتصادية بشكل كبير، كعملهن في البيع والشراء والتجارة بمختلف أنواعها، كما وعملت النساء كقابلات ومزينات للنساء، وفي تغسيل الموتى، وعملن في استطلاع أحوال الناس ونقلها إلى الخليفة، وعملت النساء اليهوديات والمسيحيات كمعلمات للفتيات فن التطريز والخياطة وتعليم التوراة، كما قدمت اليهوديات القروض للمحتاجين مقابل فائدة وهو ما لم تقم به المسلمات لكون الرِبا من المحرمات.
أما في عهد الخليفة المستنصر فوقعت مجاعة استمرت قرابة السبع سنوات (457ـ464هـ) طالت حتى نساء القصر فخرجن ناشرات شعورهن ويصحن من الجوع، فلم يكن من إحدى النساء المصريات إلا أن قامت بانتقاد الخليفة وسط القاهرة، في وقت لم يجرؤ الرجال على انتقاد السلطة وقالت ساخرة بأعلى صوتها "يا أهل القاهرة أدعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه". فما كان من الخليفة حين سمع ذلك إلا أن هدد الوالي بأن يظهر الخبز في الأسواق وإلا ضرب عنقه، فما كان من الوالي إلا أن هدد التجار بأن يوفروا الخبز للناس وبذلك انتهى الاحتكار وتوفر الخبز في الأسواق وبأسعار رخيصة.
وكان للمرأة المصرية سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية الحق في التقدم إلى القضاء لحل قضايا عالقة مثل الأمور المتعلقة بالميراث والزواج والنفقة وحقوق الملكية، بينما تلجأ المرأة التي تدخل الدين الإسلامي للقضاء من أجل معرفة دين ابنائها بعد ذلك فيحكم لها بأن يكون ابنائها على دينها الجديد.
وكانت المرأة المصرية لا تسكت عن حقها فكانت تقدم شكوى ضد زوجها الذي يضربها ويعنفها، وتطالب بمسكن شرعي ونفقة منه، وبإمكانها أيضاً المطالبة بعدم دخول أقارب الزوج الذين قاموا بإهانتها إلى منزلها.
لكن للأسف استمرت ظاهرة وجود الجواري في الدولة الفاطمية وكان الخليفة والوزراء يحظون بعدد كبير من منهن، فمثلاً كان لابن كلس وزير الخليفة العزيز 600 محظية ولأبن بدر الجمالي 800 جارية منهن 50 محظية، كما اشترت العديد من الأميرات الجواري من مختلف الجنسيات لخدمتهن، كانت مصر من أكبر اسواق الرقيق في القرن الرابع الهجري، مع العلم أن للجواري حق امتلاك المال ووجد لدى بعضهن ثروة كبيرة بعد موتهن.
ولم يقتصر عمل بعض الجواري على الخدمة أو كعشيقات ومغنيات وراقصات، بل إن بعضهن ساهمن في الأعمال الرئيسية في القصر.
بعض الجواري لقُبنّ بقهرمانة وعملنَّ في أعمالٍ تتعارض وكونهن جاريات، من هذه الأعمال التدخل في شؤون الجيوش.
منهن المثقفات اللواتي يدرسن الطب والموسيقى وعلم الفلك، وعملت بعضهن كسكرتيرات للخليفة، والإشراف على خزائن الملابس.
ولم يختلف عمل الجواري عند بقية طبقات المجتمع عن عمل الجواري في القصر فكن يعملنَّ في أعمال المنزل وتربية الأطفال.
وتقيد الفاطميون بتعاليم الإسلام فيما يخص تقدير الأم بشكل خاص لما كرمها به الإسلام ورفع مكانتها مقارنة بالأب فكان الأبناء يُقبِلونَ يديها ويطلبون منها الرضى، وكان يتم التأكيد على احترام الزوجة ومعاملتِها معاملة حسنة واعتباره شرطاً من شروط الزواج، كذلك كان للأم مكانة خاصة عند اليهود وكانوا يُقَبِلونَ يديها ويدعونها بـ سيدتي ولها الحق في اختيار التعليم لأبنائها.
