'يجب لفت انتباه الرأي العام الدولي إلى قضية المرأة الأرمنية والإيزيدية'

حفيدة أرمنية مرت بالإبادة الجماعية من خلال وصف تجربة المجزرة التي شهدتها جدتها أيضاً، أكدت أن قضية الإبادة الجماعية للمرأة الأرمنية والفرمان الذي تعرضت له المرأة الإيزيدية تحتاج إلى اهتمام دولي.

سوركل شيخو

الحسكة ـ نفذت الإمبراطورية العثمانية سياسات إبادة جماعية ضد الشعب الأرمني خلال الحرب العالمية الأولى، ونفذت إبادة جماعية قُتل على إثرها مليون ونصف المليون أرمني، وبدأت هجمات الإبادة الجماعية في ربيع عام 1915 واستمرت حتى خريف عام 1916.

العثمانيون ودولة تركيا اليوم لا يقبلون مسؤولية تاريخهم الأسود وتنفيذ الإبادة الجماعية والمجزرة، وأطلق الأرمن على هذه الإبادة الجماعية اسم Medz Yeghern (الجريمة الكبرى) أو Aghet (الكارثة).

 

إبادة الأرمن هي أيضاً إبادة للنساء

قُتلت واختطفت واغتصبت النساء والأطفال، ومات من أُجبر على الهجرة من العطش والجوع وتُركت جثثهم على الطرقات في هذه المجزرة التي غضت الإنسانية الطرف عنها، وفي نفس الوقت كانت هناك نساء انتحرن ونساء قاومن.

 

كارين هاروتيان... حفيدة الأرمن

هنا في مدينة الحسكة في مقاطعة الجزيرة في إقليم شمال وشرق سوريا، هناك حفيدة الأرمن كارين هاروتيان التي فتحت عينيها على العالم عام 1968 في حلب وتعيش في أحد أحياء الحسكة منذ 31 سنة، وهي أم لفتاة وشاب متزوجين وتوفي زوجها منذ سنوات قليلة، ومع ذلك، لا تعيش كارين بمفردها، فتوجد معها امرأة مسلمة ويعيشان معاً في منزل واحد، وعلى الرغم من الاختلافات في المعتقدات والثقافة واللغة والتاريخ، فإنهم يعيشون مع الإيمان بأن المرأة تقوى بالمرأة ويمكنهما القتال معاً.

وتحت رعاية مجلس الجالية الأرمنية، تقوم كارين هاروتيان التي تبلغ من العمر الآن 56 عاماً، بتعليم العديد من الشباب لغتهم الأم (الأرمنية)، لقد نشأت وهي تستمع إلى تجارب وقصص أجدادها منذ اللحظات التي فتحت فيها عينيها على العالم ونشأت في المهد، وكانت الكراهية ضد العدو تنمو في قلبها وينمو معها هدف الانتقام.   

 

في المهد وعلى أضواء المصابيح نشأت مع قصص الإبادة

تحدثت كارين هاروتيان عن الإبادة الجماعية للأرمن بعدة تفاصيل، ولأن قصة جدتها لا تزال في ذاكرتها وحية دائماً، قالت "لقد نشأنا على قصص الإبادة والمذبحة التي روتها لنا أمهاتنا وآباؤنا. عام 1915 ومذبحة الأرمن أتذكرهما كلاهما جيداً وأتذكر كيف نشأنا معاً. كان عمري 8 سنوات، أمي وأبي اللذان كانا من مدينة مرش في شمال كردستان أخبروني من أين تنحدر أصولنا، وكانوا يتحدثون عن العثمانيين وما فعلوه بنا، وعن السياسات التي نفذوها ضد ترابنا وطبيعتنا وعن الضرر الذي ألحقوه بصناعتنا وكيف بدأوا الإبادة الجماعية وشردوهم وأبعدوهم عن جذورهم".

 

"خنقت الجندي العثماني بضفيرتها"

"في ذلك الوقت، لم يبق في القرية سوى جدتي وجدي، وكانت جدتي الحامل في شهرها الثامن، هربت مع جدي ومروا عبر المجاري واختبأوا من الجنود العثمانيين لمدة 3 أيام دون طعام أو شراب، وعندما يدركون أن جندياً عثمانياً وجد مكانهم ويقترب منهم، ولأن جدتي كان لها شعر طويل جداً، كانت تقوم دائماً بجدل ضفيرة، يقع الجندي في فخ أجدادي، وتلف جدتي ضفيرتها الطويلة حول عنق الجندي وتخنقه، وهكذا ينقذون أنفسهم، ولكن توفيا بعد بضع سنوات من العيش في حلب، كنت أتمنى دائماً أن أكون في زمنها، أو أن تكون في عصرنا الحالي وعشت تلك اللحظات الثمينة، لأرى كم كانت جدتي امرأة شجاعة".

