عندما يصبح جسد المرأة لغة احتجاج
في ساحة المعركة التي يصنعها العقلية الذكورية المهيمنة، تُظهر أجساد النساء عنفاً ومقاومةً وذاكرةً تاريخية؛ ذاكرةً تصرخ من الرحم إلى الحليب، ومن الحيض إلى الصمت، مناشدةً السلام.

فيان مهربرور
مهاباد ـ "كان تكرار دوي الصواريخ والدفاعات الجوية ليلاً يثير مخاوف عميقة في نفسي. كان أكبرها أن يحدث مكروه لطفلي ذي الشهرين. لا أغمض عيني عنه ليلاً، لكنني لم أعد أستطيع إرضاعه، فقد جفّ ثدييّ منذ بدء الحرب"، بهذه الكلمات عبرت الشابة سيران خيراتي عن مخاوفها من الصراع الإيراني الإسرائيلي.
سيران خيراتي، الشابة التي أصبحت أماً مؤخراً، تعيش حالة من القلق والتوتر منذ بدء الصراع الإيراني الإسرائيلي في 13 حزيران/يونيو الجاري، وتعاني من أعراضاً جسدية مثل مئات النساء الأخريات في إيران اليوم وعلى مر التاريخ. أعراضٌ حوّلت جسد المرأة إلى ذاكرة تاريخية وراثية.
للصراع أيضاً تأثيرٌ لا يمكن إنكاره على الأجساد التي تحمل جيل المستقبل وتلعب دوراً في البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمعات، ولكن ما يحدث لها يخضع للرقابة في ظل هيمنة المحرمات والنظام الأبوي. تسعى النساء، بتشوهات أجسادهن البيولوجية والسياسية، إلى الاحتجاج على الصراع، وإثبات وجودهن في مجالات البناء وتحقيق ذاكرة تاريخية أنثوية، كما أن روايات النساء ونظريات المفكرين والحقائق العلمية تشهد على هذه الحقيقة.
روايات أنثوية بالكامل
بعد بدء الهجمات الصاروخية، سيطر القلق على الناس وتسبب تغييرات في أجساد النساء. سما مرواني (اسم مستعار)، وهي امرأة من مدينة مهاباد، على الرغم من قولها إنها تسيطر على قلقها، إلا أنها عانت من دورة شهرية مبكرة "كنت أعلم أن القلق يؤثر على الدورة الشهرية، لكنني لم أعتقد أنه يمكن أن يحدث لي. لا أحد يتحدث عن هذه المشكلات لأنهم يعتبرونها من المحرمات".
وقد مرت نساء أخريات مثل بهارة بتجربة مماثلة، وتقول "بدأت الدورة الشهرية لدي مبكراً أكثر من المتوقع، أعتقد أن جسدي يرفض الصراع بهذه الطريقة".
بدورها قالت بروانة أن "الدورة الشهرية تأخرت، وبعد زيارة الطبيب علمت أنه في حالات مثل الحرب، من الممكن أن تتأخر الدورة الشهرية أو تنقطع أو تأتي مبكراً".
إن عدم انتظام الدورة الشهرية لدى بعض النساء، وخاصةً اللواتي أنجبن حديثاً، يتخذ شكلاً مختلفاً، وتقول ماريا "عندما تصبحين أماً، تدفعكِ احاسيسكي إلى توخي المزيد من الحذر. لديّ طفل عمره شهر واحد، ورغم أن حليبي كان يكفيه، إلا أن كمية حليبه بدأت تتناقص منذ بضعة أيام. ووفقاً لتجربة والدتي في اشتباكات ما بعد الثورة في شرق كردستان وتجربة صديقاتي في الاحتجاجات الأخيرة، فإن هذا يحدث للأمهات في الحروب والصراعات".
الهرمونات والتغيرات في أجساد النساء أثناء الحرب
وفقاً للنتائج العلمية، يتعرض جسم الإنسان لضغوط مزمنة في حالات الحرب، تؤثر هذه الضغوط بشكل مباشر على الجهاز الهرموني لدى المرأة حيث يؤدي ارتفاع الكورتيزول (هرمون التوتر) إلى اختلال توازن الهرمونات الجنسية مثل الأستروجين والبروجسترون، تؤدي هذه التغيرات إلى حدوث الدورة الشهرية مبكراً أو متأخراً عن موعدها المتوقع، أو حتى انقطاعها. في مثل هذه الحالات، عندما يشعر الدماغ بالخطر، يُرسل إشارات للحفاظ على الطاقة ومنع الحمل، مما يؤدي إلى تعطل الحمل بسبب عدم انتظام الإباضة أو توقفها، كما قد ينخفض هرمون "البرولاكتين"، المسؤول عن إنتاج الحليب لدى النساء بسبب التوتر الشديد.
الجسد... من ميدان السياسة إلى السلام
الحرب بحد ذاتها سببٌ للاغتصاب، والعبودية الجنسية، والحرمان من المرافق الصحية والطبية، والتشرد، والعنف الهيكلي ضد المرأة في سياق النظام الأبوي، هذه الأسباب كافية لفهم سبب كون تحليل الحرب دون مراعاة النوع الاجتماعي غير مكتمل وغير عادل، ولعل هذا هو السبب في أن الحيض أو الرضاعة الطبيعية، وهما مظهران طبيعيان لجسد الأنثى، يصبحان علامة معاناة ومقاومة وتحذيراً في أوقات الأزمات. على سبيل المثال، يبدو الأمر كما لو أن جسد الأنثى، بتوقفه عن الحيض، يُظهر رد فعل احتجاجي على العنف وانعدام الأمن وهو رد فعل سياسي بحت.
لدى المفكرات أفكار قيّمة حول تأثير الحرب على النظام البيولوجي للمرأة. في أحد كتبها، تقول سينديا إنلوي إن النساء في الحروب يُعرّفن بأنهن أمهات أو ممرضات أو ضحايا اغتصاب أو عاملات خدمات، وليس كفاعلات سياسيات مستقلات؛ فعندما يكون جسد المرأة في أزمة واضطراب، ينبغي النظر إليه على أنه انعكاس لضغط الهيكل السياسي والعسكري، وليس مجرد عرض جسدي.
وتعتقد أن الحرب والقلق يؤثران على أجساد النساء وعقولهن، كما تقول جوديت بتلر إن قلق النساء في الأزمات هو نتيجة لعدم المساواة الهيكلية والعنف، وأن الاضطرابات البيولوجية يمكن أن تكون أيضاً شكلاً من أشكال الاحتجاج السياسي.
وكما قالت نوال السعداوي أيضاً، إن الحرب تُثقل أجساد النساء ليس فقط بالعنف الجسدي، بل أيضاً بالضغوط النفسية والخوف وانعدام الأمن وبدون معالجة هذه الآلام لا سبيل إلى تحقيق السلام الحقيقي، كما أنه من الواضح للجميع أن الطريق إلى الحرية والسلام مرتبط بالنساء، فإن الاهتمام بهذه العلامات الوراثية هو تعبير عن دعوة النساء والأمهات لوقف الحروب الدموية من الماضي إلى المستقبل.