الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(3) أتارجاتيس إلهة الفرات التي ألهمت الأساطير
أحتضن الفرات مصدر الهلال الذهبي الخصيب العديد من الحضارات. فعلى ضفاف الفرات وفي الحضارات التي تطورت بناءً على نهج المرأة أنشئت العديد من المدن في التاريخ كموطن للمرأة حيث كانت ثقافة الإلهة هي الحاكمة والسائدة فيها
.
في حضارات الغرب تم تحديد العديد من الأسماء على أنها مصدر الأسطورة وسُميت بنات البحر أو حوريات البحر، واحدة من تلك الأسماء هي أتارجاتيس إلهة الخصب والبركة وحامية الفرات. هل كنتم تعلمون أن جميع سواحل البحر الأبيض تستمد مصادرها الأسطورية من أسطورة بنت البحر أتارجاتيس؟.
وقد وردت في الكثير من المصادر أنها "الإلهة الأكثر شهرة في سوريا" لكن الحقيقة هي أن الإلهة الآشورية الأصل أتارجاتيس ووفقاً لبعض الروايات ولدت من بيضة وضعتها إحدى الأسماك على ضفاف الماء كانت تحميها حمامة.
يعتقد أن مدينة منبج بشمال وشرق سوريا بُنيت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد من قبل المؤمنين بعقيدة الإلهة أتارجاتيس عندما كان معتقد العصر النيولوتي لايزال سائداً.
في يومنا الحاضر يستمد ويستوحي البلد الذي قامت فيه النساء بإحراق العباءات السوداء وهن يهللن مفهوم الحرية من الإلهة أتارجاتيس التي تنحدرن من جذورها.
على الطريق التجارية المؤدية إلى حلب وعلى ضفاف هيرابوليس أو (منبج اسمها الحالي) عبرت إلهة دولة مدينة منبج أتارجاتيس بشهرتها وتأثيرها الحدود والبحار.
وبالإضافة إلى كونها إلهة الخصب والبركة في المقام الأول، فقد كانت أتارجاتيس بعلة (مدبرة، قائدة، سيدة نفسها وشعبها) كما كانت هي المسؤولة عن حمايتهم وعيشهم الكريم ورفاهيتهم.
لذلك كثيراً ما كانت تُرسم واضعة التاج على رأسها وقابضة على حزمة من الحنطة، بينما كانت الأسود التي ترفع عرشها تعطي انطباعاً وترمز إلى قوتها وسلطانها اللذين يفوقان الطبيعة.
في العديد من النواحي كانت طبيعة وميزات الإلهة أتارجاتيس قريبة الشبه لإلهة الفينيقيين عشتار، كانت تتشابه أيضاً في الكثير من الصفات مع الإلهة كيبل الأناضولية.
ذاع صيتها وانتشرت ثقافتها في اليونان بفضل التجار والمرتزقة المحاربين.
ونظراً لطبيعتها وخصائصها نعلم أنها كانت تشبه عشتار وقد سُميت في بلاد كنعان وسوريا باسم أترعتا كما عُرفت باسم فينوس.
إحدى السمات الواضحة والأكثر خصوصية لثقافة أتارجاتيس في كل من هيرابوليس ورحا هو إيمان كليهما المرتبط بالماء.
وبشكلٍ خاص صُنعت في المعابد التي بنيت باسمها أحواض مياه لإيواء الأسماك التي تم إحضارها من نهر الفرات.
توسعت العقيدة التي كانت تمثل المساواة والبركة والخصوبة في ذلك الوقت بسرعة. فالأحواض المقدسة الموجودة في حران، رحا، بايكان، دالوس، منبج وعسقلان تُظهر مدى توسع هذه العقيدة.
وبسبب الحروب التي دارت في المنطقة بين الآشوريين والبابليين والمصرين تم تدمير هذه الأحواض وتخريبها في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد الدولة السلوقية.
أعادت ملكة ستراتونيك بناء معابد أتارجاتيس من جديد وأعادت إحياء عقيدتها.
توسع نظام عقيدة أتارجاتيس على جميع ضفاف نهر الفرات، وبحسب ما قيل فإن بحيرة الأسماك تشكلت من المياه المتدفقة من وسط النار التي نزل فيها النبي إبراهيم عندما رمي بالمنجنيق. لكن في الحقيقة صاحبة بحيرة الأسماك هذه حسب ما يروى في الأساس هي أتارجاتيس.
ووفقاً لبعض المؤرخين فإن بحيرة الأسماك التي تعتبر مقدسة في الحقيقة بُنيت كمعبد لأتارجاتيس.
ووفقاً لبعض المصادر الأخرى بالإضافة إلى النساء الراهبات يقال بأن الرجال الذين أرادوا التضحية بأنفسهم لعقيدة أتارجاتيس ويصبحوا رهباناً قد قبلوا بإخصاء أنفسهم عن طيب خاطر.
وقد ذكر المؤرخ والكاتب باردايسون بحسب مصادره في القرن الثالث التي تعود إلى السريانيين المعلومات التالية؛ قام الملك أبجر بمنع وحظر العديد من الطقوس الخاصة بأتارجاتيس بعد اعتناقه المسيحية.
وفقاً لمصادره "فإن تقليد الإخصاء بهدف تعظيم وعبادة أترعتا كان موجوداً في سوريا ورحا. ولكن بعد أن غير الملك أبجر دينه، أمر بقطع أيدي الرجال الذين كانوا يخصون أنفسهم. منذ ذلك اليوم وحتى اليوم لا يقوم أي أحد بإخصاء نفسه في منطقة رحا".
في معابدها الموجودة حول بحيرة الأسماك ومع حلول الربيع كانت تقدم القرابين والأضحية لإلهة البركة والخصوبة أتارجاتيس وتُقام الاحتفالات.
يقال بأن طقوس العيد البابلي أكيتو، وعيد المسيحيين باسكال تعود إلى هذه الاحتفالات.
ذُكر في قواميس أكسفورد ليرنر Oxford Learner's Dictionaries"" "لقد كانت أعظم الاحتفالات في سوريا. زوجها كان حدد؛ عرشه كان محاطاً بالجواميس وعرش أتارجاتيس بالأسود. تم رسم أتارجاتيس في عسقلان Ascalon بنصف امرأة ونصف سمكة. كانت الأسماك والحمام مقدسة عندها.
تقول الرواية، بعد أن رمت بنفسها في بركة ماء قامت سمكة بإنقاذها فتحولت أتارجاتيس إلى نسخة مماثلة للسمكة وحسب ما يروى أن أتارجاتيس تحولت إلى سمكة وابنتها سميراميس تحولت إلى حمامة".