تقرير يناقش دور الإعلام في نشر خطاب الكراهية ضد النساء

يساهم الإعلام التقليدي والحديث في تعنيف النساء والتقليل من حجم تأثير الجرائم ضدهن عبر خطاب كراهية يتداول أحياناً كوميدياً وتتم إعادة إنتاجه بشكل طبيعي، خاصة مع عدم وجود تشريعات تحدد هذا النوع من العنف وتحاربه.

تونس ـ قدمت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات تقرير رصد خطاب الكراهية ضد النساء لعامي 2023 و2024 في وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الإعلامية الرقمية.

اعدت جمعية "تقاطع من أجل الحقوق والحريات"، تقرير قائم على رصد وتجميع ما يُعرض في وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، وقد شملَ الرصد البرامج المعروضة في عامي 2023 و2024، بالإضافة إلى عدد من التقارير الصادرة عن الجمعية ومنظمات حقوقية محلية ودولية تُعنى بحقوق النساء ومقابلات مع نشطاء وأكاديميين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

ورصد التقرير خطاب الكراهية في وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، ومدى تأثيره على ارتفاع انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، وخاصةً حقوق النساء، كما حلّل التقرير آثار هذا الخطاب على النساء وما ينتج عنه من تنامي ظاهرة العنف ضد الفئات المُستهدفة.

وأورد التقرير أن تونس شهدت ارتفاع ملحوظ في خطابات التحريض وازداد خطاب الكراهية في الثلاث سنوات الأخيرة بعد احتضان السلطة السياسية في تونس وتبنيها لخطاب سياسي يحتوي على عبارات تستبطن في طياتها التحريض على الكراهية ضد فئات اجتماعية مستضعفة، مؤكداً أن الخطاب دفع بتأجيج العنف ضد النساء وتكريسه عبر مختلف وسائل الإعلام سواءً التقليدية منها السمعي البصري أو الحديثة المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتخذ الخطاب أشكالاً متعددة بدءً مم الألفاظ والعبارات الجارحة مروراً بالصور ومقاطع الفيديو وصولاً إلى الإيماءات والوصم والتشبيه المسيء وحتى التقليل من شأن الآخر.

وأبرز التقرير أن خطاب الكراهية يتدرج في خطورته على ثلاث مستويات أخطرها الخطاب الصريح والعلني الذي يتضمن دعوة صريحة إلى سحل وقتل أو تهجير فئة أو شخص معين ما يعتبر جريمة مجرمة بنصوص قانونية وطنية والقانون الدولي والمواثيق الدولية.

وأما المستوى الثاني من خطاب الكراهية فهو أقل خطورة من الناحية القانونية إذ لا يصنف كجناية بل كجنحة ويتمثل في القدح والذي قد يخضع لعقوبات إدارية كالجزاءات التأديبية التي تطبقها المؤسسات والإدارات، وأما على المستوى الثالث الأكثر انتشاراً وتداولاً ليس في تونس فقط بل في العالم وتشكل خطراً كبيراً على مفهوم العيش المشترك واحترام الآخر بمختلف بمكوناته وسماته.

واعتمدت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات في إعداد هذا التقرير على رصد وتجميع ما يعرض في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية وشمل 177مقطع فيديو من البرامج المعروضة في عامي2023و2024، والتي تقدر بـ 136حلقة معروضة على شاشات التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي، وأجريت مقابلات مع ناشطات وأكاديميات ومدافعين عن حقوق الانسان.

حيث قالت غفران الفريجي، مديرة برنامج الجندر والأقليات في جمعية تقاطع، إن العمل على تحليل خطاب الكراهية ضد النساء يأتي مع ارتفاع نسبة العنف ضدهن وعدم اعتراف الدولة بالجرائم المبنية على النوع الاجتماعي، وارتأت الجمعية وجود ربط بين خطاب الكراهية وما يحمله الشارع من عنف ضد النساء وارتفاع نسب القتل والأنماط المختلفة في ارتكاب تلك الجريمة، معتبرةً أن وسائل الإعلام وخطابها العنيف أحياناً ليست بمفردها من أدت إلى هذا العنف بل الإنترنت أيضاً يساهم في انتشاره بشكل أوسع لاعتبار الولوج الأسرع والأكبر لها.

