تونس... ملتقى علمي يناقش أوضاع المعنفات وظروف إيوائهن
أكدت المشاركات في الملتقى العملي، أن تفاقم ظاهرة العنف المسلط على المرأة بكل أشكاله باتت "مفزعة" وتتطلب تكثيف الجهود لدعم أنشطة مراكز الإيواء وتطويرها لما تقدمه من خدمات ملموسة للمعنفات وأطفالهن.

إخلاص الحمروني
تونس ـ تتعرض النساء ضحايا العنف للوصم الاجتماعي، ويتم تحميلهن مسؤولية ما تعرضن له، مما دفع الجمعيات التي تهتم بقضايا النساء وحقوقهن إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة والأسباب الكامنة ورائها.
تحت عنوان "من القانون إلى الواقع: تحدي إيواء النساء ضحايا العنف وأطفالهن" نظمت الجمعية التونسية "أولادنا" أمس الثلاثاء 18شباط/فبراير، ملتقى علمي بهدف تسليط الضوء على الإطار القانوني لحماية النساء ضحايا العنف وكيفية تطبيقه عن أرض الواقع.
وأكدت ممثلة جمعية "أولادنا" درة صمود، أن هذا الملتقى يعد حدثاً هاماً يركز على موضوع تحديات إيواء النساء ضحايا العنف وأطفالها على ضوء القانون عدد 58، مشيرة إلى أن الجمعية كانت سعيدة بالشراكة مع كلية الحقوق والعلوم السياسية والعيادة القانونية للهجرة وحقوق الإنسان الخاصة بتنظيم هذا الملتقى لطلبة الحقوق "الهدف الأساسي من هذا اللقاء هو تسليط الضوء على القانون والنقاط التي تتعلق بإشكالية إيواء النساء وأطفالهن، بالإضافة إلى محاولة تطبيق هذه الإشكاليات على الواقع لمعرفة مدى إمكانية وجود حلول قانونية فعالة".
وأشارت إلى أن جمعية "أولادنا" المسجلة قانونياً منذ عام 2014، يقع مقرها في سوسة وتنشط في قضايا حقوق الإنسان خاصة حقوق الأطفال، إلى جانب تقديم الدعم للفئات الهشة الأخرى مثل المعنفات، المهاجرين وضحايا العنف والتعذيب، سواءً كان مؤسساتياً أو غير مؤسساتي، مضيفةً أن الجمعية تعمل منذ سنوات على حملات توعوية وتحسيسية ومناصرة، إلى جانب أنشطة إنسانية مثل توزيع "قفة رمضان" والتي سيتم إطلاقها هذا الأسبوع.
وحول سبب تنظيم الملتقى، أكدت درة صمود، أن القانون 58 لعام 2017 جعل تونس من الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة من الناحية القانونية، مشيرة إلى أن هذه القوانين كانت نتيجة جهود متكاملة بين الدولة والمجتمع المدني "رغم وجود هذه القوانين تكمن المشكلة في وجود مفارقة بين النص القانوني والواقع، حيث لا يزال العنف ضد المرأة منتشراً، مما يدل على وجود إخلالات تستدعي إعادة الدراسة والتقييم".
من جهتها قالت الباحثة في القانون العام وممثلة العيادة القانونية للهجرة وحقوق الإنسان صابرين التريكي، إن العيادة القانونية تهتم بكل ما يخص المهاجرين سواءً في تونس أو على المستوى الدولي، كما تُعنى بحقوق الإنسان، المرأة والأطفال.
وأضافت أن مشاركتها كممثلة عن العيادة اليوم في الملتقى المنظم بفضاء كلية الحقوق والعلوم السياسية في سوسة تتعلق بحقوق المرأة، حيث سبق للعيادة أن اهتمت بمواضيع مثل حقوق المرأة المهاجرة، وقامت بتنظيم دورات تكوينية لتعزيز حقوقها، والتوعية بحقوق النساء ضحايا العنف، لافتةَ إلى أنه في هذه المرة يتم التركيز على إيواء النساء المعنفات وأطفالهن بالشراكة مع جمعية "أولادنا".
