المرأة المصرية سيدة التاريخ ترزح تحت وطأة الذهنية الذكورية (2)
تأثرت مكانة المرأة في مصر بعد اختلاط الحضارة المصرية بحضارات أخرى، إضافة للتغيير الكبير في بنية المجتمع والذي بدأ مع ظهور الديانات السماوية والتطبيق الصارم لتعاليمها فيما يخص المرأة والعائلة
المرأة المصرية في حضارات ما بعد الفراعنة
مركز الأخبار ـ ، وهكذا بدأ التمييز بين الرجال والنساء في الحضارة الأعرق والأكثر تميزاً بالنسبة للنساء، ومن أبرز المؤثرات على حياة المرأة المصرية ومكانتها:
العصر البطلمي والدين اليهودي
يعد العصر البطلمي امتداد لعصر الفراعنة رغم أن البطالمة الذين حكموا مصر ليسوا من أصول مصرية، وبدأ هذا العصر بدخول الإغريق بقيادة الاسكندر المقدوني (الاسكندر الأكبر) لمصر عام (332 ق.م) حاملين معهم النظام الأبوي والقوانين الاجتماعية الصارمة تجاه المرأة كما هو معروف لدى الإغريق، لكن المجتمع المصري ظل محافظاً على مكانة المرأة واستمرت زوجات الملوك بمشاركة أزواجهن الحكم تماماً كما كان عليه الحال خلال العصر الفرعوني، كما واستمرت في مشاركته للقبه الإلهي ومنهن الملكة "بِرينيكى" التي كانت لها مشاركة فاعلة في إدارة شؤون الحكم مع زوجها بطليموس الأول، إضافة للملكة "كليوباترا" الغنية عن التعريف والتي انتهى عهد البطالمة أو العصر البطلمي بموتها.
لم تتأثر مصر بتقاليد الإغريق إلا بشكل طفيف فاحتفظت المرأة بحقوقها كاملة واستمر تعليمها وحريتها ومساواتها مع الرجل كما كان عليه الوضع قبل دخولهم مصر، وعلى عكس الإغريق كان للمرأة حق مقاضاة الرجل والتبني وتحرير العبيد وامتلاك الأراضي والمنازل، إضافة لأنها استمرت كشاهدة على عقود الزواج والطلاق.
بدأ تأثير آخر يلقي بظلاله على المجتمع المصري وهو الدين اليهودي الذي انتشر بعد أن اعتنقه عدد من المصريين قدر عددهم بعض المؤرخين بحوالي 10 بالمئة من السكان استقروا بشكل أساسي في المناطق القريبة من الاسكندرية.
تأثر الدين اليهودي بشكل كبير بالحضارات المصرية القديمة والأنبياء الأسبقين مثل يوسف، فعند اليهود لا ترث المرأة إن كان لديها أخوة ذكور وهذا التشريع عائد إلى زمن النبي يوسف حيث يذكر العهد القديم "التوراة" حادثة نساء من عشيرة "منسى بن يوسف" اللواتي طالبن بحقهن من ميراث ابيهن بعد وفاته ولم يكن لديهن أخوة فنزل التشريع بأن "أيما رجل مات وليس له أبن تنقلون ملكه إلى ابنته".
ورغم أنه لا توجد من سيرة النبي موسى ما يؤكد التفرقة بين الجنسين إلا أن تعاليم وتشريعات العهد القديم فرقت بين الرجال والنساء، وطبقت بهذا الشكل على كل من اعتنق اليهودية تلك التعاليم التي جمعت بين السلب والإيجاب، حيث استمر العمل بالقانون الأمومي الذي يعتبر الأم أساس الأسرة من خلال اعتبار أن اليهودي لا يكون يهودياً إلا إذا ولد لأم يهودية، ومع ذلك ينسب الأبن لوالده، وبشكل عام كان للرجل الكفة العليا في مختلف شؤون الحياة وأعطي حق الطلاق متى يحلو له ذلك بغض النظر عن رأي المرأة.
كما فقدت المرأة حق التملك والإرث إلا في حال موت الزوج دون أن يكون له أولاد يرثونه، ومع ذلك لا تملك المرأة حق اختيار زوج جديد بل عليها عدم الزواج من رجل خارج القبيلة لضمان عدم تشتت الإرث.
وبدأ يظهر مفهوم الشرف المرتبط بالعذرية والتأكيد على عذرية الفتاة دون التركيز على علاقات الرجل، واحتفظ الدين الجديد ببعض مفاهيم المجتمع المصري القديم الذي يحتقر المرأة الزانية أو التي تعمل في البغاء دون التفات للرجل الذي يقوم بذات الفعل، كما ويبيح جرائم الشرف بحيث يعطي الحق للزوج بقتل زوجته إذا وجدها بعلاقة غير شرعية برجل آخر أو مجرد الشك بذلك، وهناك احتقار كبير للمرأة فالحائض تعتبر نجسة هي وكل شيء تلمسه حتى أولادها إلى أن تتطهر، هذا لا ينفي وجود هذه الممارسات بحجة الدين حتى الآن رغم أن اليهود المصريين اليوم أقل تمسكاً بهذه التعاليم.
