سوسن بيرهات... قائدة الثورة النسائية

كانت سوسن بيرهات ترغب دائماً في أن تعلم الفتيات وتصبحن واثقات من أنفسهن، وفي الوقت نفسه أرادت أن تطور من ذاتها في فن القتال لتصبح أكثر قدرة على تولي المناصب القيادية.

مركز الأخبار ـ تتشابه جغرافيا مدينة عفرين بإقليم شمال وشرق سوريا، مع العديد من المناطق الأخرى مثل ديرسم في شمال كردستان وتبدو بعض المناطق أكثر جمالاً من غيرها، ومن جماليات عفرين التي تضيف بعداً مختلفاً لجغرافيتها هو "جبل كورمانج" المعروف بطبيعتها الغنية.

سوسن بيرهات، الموجود في وسط الحياة الاجتماعية التي تتمحور حول جمال الطبيعة والاتحاد معها، فتحت عينيها على الحياة أمام قمم "جبل كورمانج"، وفي عالم إلهة الخلق بيدوهيبا، نشأت ست شقيقات معاً، ولهذا السبب نشأت بعيداً عن المناهج الجنسية وفي أحضان الطبيعة المباركة، في عائلة مكونة من ستة شقيقات دون أشقاء.

في عام 1992 عندما كانت سوسن بيرهات طفلة، شاركت مع صديقتها أوزغور في أنشطة ثقافية وفنية وشاركتا في فرقة للرقص، وظهرت لأول مرة على خشبة المسرح مع فرقة رقص في قرية Şêx Xorzê في عفرين وشاركت حماسها مع القرويين.

 

التحقت مع صديقتها بالحركة

وعن التحاقها بحركة التحرر الكردستانية تقول عائلة سوسن بيرهات "بعد أن نضجت أصبحت مهتمة بالانضمام إلى حركة التحرر الكردستانية وقد شاركتنا هذه الأمنية، وقلنا أيضاً أننا لن نعرقل محاولة تطويرها لذاتها، وتلقينا قرراها بفرح، عندما ذهبت مع مجموعة من أصدقاءها شاركت ذلك مع القائد عبد الله أوجلان".

وأضافت عائلتها "إنها ثورة شبابنا تأتي عندما يكبرون وترسلهم بعيداً لمواصلة تعليمهم، وفي عام 1996، وقعت مع صديقتها أوزغور، التي كانت منخرطة في الأعمال الفنية عقداً للانضمام إلى صفوف حركة التحرر الكردستانية وانضمتا معاً، كلما طلب منها أصدقاؤها أن تغني لهم تقبل طلبهم بكل سرور وتغني على الفور، وكأنها لا تزال في مجموعة الثقافة والفنون".

 

البراعة في ساحة المعركة

وأوضحت عائلتها أن أولئك الذين لا يفهمون قدسية النار سيحترقون بحرارتها "لقد كانت تعرف سر النار، لذلك كانت تقوم بعملها بمهارة وكانت ناجحة، فقد تعلمت استراتيجيات الحرب بمهارة واستغلت ذلك لصالحها، ومن حلب والشهباء إلى تل تمر، كانت قائدة للوحدات في ساحة المعركة، كل رفاقها الذين قاتلوا تحت قيادتها وتعرفوا عليها أقسموا على السير على خطاها ومتابعة مسيرتها".

وأضافت العائلة "عندما كانت تتحدث مع أصدقائها في المقدمة كانت تتحدث بفعالية، وكانت تؤثر بشكل إيجابي على محيطها، أرادت أن تتابع الفتيات تعليمهن وأن تقصدن الأكاديميات حتى يتم تقوية خطابهن وتصبحن واثقات من أنفسهن، لقد كانت مهتمة بشكل خاص بتنمية قدرات صديقاتها، وباعتبارها امرأة فقد تمكنت من القيام بذلك وحتى شجعتهن على القيام ذلك وركزت في المقام الأول على مبدأ الصداقة، وباعتبارها قائدة سارت على خطى تاريخها الذي جعلها شجاعة ومخلصة وبطلة للحرية".

 

قائدة مقاومة حلب

تقول رفيقتها جيان تولهلدان التي انضمت إلى قافلة الخالدين بعد عام واحد، في مقابلة عن صداقتهما الطويلة الأمد "لقد كان لديها إيمان وجهد كبيرين من أجل إحياء ثقافة الإلهة الأم مرة أخرى في هذه الجغرافيا، وبهذا الإيمان نزلت من جبال كردستان للمشاركة في ثورة روج آفا، لقد كانت مثالاً مثيراً للاهتمام لجميع النساء اللاتي جئن من مختلف بلدان العالم، واللاتي أخذن تجارب الثورة وطبقنها في بلدانهن، ثورة روج آفا هي نتيجة 50 عاماً من عمل المرأة الكردية والتي ازدهرت بفضل المعرفة التي قدمها لنا القائد عبد الله أوجلان، لا يمكن للمرأة أن تبقى بلا جذور"، مشيرةً إلى أن مشاركة المرأة في خطوط عفرين وحلب كانت بقيادة الرفيقة سوسن بيرهات.