 

"إنهم كفار"

عن خوف العثمانيين منهم وسبب الإبادة والمذبحة تقول "لم يعجب العثمانيين أن الأرمن يعيشون على جذورهم، ويتطورون اقتصادياً وصناعياً، ويتخذون خطوات مهمة في المجالات السياسية والأدبية والتعليمية والقانونية، لذاك رأى العثمانيين في ذلك تهديداً لإمبراطوريتهم فنفذوا مذابح وأجبروا الناس على الفرار وقتلوهم، وكي لا يقعن أسرى، ألقت بعض النساء أنفسهن في الأنهار. لقد كانوا يمزقون بطون الحوامل بالسيوف ويخرجون الأجنة بالسيوف ويلعبون بها ويقطعونها. كانوا يقولون عن الأرمن "هؤلاء كفار" ودون أن يقولوا إن هؤلاء أطفال أو نساء وشيوخ وشباب، كانوا يذبحونهم جميعاً. وقد تم توثيق مقتل مليون ونصف المليون فقط، وهناك أيضاً الذين نزحوا وفقدوا حياتهم في الصحاري أثناء رحلة الهجرة. ولا أحد يعرف أين أخواتهم وإخوانهم وأمهاتهم وآباءهم، لقد هلكوا جميعاً".

 

"لقد تم جمع أجزاء من عظامنا من الصحاري ومن على الطرقات"

وبينت كارين هاروتيان أن عظام أجدادهم موجودة في مقبرة مركدة في الحسكة، "الأرمن الذين فقدوا حياتهم على طريق الهجرة وماتوا من العطش والجوع، تم إحضار عظامهم ودفنها في مقبرة مركدة، ولم يتركوا عظامهم على الأرض، وكانوا يجلبون أحياناً عظام الأرجل والرؤوس وأحياناً الأسنان، وكل واحد منهم دفن في قبر دون أن نعرف هي عظام أرجل من وهويته/ها أو عمره وجنسه، وحتى الآن لا أجرأ على الذهاب لرؤية هذا المكان، فجرحنا لا يزال ينزف، لم يلتئم، ولا يُنسى، فالألم لا يُنسى وعلينا ألا ننسى، مع كل طفل جديد يفتح عينيه على الحياة، تحيا مذبحتنا من جديد".

 

إن الاهتمام الدولي ضرورة ملحة

ولفتت كارين هاروتيان إلى أهمية قضية الإبادة الأرمنية وقالت إنها ليست إبادة ومذبحة عادية "يجب أن يكون هناك اهتمام دولي بالقضية الأرمنية، لأن كل طفل أرمني يولد في العالم وكأننا نتعرض للمذبحة ونحييها من جديد، ونشاركهم أحداث المذبحة حتى لا ينسوها، وننقل الوحشية التي تعرضنا لها من جيل إلى آخر ونعرفهم بتاريخهم".

 

الفرمان الإيزيدي ومذبحة الأرمن توأمان من نفس الأرض والمعاناة

واستذكرت كارين هاروتيان الفرمان الذي تعرضت له المرأة الإيزيدية في 3 آب/أغسطس 2014، وقالت إن الفرمان الذي تعرضت له المرأة الإيزيدية هو استمرار لمذبحة المرأة الأرمنية "ربما تغيرت قوى الحرب وأدواتها، لكنها مجزرة ومذبحة بنفس منطق دولة الرجل. الفرمان والمذبحة لا ينفصلان عن بعضهما البعض، لقد تم قطع رؤوس النساء الأرمنيات، وقطعت جدائلهن، وألقين بأنفسهن في الأنهار كيلا تقعن أسيرات، وقُتل النساء والأطفال الأبرياء، ولذلك فإن من يجب عليه أن يعمل أكثر ولا ينسى هذه المجزرة هم النساء. نحن نكبر يوماً بعد يوم، لكننا لا ننسى ما حدث لتاريخنا وثقافتنا ووجودنا، لذلك نستذكر المذبحة في يوم 24 نيسان/أبريل من كل عام".

 

دعوة للمحاسبة والاعتراف

وقالت كارين هاروتيان إنهم لن ينسوا قضيتهم "نحن النساء الأرمن نطالب بمحاكمة المجرمين والاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، لأن هذا حقنا وسنحصل عليه يوماً ما، لأنه حتى اليوم تستمر تلك الإبادة ضدنا دائماً، وعلينا أن نرفع أصواتنا على الساحة الدولية وإخبار الجميع بالإبادة والمذبحة التي نتعرض لها".

واختتمت كارين هاروتيان حديثها بالحلم الذي تنتظر تحقيقه "اتمنى أن أزور بلدي أرمينيا ذات يوم وأحقق حلم والدتي، لأنها أرادت أن تعيش في أرمينيا، لكنها لم تستطع".