زواج القاصرات كان موجوداً واستمر، والفتاة لم يكن يحق لها الاختيار في كثيرٍ من الأحيان ويخضع ذلك لأهواء عائلتها. تشابهت عقود الزواج للمسلمين وغيرهم من الديانات، ودرئاً للخلافات التي من الممكن أن تنشأ بين الزوجين أعطي الحق للمرأة في وضع شروط ترتئيها بعقد الزواج كما ويحق لها فسخ هذا العقد في حال لم ينفذ العريس أو الزوج الشروط المتفق عليها.
تَميزَ عصر الدولة الفاطمية بالتسامح مع أهل الذمة فكانت المرأة المسيحية تمارس عباداتها وتصلي في الكنسية التي تحثها على التحلي بالأخلاق، وعدم مخالطة الرجال وإطاعة الزوج، وكذلك واظبت النساء اليهوديات على الذهاب إلى الكنيس والقيام بأعمال خيرية.
المماليك
عند الحديث عن المرأة المصرية في العصر الإسلامي لا بد من إلقاء الضوء على فترة مهمة من التاريخ المصري عموماً وهي فترة حكم المماليك الممتدة ما بين عامي (1250ـ 1517م).
عاشت نساء القصور حياة مترفة أكثر مما عاشته نساء الدولة الفاطمية، أما في الحياة العامة فإن وضع النساء تباين تِبعاً لأمزجة السلاطين، فمنهم من قدرها ومنهم من أهانها، وممن قدروها السلطان الظاهر بيبرس الذي تنكر في إحدى المرات ونزل ليتفقد أحوال العامة، ووجد مجموعة من الرجال يحاولون الاعتداء على امرأة، فأصدر بحق الولاة واصحاب السلطة عقوبة قطع أيديهم لتهاونهم في المحافظة على نساء المدينة. في حادثة ثانية قام السلطان قانصوة الغوري بضرب ثلاثة من المماليك الذين تجرؤا على خطف ثلاث نساء، وأمر بجمع مرتبات جميع موظفي الدولة واعطائها كتعويض لهن.
ينقل لنا التاريخ بالمقابل أن أحد سلاطين المماليك أقدم على ضرب امرأة وشهّر بها بأن أمر بحملها على حمار، ووضع زنجير حول عنقها، ومنهم من فرض مبالغ كبيرة على بعض النساء بحجج واهية بهدف مصادرة أملاكهن.
ولم تسلم الجاريات من المعاملة السيئة باعتبارهن ملك لصاحبهن وله الحق في التصرف بهن كيفما يشاء، ومن أشهرهم السلطان حاجى بن السلطان الأشرف شعبان الذي كان يضرب جواريه ضرباً مبرحاً ويهينهن بالألفاظ البذيئة.
كان باستطاعة النساء حضور مجالس الدين والعلم، كن يجلسن في مكان منفصل عن الرجال. من النساء من عملن في الترجمة والنحو ونظم الشعر أمثال فاطمة المعروفة بستيتة ونضار أم العز، وساهم بعضهن في نقل الحديث النبوي وأطلق عليهن أسم "محدثات".
الأعمال التي لها خصوصية بالمرأة كـ ماشطات وواشمات وقابلات علمت بها معظم النساء. في الدولة المملوكية انتشرت المغنيات والعازفات، وكثر عدد البغايا ويطلق عليهن أسم "بنات الخطأ والخواطئ"، وكانت الدولة تعترف بعملهن وتفرض عليهن الضرائب لكن الظاهر بيبرس حاول الحد من هذه الظاهرة فمنع البغاء في سائر البلاد، وأمر بسجن البغايا حتى يتزوجن.
وحصلت المرأة في الدولة المملوكية على حريات واسعة فكانت تخرج في أوقات متفرقة من الليل والنهار، وتجلس النساء على حوانيت الباعة، كان باستطاعتهن أيضاً الخروج إلى شاطئ النيل وغيرها من الممارسات التي استنكرها الفقهاء ورجال الدين واشتكوا بذلك للسلاطين، فما كان من محتسب القاهرة (وهو منصب يشابه وزارة الاقتصاد في وقتنا الحاضر) ويدعى صدر الدين أحمد بن العجمي إلا أن أصدر قرارات تقضي بعدم خروج النساء إلى الطرقات والأسواق والنزهات.
