ثورة 19 تموز حققت تحولات كبيرة في حقوق المكونين المسيحي والايزيدي

انخرط المكونين المسيحي والايزيدي وهما مكونان أصيلان في إقليم شمال وشرق سوريا بثورة 19 تموز، وشاركت النساء في تنظيم شعوب المنطقة، بالمقابل حافظت الإدارة الذاتية على الخصوصية والحقوق لهذين المكونين فكان أن افتتح مؤسساتهما النسائية والمدنية والعسكرية.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ تحل الذكرى الـ 13 لثورة 19 تموز ولكن الكثير من التفاصيل ما تزال تروى، لتكشف كواليس ما حدث في صيف العام 2012، ومن الجوانب المهمة التي عالجتها الثورة، وأعادت فيها الحقوق لأهلها هو دعم المكون الايزيدي والمسيحي "الأرمني السرياني والكلداني والآشوري"، فأعادت لهم صوتهم المسلوب، وعرفت العالم بما حدث من مجازر بحقهم ومنحتهم خصوصيتهم بعد أن عمل النظام السابق على صهرهم مع جميع المكونات وسلب خصوصيتهم. 

 

"نجحت الثورة لأنها اعتمدت على القوة الذاتية لشعوب المنطقة"

ممثلة الاتحاد النسائي السرياني في سوريا إلهام مطلي أكدت أن تحرير كوباني في 19 تموز/يوليو 2012 هو رمز للمقاومة، وأن الثورة "ساهمت بتحولات كبيرة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجندرة، ولهذه الثورة دور كبير في انخراط المرأة في مختلف المجالات على الرغم من التهميش الذي عاشته في عقود سابقة وتمكنت بفضل مبادئ الثورة من التخلص من التبعية للرجل والعادات والتقاليد البالية".

وشددت على أن الثورة نجحت لأنها "اعتمدت على القوة الذاتية للشعوب الأصيلة في المنطقة وهي الشعب الكردي والآشوري الكلداني والكردي والعربي والسرياني وغيرها، بالإضافة إلى توجهها وفق مسار مختلف واستراتيجية واضحة تتماشى مع الواقع السوري وواقع شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، وأيضاً اعتمد نجاحها على مشروع الأمة الديمقراطية وحرية المرأة".

وأضافت "الثورة ضمنت مشاركة المرأة في الإدارة الذاتية وكتابة العقد الاجتماعي وتشكيل المجلس التشريعي وسن القوانين، وتعزيز مبدأ الرئاسة المشتركة، كما أن تمثيل المرأة السريانية حقيقي وهي تشارك مع جميع نساء المنطقة وقد حققت نجاحاً كبيراً".

وطورت المرأة السريانية في ظل الثورة من تنظيمها المدني والعسكري والأمني وعن ذلك قالت إلهام مطلي "الحاجة للحماية الذاتية دفعت النساء لتشكيل قوات عسكرية خاصة منها وحدات حماية المرأة، ونحن بدورنا كشعب سرياني كلداني أشوري شكلنا قوات نساء بيت نهرين لتمثل شعبنا وتحمي مكتسباته، وشاركت هذه القوات في حملات التحرير من داعش، كما أسسنا قوى أمن داخلي باسم السوتورو، لحماية شعوب المنطقة".

ولفتت إلى أنه تضافرت جهود النساء في إقليم شمال وشرق سوريا بفضل الثورة، وهذا ما ميزها عما حدث في سوريا "بلون واحد تشكلت الحكومة السورية الجديدة وهذا لا يشجع بمستقبل يكون للمرأة فيه دور في سوريا، وما يحدث في الداخل السوري كالمجازر بحق العلويين وبحق الدروز هو استمرار لاستهداف النساء كونهن المتضرر الأول ونؤكد دعمنا للمتضررات سواء في سوريا أو الشرق الأوسط".

وأشارت إلى الرغبة الكبيرة لدى نساء إقليم شمال وشرق سوريا لتعميم التجربة في سوريا "نريد أن يكون تمثيل النساء حقيقي في الداخل السوري ولدى مؤسساتنا جهود كبيرة للتعريف بمرتكزات ثورتنا، فهذه المكتسبات يجب تعزيزها والاستمرار بها، فالنضال حقيقي والشهداء لهم الفضل بما وصلنا إليه لكن هناك الكثير من الفتن ولذلك يجب الانتباه لحماية الثورة".

