الفنون المتنوعة... إبداعات نسائية جديدة

بمرور الزمن انحصر دور المرأة الموسيقي في إيران وتقيدت بعدد من المحددات، التي تحولت إلى فرصة لخلق تجربة إبداع نسائية جديدة بالنسبة إلى البعض.

مركز الأخبار ـ شغلت المرأة الإيرانية مكاناً بارزاً في تاريخ الموسيقى في إيران. كل من يشاهد رسومات المنمنات الإيرانية التي تعود لأزمنة مختلفة وبعيدة، يرى المرأة تمسك بقيثارتها أو بقانونها فتعزف وتغني في زمن كان الفن فيه جزءاً من حياة بلاد فارس.

 

الغناء والرقص... قائمة المحظورات

"روح الشرق الساحرة" بهذا عرفت الموسيقى الفارسية منذ القدم، شكلت وما زالت أحد الروافد الأساسية في ثقافة الشعوب، وما المنحوتات والرسومات القديمة المتعلقة بحضارات متعددة إلا دليل على ذلك، فبحسب المؤرخين شوهدت عدة فسيفسائيات من العهد الساساني تشير إلى أن المرأة كان لها دور في نشر الموسيقى والغناء والرقص منها لوحة فنية لفتيات شكلنَّ فرقةَّ يعزفنَّ في قصر جهلستون بأصفهان خلال القرن السابع عشر.

مع نهاية القرن الرابع عشر دخلت الموسيقى في إيران فترة من التراجع، ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية الفترة القاجارية وبداية الدستورية لم تزدهر الموسيقى في إيران، وقد أوتي على ذكر وجود موسيقيات محترفات في مؤلف "تاريخ أزدي" لسلطان ميرزا الدولة منهنَّ "شاهفيردى خانم، كلباخت خانم تركماني وكوجاك خانوم التبريزي".

كان أول تسجيل صوتي للمغنيات في إيران خلال فترة القاجار. قمر الملوك وزيري من أوائل المغنيات اللواتي سجلن أصواتهن، وهي أول مغنية إيرانية تقف على خشبة المسرح من دون حجاب، أخرجت الموسيقى الفارسية الكلاسيكية للعلن من خلال استحداثها وإضافة أنماط جديدة عليها.

بينما الكردية حيران خانم دنبولي وهي ابنة كريم خان دنبولي حاكم وأحد كبار وجهاء مدينة خوي شرق كردستان، وقد جاءت بعض الكتب والمجلات على ذكر القليل من المعلومات عنها، تركت في مسيرتها الفنية ديواناً مؤلفاً من خمسة آلاف بيت وقصائد مكتوبة بكل من اللغة الكردية، الفارسية والآذرية.

ولدت حيران خانم دنبولي في نخشفان وعاشت فترة طويلة في أورمية بشرق كردستان، بعدها هاجرت إلى تبريز. على الرغم من توفر بعض المعلومات التي تتحدث عن تاريخ ولادتها ووفاتها إلا أنه لم يعرف بعد مدى صحة هذه المعلومات. الشيء الوحيد الذي عُرف عنها أنها عاشت حوالي عام 1831. لم يتوفر سوى القليل من المعلومات تخص قصة حياة حيران خانم وتجاربها في الحياة.

فيما اتخذت زينب خان مكانة مهمة في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية، وناضلت من أجل قضايا شعبها وجنسها للحصول على حرياتهم ومساواتهم، وكانت هي الشاعرة والمُدرسة لشقيقها الشاعر المعروف يونس رؤوف دلدار.

ولدت زينب خان في الحادي والعشرين من شهر آذار/مارس عام 1900 في حي برفيقند في مدينة كوي بإقليم كردستان. كبرت زينب خان الأخت لستة أخوة ذكور ضمن عائلة مثقفة. تنحدر من عائلة حاجي قادر كوي والدها هو ملا رؤوف أفندي كان أيضاً شاعراً معروفاً. كل هذا كان له تأثير على زينب خان ليبدأ ويزداد اهتمامها وشغفها منذ الصغر. عملت في إذاعة بغداد وسجلت أغاني كردية بصوت كل من مريم خان وألماس خاني.

