سيفيلاي تشيلينك: السلام يُبنى بإرادة سياسية ولغة جديدة تتجذّر في المجتمع
اعتبرت النائبة البرلمانية سيفيلاي تشيلينك أن انسحاب مقاتلي حركة الحرية من الأراضي التركية يُشكل "خطوة أولى تمهيدية" نحو فتح مسار جديد، مؤكدة أن هذه المبادرة تُجبر الجهات المتمسكة بالعنف كوسيلة لحل القضية الكردية على التراجع وتُسقط مبرراتهم.
					آرجين ديلك أونجل
آمد ـ في خطوة جديدة ضمن "عملية السلام والمجتمع الديمقراطي" لحل القضية الكردية، أعلنت قيادة حركة الحرية في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، انسحاب مقاتلي قوات الدفاع الشعبي (HPG) ووحدات المرأة الحرة – ستار (YJA-Star) من الأراضي التركية إلى مناطق الدفاع المشروع، استناداً إلى قرارات مؤتمر حزب العمال الكردستاني الثاني عشر الذي عُقد في أيار/مايو الماضي، وبموافقة القائد عبد الله أوجلان.
يُعد هذا الانسحاب التطور البارز الثاني الذي جاء بعد مراسم إتلاف الأسلحة، وقد شارك في إعلان الانسحاب 25 مقاتلاً، بينهم 8 نساء، مؤكدين أن هذه الخطوة تهدف إلى نقل العملية إلى مرحلة جديدة وتجنب أي استفزازات أو صدامات داخل تركيا.
تحولات تاريخية في مسار السلام
اعتبرت النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي والمساواة (DEM Parti) في آمد، سيفيلاي تشيلينك، أن انسحاب قوات حزب العمال الكردستاني من الأراضي التركية يُشكل "مبادرة تمهيدية" تفتح الطريق نحو السلام، وتُفند حجج من يصرون على حل القضية الكردية بالعنف.
وأشارت إلى تصريحات رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي قبل عام، التي دعا فيها إلى السماح لعبد الله أوجلان بالتحدث في البرلمان، وفتح الباب أمام إمكانية استفادته من "حق الأمل"، معتبرة أن تلك التصريحات كانت بداية لتحولات تاريخية، مشيرةً إلى أن هذه المرحلة شهدت إعلان الحركة عن حل نفسها، إتلاف الأسلحة، وبدء الانسحاب "أن رفع العزلة جزئياً عن عبد الله أوجلان أتاح له إطلاق دعوة غير مشروطة للسلام وبناء مجتمع ديمقراطي، وهو ما يعكس ثبات موقفه منذ التسعينيات".
السلام يعود إلى الواجهة وسط جمود سياسي
وأعادت تصريحات القائد عبد الله أوجلان في مقابلة نُشرت مؤخراً من عام 1997 تسليط الضوء على مطلب العيش المشترك القائم على السلام والمواطنة المتساوية، وهو ما وصفته سيفيلاي تشيلينك بأنه مطلب مستمر منذ ثلاثين عاماً بات يُرى بوضوح في المجتمع.
ورغم الخطوات التي اتخذتها الحركة الكردية، ترى سيفيلاي تشيلينك أن غياب المبادرات العملية من جانب الحكومة أدى إلى حالة من الجمود، موضحةً أن تشكيل لجنة برلمانية وزيارة رئيس البرلمان إلى ديار بكر (آمد) تُعد خطوات مهمة، لكنها تفرغ من مضمونها حين تقدم للشارع تحت شعار "تركيا بلا إرهاب"، دون أي حديث عن السلام أو المساواة.
وأضافت أن الحكومة تُبقي هذا الجمود حيّاً عبر الضغط المتزايد على المعارضة، وتوسيع سياسات تعيين الأوصياء، مما يقوض فرص التقدم نحو حل سياسي حقيقي.
التسلط السياسي عقبة أمام السلام
وترى سيفيلاي تشيلينك أن التدخلات غير القانونية في القضاء والإعلام والسياسة تعزز الشعور بأن عملية السلام لن تُفضي إلى نتيجة، مؤكدة على أن هذا النهج يُشكل عقبة أمام السلام، وأشادت بانسحاب حزب العمال الكردستاني من تركيا كخطوة لكسر الجمود، داعيةً إلى التخلي عن خطاب "تركيا بلا إرهاب" الذي يُضيّق المجال السياسي، مشددة على ضرورة رفع المحظورات عن كلمة "السلام" وتبني خطاب وممارسات تدعم الحل السياسي.
تصاعد الإنفاق العسكري يهدد فرص السلام
وانتقدت سيفيلاي تشيلينك تخصيص تركيا 913.9 مليار ليرة للإنفاق الدفاعي و694.5 مليار ليرة للأمن الداخلي في ميزانية تركيا لعام 2025، بزيادة بلغت 165%، معتبرة أن هذا التوجه يُثقل الاقتصاد ويُضعف رفاه المواطنين وحرياتهم، مشيرةً إلى دعم تركيا لقرار قمة الناتو برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي بحلول 2035، رغم اعتراض دول أوروبية، مؤكدة أن مصالح شركات السلاح تقف خلف هذا التصعيد.
وشددت على أن السلام ليس سهلاً في ظل ارتباط مصالح العديد من الجهات باستمرار الحروب، لكن هناك من يواصل النضال من أجل التغيير، لافتةً إلى أن تركيا تحتل المرتبة 17 عالمياً في الإنفاق الدفاعي، ما يُحدث انسداداً في الحياة العامة، داعية إلى مراجعة علاقات شركات السلاح الكبرى بالحكومة، والتنبه إلى من يستخدم القومية كغطاء لمصالحه، باعتبارهم عائقاً أمام مواطنة حرة ومتساوية.
