وساطة تنصف الأمهات وترمم العلاقات... مطلب نسوي لإصلاح الأسرة المغربية
في سياق النقاش المفتوح حول مراجعة مدونة الأسرة المغربية، اختارت فدرالية رابطة حقوق النساء أن تفتح النقاش من زاوية جديدة، عنوانها الوساطة العائلية المستقلة عن القضاء، كآلية إنسانية لحماية الأسر وإنصاف النساء.

حنان حارت
المغرب ـ نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء في المغرب، أمس الأربعاء 16 نيسان/أبريل، مائدة مستديرة تحت عنوان "إحداث هيئة للصلح والوساطة مستقلة عن القضاء ومراجعة مدونة الأسرة، تجارب مقارنة"، وذلك في مقر الفدرالية بمدينة الرباط.
كان اللقاء فرصة لتبادل الرؤى بين ناشطين في الحقل القانوني والحقوقي، وللاستفادة من تجارب دولية سبقت المغرب في هذا المسار، وعلى رأسها بلجيكا، التي أُدرجت تجربتها كمرجع مهم في النقاش.
وشددت المداخلات على أهمية تبني مقاربة جديدة في تدبير النزاعات الأسرية، تقوم على الوساطة كبديل فعال للمساطر القضائية المعقدة، مع الاستفادة من تجارب دول سباقة في هذا المجال، مثل بلجيكا التي طورت منظومة متكاملة للوساطة الأسرية منذ إصدار قانون سنة 2018.
وقالت فوزية عسولي، الرئيسة الشرفية للفدرالية، إن هذه المبادرة تندرج ضمن سلسلة من الخطوات الترافعية التي تقوم بها الفدرالية من أجل مراجعة شاملة لمدونة الأسرة، بما يضمن حقوق النساء والأطفال ويحمي استقرار الأسرة، مؤكدة أن النزاعات داخل الأسرة ليست فقط ملفات قانونية، بل حالات إنسانية معقدة تتطلب آليات أكثر مرونة وعمقاً.
وأبرزت أن إحداث هيئة للمصالحة والوساطة يعد من بين النقاط الأساسية التي تضمنها مشروع إصلاح مدونة الأسرة المغربية، وبما أن الأسرة تشكل نواة المجتمع، فقد أصبح من الضروري تسليط الضوء على هذا المقترح وطرحه للنقاش، بهدف بلورة توصيات عملية يمكن الترافع بشأنها، واستكشاف سبل الاستفادة من تجارب الوساطة المهنية.
وأضافت أن غياب إطار قانوني واضح ينظم الوساطة، وعدم معالجة مسألة تقاسم الممتلكات بعد الطلاق، يضاعف من هشاشة النساء، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي ساهمن مادياً ومعنوياً في بناء الحياة المشتركة، دون ضمانات حقيقية في حال الانفصال.
كما شددت على أن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يستند إلى تقييم دقيق للوضع القائم في المغرب، سواء على مستوى أداء القضاء أو فعالية مؤسسة الصلح داخل المحاكم، إلى جانب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
وحذرت فوزية عسولي من إشكاليات جوهرية كغياب المعلومة، وسوء الفهم بين الأزواج، فضلاً عن تجاهل مسألة تنظيم الممتلكات المشتركة بعد الطلاق، وهو ما يحرم العديد من النساء من حقوقهن رغم مساهمتهن الكبيرة داخل الأسرة.
وأبرزت أن الوساطة يمكن أن تكون آلية فعالة ومنصفة، لا تحمي فقط المرأة، بل تضمن أيضاً حقوق الرجل والطفل، وتساهم في تحقيق توازن داخل المجتمع المغربي.
من جهتها، استعرضت هيلدي ميلو، محامية بمدينة لوفان ورئيسة سابقة للمجلس الأعلى للعدالة ببلجيكا، التجربة البلجيكية في مجال الوساطة الأسرية، مشيرةً إلى أن قانون 2018 أرسى دعائم قانونية قوية لهذا المسار، حيث أصبح يشجّع الأزواج في حالات الطلاق أو النزاع حول الحضانة أو النفقة على اللجوء إلى وسيط محايد، بدل الانخراط في إجراءات قضائية مرهقة.
وعبرت عن إعجابها بانفتاح المغرب على التجارب المقارنة، معتبرة أن نقل تجربة الوساطة البلجيكية ممكن وواعد، شرط توفر الإطار القانوني الملائم، والتدريب الجيد، والدعم المؤسساتي.
وشددت باقي المتدخلات في الندوة على أن المغرب اليوم أمام فرصة حقيقية لابتكار نموذج خاص به، يستلهم من التجارب الدولية لكنه يستجيب لخصوصيات المجتمع المغربي، ويجعل من الوساطة فضاء لحوار هادئ يحترم كرامة المرأة ويضمن مصلحة الطفل.
هذا النقاش لا ينفصل عن السياق الأوسع الذي تدافع فيه الحركة النسائية المغربية عن إصلاح عميق لمدونة الأسرة، يحقق التوازن داخل العلاقات الأسرية، ويمنح للنساء آليات أكثر عدالة وفعالية لحماية حقوقهن بعيداً عن عنف المساطر القضائية وطولها.
وشكلت المائدة المستديرة أيضاً فرصة لتسليط الضوء على ثغرات النظام الحالي للصلح داخل المحاكم المغربية، حيث أبرزت المشاركات أن مؤسسة الصلح، كما هي قائمة اليوم، غالباً ما تكون شكلية، ولا تمنح الوقت الكافي لفهم تعقيدات النزاعات الزوجية، كما تفتقر للأطر المؤهلة نفسياً واجتماعياً لمرافقة الأطراف في مسار التفاهم أو الانفصال.
وشددت على ضرورة أن تكون هيئة الوساطة مستقلة عن القضاء، ذات طابع مدني وحقوقي، تشتغل بمقاربة قائمة على الإنصات والعدالة الترميمية، وتتلقى دعماً قانونياً ومؤسساتياً يضمن نجاعتها، كما تم التأكيد على ضرورة تدريب الوسطاء والوسيطات بشكل متخصص، مع مراعاة البعد الجندري ومصلحة الطفل في كل حالة.
واختتمت المائدة المستديرة بمجموعة من التوصيات ركزت على ضرورة الإسراع في مراجعة وإخراج مدونة الأسرة بشكل يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة، واعتماد آلية الوساطة الأسرية المستقلة كجزء من الحلول الواقعية التي تحمي كيان الأسرة المغربية، وتعزز ثقافة الحوار بدل الخصام.