وأكدت أن مداخلتها تمحورت حول دور العيادة القانونية في تعزيز ثقافة مناهضة العنف ضد المرأة "يتمثل هذا الدور في التوعية سواءً بالنسبة لطلبة كلية الحقوق والعلوم السياسية، ليكون لديهم فهم أعمق لحقوق المرأة وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، أو بالنسبة للنساء ضحايا العنف، خاصةً المهاجرات منهن اللاتي قد تكنّ ضحايا لعنف الأزواج أو غيرهم".
وأضافت أن هناك العديد من النساء اللاتي لا تعرفن حقوقهن سواءً من خلال نصوص القانون التونسي أو ما جاء في المعاهدات الدولية، مشيرة إلى أن العيادة القانونية تعمل على مناقشة القوانين الجديدة مثل القانون 58، وإجراء أبحاث حول الحقوق القانونية الوطنية والدولية، مشددةً على أن تنظيم مثل هذه الملتقيات مفيد للطلبة، لأنه يمنحهم فكرة واضحة عن القوانين التي تحمي الحقوق والحريات وكيفية تطبيقها.
أما ياسمين جالو طالبة دكتوراه في النوع الاجتماعي والعلوم السياسية بكلية الحقوق في سوسة، فقد تمحورت مداخلتها في الملتقى التي وردت تحت عنوان "النساء ضحايا العنف بين التردد والوصم الاجتماعي" حول النساء المعنفات وظروفهن الاجتماعية، وركزت خلالها على كيفية تعرض النساء ضحايا العنف للوصم الاجتماعي، حيث يتم تحميلهن مسؤولية ما تعرضن له بدلًا من إلقاء اللوم على الرجل الجاني.
ولفتت إلى أن "هناك صوراً نمطية عديدة تُكرّس ثقافة لوم المرأة الضحية، مثل التساؤلات حول سبب عدم بقاء المرأة في منزلها بعد تعرضها للعنف، أو انتقاد رغبتها في الطلاق، مما يمنعها من التوجه إلى السلطات المعنية على غرار مركز الأمن أو طلب المساعدة" مشيرةً إلى أن هذه العقبات الاجتماعية تعيق النساء عن التبليغ، وتجعلهن تفضلن الصمت خوفاً من النبذ أو التمييز.
وأكدت أنها اعتمدت في بحثها على مقاربة سوسيولوجية لدراسة هذه العقبات الاجتماعية، موضحة أن المعايير التقليدية والقيم المجتمعية والصور النمطية تضع المرأة في مرتبة أقل من الرجل، مما يعزز ظاهرة العنف "تكرار حالات العنف دون التبليغ يؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث يصبح المعتدي أكثر جرأة في ممارسة العنف".
وضمن التوصيات التي قدمتها، شددت على ضرورة تكثيف مثل هذه الندوات العلمية لزيادة توعية الطلبة بخطورة الظاهرة، مؤكدة أن مثل هذه الملتقيات تساهم في توعية المجتمع بأهمية دعم النساء الضحايا وتمكينهن من حقوقهن.
وتضمن برنامج الملتقى إضافة إلى المداخلات المهمة عرض حول مركز "الأمان" لإيواء النساء ضحايا العنف قدمته مديرة المركز بدور جغام والتي أكدت أن تطور ظاهرة العنف المسلط ضد النساء والتي وصلت حد القتل علناً باتت أمر مقلقاً يتطلب إعادة النظر في أسبابها وكيفية معالجته.
وخلال مداخلتها هذه قدمن فكرة بسيطة عن المركز الذي استقبل مؤخراً 3 نساء لمدة 50 يوماً تتراوح أعمارهن بين 30 و35 سنة مصحوبات بأطفالهن بسبب تعرضهن لكل أنواع العنف من اقتصادي وجنسي ولفظي ومادي.
وقد تم خلال إقامتهن التعهد بهن صحياً وقانونياً ونفسياً واقتصادياً من أجل الإحاطة بهن ومساعدتهن وفق ميثاق التعهد بالنساء والأطفال ضحايا العنف.