أطفال بلا هوية وأمهات بلا مأوى... مأساة مستمرة بعد داعش
النساء الإيزيديات اللواتي أنجبن بعد مأساة الأسر لا يزلن محرومات من أبسط حقوق الحياة الطبيعية، ويجب العمل على تعديل قانوني يضمن منح أطفالهن الهوية الرسمية والاعتراف الكامل بحقوقهم.

هيلين أحمد
السليمانية ـ رغم مرور 11 عاماً على إبادة الإيزيديين، لا تزال النساء الناجيات يعانين من الإهمال القانوني والنفسي، ويُحرم أطفالهن من الهوية والعيش الكريم بسبب غياب الاعتراف الرسمي، والدعم الحكومي لا يرقى لمستوى المأساة، والحملات التعريفية لم تُنفذ، ما يترك الأمهات وأطفالهن في عزلة وظروف قاسية.
تُعد الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث، خصوصاً تلك التي ارتكبت بحق النساء، فقد كشف هذا الحدث المفجع عن خلل كبير في المنظومة القانونية والحقوقية، سواء داخل العراق أو في المجتمع الدولي، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على تلك الفظائع، لا تزال الإيزيديات يدفعن ثمن صمت العالم وتقصيره في إنصافهن.
"النساء الإيزيديات بحاجة إلى تعديل قانوني لنيل حقوقهن"
في هذا السياق، قالت المحامية والناشطة الحقوقية جشە دارا حفید أن الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون كشفت عن خلل كبير في حقوق الإنسان، ما دفع المجتمع الدولي إلى إدانتها، لافتةً إلى أن الإيزيديات كن ضحايا لانتهاكات جنسية مروعة "مرت 11 سنة على تلك الجرائم، لكن حتى الآن لم يُحاسب أي عنصر من داعش على جرائم الاغتصاب أمام المحاكم، بينما يُعاقبون فقط على القتل، رغم أن هذه الجرائم تمثل انتهاكاً خطيراً للتاريخ الإنساني".
وأفادت أنه "على المستوى الدولي، لم تتخذ الدول التي تتحدث عن حقوق الإنسان أي موقف جاد للمطالبة بحقوق النساء الإيزيديات، رغم أن بعض مواطنيها شاركوا في تلك الجرائم، ليست العراق وحدها التي عليها تحمل مسؤولية حقوق الإيزيديين، بل العالم كله مسؤول، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب على يد داعش".
وأضافت "الكثير من النساء لا يستطعن العودة إلى أسرهن بسبب إنجابهن أطفالاً من مرتزقة داعش، وهؤلاء الأطفال بلا آباء معترف بهم، ما يجعل المجتمع الإيزيدي يرفضهم، لذلك تُجبر النساء على العيش بعيداً عن عائلاتهن في ظروف قاسية، فقط ليتمكنّ من تربية أطفالهن، بعضهن يتركن أطفالهن على الحدود دون معرفة مصيرهم، كما أن هؤلاء الأطفال يعيشون بلا هوية رسمية".
وقالت جشە دارا حفید "منذ عام 2018، أطلقنا حملة للتعريف بهؤلاء الأطفال، بهدف منحهم وثائق رسمية تحمل اسم الأم، كي لا يُحرموا من حقوقهم في المستقبل، هذا يتطلب تعديلاً قانونياً، لكن في العراق تُسن القوانين من منظور حقوق الإنسان، ما يجعل الحل ممكناً".
وأوضحت "بعد الحرب العالمية الثانية، في بعض الدول، مُنح الأطفال الذين وُلدوا نتيجة اغتصاب من عناصر مسلحة وثائق باسم أمهاتهم، ليعيشوا حياة طبيعية، أما في العراق، فالقانون يخصص مبلغاً مالياً ضئيلاً للنساء الناجيات من داعش، لا يكفي لتأمين احتياجاتهن الأساسية، ولا يشمل دعماً حقيقياً لحياتهن اليومية".
"لم يُحاسبوا على جرائم الإبادة والاعتداءات الجنسية ضد الكرد"
وشددت جشە دارا حفید على ضرورة عمل البرلمان العراقي على تعديل القوانين لضمان الحقوق الأساسية للنساء الإيزيديات، كما يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه هؤلاء النساء والأطفال، يمكن للمحاكم الدولية أن تُحاسب مرتكبي هذه الجرائم، وتمنح النساء حقوقهن.
وأفادت أنه "حتى الآن، لم يُحاسب أي من مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ضد الكرد، مثل نظام صدام حسين الذي لم يُعاقب على جريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية، بل عوقب على جرائم أخرى أقل شأناً، لذا، يجب على الكرد أن يسعوا لمحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة والاعتداءات الجنسية، لأن ذلك جزء من إثبات وجودهم كأمة".
في ختام حديثها، شددت جشە دارا حفید على أهمية تنظيم النساء لأنفسهن من أجل نيل حقوقهن، ودعت المواطنين، خاصة النساء، إلى تشكيل ضغط جماهيري على الحكومات، والمطالبة بحقوقهم عبر المجتمع الدولي، حتى لا تتكرر هذه الجرائم في المستقبل.