تداعيات تعديل قانون الأحوال الشخصية محور جلسة تشاورية في بغداد
بهدف تسليط الضوء على التحديات والثغرات في تطبيق قانون الأحوال الشخصية في سياق تحقيق المساواة والعدالة، نظّمت شبكة "النساء العراقيات "جلسة تشاورية بمشاركة حقوقيات وناشطات، وأمهات تضررن من تطبيق التعديلات على القانون.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ شدّدت المشاركات في الجلسة التشاورية على ضرورة احترام الدستور باعتباره المرجعية العليا التي تضمن المساواة والعدالة وعلى أهمية دور منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن الحقوق المكتسبة للنساء، محذرات من آثار التعديل القانوني في تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.
نظّمت شبكة "النساء العراقيات "جلسة تشاورية أمس الأحد 13 تموز/يوليو، في قاعة جمعية الأمل ببغداد، بهدف تسليط الضوء على التحديات والثغرات في تطبيق قانون الأحوال الشخصية، وما يترتب عليها من تأثيرات على الحقوق المكتسبة للنساء والأطفال في سياق تحقيق المساواة والعدالة، شارك في الجلسة عدد من القضاة المتخصصين من المحاكم العراقية، إلى جانب قانونيات وناشطات، وأمهات تضررن من تطبيق التعديلات على القانون، حيث جرى نقاش موسّع حول انعكاسات تلك التعديلات على واقع المرأة والطفل وسبل معالجتها.
أهمية التماسك الاجتماعي
وعلى هامش الجلسة أكدت رئيسة جمعية الأمل العراقية هناء أدور، أن القانون العراقي أقرّ بحق الاعتراف بالمذاهب والأديان المختلفة، وسعى إلى توحيد العراقيين تحت إطار قانون موحد، وهو ما يمثل مهمة أساسية تصبّ في خدمة المجتمع وتطوره، مشددةً على أن الدستور هو المرجعية العليا التي تحكم مسار الحياة والتقدم في البلاد، وبالتالي لا يجوز المساس به أو خلق حالة من القلق والانقسام التي تؤدي إلى تمزق النسيج الاجتماعي العراقي القائم على التنوع والتعدد المذهبي والاثني "أن قلق الامهات والكراهية والعداء بين الزوج والزوجة أدت إلى تفكك الأسرة وهو ما يؤثر سلباً على استقرار الأسرة والمجتمع".
وتطرقت إلى دور منظمات المجتمع المدني "عملت منذ عام 2008 وحتى 2013 مع القضاء عبر ورش عمل ودورات تدريبية تناولت قانون الأحوال الشخصية"، مؤكدةَ على استمرار الحاجة إلى تعزيز التعاون بين المجتمع المدني ومجلس القضاء الأعلى، انطلاقاً من كون منظمات المجتمع المدني تمثل صوت الأهالي التي لا تملك الوسائل الكافية للدفاع عن حقوقها، وذلك بالتنسيق مع المحامين والخبراء القانونيين.
كما نوّهت إلى الجهود الحثيثة التي بُذلت لإلغاء المادة 41 التي أُدرجت ضمن التعديلات الدستورية من قبل مجلس النواب واعتُبرت مادة خلافية، مشيرةً إلى سلسلة من القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية بشأن دعاوى سعت لتفعيل تلك المادة على مدى سنوات، وأن المحكمة الاتحادية أكدت أن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 هو قانون موحد شُرّع لجميع العراقيين، ويتوافق مع الشريعة الإسلامية والدستور "أن منظمات المجتمع المدني تضع في صلب أولوياتها تماسك المجتمع العراقي وتطوره، وتعمل على توحيد الجهود في سبيل بناء مجتمع متماسك وعادل".
الدستور هو الأساس
من جانبها أوضحت الناشطة من شبكة "النساء العراقيات" أمل كباشي دور المجتمع المدني في الدفاع عن مكتسبات النساء في ظل قانون الأحوال الشخصية، مشيرة إلى أهمية تكوين رأي عام مجتمعي ضاغط من أجل الحفاظ على هذا القانون، لما قدّمه من ضمانات قانونية عزّزت سلطة القضاء وساهمت في الحفاظ على وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي، لاسيما في ظل طبيعة المجتمع العراقي المختلط والمتنوع بعلاقاته الاجتماعية.
وأكدت أن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 أتاح مساحة واسعة من التطبيقات القضائية التي ساعدت في ترسيخ سلطة القضاء، وأن التخلي عنه بتجربة جديدة ربما ستؤثر سلباً على استقرار المجتمع وعلى وحدة التماسك الاجتماعي.
كما أشارت إلى أن الدستور العراقي ينص على أن "العراقيين متساوون أمام القانون" وهذا يؤكد أن الرجال والنساء يقفون على قدم المساواة أمام القانون دون تمييز، مضيفةَ أن العودة إلى أحكام الفقه لا تعني بالضرورة تبنّي رؤية موحّدة، إذ إن الفقه ذاته يعتمد على رؤى فقهية فكرية وإنسانية متعددة، وبعض الأحكام الفقهية ليست مستنبطة مباشرة من القرآن أو الشريعة، بل متأثرة بالطبيعة الاجتماعية السائدة، وهو ما يظهر في عدد من القضايا.