"فضح عنف الدولة كلّف الأكاديميين ثمناً باهظاً"
وأوضحت سيفيلاي تشيلينك، إحدى الأكاديميات المفصولات بسبب توقيعهن على بيان "لن نكون شركاء في هذه الجريمة"، أن النضال من أجل السلام لا يقتصر على المطالبة به، بل يشمل فضح عنف الدولة، خصوصاً خلال فترات حظر التجول التي شهدت قتل مدنيين ومجازر.
وأكدت على أن الأكاديميين لم يكتفوا بالمطالبة بالسلام، بل واجهوا السلطة بكشفها، ما أدى إلى ردود فعل قاسية، مشيرة إلى أن العديد من النساء كنّ ضمن هذا الحراك، وتعرض الجميع لانتهاكات جسيمة، فقدوا خلالها وظائفهم وحياتهم المهنية بشكل مفاجئ.
النساء من ضحايا العنف إلى حاملات راية السلام
وأكدت سيفيلاي تشيلينك على أن النساء لم يكن فاعلات في الحروب، بل كن أكثر من عانى من آثارها، مثل التهجير والعنف الجنسي والفقد، مشيرة إلى أن رفض النساء للعنف لا ينبع من "طبيعة أنثوية"، بل من ذاكرة تاريخية مليئة بالمعاناة، جعلت السلام بالنسبة لهن استراتيجية للبقاء.
وأضافت أن هذا الإرث الذي ينتقل عبر الأجيال جعل النساء مدافعات عن السلام والعدالة، وأن تركيز النسويات والناشطات على السلام هو تعبير عن وعي تاريخي بأن النساء كنّ موضوعاً للعنف، منتقدة الربط بين خطاب "حماية الوطن" و"حماية جسد المرأة" في الدول القومية الحديثة، معتبرة أن هذا الربط يُدخل المرأة في ساحة الحرب رمزياً وبيولوجياً، ويجعل جسدها والوطن عرضة للهجوم في آن واحد.
السلام من منظور نسوي... إرث من المعرفة والمقاومة
وشددت على أن تبني النساء لفكرة السلام ليس مجرد خيار سياسي، بل امتداد لتجربة تاريخية من المعاناة والمقاومة، جعلت من السلام استراتيجية حياة، مشيرةً إلى أن الخطاب النسوي للسلام يرتكز على مبادئ مثل المقاومة، حماية الحياة، الدفاع الذاتي، والتضامن الجماعي.
ونوهت إلى أن هذا التوجه نابع من وعي متراكم عبر الأجيال، مشيرة إلى مساهمات مفكرات نسويات مثل سينثيا إنلو، سارا روديك، جوديث باتلر، بيل هوكس، وفرجينيا وولف، اللواتي أسسن إرثاً فكرياً يربط بين النساء والسلام، ويُظهر أن هذا التبني نابع من وعي تاريخي عميق، لا من صدفة ظرفية.
الإعلام السائد وتهميش خطاب السلام
وترى سيفيلاي تشيلينك أن الإعلام التركي السائد لم يكن يوماً منحازاً للسلام، حتى قبل سيطرة حزب العدالة والتنمية عليه، إذ لم يكن خطاب "السلام" جزءاً من لغته عند تناول القضية الكردية، مشيرةً إلى أن الإعلام البديل منذ تسعينيات القرن الماضي سعى لترسيخ مفاهيم مثل "لغة السلام" و"صحافة السلام"، لكنه بقي محصوراً في دوائر ضيقة داخل مشهد إعلامي مجزأ.
واعتبرت أن هذا التهميش المستمر لخطاب السلام يُضعف فرص التغيير الحقيقي، ويجعل الصوت السلمي مجرد صدى في غرف مغلقة، ما يستدعي وقفة تأمل جادة في دور الإعلام ومسؤوليته تجاه السلام.
ونوهت إلى أن ترسيخ السلام في المجتمع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بلغة السلام، مشيرة إلى أن "اجتماعية السلام" تعني إدراك الأفراد والجماعات والمؤسسات أن رفاههم ومصالحهم لا تتحقق إلا في بيئة سلمية، وعند بلوغ هذا الوعي الجماعي، يمكن الحديث عن تجذّر حقيقي للسلام.
وانتقدت غياب هذه اللغة في الحياة اليومية والإعلام، سواء خلال العملية السابقة أو الحالية، مشددة على ضرورة مراجعة الأساليب التقليدية التي لم تعد فعالة، حتى من قبل المطالبين بالسلام أنفسهم. واستشهدت بموقف داخل اللجنة البرلمانية الجديدة، حيث قوبلت شهادات النساء حول العنف والانتهاكات خلال فترات حظر التجول بالرفض، بحجة أنها لا تنتمي إلى "لغة السلام"، مما أثار ردود فعل رافضة.
ولفتت إلى أن مواجهة وقائع العنف والاضطهاد تُعد خطوة جوهرية في مسار السلام، لكنها غالباً ما تُقابل بمقاومة تحتاج إلى تفسير، وتشير إلى أن التعبير عن السلام قد يكون أكثر فاعلية إذا استُمد من لغة العلاقات الشخصية، التي تُشجع على الفهم والتفاهم بدلاً من الاتهام والمواجهة المباشرة.
وأكدت على أن بناء السلام يتطلب مراجعة شاملة لكل ما نعرفه، وإعادة التفكير فيه عبر مسارات التفاوض والنقد، مشددة على أن لغة الحل السلمي يجب أن تتطور لتكون أكثر احتواءً وإقناعاً، تماماً كما يحدث في إصلاح العلاقات الإنسانية المتضررة.