 

"لا يمكن تعريف الرفيقة سوسن بالكلمات"

وقالت جيان تولهلدان إن معنوياتها وحماسها جعلا جميع رفاقها يقفون في وجه العقبات، إن القيادة في مثل هذه الأوقات الصعبة تتطلب الإيديولوجية والشجاعة والقوة، ولا يمكن تعريف الرفيقة سوسن بيرهات بالكلمات، "اسألوا أطفال ونساء حي الشيخ مقصود واسألوا العديد من الأماكن، وسترون أنها كانت قائدة وتقف في الصفوف الأولى عندما يتعلق الأمر بالحرب، ولهذا السبب تمكن الناس من الصمود في ظل تلك الصعوبات، في مثل هذه الحالات لا يترك الشعب ثواره بمفردهم".

 

"دائماً ما كانت تقول أنه يتعين تثقيف الشباب جيداً"

وقالت جيان تولهلدان إن الابتسامة والفرح ظاهرتان على وجهها في جميع صورها "الأمل في عينيها لم يتلاشى أبداً ولم تكن تخاف من أي عقاب لأنها كانت مؤمنة وعندما يؤمن الإنسان حتى لو انقلب العالم كله ضده فهو لا يهتم، لقد كانت دائماً تدرب نفسها وتعطي أهمية قصوى للتعليم الذاتي وتبحث عن التجديد، ورغم كل الهجمات بقيت ثابتة وأعطت القوة لجميع النساء من حولها، وذهبت إلى الأكاديميات وقامت بالتدريس عندما كانت تذهب إلى الأكاديميات العامة كانت تشعر بغضب شديد تجاه أصدقائها الذكور، وبعد عودتها كانت تقول (نحن بحاجة إلى العمل بجدية أكبر لتعليم هؤلاء الشباب بشكل جيد)".

وأشارت جيان تولهلدان إلى أن "سوسن بيرهات كانت تقول دائماً أنه لا ينبغي لنا أن نحتفظ بألمنا لأنفسنا بل يجب أن نشاركه مع جميع نساء العالم"، ووصفت رغبتها بهذه الكلمات "حتى مع الثورة من أجل الاعتراف بها، كانت على استعداد لتحمل أي عبء وكانت ترغب دائماً في تحمل العبء الأثقل، لقد نشأت في عائلة كرست كل شيء للثورة، وليس لديها صديقة واحدة لا تعرف والدتها وكانت الرفيقة سوسن أيضاً ابنة والدتها حيث كانت تستقبل الجميع بحرارة، لقد شاهد جميع أصدقاء والدة سوسن وأعجبوا بها، قبل وفاة والدتها قالت لي (أعيدوني إلى عفرين وادفنوني على أرض عفرين)".

 

"إنها مصدر معنويات وقوة لنا"

وقالت المقاتلة في وحدات حماية المرأة محبة كوباني إنها عندما التقت للمرة الأولى بالمقاتلة سوسن بيرهات، شعرت بالإلهام من شجاعتها وتضحياتها "خلال الحرب، أصبح تنسيقها وقيادتها الشجاعة للأنشطة مصدر قوة ومعنويات لجميع من حولها، لقد قلنا نحن النساء أننا يجب أن نكون مثل صديقتنا سوسن في الحرب وفي الحياة ونقاتل مثلها".

وعن قيادة سوسن بيرهات ومسؤوليتها خلال معركة الشيخ مقصود تقول "من زيارة عوائل الشهداء إلى العمل في الخطوط الأمامية، كانت تصل إلى كل مكان وكانت حاضرة في كل مهمة، ونتيجة ذلك أصبحت مشهورة في وقت قصير وأحبها جميع المواطنين خاصة الأمهات".

 

"كانت قوية في مواجهة كل الصعوبات"

كما قدمت المقاتلة في وحدات حماية المرأة فيان بوتان مثالاً من خلال منح النساء المعرفة بجنسهن والشعور بذاتهن، مشيرةً إلى أنهن كمقاتلات كن دائماً تتخذن سوسن بيرهات مثالاً يحتذى به "يجب علينا بناء شخصية قوية مثل شخصية الرفيقة سوسن بيرهات، القادرة على الصمود بقوة في وجه كل الصعوبات".

في 19آب/أغسطس 2021، استشهدت القيادية في وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية سوسن بيرهات والقيادية ريناس روج وثلاثة من رفاقهما، نتيجة قصف للطائرات المسيّرة التابعة للدولة التركية.

 

"كانت تحب الرقص كثيراً"

بدورها قالت إلهام محمد أيضاً إن الكثير من الناس تجمعوا حولها أثناء الجنازة، لذا كان من المدهش أن يستقبلها الناس بهذا القدر الكبير من الحب، مفيدةً أن تشييعها قوبل بالفرح والرقص في حلب، "حملت أمهات الشهداء جثمانها وسرن به في عدد من الأحياء التي دارت فيها المعارك، لقد استقبلوها بالطبول والصنوج لأنها كانت تحب ذلك كثيراً حتى في أصعب الحروب، ولهذا السبب استقبلناها بالطبول والصنوج"، مضيفةً أن أهالي الشهباء حملوها على أكتافهم إلى المقبرة ورقصوا أمام نعشها بقدر ما كانت تحب الرقص.

وأوضحت أنه "لم يصدق أحد أنها لن تعود أبداً، لذلك كانت عيون الجميع ثابتة على التابوت معتقدين أنها ستخرج رأسها منه، لقد كان الأمر بمثابة عصابة على أعين الجميع لأنهم لم يريدوا تصديق ذلك وكثيرون منهم لا يزالون لا يصدقون ولم يعتادوا على غيابها، لقد كانت بمثابة العمود الفقري لهم، لذلك لم يسمحوا لها بالرحيل ولم يريدوا أن يصدقوا ذلك".