وبينت أن الثورة قامت على أساس حرية الشعوب ولم تكن لمكون أو شعب واحد وأن "ما يحدث بحق المرأة السريانية هو محاولة لتفريغ نضالها القومي المسيحي كما حدث في تفجير كنيسة مار الياس في العاصمة دمشق حيث يتم إقصاء المرأة السريانية وهذا ما يدفعها للتفكير بالهجرة فهذه الفصائل تريد إعادة النساء لآلاف السنوات وتفرض عليهن الحجاب وتحاول أن تحبسهن في المنزل، لذلك يجب أن نعزز المكتسبات التي حصلنا عليها وننقل تجربتنا إلى جميع بلدان العالم لأن ما نعمل عليه هو مطلب كل النساء أينما كن".

 

 

ثورة 19 تموز مظلة الحماية للمكون المسيحي

فيما تحدثت عضوة تنسيقية اتحاد المرأة الأرمنية وعضوة القيادة العليا للمجلس الوطني الأعلى لأرمينيا الغربية أناهيد قصبيان عن الخوف الذي عاشه المسيحيون في سوريا عندما بدأت تتحول الثورة السورية إلى حرب فصائل تحت شعارات إسلامية سلفية.

وبينت أن الأمهات سارعن لبيع أثاث منازلهن من أجل حيازة السلاح لحماية عوائلهن، بعد ازدياد الخوف مع سيطرة جبهة النصرة على مدينة رأس العين/سري كانيه، وشاركت المسيحيات مع وحدات حماية الشعب التي كانت حديثة التأسيس في الحماية، ثم انتقلن للعمل الإداري مع تنظيم قوى الأمن الداخلي "الأسايش"، وقد شاركت أناهيد قصبيان بنفسها في تأسيس الكومينات، ثم مؤتمر ستار في مدينة الحسكة وغيرها من المؤسسات.

وأشارت إلى أن "المرأة بدأت بالتحرر من الفكر الذكوري السلطوي بعد تلقيها التدريبات الفكرية وهو ما انعكس على الحياة في العائلة التي أصبحت أكثر تنظيماً"، لافتةً إلى أن التدريب الفكري ساعد المرأة على تطوير شخصيتها وهي من هؤلاء النساء، فقد أثبتت نفسها وكانت من المؤسسين للعديد من المؤسسات، وشاركت في إعادة الحياة إلى مقاطعة دير الزور بعد تحريرها من داعش عام 2019.

وأضافت "انطلقت المرأة بعد تحررها من الذهنية الرجعية فأصبحت تعارض ذهنية الدولة وبدأت بتأسيس حياتها بشكل جديد انطلاقاً من تغيير قواعد العائلة، وثورة المرأة عالمية لذلك لم يقتصر نشاطنا على مناطقنا بل دائماً ما كانت أعيننا على سوريا والشرق الأوسط، ومؤتمر تحالف ندى الأخير يعتبر منطلق مهم وفق هذا الأساس لأن كل امرأة لديها قضية لذلك عليها أن تنظم نفسها".

ولفتت إلى أن "تكاتف النساء في إقليم شمال وشرق سوريا ساهم في نهوض مناطقنا في وجه الفتنة والإسلام الجهادي السياسي الذي انتشر في سوريا وهذا الإسلام لم يتناسب مع ثورة المرأة لذلك تمت محاربتنا بشراسة، ولحماية ثورتنا نعمل على نشر ثقافة الثورة وتجربة الإدارة الذاتية ونستهدف النساء وقد تأثرت نساء المكون الدرزي اللواتي زرن مناطقنا ومؤسساتنا النسائية بتجربتنا ولديهن الشجاعة لتغيير مناطقهن، كما أن مجلس المرأة السورية افتتح مكتبه في دمشق وبذلك جهودنا مستمرة لنشر فكر وسياسة الثورة لمحاربة الإسلام السياسي الراديكالي المعادي للمرأة".

وأشارت إلى أن المكون الأرمني هُمش وقضيته غير معروفة، وقد انصهر بين جميع مكونات المنطقة "لم يعرف أحد بما عانيناه كمكون أرمني لذلك بدأنا بالعمل على قضيتنا سواء على ملف الإبادة أو الإحصائيات وشكلنا المجلس الوطني لأرمينيا الغربية على مستوى العالم، وهذا من ميراث الثورة الذي سنحافظ عليه".

 

 

المرأة الايزيدية في طليعة النضال الديمقراطي

من جانبها قالت الإدارية في اتحاد ايزيديي سوريا سعاد حسو، على أن ثورة 19 تموز تُعرف بثورة المرأة، حيث كانت المرأة الكردية في طليعة هذه الثورة، ما منحها صدى واسعاً على مستوى العالم، مشيرةً إلى أن ثورة التاسع عشر من تموز نجحت في تأسيس تنظيم قوي احتضن مختلف المكونات والأديان، وفق أسس ديمقراطية متينة، مما أتاح للمكون الايزيدي الفرصة ليلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً ضمن هذا الإطار التنظيمي.

