الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(5) "الإلهة سافوشكا" تمثل كلاً من المرأة والرجل
تركت النساء اللواتي يمثلن الحقيقة في أنفسهن وهويتهن بصمتهن على الحضارات واستطعن الاستمرار وإثبات وجودهن كجذور للحضارة الديمقراطية
.
وعلى بعد خطوة نجد آثار الثقافة الإلهية الأكثر خبرة وحكمة موجودة في مدينة سري كانية/رأس العين التي احتضنت الحضارة الميتانية؛ فهل كنتم تعلمون أن آثار الإلهة سافوشكا (ساووشكا) الممثلة الرئيسة للحرب والعشق والبركة لا تزال موجودة في هذه الأماكن منذ القديم وإلى يومنا الحاضر؟.
يعتقد أنها كانت تملك تأثيراً هاماً وكبيراً على العقيدة في المناطق التي انتشرت فيها الثقافة النيولوتية.
ووفقاً لبعض المصادر فإن سافوشكا كانت النموذج الأولي الأصلي للأسماء الأكثر شهرة في مصر وبلاد ما بين النهرين مثل عشتار وإنانا وإيزيس.
أما السمة الأكثر خاصية لسافوشكا التي تمثل الحرب والعشق والبركة كان ظهورها أحياناً كرجل وأحياناً أخرى كامرأة في تماثيلها وصورها المنقوشة. يمكن تفسير ذلك على أنها مساواة بين الجنسين في ثقافة الآلهة.
حكم الميتانيون ما بين أعوام 1300ـ 1500 ق.م، عاصمتهم تقع ضمن حدود شمال وشرق سوريا مدينة سري كانيه/رأس العين التي كانت تعرف آنذاك بحضارة مدينة واشوكاني.
في نظام معتقدات الميتانيين الذي يعتبر امتداداً للهوريين، توجد العديد من الآلهة والملكات، إلا أن المصدر الثقافي الذي يُغذيهم جميعاً هو سافوشكا.
تنحدر سافوشكا من الأصول الهورية ويروى أنها أخت تشوب إله الرياح والأعاصير.
في القرن الخامس عشر قبل الميلاد كانت سافوشكا بالإضافة إلى تأثيرها كممثلة للبركة تمثل أيضاً قوة الحرب وتم تصويرها بالأسلحة. وبحسب ما يعتقد فإن فترة عقيدة سافوشكا القوية كانت معاصرة لفترة صعود دولة الميتانيين وقد اختارت هذه الحضارة سافوشكا إلهة رئيسة لها.
في الألواح التي تعود إلى ذلك الوقت تم تصوير قوات الجيش الميتاني وهم يصلون في معبد سافوشكا ويدعون لتمنحهم الشجاعة والقوة قبل ذهابهم إلى الحرب.
نرى سافوشكا في تماثيل ذلك الوقت بملابس النساء عندما تمثل البركة، وبملابس الرجال عندما كانت تمثل الحرب.
بعد الميتانيين وبالتحديد في مدينة الحسكة بشمال وشرق سوريا وبالقرب من مدينة سيكان القديمة التي احتضنت الأكاديين، وفي بداية القرن العشرين تم العثور على تماثيل سافوشكا إثر أعمال الحفر والتنقيب في تلك المناطق ولكن سُرقت هذه التماثيل ونقلت إلى أمريكا.
مع مرور الوقت لوحظ أن سافوشكا أثرت على بلاد ما بين النهرين والحضارة الحيثية الأمر الذي يمكن اكتشافه ورؤيته من خلال التماثيل والمعابد التي تعود إلى تلك الحقبة الزمنية.
كانت سافوشكا تحتل المرتبة الأولى عند الميتانيين والهوريين والحيثيين من حيث تقديم القرابين لها. ذُكر في كتابات ذلك الوقت أن اسمها كان "ابنة السماء والبرية".
إذا ما تم الحفر والتنقيب في مدن روج آفا يمكن العثور على العديد من رسومات وتماثيل سافوشكا.
وفقاً لتصاوير ورسومات المعبد التي رُسمت على الصخور من قبل الحيثيين تظهر سافوشكا بجناحين وتلبس ثوباً مفتوحاً من الجانب يُظهر ساقها، وعلى رأسها قبعة خاصة بالآلهة وفي أذنيها قرطان دائريان. أما شعرها فيظهر في نهايته كضفيرة مجدولة على بعضها البعض. وهذا هو شكل الشعر الوحيد الذي تتميز به الآلهة.
يصف عالم الآثار فولكرت البقايا والآثار التي تعود إلى سافوشكا التي استخرجت من العديد من الأماكن المختلفة على النحو التالي "هي الإلهة المسؤولة عن التكاثر الجنسي للنبات والحيوان وكانت إلهة نصف ذكر. وتوصف بأنها آلهة الحرب بالأسلحة، تُعرض بالعديد من الأشكال المختلفة والعارية عند تصنيفها كإلهة العشق. تظهر بترتيب مختلف بين الآلهة وآلهة مصر والهوريين عند تقديم القرابين. وفي ثقافة سافوشكا المحاربة تقام الطقوس والمراسيم وتقدم الفؤوس الحربية، الدروع، الرماح والسهام والأقواس لمعبدها. ومن أجل الجانب الأنثوي للإلهة أيضاً تقدم النهود الذهبية وما يشبهها للمعبد".
تحت عنوان "إلهة واشوكاني الهورية سافوشكا" كتبت الدكتورة لين سرينيفاسان في أبحاثها قائلة "سافوشكا، كانت مهمة للحيثيين والميتانيين حتى آخر درجة. عدا ذلك كان فراعنة مصر أيضاً يقدرونها كثيراً. على الأقل ذُكرت في رسالتين أرسلهما ملوك الميتانيين إلى مصر. وعندما أرسل الملك الميتاني توشراتا ابنته تادوهبا إلى مصر من أجل الزواج، أرسل معها تمثالين لسافوشكا. في بلاد سافوشكا الميتانية ومع مرور الوقت اختفت وانتهت عقيدتها ولكن مازالت مصر تحتفظ بتماثيلها تلك وتحميها".
كما قالت المؤرخة باتريسيا موناكهان "خدم ملوك بلاد ما بين النهرين والأناضول سافوشكا فقد كانت تصدر الأوامر عن طريق الأحلام والتنبؤات وعن طريق مباركة النساء المتدينات (العرافات) اللواتي كن وسيطاتها".