بعد الثورة الإسلامية عام 1979 فرضت قيود عدة على كافة المجتمع، أجبرت النساء على الالتزام بقواعد منعتهن من ممارسة الفنون المختلفة منها الرقص والموسيقى الغربية، قبل أن يتم التخفيف من الحظر بشكل تدريجي كانت النشاطات الموسيقية ممنوعة للنساء والرجال. كان يسمح لهنَّ الغناء في أداء منفرد أو جماعي وسط حضور من النساء فقط.

مرت الموسيقى بعد الثورة الإيرانية بعدة اختبارات، ففترة الرئيس محمد خاتمي (1999ـ2005) شهدت انفتاحاً، فيما عادت للانزواء مرة أخرى في عهد محمود أحمدي نجاد (2005ـ 2009)، لتخف القيود من جديد في عهد الرئيس الحالي حسن روحاني.

كان للتراث الغنائي الإيراني حصة للطفو على السطح من جديد بل تم التركيز على الموسيقى التقليدية الكلاسيكية بينما بقيت الموسيقى الغربية ممنوعة بشكل كامل حيث تعتبرها السلطات الإيرانية غزو ثقافي.

من أبرز المغنيات اللواتي قدمن الموسيقى الكلاسيكية الفارسية فاطمة واعظي من مواليد عام 1950، التي تعد من أبرز مغنيات الفن الفارسي الكلاسيكي في إيران، أقامت حفلات غنائية برفقة فرقة أوركسترا الإناث، شهرتها وموسيقاها تخطيا الحدود الإيرانية وانتشرت على نطاق واسع في أوروبا والولايات المتحدة وتعرف هناك بـ "باريسا" قائدة فرقة أوركسترا الإناث. بالإضافة إلى مريم أوخوندي (1986) مؤسسة فرقة بارباد، وسيمين غانم.

تخوض الفتيات والنساء نوعاً من الحرب الثقافية ضد السلطات الإيرانية متحديات المحظور. فلا يمكنهن الغناء وإقامة الحفلات أمام الرجال، تعتقد المغنية الإيرانية نوفا دجانجوك أن القوانين الإيرانية تمييزية وعنيفة تمنع النساء من الغناء، ومن بينها اشتراط وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في البلاد على أن يكون عدد النساء أكثر من امرأتين.

تعرضت الموسيقى ككل إيران لتقلبات السياسة على مدى العصور الماضية، تراجعت كثيراً مع دخول الإسلام للبلاد، وتراجع دور المرأة معها، وعاد وصعد في وقت لاحق، ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979، تراجعت الفنون بشكل عام بسبب التخبط الذي دخلت فيه البلاد، إلى أن تحقق الاستقرار السياسي نسبياً بعد سنوات، وأصبحت المرأة اليوم جزءاً من الفنون الإيرانية لا يمكن الاستغناء عنه، وفي الموسيقى بالذات توجد أسماء معروفة من قبيل "فوزية مجد، فريماه صدري، ليلى أفشار" وغيرهن، ممن قدمن موسيقى مختلفة للمستمعين.

كما استطاعت كل من نازنين أقاخاني ونزهت أميري اقتحام عالم كان مقتصرا على الرجال، ويقل فيه عدد السيدات في العالم برمته، فاستطعن أن يعملن كقائدتين لفرق أوركسترا موسيقية معروفة، فدربت نازنين أقاخاني فرقة أوركسترا طهران الوطنية للفنون الكلاسيكية، وتسلمت نزهت أميري فرقة مضرابي، وجاءت تجربة نايريكا من بعدهما، لتمسك الفنانات الإيرانيات بكل ما يخصها من الألف إلى الياء وليقدمن ما هو مختلف للجمهور في البلاد.