وتبعه قرار يمنع جميع النساء من مغادرة منازلهن ومن تخالف القرار تواجه عقوبة الموت، وهذا ما يذكرنا بالحادثة التي وقعت في العصر الفاطمي عندما أمر الخليفة بمنع النساء من الخروج من منازلهن مدة استمرت لسبع سنوات، فكانت النتيجة أن كسدت البضائع المتعلقة بالنساء، وازداد الوضع المعيشي سوءاً لأولئك اللواتي يعشن على طلب الصدقة في الشوارع وكبيرات السن اللاتي لا معيل لهن.
استمرار سوء أحوال العامة سمح بخروج الإماء وهن من العبيد إلى الأسواق لابتياع الحوائج، وكذلك خروج العجائز إلى أعمالهن، وارتياد الحمامات شريطة أن يكون ذلك في وضح النهار.
الزواج خضع للعائلة بشكل كبير، الأهل يتحكمون بمصير الفتاة التي لا تملك حق اختيار زوجها ولا يؤخذ رأيها حتى، وكان البذخ في الأعراس سمة في فترة الحكم المملوكي، كما أن المصريين استمروا في الزواج بأكثر من امرأة، واستمر الحكام بامتلاك الجواري إضافة لزوجاتهم.
واستُخدمت المرأة أداة في السياسة من خلال ما يعرف بالزواج السياسي بشقيه الداخلي والخارجي، كان أشهرها زواج الظاهر بيبرس من أبنة أحد قادة المغول؛ في سبيل تقوية العلاقات ما بين المماليك والمغول للوقوف في وجه تحالفهم مع الصليبيين الذي شكل خطراً على وجود المماليك في مصر والشام.
نذكر أيضاً زواج السلطان المنصور قلاوون من أشلون خاتون المغولية التي عرفت فيما بعد بأم الناصر، وزواج الملك الناصر محمد من أخت أزبك خان المدعوة طولوبيه بهدف إكمال مسيرة من سبقه من السلاطين لتوطيد العلاقة بين الدولة المملوكية وبين القبائل التركية المعروفة بالقفجاق، وكذلك العديد من الزيجات التي هدفت إلى تطبيع العلاقات مع الدولة المملوكية.
من أكثر الأسماء شهرة للنساء في الدولة المملوكية شجرة الدر التي حكمت مصر ثمانين يوماً فقط؛ بسبب الرفض الكبير الذي لاقته لكونها امرأة، استلمت الحكم بعد موت زوجها وكانت البلاد تمر بوقت عصيب، كان لويس التاسع قد حشد قواته واتجه نحو الحدود المصرية، استطاعت شجرة الدر إدارة المعركة بحنكة كبيرة والانتصار بعد أن احتجزت لويس التاسع وبذلك انهت الوجود الصليبي في البلاد الواقعة تحت حكمها.
رغم هذا الإنجاز الكبير أطاحت الذهنية الذكورية بحكمها، أرسل الخليفة العباسي رسالة مستفزة إلى المماليك يقول فيها "إن لم يكن لديكم رجال في مصر نرسل أحد رجالنا" وهي العبارة التي ما زالت تلاحق النساء حتى يومنا هذا إذا ما استطاعت إحداهن الوصول إلى أكثر مما يعتبره المجتمع الرجعي حقاً للمرأة.
وما عدا شجرة الدر حكمت الكثير من نساء السلاطين البلاد من خلال المشورة لا أكثر أو ما يمكن القول عنها "القوة الناعمة" لكن لم تحكم النساء بشكل فعلي والألقاب التي حصلت عليها بعض النساء مثل سلطانة أميرة وغيرها لا تعدو كونها جاءت لصلة القرابة التي تربطهن بالسلاطين.
سناء العلي
https://www.youtube.com/watch?v=H9JLuQQrCEw