خمس سنوات من النزوح وعودة محفوفة بالأمل
رغم استمرار المعاناة، يبقى حلم العودة والاستقرار حياً لدى النازحين المتمسكين بحقهم في الأرض والحياة، وأمينة الظاهر إحدى العائدات إلى قريتها بعد خمس سنوات من النزوح، تجسد بصمودها قصة تحدٍ في وجه الاحتلال التركي.
					سوركل شيخو
زركان ـ تقع قرية تل الورد بين مدينتي تل تمر وزِركان في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، وقد شهدت دماراً واسعاً نتيجة القصف الجوي والهجمات المباشرة التي نفذها الاحتلال التركي، إذ تحولت القرية إلى أكوام من الحجارة بعد أن طالها الاستهداف بلا هوادة.
منذ لحظة نزوحهم ظل سؤال العودة إلى الديار يراود كل أسرة لاجئة من قرية تل الورد، متى سنعود؟ وعلى مدار ست سنوات، جددوا يومياً عهدهم بالعودة الكريمة إلى قراهم.
أمينة الظاهر نازحة عادت قبل ثلاثة أشهر إلى قريتها تل الورد التي هجّرت منها قبل خمس سنوات، ورغم استمرار خطر الاحتلال التركي ومرتزقته، اختارت أسرتها العودة، متحديةً الخوف والدمار، متمسكة بحقها في الحياة على أرضها.
منزلها كحال مئات المنازل في القرية، تعرض لدمار واسع نتيجة القصف والهجمات العنيفة التي شنها الاحتلال التركي، ولا تزال آثار الدمار شاهدة على حجم الانتهاكات التي طالت المدنيين وخرق حقوق الإنسان، ورغم محاولات الاحتلال التركي تدمير البيوت، لم يتمكن من اقتلاع حب الأرض أو منع الأهالي من العودة إلى قريتهم، حيث بقيت جذورهم راسخة في ترابها.
تحدثت أمينة الظاهر عن تفاصيل عودتها وما قامت به، موضحةً أن النزوح كان نتيجة مباشرة لوحشية هجمات الاحتلال التركي "احتلوا أرضنا، قصفوا منازلنا، ولم يتركوا حتى شجرة واحدة في الساحات"، مضيفةً "لقد عدنا قبل ثلاثة أشهر، لكن كل ما رأيناه كان خراباً ودماراً شاملاً".
وبعد أن شاهدت أمينة الظاهر وأسرتها حجم الدمار الذي طال منزلهم، شرعوا في إعادة بنائه باستخدام الطين، في محاولة لاستعادة حياتهم من تحت الركام، شيّدوا غرفتين كخطوة أولى نحو بداية جديدة، تعكس إصرارهم على التمسك بالأرض رغم كل ما مرّوا به.
ووصفت رحلة نزوحها من قرى الآشوريين إلى مخيمات اللاجئين بأنها تجربة قاسية، ونضال يومي لا يحمل اسماً، وتؤكد أن النزوح كان مؤلماً، وأن العودة إلى القرية كانت الخيار الأكثر واقعية.
ولا تزال أرض أمينة الظاهر الزراعية تحت سيطرة الاحتلال التركي، ولم تُزرع منذ ست سنوات، ما أدى إلى انقطاعها عن الزراعة والحياة الطبيعية، وزاد من شعور الفقد والاغتراب "رأيت القذائف تتساقط في كل مكان، أصبحنا بلا مأوى"، مستذكرةً مشاهد الدمار التي عاشتها، لكنها تؤكد أن عائلتها لم تستسلم، بل اختارت المقاومة والاستمرار، وجعلت من العودة إلى قريتها رسالة تحدٍّ في وجه الاحتلال التركي.
ولأن منزلها ليس صالحاً للسكن، شرعت في بناء غرفتين من الطين "عندما أنظر، أرى أن المكان قد دمر بالكامل، بعض القرى تحولت إلى أرض مستوية لا أثر فيها للحياة"، معبرةً عن أملها في أن تنتهي الحرب ويحلّ السلام، حتى لا تضطر مرة أخرى للنزوح أو العيش في ظل الخوف.
وأضافت "أملنا أن نعيد بناء منزلنا ونزرع أرضنا من جديد، فهذا الحلم لا يزال حياً في قلوبنا"، مؤكدةً أن الاحتلال التركي كان السبب في نزوحهم، وفي تدمير منازلهم ونهب أراضيهم "حتى لو مرّت عشر سنوات، فلن يعود كل شيء كما كان، فإعادة إعمار المنازل واستعادة الحياة أمر بالغ الصعوبة، واليوم لا نستطيع حتى شراء نافذة أو باب".
ورغم التحديات، شددت أمينة الظاهر على أن الأمل لا يزال حياً، مشيرةً إلى أن مطلبها ومطلب آلاف النازحين هو إنهاء الحرب والعودة إلى ديارهم "لقد أنهكتنا الحرب، وسوريا غارقة في الصراع منذ سنوات، ولم يعد الناس يعرفون ما الذي يجب عليهم فعله، حلمنا جميعاً هو أن يعمّ السلام ويعود الاستقرار".
وسلّطت أمينة الظاهر الضوء على جانب إنساني مؤلم "الأطفال الذين كانوا رُضّعاً وقت النزوح أصبحوا اليوم في السادسة من عمرهم، لكنهم لا يعرفون أقاربهم، بعد النزوح، تفرّق الجميع في اتجاهات مختلفة، والآن فقط، ومع العودة، بدأنا نتعرف من جديد على بعضنا البعض".
في ختام حديثها، أشارت إلى أن التحديات لا تزال قائمة، من تأمين المياه، إلى إنشاء شبكات الكهرباء وغيرها من الضروريات، مؤكدةً أن حل هذه المشكلات مرتبط بشكل مباشر بخروج الاحتلال التركي ومرتزقته من المنطقة "نعيش وسط معاناة مستمرة، لكن أملنا لا يزال حياً، مطلبنا ومطلب آلاف النازحين، هو أن تنتهي الحرب ويعود الجميع إلى منازلهم".