تغير المناخ يتسبب بخسائر اقتصادية وبقاء أكثر من 50 مليون أفريقي دون مياه
توصلت دراسة حديثة أجراها مركز التنمية العالمية إلى أن البلدان الأفريقية وبسبب تغير المناخ، ستعاني من خسائر اقتصادية كبيرة، مع بقاء أكثر من 50 مليون أفريقي دون مياه بحلول عام 2050.
بيروت ـ أشار تقرير علمي حديث جمع أكثر من 139 دراسة من مصادر مختلفة ونشره مركز التنمية العالمية أواخر الشهر الماضي، إلى أنه بحلول عام 2050 وبسبب تغير المناخ، ستعاني البلدان الأفريقية في العقود القادمة من خسائر اقتصادية بسبب النقص الكبير في المحاصيل نتيجة شح المياه، وبالتالي ستتأثر مبيعات المحاصيل حيث ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فضلاً عن بقاء أكثر من 50 مليون أفريقي دون مياه.
سيواجه حوالي 200 مليون شخص خصوصاً من الفئات المهمشة خطر المعاناة من الجوع الشديد، وستصل نسبة خسارة إيرادات المحاصيل إلى 30% تقريباً، وترتفع معدلات الفقر بنسبة تتراوح بين 20 ـ 30% وخصوصاً في المجتمعات الريفية.
ويعمل مركز التنمية العالمية على الحد من الفقر العالمي وتحسين الحياة من خلال البحوث الاقتصادية المبتكرة التي تدفع سياسات وممارسات أفضل من قبل كبار صناع القرار في العالم.
ويشكل تغير المناخ تهديداً متزايداً للعالم وستصبح الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة شيئاً عادياً، فضلاً عن تغير أنماط هطول الأمطار الذي سيصبح أكثر تواتراً، مما يشكل تهديداً خاصاً للبلدان النامية، حيث المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هشة، وإذا لم تتم معالجة خطر تغير المناخ، فإن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلدان النامية، خاصةً في أفريقيا ستتعمق وتؤدي إلى تآكل المكاسب التي تحققت في مجال التنمية في العقود الماضية.
وقد حفز هذا القلق الاهتمام البحثي بآثار تغير المناخ على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وجاء الغرض من هذا التقرير لجمع الأدلة وتحليل آثار تغير المناخ على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في البلدان النامية، وتضمن هذا النهج مراجعة الدراسات المنشورة سابقاً حول هذا الموضوع، مع التركيز على البلدان النامية.
وفي أفريقيا، يعمل 42.5% من الطبقة العاملة في القطاع الزراعي، حيث سوف تنخفض مداخيل هؤلاء العمال خلال العقود القادمة، ومعظمهم من الريفيين حيث يشكلون نسبة أكبر من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية هم من الفقراء، ومن المرجح أن يؤدي تراجع القطاع الزراعي إلى دفع المزيد من الناس إلى الفقر المدقع، كما وأن قضايا الأمن الغذائي ستصبح في الواجهة لدى العاملين في القطاع الزراعي وسيواجهون خطر فقدان وظائفهم، لا سيما في الأرياف حيث يعتمدون فقط على الأمطار وليس لديهم أنظمة ري لزراعة محاصيلهم.
وتابع البحث في الناتج المحلي للدول، ولفت إلى أن تغير المناخ وآثاره سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.12% على المدى الطويل، أي إلى عام 2050 وما بعده، وتشير التوقعات على مستوى الدول إلى خسائر اقتصادية أكبر بكثير في الناتج المحلي الإجمالي، تتراوح من 11.2 بالمئة إلى 26.6 بالمئة على المدى الطويل.
