الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(1) عشتار "إلهة الشعوب"
تشمل المنطقة التي كانت تسيطر عليها ثقافة العصر النيولوتي كلاً من أراضي كردستان، سوريا، مصر، لبنان وفلسطين التي استمرت فيها أنظمة المعتقدات في التأثير الدائم على بعضها البعض وقد سُميت آلهتهم وفق لغات مختلفة
.
نينهورساج إلهة جبال زاغروس، وإلهة البركة عشتار في بلاد ما بين النهرين الدُنيا وعرفت بالإلهة الأم أستارت في المناطق الممتدة من سفوح جبال طوروس وصولاً إلى حضارات البحر الأبيض ومثلت الثقافة النسائية الموسعة على هذه القطعة الجغرافية.
هل تعلم أن الإلهة أستارت قد تغيرت في ثقافة العصر النيولوتي ما بين القرن الرابع والقرن العشرين وأصبحت أيقونة في الأراضي الممتدة من بلاد ما بين النهرين الدُنيا إلى مصر، ومن البحر الأبيض حتى اليونان ومن هناك إلى إيطاليا؟.
عشتار، إنانا، ستارت هي آلهة واحدة عرفت بأسماء عديدة لدى شعوب مختلفة في منطقة الشرق الأوسط عرفها المؤرخون "بإلهة الشعوب الرئيسية". وقد عُرفت الآلهة أستارت التي تنحدر من الجذور الهورية في اللغة الكردية باسم "ستارـ ستيرا" وفي اليونانية "أفروديت" وباللغة الأكادية "أتثتارت"، وفي الآرامية "أتثيرات" وفي اللغة الفينيقة "عشتارت" وفي العبرية "عشتروت"، وفينوس عند الرومان، وتمثل نجمة الصباح (كوكب الزهرة). إنانا وهو اسمها في الاصل عند السومريين ويعني ملكة السماء تغير إلى عشتار عند الآشوريين والبابليون.
صحيح أن لها مسميات مختلفة لكن مكانتها واحدة كأصل للخير والبركة، في قصة النزول إلى العالم السفلي تختفي البركة والحب من الأرض، أستارت أو إنانا وهو الاسم الأكثر شهرة تعود إلى الأرض لتزهر الطبيعة ويحب الناس بعضهم ولتعم البركة. تُقدم لها الصلوات بلغات وثقافات مختلفة من أجل الخصوبة، البركة، الحب، ولكسب الحرب.
هي إلهة النجوم وفي تماثيلها ومنحوتاتها وتصاويرها يشار إلى السمة الأكثر خصوصية لها أحياناً بقرنين فوق رأسها وأحياناً أخرى بنجمة في إشارة لنجمة الزُهرة. كما كانت تُرسم وهي تحمل سيفاً في يدها، وبجانبها أسد وعلى الجانب الآخر حصان وعلى كتفها حمامة، تُرسم أيضاً على شكل امرأة عارية تمتطي وحوشاً ضارية، صورت وهي تحمل أفعى كرمز للطب والشفاء.
تعود جذور أستارت إلى بلاد ما بين النهرين ولكنها امتدت إلى الغرب في الفترة الهلنستية ويمكن أيضاً العثور على آثارها في سوريا ولبنان وكانت تعرف باسم إلهة قبرص "أفروديت".
في القرن التاسع عشر وبالقرب من مدينة إدلب السورية عثر في مدينة تل مرديخ القديمة (إيبلا) على مجموعة من التماثيل والمنحوتات التي تصور الآلهة عشتار.
ما بين أعوام (1650ـ 1800ق.م) كان نظام معتقد الحضارة الحاكمة يقوم على الإيمان بالإلهة أستارت. ما زالت الألواح والرقم الطينية التي تتحدث عن وجود أستارت موجودة حتى الآن.
استطاعت ثقافة الإلهة أستارت الامتداد من شواطئ البحر الأبيض إلى الحضارة المصرية ومن هناك وصلت إلى قرطاجة المعروفة بتونس في يومنا الحالي.
في مصر القديمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة. عندما كان الفرعون تحتمس الثالث يعبد أستارت نحت من الحجارة الكلسية في ذلك الوقت منحوتة تشبهها مازالت موجودة في المتحف الأثري في مصر.
في عام 814 ق.م قامت ديدو ملكة قرطاجة ببناء معبد تقديساً لعقيدة الإلهة وتكريمها والحصول على مباركتها وتقديم العبادة لها.
تماثيل إلهة الحضارة الفينيقية أستارت معروضة اليوم في المتحف الوطني في إسبانيا.
في فلسطين وإسرائيل وفي بعض الأماكن التي تم التنقيب فيها على شواطئ البحر الأبيض أيضاً، تم العثور على تمثالين للإلهة وعلى رأسها قرنين.
أوصلت الإلهة أستارت ثقافة الإلهة الأم إلى العديد من الحضارات بعد تأسيس النظام الأبوي ومثل العديد من الآلهة التي تمثل ثقافة الإلهة الأم تم تحريف الحقائق وتصويرها بشكلٍ سيء في الأساطير.
ترمز النجمة المنقوشة في تاجها إلى دوران النجوم والعالم، بعد النظام الأبوي تحولت تلك النجمة إلى قرون وفي فترة الديانات التوحيدية وصفت بأنها رمز الشر.
ومثل جميع الآلهة الأخرى الموجودة في ثقافة الآلهة الأخرى فإن ثقافة الأديان التوحيدية للرجل القمعي تحاول تحريف وإزالة عشتار من ذاكرة المجتمع.