ومن الغريب أن التشريعات اليهودية التي جاءت قبل آلاف السنين نصت على إلزام الرجل الذي يقيم علاقة مع فتاة غير متزوجة بالزواج منها وعدم تطليقها طوال حياته، وهي معضلة كبرى منتشرة في العصر الحديث خاصة في الشرق الأوسط وتعد مشكلة تؤرق النساء والحقوقيات؛ لأنها تجعل المرأة تحت رحمة مغتصبها مجبرة على الزواج منه والعيش معه بحكم العادات والتقاليد مدعومة بقوانين الدول.
العصر الروماني والمسيحية
بدأ العصر الروماني بالقضاء على البطالمة وانتحار الملكة كليوباترا، وامتد في الفترة (31 ق.م ـ 395م)، ولم تحكم مصر خلال هذه الفترة أي ملكة لأن مصر تحولت إلى مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية.
المرأة عند الرومان لم يكن لها أي قيمة تعد مجرد خادمة للرجل وأداة للإغواء، وبذلك هي صورة عن الشيطان كما يعتقدون، ووصل بالرومان احتقار المرأة حد وضع قفل على فمها لعدم سماع صوتها.
لا يمكن القول إن المجتمع المصري لم يتأثر بمعاملة الرومان للمرأة حتى وإن كان هذا التأثير طفيفاً، ومن أبرز علامات التأثر أن المرأة فقدت حقها في التعليم الذي احتفظت به أثناء حكم الإغريق، وفقدت الكثير من أوجه المساواة مع الرجل أمام القانون كما بدأ مسلسل الخضوع لسلطة الرجل يظهر في المجتمع المصري ولو بشكل جزئي وغير ملحوظ في البداية.
ولم يكن للمرأة أي دور في السياسة أو استلام المناصب، سحبت منها جميع صلاحياتها في المعبد وجردت من مناصبها الدينية بعد أن احتكر الرجال أرقى المناصب، واقتصرت حقوقها على إدارة أملاكها.
وبعد أن كانت المرأة سيدة مصر ومعبودتها أصبحت مجرد ربة منزل وفي أحسن الأحوال استطاعت العمل خارجه كقابلة ومزينة وممرضة وخادمة، كما عملت العديد من النساء كفلاحات وهذا العمل هو الأسوأ من حيث المردود فمن المعروف أن من يعمل في أرض العائلة لا يأخذ أي أجر.
غير أن روما لم يكن لها أن تغير التقاليد الموجودة في البلاد بشكل جذري لأن همها الأول كان الاستيلاء على خيرات البلاد من محاصيل زراعية وثروات معدنية وغيرها، كما أبدى المصريون القدماء مقاومة للعادات الوافدة إلى مجتمعهم وبذلك حافظت المرأة على بعض حقوقها كما ظل اليهود محافظين على تعاليمهم.
التأثير الأبرز والذي ما يزال موجوداً حتى الآن هو التأثير الديني ولأن مصر كما قلنا كانت مهد الديانة اليهودية فإن تعاليم الدين اليهودي من أبرز المؤثرات على حياة المرأة المصرية، ذلك قبل أن ينتشر الدين المسيحي في البلاد، فعندما دخل الدين المسيحي إلى مصر في منتصف القرن الأول الميلادي كانت البلاد تعج بعدد كبير من الديانات منها الفرعونية القديمة والرومانية واليهودية، فلم يكن من أصحاب هذه الديانات إلا أن اضطهدوا معتنقي المسيحية رجالاً ونساء، لكن المسيحية نمت وانتشرت رغم ذلك خاصة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس عشر.
وللدين المسيحي تأثير كبير على وضع المرأة المصرية وبنظرة معمقة على تعاليم المسيحية فيما يخص دور المرأة في المجتمع والعائلة نجد أن النبي عيسى عامل النساء معاملة حسنة ولم يبدي أي تحيز لجنس دون آخر لكن ممارسات رجال الدين الذين ظهروا بعد ذلك كرست مفاهيم عديدة منحازة للرجال منها احتكار المناصب الكهنوتية التي لم تكن موجودة أصلاً في عهد عيسى كـ "البابا، الأسقف، البطريرك"، وأصبحت تقليداً يتم العمل به إلى اليوم رغم أن النبي عيسى وخلال حياته لم يقل صراحة باستئثار الرجال على النساء في الحياة الدينية أو الدنيوية.
كما أن اليهودية تأثرت بالثقافات الموجودة فإن المسيحية تأثرت كذلك بالثقافات الأبوية الموجودة في مصر آنذاك وهما الثقافة اليونانية والرومانية، كما وأن كتابة الإنجيل بعد موت عيسى تفتح الباب واسعاً أمام أحقية مناقشة التمييز بين الجنسين والتساؤل عما إذا اضيفت له عادات وتقاليد من المجتمع ليست من أصله، دون التشكيك بعدالة الدين المسيحي تجاه المرأة وإثارة المتدينين المسيحيين.
سناء العلي
رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=H9JLuQQrCEw