واعتبرت أن هناك اتجاهين أولهما خطاب يخرج من الشارع وينتقل إلى الإعلام السمعي البصري عبر البرامج الحوارية حيث أن أغلبها يحوي على فقرات مصورة تُعنى بالشارع وتبين أنها تساهم في الرفع من نسب المشاهدة فاستغلت المساحة لبث هذا الخطاب وسط شكل سياسي واقتصادي غير مستقر، ما خلق علاقة تأثر بين الإعلام والشارع.

وأفادت غفران الفريجي بأن التعامل مع الخطاب العنيف الموجه للنساء في الإعلام عبر استعمال مصطلحات أدت إلى استبطانه وقبوله بل إعادته بطرق مختلفة ونشره ما أدى إلى ضعف التفاعل مع جرائم قتل النساء والعنف بشكل عام.

وأكدت على أهمية وضع تشريعات رادعة وعمل المجتمع المدني على الرفع من مستوى الوعي المجتمعي للتصدي لهذه التجاوزات والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان والنساء، مشيرةً إلى وجود فروقات بين حرية التعبير وخطاب الكراهية والتحريض وتأليب الرأي العام على النساء والدعوات المبطنة لاستهدافهن.

وشددت على أن الكراهية ضد النساء ظاهرة عالمية تحد من حريتهن وتضعف مدى وجودهن في الحياة العامة، مؤكدةً أنه خطاب سهل التعرف عليه برغم الاختلاف في التعريفات.

 

 

بدورها أشارت الناشطة النسوية والحقوقية من ذات الجمعية، جنين التليلي، إلى أن تقديم التقرير يأتي على خلفية اليوم العالمي لحقوق النساء، لافتةً الى أن 177 فيديو تم تحليله تناول ما يقدم من خطاب معادي للنساء وفيه كراهية وتحريض وإهانة، متطرقةً إلى أن التقرير لا يطالب بالوصاية على وسائل الإعلام وتقييد حرية التعبير.

وأوضحت أن خطاب الكراهية يضاعف العنف في الفضاء العام والخاص لاسيما وأن التأثر بالإعلام لازال قوياً فيتم استبطان الخطاب وإعادة إنتاجه بشكل معين، حيث أن هذا الخطاب يؤدي إلى ممارسات عنيفة تصل إلى القتل والسحل ويؤثر على مشاركتهن في الفضاءات العامة في الحياة اليومية وعبر الإنترنت.

ولفتت إلى أن خطاب الكراهية يستخدم وفق التقرير، للتشكيك في كفاءة المرأة وتواجدها في مراكز صنع القرار لاسيما تلك التي تصنف ضمن ما يعتبر مجالات هي حكر على الرجال، وتحصر بعض البرامج النساء في أدوار ومهن معينة كالأمومة، وبذلك هو خطاب قادر على التأثير على الأجيال المقبلة من الفتيات اللاتي قد يتأثرن بمثل هذه الرسائل مما يجعلهن يترددن في تحقيق طموحاتهن.

وأوضحت أن خطاب الكراهية تنتج عنه آثاراً سلبية تمتد عبر مختلف المستويات ونفسياً يظهر بشكل خاص في الصحة العقلية والعاطفية عليهن ويؤدي إلى تطبيع السلطة الذكورية والأبوية مما يدفع بعض النساء إلى تبني الخطاب من أجل نيل الرضا المجتمعي، كما يخلق بيئة غير مرحب بالنساء فيها ويعزز القوالب النمطية التي تقلل من أدوارهن داخل المجتمع.

ووفق التقرير فإن الخطاب يساهم في التطبيع مع التحرش من خلال تبرير السلوكيات المسيئة وتصويرها كأمور طبيعية أو في إطار المزاح مما يقلل من خطورته في الوعي الجماعي كما يؤدي إلى إلقاء اللوم على الضحية وإعادة إنتاج الصور النمطية التي تبرر العنف ضد النساء إلى جانب إضعاف التشريعات المناهضة للتحرش والتشكيك في مصداقية الضحايا، كل ذلك يخلق بيئة مشجعة على الإفلات من العقاب حيث يصبح المتحرش مقبولاً اجتماعياً مما يهدد النساء.