وأضافت "من خلال النضال الطويل والتضحيات الجسيمة التي قدمتها المرأة الإيزيدية والشعب الايزيدي، بات من الممكن القول إننا نمتلك تنظيماً قوياً قادراً على التصدي لجميع الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الايزيدي، واليوم، تلعب المرأة الايزيدية دوراً ريادياً في مختلف المجالات، من السياسة إلى العمل العسكري والتنظيمي، ما يعكس بوضوح أحد أبرز مكتسبات ثورة 19 تموز التي فتحت آفاقاً واسعة أمام المرأة الايزيدية للانخراط الفاعل والمثمر في مسارات التغيير وبناء المجتمع".

ولفتت إلى أن المرأة الايزيدية استطاعت أن تتصدى لجميع المخططات والمؤامرات التي سعى داعش من خلالها إلى إبادة الشعب الايزيدي، وقد لعبت دوراً محورياً في تحرير مدينة الرقة من قبضة أحد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، لتوجه بذلك ضربة موجعة لذهنية الهيمنة التي استهدفت الشعب الايزيدي عبر قرون من القمع والانتهاكات.

وأكدت سعاد حسو على أن دور المرأة الإيزيدية لم يتوقف عند ذلك، بل قامت بتفعيل مجالس نسائية تهدف إلى تنظيم النساء وتمكينهن من المشاركة الفاعلة في مختلف مجالات العمل، وساهمت بشكل ريادي في إعلان الإدارة الذاتية في شنكال، كما توسعت جهودها التنظيمية لتشمل النساء الايزيديات في إقليم شمال وشرق سوريا وأوروبا، ما يعكس عمق تأثيرها وشمولية نضالها.

واعتبرت تأسيس اتحاد المرأة الإيزيدية في إقليم شمال وشرق سوريا، أحد أبرز المكتسبات التي حققتها المرأة منذ انطلاقة ثورة 19 تموز، وهو دليل حي على قدرتها في تحويل معاناتها إلى قوة تنظيمية وسياسية واجتماعية رائدة.

وأوضحت أن سوريا تشهد اليوم انتهاكات متواصلة بحق مكوناتها المتعددة، ترتكبها جهاديي هيئة تحرير الشام، بأساليب لا تختلف عن ممارسات داعش الإرهابي من حيث القمع والتطرف، فصائل مثل "العمشات" وغيرها التي كانت في طليعة الهجوم على مدينة عفرين بمشاركة الاحتلال التركي، هي ذاتها التي ارتكبت مجازر بحق الطائفة العلوية في الساحل السوري، وتعود اليوم لتكرر جرائمها ضد أبناء الطائفة الدرزية.

وأشارت إلى أن هذه الفصائل تنتهج خطاباً متطرفاً يعمل على بث الفتنة والحقد بين أبناء سوريا، عبر استهداف الرموز الدينية وإهانة كرامة الإنسان السوري، مستندين إلى عقلية إقصائية لا تعترف إلا بنفسها ودينها ولغتها، وما يزيد من خطورة هذه الانتهاكات هو مشاركة قوات أجنبية منضوية تحت راية تلك الفصائل، تساهم بارتكاب جرائم بحق المدنيين السوريين، وقد عُرفت هذه الجماعات باستخدام عبارات تحريضية مهينة، كتلك التي نُقلت عنهم خلال اقتحامهم لعفرين، والساحل السوري، والسويداء، في تعبير واضح عن ذهنية عنصرية وإرهابية تتنافى مع قيم التعددية والعيش المشترك التي يطمح إليها السوريون.

بينما في إقليم شمال وشرق سوريا، تتجسد تجربة تنظيمية رائدة وقوية، حيث تعيش جميع المكونات والأديان جنباً إلى جنب دون أي شكل من أشكال التمييز كما أوضحت سعاد حسو، ويُبذل جهد جماعي لحماية اللغة والثقافة المحلية باعتبارهما ركائز الهوية الأصيلة "نحن أصحاب مشروع الأمة الديمقراطية، ونتمتع بثقة راسخة في قدراتنا العسكرية والتنظيمية والفكرية".

وقالت سعاد حسو في ختام حديثها "لقد أثبت الشعب في هذه المنطقة قدرته التنظيمية العالية، فخلال الأربعة عشر عاماً الماضية، تمكّنا من تأسيس مؤسسات شاملة تعبّر عن الإرادة المجتمعية، وكان للمرأة دور محوري في هذا البناء، إذ انخرطت بقوة في جميع هذه المؤسسات عبر التدريب والتأهيل والتنظيم، ما أسهم في صياغة نموذج ديمقراطي فريد في المنطقة".