نجحت فرقة "نايريكا" الإيرانية في أن تكون الفرقة الإيقاعية الموسيقية الأولى التي تضم عازفات ومغنيات وحسب، وقد لا يكون هذا إنجازاً مختلفا في إيران، فهناك عدد من الفرق الموسيقية التي تتكون من السيدات وحسب، لكن نايريكا هي الفرقة الأولى في التأسيس، والوحيدة التي استطاعت أن تحصل على كل التراخيص القانونية، لعرض موسيقاها على الجمهور بكافة شرائحه من النساء والرجال على حد سواء، حيث تقدم حفلات فرق السيدات عادة للنساء فقط.

تضم هذه الفرقة ما يزيد عن ثلاثين عازفة ومغنية من مختلف الأعمار، احترفن استخدام الآلات الموسيقية الإيرانية التقليدية، الوترية منها والإيقاعية، من قبيل الدف، تنبك، سنتور، تار وسه تار، واستطعن خلال السنوات الماضية أن يخلقن آثارا فنية خاصة بهن نالت رضا الجمهور واستحسان المعنيين.

حضرت "نايريكا" في مهرجانات موسيقية وفنية عديدة، وحصلت عازفاتها ومغنياتها على المرتبة الأولى في مهرجان "أواي مهر"، وأجرين حفلات عديدة في أغلب الراديوهات الإيرانية، وفي السفارة الفرنسية في طهران وهو ما زاد من شهرتهن، وقبلن بمهمة عزف الموسيقى التصويرية لعدد من المسلسلات الإيرانية.

إحدى الصعوبات الأخرى، التي تواجه المرأة الإيرانية في عالم الموسيقى، تتعلق بمنع النساء من الغناء المنفرد على الملأ، فإما أن تغني إلى جانب الرجل، أو أن تغني عدة نساء مع بعضهن البعض، وفي نايريكا تم تجاوز الموضوع بطريقة جديدة، حيث تغنين مع بعضهن لتعلو أصواتهن فوق أصوات الإيقاع أحيانا، أو تردد واحدة منهن ألحانا فلكلورية بلغة إحدى القوميات الإيرانية، فتقدمن بالتالي نوعا فريدا من الغناء الممزوج بين الحضارة والثقافة والموسيقى الكلاسيكية الإيرانية.

وإيفاءً لتلك الشروط استطاعت فرقة "دينغو" النسائية أيضاً والتي أنشأت في أواخر عام 2016 من قبل مليحة شاهين وفايزة محسن، تحصيل موافقة رسمية، لينضم إليهن فيما بعد نيغين ونوشين يوسف زاده.

في البداية كانت الفرقة تقدم عروضها لجمهور من النساء فقط، لكن فيما بعد في تموز/يوليو 2018 استطاعت الفرقة تقديم عرض لجمهور مختلط على أحد مسارح مدينة بندر عباس في مهرجان العود في شيراز جنوب إيران.

ولا تقتصر القيود على الحكومة بل على ثقافة المجتمع الإيراني والتقاليد الدينية التي تحد بشكل كبير من إمكانات تقديم أداء غنائي نسائي في مكان عام على الرغم من أن القوانين الإيرانية لا تمنع النساء من الغناء منفردات في الأماكن العامة، وتستمر الحكومة في ملاحقة النساء اللواتي يغنين، ودأبت على معاقبة الرجال الذين يشتركون معهن. ففي عام 2019 قدمت المغنية الإيرانية نيغار معظم، أغنية منفردة أمام السياح في قرية أبيانة بأصفهان وهي ترتدي زياً تراثياً، هذه الأغنية كانت سبباً في استدعائها للتحقيق امام النيابة ورفع دعوى قضائية ضدها.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الرقص، فهو يعد محرم على المرأة في إيران وخاصة أمام رجال من المحرمات، إلا أنه في عام 2014 تحدت ثلاث فتيات السلطة بمشاركتهن الرقص مع ثلاث شبان على أنغام أغنية "Happy" للمغني فاريل ويليامز، ونشروا مقطعاً مصورا على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "Happy in Tehran"، إلا أنه قوبل باعتقالهن وفرض عليهن الحكم بالسجن و91 جلدة.