وينبئ الناتج المحلي الإجمالي بحالة ثروة الاقتصادات في أي وقت، حيث من خلال خلق الثروة، تظهر الشركات ويتم خلق فرص العمل، وبالتالي دفع الضرائب للاستثمار في البنى التحتية وفي الخدمات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والتأمين ضد البطالة، ولهذا فإن إمكانات خلق الثروة في الاقتصاد سوف تتأثر بشدة إذا استمر تغير المناخ بالوتيرة الحالية، وفي المناطق الأكثر تضرراً في أفريقيا، عندما يتقلص حجم الاقتصادات، يمكن أن تغلق الشركات أبوابها، وسيتم إلغاء وظائف معينة ولن يتم خلق وظائف جديدة.
وبالنسبة لشعب أفريقيا، يعد هذا أمراً مهماً للغاية لأنه من المتوقع أن يصل عدد سكان القارة في السنوات القادمة إلى أكثر من ملياري نسمة، فالسكان الأفارقة هم الأكثر شباباً في العالم، لذا إذا تقلصت الاقتصادات الأفريقية، فإن مصير هؤلاء الشباب ومصدر رزقهم يعتبر مصدر قلق كبير.
ومن المحتمل أن تعاني القارة من نقص حاد في المياه في المنازل والصناعات وللأغراض الزراعية، حيث سيكون هناك إمدادات أقل بكثير لدرجة أنها لا تلبي احتياجات السكان، وسيكون هناك طلب متزايد على الموارد المائية، ولكن بسبب نقص العرض، سترتفع أسعار المياه بشكل كبير.
كما ومن المرجح أن تتزايد أعداد المناطق التي تعاني من نقص المياه والمناطق المعرضة لخطر الفيضانات في المستقبل بسبب تغير المناخ، حيث يؤثر على الدورات الهيدرولوجية، مما يؤثر على مستويات المياه العذبة والمياه الجوفية، ومستويات وتوقيت تدفق المجاري المائية، ومستويات هطول الأمطار، ولن يكون الأمر مقتصراً على أفريقيا فحسب، فبالنسبة لمناطق أخرى، مثل آسيا وأمريكا الشمالية، أشارت الأدبيات العلمية من مصادر متعددة إلى تأثيرات تتراوح بين انخفاض معتدل وزيادة في ندرة المياه، ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي حالات الجفاف والفيضانات الشديدة في المستقبل إلى تفاقم المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي، وزيادة عدد النازحين بسبب الفيضانات.
وبالنسبة للأمن الطاقوي، وجد التقرير أن هناك بعض الإجماع أن يعاني أمن الطاقة في المستقبل نتيجة التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ، لكن الآراء منقسمة حول آثار تغير المناخ على إمكانات توليد الطاقة خصوصاً إمكانات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية، فإن تأثير تغير المناخ على توليد الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية ليس واضحاً.
ولفت التقرير إلى دور الحكومات بالعمل على تعزيز جهود التغيير المطلوبة من خلال دعم المبادرات الخاصة في مجال التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، إما بشكل مباشر أو من خلال تصميم الحوافز، حيث لا توجد في أفريقيا محاولات للتكيف والتخفيف أو هي صغيرة جداً، ولكن إذا تم تنسيق هذه الجهود الصغيرة، فمن الممكن توقع نتائج، كما ويمكن للأسر الفردية والشركات الفردية أن تفعل الكثير، فعلى سبيل المثال، يمكن للناس تقليل كمية اللحوم ومنتجات الألبان التي يتم تناولها أو تغيير كيفية استخدام وسائل النقل واللجوء إلى ركوب الدراجات أو المشي أو وسائل النقل العام عندما يكون ذلك ممكناً، وفي المنزل، يمكن اعتماد ممارسات توفير الطاقة، ويجب احترام وحماية المساحات الخضراء.
كما وأكد التقرير أن لكل فرد صوت ومن المهم استخدامه في القضايا المتعلقة بالمناخ، حيث يجب على الأشخاص الذين يستخدمون البنوك التأكد من قيامهم باستثمار مسؤول لأموالهم لتكون في مجالات صديقة للمناخ.