شبكات التواصل الافتراضي في أفغانستان... صوت الشعب أم منبر طالبان

في بلدٍ مُقيد فيه الإعلام، تُعَدّ شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة النَفَس الأخير للحقيقة، ولكن هل جميع المستخدمين على طريق الوعي؟ أم أن بعضهم، بوعي أو بغير وعي، أصبحوا لسان حال طالبان؟ الخط الفاصل بين المقاومة والخيانة على بُعد نقرة واحدة.

بهاران لهيب

أفغانستان ـ لعبت شبكات التواصل الافتراضي دوراً أساسياً في المجتمعات البشرية، ففي البلدان التي تحكمها سلطات استبدادية، أصبحت هذه المساحة إحدى الطرق القليلة للتعبير عن الآراء وكشف الحقائق، ويواصل العديد من النشطاء، مستخدمين أسماء مستعارة، نضالهم لرفع مستوى الوعي وكشف الانتهاكات من خلال هذه المنصة.

وفقاً لتقرير "جمعية الفكر" لعام 2023، ينشط حوالي 10% من الأفغان على شبكات التواصل الافتراضي، ويُعَدّ فيسبوك الأكثر استخداماً، وأكثر المستخدمين نشاطاً في هذا المجال هم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، وفي دراسة أجرتها التعاونية الأفغانية الألمانية عام 2014، أشار غالبية الخبراء السياسيين ونشطاء المجتمع المدني والإعلاميين إلى الدور الإيجابي لشبكات التواصل الافتراضي في رفع مستوى الوعي بين الأهالي.

كما أشارت هذه الدراسة إلى أن مستخدمي شبكات التواصل الافتراضي في أفغانستان هم في الغالب من الرجال، لأنه بسبب هيمنة الثقافة الأبوية، تُحرم العديد من النساء من الوصول إلى هذا المجال أو الحصول على إذن لاستخدامه، وخاصة في أفغانستان، بعد سيطرة طالبان، واجهت وسائل الإعلام المحلية قمعاً شديداً وسجناً لأعضائها وحالات اختفاء وتعذيب وقتل وعشرات الجرائم الأخرى، حيث اضطرت العديد من وسائل الإعلام إلى الترويج لصالح طالبان فقط، ومع ذلك، اكتسبت شبكات التواصل الافتراضي مكانة بين الشعب الأفغاني يوماً بعد يوم وأصبحت أداة مهمة للتعبير عن الواقع.

لم تُستثنَ طالبان من هذا السياق أيضاً، حيث يستخدم قادتها موقع "أكس" على نطاق واسع لنشر آرائهم وقواعدهم ودعايتهم، والأمر الأكثر إيلاماً هو وجود بعض الشباب الأفغانيين على اليوتيوب، الذين أصبحوا منصات دعائية لطالبان، من خلال إجراء مقابلات مع الباعة الجوالين وعامة الناس، يحاول هؤلاء الأشخاص رسم صورة زائفة عن الرضا العام، وغياب الفقر والبطالة والجريمة، وتصوير أفغانستان كملاذ آمن، كما يكسبون آلاف الدولارات شهرياً من هذا.

من ناحية أخرى، ينسجم مستخدمو يوتيوب الأجانب، وخاصة الإيرانيون الذين سافروا إلى أفغانستان، مع مستخدمي يوتيوب الأفغان في الترويج للأمن والهدوء في ظل حكم طالبان، دون أن يصوروا حقيقة وضع المرأة والشعب، وعندما يُسألون، يقولون بلا مبالاة "نعلم وضع الشعب الأفغاني، ولكن لأننا نريد مواصلة عملنا، لا نتحدث عن مشاكل الناس"، بل يقول البعض "لأننا نخطط للعودة إلى أفغانستان وكسب دخل مرتفع، لا نتحدث عن اضطهاد المرأة".

في هذه الأثناء، بدلاً من كشف جرائم طالبان ومعاناة الشعب، يسعى بعض مستخدمي يوتيوب الأفغان، داخل البلاد وخارجها، إلى جذب الانتباه والشهرة بالسخرية من أنفسهم وإهانة الآخرين، ويرى الجمهور هذا السلوك بمثابة موافقة ضمنية على أفعال طالبان.

هؤلاء، طوعاً أو كرهاً، متواطئون في الجرائم المستمرة في أفغانستان بصمتهم وتعاونهم غير المباشر، في المقابل، هناك شباب ملتزمون، فتيان وفتيات، يستخدمون الفضاء الإلكتروني لرفع مستوى الوعي وكشف جرائم طالبان، وللأسف، تعرض الكثير منهم للاعتقال والسجن.

وعلى الرغم من أن العديد من الأفغان ما زالوا محرومين من الوصول إلى الإنترنت، إلا أن شبكات التواصل الافتراضي أصبحت أداة فعّالة لرفع مستوى الوعي، ويستخدم الأفغان المثقفون هذه المساحة لرفع مستوى وعي الناس والحفاظ على صوت الإعلام المكتوم حياً.

في بلد مثل أفغانستان، حيث أُجبر الإعلام الرسمي على الصمت، أصبحت شبكات التواصل الافتراضي إحدى الأدوات القليلة المتبقية للتعبير عن الحقائق وحماية حقوق الشعب، خاصة النساء، لكن هذا الفضاء يتطلب أيضاً يقظة والتزاماً أخلاقياً ومسؤولية من المستخدمين، فالصمت في وجه الظلم تعاون مع الظالم؛ لذلك، يجب على كل من لديه إمكانية الوصول إلى هذه الأداة أن يعلم أن عليه مسؤولية تاريخية وإنسانية كبيرة.