إلا أن ذلك لم يوقف من عزيمتهن على تحدي السلطات، فبعد عدة أشهر رقصت شابة إيرانية أخرى لم يتم تحديد هويتها على متن قطار في العاصمة الإيرانية طهران، وقد صورها الركاب وانتشرت مقاطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران.

كما ونشرت الناشطة مائدة حجابري فيديوهات على صفحتها انستغرام وهي ترقص على أنغام الموسيقى الإيرانية والعالمية، إلا أنها اعتقلت واجبرت على الظهور في فيلم وثائقي على التلفزيون الحكومي وتقديم اعتراف بارتكابها "ذنب مخالفة المعايير الأخلاقية"، وعلى إثرها رفعت عدة فتيات إيرانيات حملة تضامن مع الناشطة من خلال هاشتاغ "الرقص ليس جريمة" وآخر باسمها، وقد رقصت هؤلاء الفتيات في تحد للسلطات.

 

الفن التشكيلي مرآة المرأة الإيرانية وقضاياها

تعتبر رقة المرأة ومعاناتها من أهم عوامل اهتمامها واتجاهها للفنون وعلى الأخص الفن التشكيلي، الكثير من الفنانات التشكيليات اتجهن إلى ميدان النضال من أجل حقوقهن وإبراز معاناتهن عبر لوحاتهن وأعمالهن، ومن بين هؤلاء الفنانات شيرين نشأت التي صورت الوجوه والأقدام في لوحاتها بأسلوب مباشر جعلها تبدع في إيجاد اتصال مؤثر بين الموضوع والمشاهد.

تركز أعمال شيرين نشأت التي ولدت في مدينة قزوين بشمال غرب إيران عام 1958، الفنية على وضع المرأة الإيرانية التي عانت من مجتمعها في فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية، كما وركزت على التناقضات بين "الأنوثة والذكورة، الحياة العامة والخاصة، العصور القديمة والحداثة" وسد الفراغات بين تلك الموضوعات.

كما وطرحت الفنانة التشكيلية والمصورة الفوتوغرافية سارة نيروبخش من خلال أعمالها الإبداعية قضايا المرأة وحقوقها ومعاناة المرأة الشرقية في كونها حاضنة للأجنة ومسؤولة عن الاعتناء بأسرتها في مجتمع محافظ محكوم بسلطة رجال الدين كالمجتمع الإيراني، حيث عرضت أعمالها تلك بمعارض في طهران العاصمة رغم التابوهات الدينية.

الإيرانية مكرمه قنبري تعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في الشرق الأوسط، حتى أنها عرفت بـ دافنشي إيران، جسدت من خلال لوحاتها معاناتها والنساء اللواتي تزوجن وهن قاصرات، وحولت قصص النساء التي تم تداولها في القرى إلى لوحات فنية.

ما من قانون يمنع ممارسة الفتيات للفن التشكيلي، إلا أن البلاد تفرض عدداً من القيود بحق الفنانات والفنانين على حد سواء. تحدد الجامعات المواضيع التي يمكن للطلاب العمل في إطارها وتمنع رسم جسد امرأة أو نحته، وإن برزت على لوحة أو تمثال فذلك لأنها تمثل الأم أو زوجة الشهيد، حيث يرى البعض في ذلك تكريماً لها.

معصومة سيحون (1943ـ 2010) أول امرأة افتتحت صالة عرض باسم "سيحون" في إيران وذلك في عام 1966 ويعد المعرض الفني الأطول عمراً في البلاد، تخرجت من كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران.

 

غداً: انتفاضة النساء نقطة تحول في إيران... حقوق المرأة إلى أين تتجه؟