وقدّمت مثالاً على ذلك من المذهب الجعفري، حيث تُمنع النساء من وراثة الأراضي الزراعية بينما يُسمح لهن بما تمنح الشجر، وهو أمر لا نص عليه في القرآن، بالمقابل، حدد قانون الأحوال الشخصية أحكام الميراث بدقة ووضوح، بناءً على نسب محددة، دون تمييز بين طبيعة الأموال الموروثة، كما أن بعض الأحكام الشرعية تميل إلى تفضيل الرجل، كما هو الحال في موضوع الحضانة.
وشدّدت على أن منظمات المجتمع المدني منذ انطلاق حملاتها المدافِعة ضد تعديل القانون، استندت إلى حقيقة أن العراق ليس دولة دينية، بل دولة مدنية والدستور العراقي ينص على أن الإسلام هو أحد مصادر التشريع، والقوانين تستنبط من أحكام الشريعة بما يتوافق مع مبادى الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، وهذا ما نص عليه الدستور، وبالتالي يجب على الدولة أن تحقق المساواة والعدالة بين جميع الأفراد وهذه من مسؤولياتها ليس مسؤولية الدولة أن تضمن دخول الأفراد إلى الجنة.
أمهات متضررات وبنات معنفات
وعرضت رقية عبد الكريم وهي إحدى الأمهات المتضررات من تعديل قانون الأحوال الشخصية، تجربتها الشخصية المؤلمة خلال الجلسة، مشيرةً إلى التداعيات السلبية التي لحقت بأسرتها نتيجة التعديل "أنا زوجة وأم لثلاث بنات ومازالت قانونياً غير منفصلة عن زوجي، في شهر آذار وبعد أسبوع فقط من تنفيذ قانون تعديل الأحوال الشخصية فوجئت بأن زوجي قد حولً عقد زواجنا إلى مذهب آخر دون علمي، علمت بذلك بالصدفة فذهبت إلى المحكمة حيث سلمني القاضي نسخة من عقد الزواج المعدل، فتبين أنه حولً نفسة والأطفال إلى القانون الجديد بينما بقيت خاضعة لقانون الأحوال الشخصية قبل التعديل الأمر الذي يعني أن زوجي وبناتي يتبعون قانوناً وأنا أتبع قانوناً أخر".
وأضافت كان الاتفاق بيني وبين زوجي أن يأتي لآخذ الأطفال من البيت لرؤيتهم، لكنه لم يلتزم وأصبح يرى بناته عن طريق مؤسسة، وفي كل مرة تعدن إليَ بعد الزيارة تبدو عليهن آثار العنف والضرب واضحة، وعندما عاتبته وطالبته بضرورة معاملتهن بلطف كان رده (هؤلاء بناتي أضربهم، أحرقهم، لا تتدخلي).
وأوضحت تقدمت بطلب ضم حضانة إلى المحكمة، وطلبت من القاضي الاطلاع على كاميرات المراقبة العامة لإثبات حالة الفتيات قبل الذهاب لوالدهن وبعد العودة، لافتةً الى أنه رغم كل شيء لم أقم دعوى على زوجي لأنه والدهن ولا أريد أن أعرضهن لموقف محرج وأن يطلب منهن الشهادة ضده في المحكمة، لكنه تمادى في تهديده حتى أخذ مني ابنتي الكبيرة، وعندما تواصلت معه رفض إعادتها وقال لي (روحي انت والقضاء) اتصل بي وطلب مني استلام الفتاتين الصغيرتين فقط، شعرت بالخوف خاصة بعد تهديده بإمكانية قتل البنات أو السفر بهن خارج العراق، فتوجهت للمحامي ورفعت دعوى ضم حضانة قبل أسبوع.
وتساءلت حول كيفية أن يجبر القانون الشابات على العيش مع والدهن "رغم انني توليت تربيتهن وحدي منذ ثمان سنوات، وأن أحدى بناتي صارحت والدها بأنها لا تستطيع العيش معي فسمعت منه كلاماً جارحاً تخجل أن تخبرني به"، مؤكدةً أنها لا تزال تنتظر انصافها من قبل القضاء.
فيما تساءلت الناشطة والمحامية مروة عبد الرضا عن الآليات القانونية الواجب اتباعها عند تغيير مذهب عقد الزواج دون علم الزوجة، موضحة أن هناك حالات تم فيها تحويل عقود الزواج من مذهب إلى آخر، من الجعفري إلى الحنفي أو العكس، دون إشعار أو موافقة الزوجة.
وأشارت إلى أن الأصل في مثل هذا الإجراء أن يتم بموافقة الطرفين الزوج والزوجة باعتبار أن عقد الزواج عقد بين طرفين متساويين في الحقوق والواجبات، إلا أن الواقع يشهد بوجود العديد من العقود التي تم تعديلها بشكل منفرد من قبل الزوج، ما يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مدى مشروعية هذه التعديلات، ومدى احترام حقوق المرأة في مثل هذه الحالات.